المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌باب المبتدأ والخبر

ورتبة المضاف في التعريف كرتبة ما أضيف إليه، فـ (سيرةُ عمرَ رضي الله عنه حميدةٌ) في رتبة العلم. (وعملُ هذا الصانِع متقن) في رتبة الإشارة (ولا تصغ إلى وعدِ مَنْ لا يفي) في رتبة الموصول. و (عاقبةُ الصبرِ محمودة) في رتبة ذي الأداة، ولا يستثنى من ذلك إلا المضاف إلى الضمير فليس في رتبة المضمر، وإنما هو في رتبة العلم - على القول الصحيح الذي اختاره ابن هشام في شرح الشذور (1) - بدليل أنك إذا قلت: مررت بخالد صاحبِك أعربت (صاحبِك) نعتاً لـ (خالد) ، وهو علم. فلو كان المضاف إلى الضمير في رتبة الضمير لكانت الصفةُ أعرفَ من الموصوف؛ لأن الضمير أعرف من العلم، وهذا لا يجوز. فدل على أن المضاف إلى الضمير في رتبة العلم.

والقول الثاني أن ما أضيف لمعرفة فهو في رتبتهما حتى الاسم المضاف للضمير فهو في رتبة الضمير، وليس في رتبة العلم، لأن الأنسب أن تكون الصفة التي سيقت للإيضاح - كما في المثال المذكور - أعرف من الموصوف العلم. ثم إنه لا يلزم إعراب (صاحبك) صفة. بل يجوز كونه بدلاً أو عطف بيان. وهذا القول وجيه في نظري، والله أعلم. (2)

‌باب المبتدأ والخبر

قوله: (المُبْتَدَأ والْخَبَرُ مَرْفُوعانِ: كالله رَبُّنا، ومُحمَّدٌ نَبِيُّنا) .

المبتدأ قسمان:

1-

مبتدأ له خبر، وهو الغالب.

2-

مبتدأ له مرفوع سد مسد الخبر، وسيأتي إن شاء الله.

(1) شرح الشذور ص (156) .

(2)

انظر حاشية الصبان (1/107) الحاشية العصرية على شرح الشذور ص (400) .

ص: 93

والمبتدأ اسم (1) في أول جملته غالباً مجرد عن العوامل اللفظية (2) نحو: ربنا. فلفظ الجلالة اسم جاء في أول الجملة، لم يدخل عليه عامل لفظي كحرف جر أصلي، أو فعل أو غيرهما فيكون مبتدأ، أما نحو: في الدار رجل، فليست كلمة (الدار) مبتدأ؛ لوجود العامل اللفظي وهو حرف الجر (في) ، وشرط المبتدأ أن يتجرد من العامل اللفظي، فالجار والمجرور خبر مقدم. و (رجل) مبتدأ مؤخر، لأنه تجرد عن العوامل اللفظية.

وأما الخبر فهو: المسند الذي تتم به مع المبتدأ فائدة (3) نحو: العلم نافع. فـ (نافع) مسند تمت به مع المبتدأ وهو (العلم) فائدة. فيكون خبراً.

وخرج بهذا التعريف فاعل الوصف - كاسم الفاعل مثلاً - نحو: أقائم خالد؟، فإنه وإن تمت به مع المبتدأ فائدة، لكنه مسند إليه لا مسند. وخرج بقولنا:(مع المبتدأ) . نحو انتصر. في قولك: انتصر الحق، فإنه وإن كان مسنداً تمت به الفائدة لكن ليس مع مبتدأ، بل مع الفاعل.

(1) قد يكون الاسم صريحًا وهو ما لا يحتاج في اسميته إلى تأويل وهو الغالب نحو: الكتاب جديد، وقد يكون مؤولاً وهو المصدر المسبوك من (أن) المصدرية نحو:(وأن تصوموا خير لكم) . أي: وصومكم خير لكم.

(2)

يستثنى من العامل اللفظي حرف الجر الزائد والشبيه بالزائد فإنه يدخل على المبتدأ فإذا قلت: هل من رجل موجود. فـ (رجل) مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. ونحو، رب رجل قائم. رجل: مبتدأ. كما في الذي قبله. ولا أثر للحرفين (من) و (رب) لأن المبتدأ تجرد عن العوامل الأصلية.

(3)

هذا هو الأصل والغالب أن الخبر يتمم بنفسه الفائدة مع المبتدأ، لأن المبتدأ محكوم عليه. والخبر محكوم به كما في الأمثلة. وقد يتممها أحياناً بمساعدة لفظ آخر كالنعت في مثل قوله تعالى:{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} فإن معنى الخبر (قوم) معلوم. والذي تمم الفائدة الأساسية هو النعت بعده.

ص: 94

وحكم المبتدأ والخبر الرفع. ورافع المبتدأ عامل معنوي، وهو الابتداء. وهو وجود المبتدأ في أول الجملة لا يسبقه شيء، ورافع الخبر عامل لفظي، وهو المبتدأ مثل: القرآن شفاء. فـ (القرآن) مبتدأ مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة (شفاء) خبر مرفوع بالمبتدأ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.

قوله: (ويَقَعُ المُبْتَدَأُ نَكِرَةً إنْ عَمَّ أَوْ خَصَّ نَحْوُ مَا رَجُلٌ في الدَّارِ، و {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} (1) ، و {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (2) وخَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ الله) (3) .

الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة؛ لأن المبتدأ محكوم عليه والخبر هو الحكم. كقولك: خالد حاضر. ولا يجوز الحكم على مجهول، لعدم الفائدة، فلا تقول: طالب مجتهد.

ويصح وقوع المبتدأ نكرة إذا أفادت. وتحصل الفائدة بأمرين:

الأول: أن تكون النكرة عامة لكل فرد من أفراد الجنس، سواء كانت عامة بنفسها، نحو: كلٌ يموت، أو بغيرها

نحو: ما رجل في الدار. لأن النكرة في سياق النفي تعم. وكقوله تعالى: {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} (4) لأن النكرة في سياق الاستفهام تعم. و (إله) مبتدأ (ومع الله) خبر.

الثاني: أن تكون خاصة في فرد من أفراد الجنس نحو: نومٌ مبكرٌ أفضلُ من سهر، ومنه قوله تعالى:{وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (5) فالمتبدأ (عبد) خاص؛ لأنه وُصِفَ فحصلت به فائدة ليست للعبد الذي لم يوصف. وكقوله صلى الله عليه وسلم: " خمس صلوات كتبهن الله " فالمبتدأ (خمس) خاص؛ لأنه أضيف فاتضح المراد من الخمس التي كُتِبَتْ وأنها خمس صلوات. و (كتبهن الله) خبر.

(1) سورة النمل، آية:60.

(2)

سورة البقرة، آية:221.

(3)

انظر الموطأ للإمام مالك رحمه الله (1/123) .

(4)

سورة النمل، آية:60.

(5)

سورة البقرة، آية:221.

ص: 95

قوله: (وَالْخَبَرُ جُمْلَةٌ لَهَا رَابطٌ كَزَيْدٌ أَبُوهُ قائمٌ، {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (1) ، {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} (2) ، وزَيْدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ، إِلَاّ في نحوِ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3)) .

الخبر ثلاثة أنواع:

1-

مفرد: وهو ما ليس جملة ولا شبه جملة، نحو: العلم نافع. المشي مفيد.

2-

جملة: وهي ما تألفت من مسند ومسند إليه.

3-

شبه جملة: وسيأتي.

أما الجملة فهي إما اسمية أو فعلية:

فالاسمية نحو: الإسلام رايته عالية. فـ (الإسلام) مبتدأ أول مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الضمة. (رايته) مبتدأ ثان. والهاء مضاف إليه (عالية) خبر المبتدأ الثاني مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول. (4)

والفعلية نحو: الصدق يهدي إلى البر، فـ (الصدق) مبتدأ (يهدي) فعل مضارع. وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره:"هو" يعود إلى (الصدق) والجملة خبر.

وإذا وقعت الجملة خبراً فلا تخلو: إما أن تكون نفس المبتدأ في المعنى أو لا، فإن كانت نفس المبتدأ في المعنى لم تحتج إلى رابط يربطها بالمبتدأ نحو: حديثي العملُ ثمرةُ العلمِ. فـ (حديثي) مبتدأ أول، والياء مضاف إليه، و (العمل) مبتدأ ثان، و (ثمرة العلم) خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول.

(1) سورة الأعراف، آية:26.

(2)

سورة الحاقة، آية:2.

(3)

سورة الإخلاص، آية:1.

(4)

إذا كان الخبر جملة اسمية فلابد من اشتمال الكلام على مبتدأ أول ومبتدأ ثان.

ص: 96

فهذه الجملة الواقعة خبراً عن المبتدأ (حديثي) مطابقة له في المعنى لأن الحديث هو: العملُ ثمرةُُ العلم، والعملُ ثمرةُ العلم هو: الحديث، ومنه قوله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) فـ (هو) مبتدأ. و (الله أحد) مبتدأ وخبره. والجملة خبر المبتدأ الأول. وهي مرتبطة به لأنها نفسه في المعنى. (2)

فإن لم تكن جملةُ الخبر نفسَ المبتدأ في المعنى فلا بد فيها من رابط يربطها بالمبتدأ، لتكون شديدة الاتصال بالمبتدأ. ولولا الرابط لكانت أجنبية. لأن الأصل في الجملة أنها كلام مستقل. فإذا جاء الرابط عُلِمَ أنها خبر للمبتدأ. وهذا الرابط أنواع:

1-

الضمير العائد على المبتدأ. وهو أصل الروابط وأقواها، نحو: المجتهد يفوز بغايته، فـ (المجتهد) : مبتدأ، وجملة (يفوز بغايته) خبر، والهاء هي الرابط، ونحو: خالد أبوه قائم. فـ (خالد) مبتدأ و (أبوه قائم) مبتدأ وخبره. والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الهاء قال تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (3) فـ (المطلقات) مبتدأ ((يتربصن)) فعل وفاعل خبر.والرابط نون الإناث.

2-

الإشارة إلى المبتدأ نحو: الاجتهاد ذلك أساس النجاح، فـ (الاجتهاد) مبتدأ أول (ذلك أساس النجاح) مبتدأ وخبره. والجملة خبر المبتدأ الأول، والرابط اسم الإشارة العائد على المبتدأ الأول.

(1) سورة الإخلاص، آية:1.

(2)

هذا الإعراب على أن (هو) ضمير الشأن أو الحديث أو الخبر أي: الحديث الحق الله أحد. والوجه الثاني: (هو) مبتدأ، بمعنى المسؤول عنه، لأن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك؟ فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} رواه الترمذي وحسنه الألباني. ولفظ الجلالة خبره و (أحد) بدل أو خبر لمبتدأ محذوف أو خبر بعد خبر.

(3)

سورة البقر، آية:228.

ص: 97

ومنه قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (1) فـ (لباس) مبتدأ أول (التقوى) مضاف إليه. و (ذلك خير) مبتدأ وخبره، والجملة خبر المبتدأ الأول. والرابط اسم الإشارة العائد على المبتدأ الأول.

3-

إعادة المبتدأ بلفظه. وأكثر ما يكون ذلك في مواضع التفخيم نحو الإخلاصُ ما الإخلاصُ؟ ـ (الإخلاص) مبتدأ أول (ما الإخلاص) مبتدأ وخبر، والجملة خبر المبتدأ الأول، ومنه قوله تعالى:{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} (2) أو التهويل نحو: الحربُ ما الحربُ؟ ومنه قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} (3) فـ (الحاقة) مبتدأ أول (ما الحاقة) مبتدأ وخبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، والرابط بينهما إعادة المبتدأ بلفظه.

4-

أن يكون الرابط عمومًا يدخل تحته المبتدأ، نحو: الوفيُّ نعم الرجل، فـ (الوفي) مبتدأ و (نعم الرجل) فعل وفاعل، والجملة خبر المبتدأ. والرابط بينهما العموم. وذلك لأن (ال) في (الرجل) للعموم. و (الوفي) فرد من أفراده، فدخل في العموم فحصل الربط.

قوله (وَظَرْفاً مَنْصُوباً نحْوُ: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} (4) وجاراً ومَجْرُوراً كـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5) وتَعَلُّقُهُمَا بِمسْتَقرٍ أو اسْتَقَرَّ مَحْذُوفَيْنِ) .

هذا القسم الثالث من أقسام الخبر وهو شبه الجملة (6) والمراد به: الظرف بنوعيه - الزماني والمكاني - والجار والمجرور، وشرط الإخبار بهما حصول الفائدة.

(1) سورة الأعراف، آية:26.

(2)

سورة الواقعة، آية:27.

(3)

سورة الحاقة، آية:2.

(4)

سورة الأنفال، آية:42.

(5)

سورة الفاتحة، آية:2.

(6)

أطلق على الظرف والمجرور (شبه الجملة) لأنهما أشبها الجملة في كونهما متعلقين بالفعل أو ما يشبهه وأنه لا يتم معناهما إلا بذلك.

ص: 98

مثال ظرف الزمان: الصومُ يومَ الخميس، فالصوم مبتدأ (يوم) ظرف منصوب متعلق بمحذوف خبر، (الخميس) مضاف إليه.

ومثال ظرف المكان: المسجدُ أمامَ المنزل، فـ (المسجد) مبتدأ (أمام) ظرف منصوب متعلق بمحذوف خبر، (المنزل) مضاف إليه.

ومثال الجار والمجرور: الكتاب في الحقيبة، فـ (الكتاب) مبتدأ (في الحقيبة) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر.

والمشهور عند النحاة أن الخبر هو المتعلَّقُ المحذوف. فيقدر فعلاً نحو استقر، أو اسماً نحو: مستقر. (1) ومن أمثلة الظرف قوله تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} (2) فـ (الركب) مبتدأ (أسفل) ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف خبر تقديره (كائن) أو (مستقر)(منكم) متعلق بـ (أسفل)، ومن أمثلة الجار والمجرور: قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) فـ (الحمد) مبتدأ و (لله) جار ومجرور متعلق بحذوف خبر، تقديره (كائن) أو (مُسْتَحَقٌ)(ربِّ) صفة للفظ الجلالة، (العالمين) مضاف إليه مجرور بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

قوله: (وَلَا يُخْبَرُ بالزَّمانِ عَنِ الذَّات، واللَّيْلَةَ الهِلَالُ مُتَأوَّلٌ) .

(1) هناك قول آخر وهو أن الخبر الظرف والجار والمجرور، لأنهما يتضمنان معنى صادفاً على المبتدأ فيكونان في محل رفع خبر. وهذا رأي وجيه. وفيه تيسير ولاسيما على المبتدئين.

(2)

سورة الأنفال، آية:42.

(3)

سورة الفتحة، آية:2.

ص: 99

يقع اسم الزمان خبرًا عن اسم المعنى، نحو: الصوم غدًا. ولا يقع خبرًا عن اسم الذات (1) نحو: محمد اليوم، لعدم الإفادة. لأن من شأن الذوات الاستمرار في جميع الأزمنة المقدرة لوجودها. فلا فائدة في الإخبار عنها بزمن مخصوص. بخلاف الأمكنة. كما سيأتي.

وأما قولهم: (الليلةَ الهلالُ) . مما ظاهره الإخبار باسم الزمان عن اسم الذات، فهو موؤل على حذف مضاف هو اسم معنى، أي: الليلةَ طلوعُ الهلالِ، أو رؤية الهلال. فـ (الليلة) خبر مقدم، و (الهلال) مبتدأ مؤخر على حذف مضاف.

وسكت المصنف رحمه الله عن اسم المكان لأنه يقع خبرًا عن الذات، نحو: الكتاب أمامك. وعن اسم المعنى، نحو: الاجتماع عندك.

قوله: (وَيُغْنى عَنِ الْخَبَرِ مَرْفُوعُ وصفٍ مَعْتَمِدٍ عَلَى اسْتِفْهَامٍ أوْ نَفْيٍ نَحْوُ: أَقاطِنٌ قوْمُ سَلْمَى، وما مَضْروبٌ الْعَمْرانِ) .

تقدم أن المبتدأ قسمان: مبتدأ له خبر، وقد مضى الكلام عليه، ومبتدأ له مرفوع أغنى عن الخبر. وهو المذكور هنا. (2)

والمراد به: كل وصف مستغنٍ بمرفوعه في الإفادة وإتمام الجملة، والوصف: ما دل على معنى وصاحبه، كاسم الفاعل، واسم المفعول. وشرطه هنا: أن يُسْبَقَ بنفي أو استفهام. على القول المشهور.

(1) المراد باسم الذات هو الجسم الذي نحسه بالبصر أو بغيره من الحواس كالإنسان والشجرة والقلم والكتاب والهلال

واسم المعنى: هو الأمر المفهوم غير المحسوس كالعلم والأدب والصوم ونحو ذلك.

(2)

القسمان يتفقان في التجرد عن العوامل اللفظية. وأن العامل فيهما معنوي وهو الابتداء. ويفترقان في أن المبتدأ الذي له خبر قد يكون اسمًا صريحًا وهو الغالب وقد يكون مؤولاً - كما تقدم - أما المبتدأ المستغني بمرفوعه فلا يكون إلا صريحًا. كما أنه لابد أن يعتمد على نفي أو استفهام. - كما سنذكر - بخلاف الأول فلا يشترط فيه شيء من ذلك.

ص: 100

فمثال النفي: ما نافع الكذب، ما محبوب المغتاب. فـ (ما) نافية و (نافع) مبتدأ و (الكذب) فاعل سد مسد الخبر، و (ما محبوب) كالذي قبله. (المغتاب) نائب فاعل سد مسد الخبر.

ومثال الاستفهام: أحاضر الضيف؟ أمكتوب الواجب؟، ومنه قوله الشاعر:

أقاطنٌ قومُ سلمى أم نووا ظَعَنَا ......إن يظعنوا فعجيبٌ عيشُ من قَطَنَا (1)

فـ (قاطن) مبتدأ. (قوم) فاعل سد مسد الخبر. وقد اعتمد على الاستفهام وهو الهمزة.

ومثل المصنف بمثالين، لبيان أنه لا فرق بين أن يكون الوصف رافعًا للفاعل، أو لنائب الفاعل (2) .

قوله: (وَقَدْ يَتَعَدَّدُ الْخَبَرُ نحْوُ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} (3)) .

يجوز تعدد الخبر لمبتدأ واحد، لأن الخبر وصف للمبتدأ في المعنى، والنعت يجوز تعدده، فكذا ما هو بمنزلته. والتعدد نوعان:

(1) أقاطن: أي أمقيم. من قطن: إذا أقام، ظعنا: بفتح الظاء والعين هو الارتحال. وقوله: (إن يظعنوا

إلخ) أي أنه لا يطيق الحياة بعد ارتحالهم.

إعرابه: (أقاطن قوم سلمى) أعرب في الأصل. (أم) حرف عطف (نووا) فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره المحذوف للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهوره التعذر، والواو فاعل. (ظعنا) مفعول به (إن) حرف شرط جازم (يظعنوا) فعل مضارع فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون. والواو فاعل. (فعجيب) الفاء واقعة في جواب الشرط و (عجيب) خبر مقدم (عيش) مبتدأ مؤخر. وهو مضاف و (من) اسم موصول مضاف إليه مبني على السكون في محل جر (قطنا) فعل ماض مبني على الفتح. والألف للإطلاق. والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره (هو) يعود على (من) والجملة لا محل لها صلة. وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط.

(2)

ضابط ذلك: أنه إن كان الوصف اسم فاعل فما بعده فاعل. وإن كان اسم مفعول فما بعده نائب فاعل.

(3)

سورة البروج، آية:14.

ص: 101

1-

أن يتعدد لفظاً ومعنى. وعلامة هذا النوع صحة الإخبار بكل خبر على انفراده. نحو: معهدُنا علميٌّ أدبيٌ، ومنه قوله تعالى:{وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} (1) فـ (هو) مبتدأ و (الغفور) خبر أول و (الودود) خبر ثان، وقد تعدد الخبر في اللفظ والمعنى. وإذا استعمل هذا النوع بالعطف جاز اتفاقًا.

2-

أن يتعدد لفظًا لا معنى، وعلامة هذا النوع عدم صحة الإخبار بكل خبر على انفراده، لقيام الخبر المتعدد مقام خبر واحد نحو: هذا البرتقال حلوٌ حامض. أي متوسط بين الحلاوة والحموضة، ولا يجوز الإخبار بكل خبر على انفراده؛ لأنه لا يتم المعنى المراد، ولا يجوز العطف؛ لأن المجموع بمنزلة الخبر الواحد في المعنى.

قوله: (وَقَدْ يَتَقَدَّمُ نحْوُ: في الدَّار زَيْدٌ، وأَيْنَ زَيْدٌ) .

اعلم أن الأصل تأخر الخبر عن المبتدأ؛ لأنه وصف له في المعنى، فاستحق التأخير كالوصف. وقد يتقدم على المبتدأ إما جوازاً وإما وجوباً.

أما التقدم الجائز فضابطه: ألا يوجد في الكلام ما يوجب التقدم ولا ما يوجب التأخر. نحو: في الدار زيد. بتقديم الخبر، ويجوز تأخره على الأصل، نحو: زيد في الدار.

وأما التقدم الواجب ففي أربعة مواضع:

1-

أن يكون المبتدأ نكرة ليس لها مسوِّغ إلا تقدم الخبر، وهو ظرف أو جار ومجرور، نحو: في الإيجاز بلاغةٌ، عندي ضيفٌ. ولو أخر الخبر فقيل: بلاغةٌ في الإيجار، ضيفٌ عندي، لتوهم السامع أنه صفة لا خبر، لأن النكرة أحوج إلى الصفة منها إلى الخبر، ولبقي ينتظر الخبر.

فإن كان للنكرة مسوِّغ جاز التقديم والتأخير، نحو: رجلٌ عالمٌ عندي، ويجوز: عندي رجلٌ عالمٌ.

2-

أن يكون في المبتدأ ضمير يعود على بعض الخبر، نحو: لِمجالس العلم روادها، فالضمير في المبتدأ (روادها) يعود على بعض الخبر، وهو كلمة (مجالس) ، ولو أخر الخبر لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهو ممنوع هنا.

(1) سورة البروج، آية:14.

ص: 102

3-

أن يكون الخبر له صدر الكلام في جملته (1) نحو: أين زيد (2) ؟ فـ (أين) خبر مقدم (زيد) مبتدأ مؤخر.

4-

أن يكون الخبر محصورًا بـ (إنما) أو بـ (إلا) نحو: إنما القائد خالد، ما الهادي إلا الله، ففي الأول: قصرُ صفة القيادة على خالد، فالمحكوم عليه هو (خالد) وهو المتأخر والمحكوم به وهو صفة القيادة هو المتقدم، فـ (إنما) أداة حصر (القائد) خبر مقدم (خالد) مبتدأ مؤخر، وفي الثاني: قصرُ صفةِ الهداية على الله تعالى، فـ (ما) نافية (الهادي) خبر مقدم. (إلا) أداة حصر (الله) مبتدأ مؤخر.

قوله: (وَقَدْ يُحْذَفُ كُلٌّ مِنَ المُبْتَدَأ والْخَبرِ نَحْوُ: {سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} (3) أَيْ عَلَيْكُمْ أَنْتُمْ) .

بحذف كل من المبتدأ والخبر إذا دل عليه دليل، ولم يتأثر المعنى بحذفه.

فمثال حذف الخبر أن يقال: من عندك؟ فتقول: خالد. التقدير: خالد عندي، ومنه قوله تعالى:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} (4) فـ (ظلها) مبتدأ، وخبره محذوف دل عليه ما قبله، أي: وظلها دائم.

وأما حذف المبتدأ فيكثر في المواضع الآتية:

(1) الألفاظ التي لها الصدارة هي: أسماء الاستفهام والشرط و (ما) التعجبية و (كم) الخبرية فإذا وقعت مبتدأ وجب تقديمه. وما وقع منها خبرًا وجب تقديمه أيضًا.

(2)

الذي يميز اسم الاستفهام الواقع مبتدأ أو خبراً هو جواب الاستفهام فإذا قيل في الجواب: زيد في المسجد. فـ (في المسجد) تقابل (أين) فدل على أنها خبر.

(3)

سورة الذاريات، آية:25.

(4)

سورة الرعد، آية:35.

ص: 103

1-

في جواب الاستفهام، نحو: كيف الحال؟ فتقول: حسن. التقدير: الحال الحسن. ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} (1) أي: هي نار الله.

2-

بعد (فاء) الجزاء، نحو: من أخلص في عمله فلنفسه. أي: فإخلاصه لنفسه. ومنه قوله تعالى: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} (2) أي فالإبصارُ لنفسه، والعمى عليها.

3-

بعد القول، كقوله تعالى:{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} (3) أي: هو أساطير الأولين.

وقد اجتمع حذف كل منهما وبقاء الآخر في قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} (4) ، فـ (سلام) مبتدأ حذف خبره، أي: سلام عليكم. و (قوم) خبر حذف مبتدؤه، أي: أنتم قوم.

قوله: (وَيَجِبُ حَذْفُ الْخَبَرِ قَبْلَ جَوَابَيْ لَوْلَا، والْقِسَمِ الصَّرِيحِ، والْحَالِ المُمْتَنِع كَوْنُها خَبَراً، وبَعْدَ وَاوِ المُصَاحَبَةِ الصَّرِيحَةِ نَحْوُ: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} (5) ، ولَعُمْرُكَ لأَفْعَلَنَّ، وضَرْبِي زَيَداً قائماً، وكُلُّ رَجُلٍ وضَيْعَتُهُ) .

يجب حذف خبر المبتدأ في أربع مسائل:

(1) سورة الهمزة، آية: 4، 5 و (ما) اسم استفهام مبتدأ و (أدري) فعل ماضٍ مبني على الفتح مقدر على الألف للتعذر، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول، وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره (هو) يعود على (ما) ، والجملة خبر المبتدأ. وجملة (ما الحطمة) في محل نصب مفعول به ثانٍ للفعل (أدراك) .

(2)

سورة الأنعام، آية:104.

(3)

سورة الفرقان، آية:5.

(4)

سورة الذاريات، آية:25.

(5)

سورة سبأ، آية:31.

ص: 104

1-

أن يكون الخبر قبل جواب (لولا) الامتناعية. وهي الدالة على امتناع الثاني لوجود الأول، نحو: لولا الهواءُ ما عاش مخلوق. فحذف الخبر وهو لفظ (موجود) لوقوعه قبل جواب (لولا) إذ التقدير: لولا الهواء موجود ما عاش مخلوق. ومنه قوله تعالى: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} (1) ، فـ (أنتم) مبتدأ، والخبر محذوف أي: صددتمونا. بدليل {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ} (2) .

2-

أن يكون الخبر قبل جواب القسم الصريح. وهو ما يعلم بمجرد لفظه كون الناطق به مقسماً نحو: لعمر الله (3) لأنصرن المظلوم، فـ (اللام) للابتداء (عمر الله) مبتدأ ومضاف إليه، والخبر محذوف وجوباً تقديره: قسمي.

فإن لم يكن القسم صريحًا بأن غلب استعماله في غير القسم لم يجب الحذف، نحو: عهدُ الله لأفعلن الخير، أي: عهدُ الله عليَّ. فهذا ليس بصريح في القسم، بل هو محتمل قبل الإتيان بالجواب. إذ يصح أن يقال: عهدُ الله يجب الوفاء به، فلا يكون قسمًا.

(1) سورة سبأ، آية:31.

(2)

التمثيل بهذه الآية للحذف الواجب فيه نظر. لأن الخبر كون خاص وهو (صددتمونا) دل عليه دليل (أنحن صددناكم) وحذف الخبر للدليل جائز لا واجب. فالأولى التمثيل بما يكون فيه الخبر كوناً عاماً كقوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} وقد تقدم في باب الموصول معنى الكون العام والكون الخاص.

(3)

العمر، بضم العين وفتحها، هو البقاء والحياء. ولا يستعمل مع لام الابتداء إلا مفتوحًا؛ لأن القسم موضع التخفيف لكثرة استعماله.

ص: 105

3-

أن يكون الخبر قبل حال لا تصلح خبرًا نحو: ضربي زيدًا قائمًا. فـ (ضربي) مبتدأ، والياء مضاف إليه. و (زيدًا) مفعول به للمصدر. و (قائمًا) حال من (زيد) والخبر ظرف محذوف مع جملة فعلية بعده أضيف إليها. والتقدير: ضربي زيدًا إذا كان قائماً [في المستقبل] وتقدر (إذ) في الماضي. و (كان) تامة. وهذه الحال لا تصلح خبرًا؛ لأن الخبر وصف للمبتدأ في المعنى، والضرب لا يوصف بالقيام.

4-

إذا وقع الخبر بعد واو المصاحبة الصريحة، وهي التي يصح حذفها وَوَضْعُ كلمةِ (مَعَ) موضعَها. فلا يتغير المعنى بل يتضح نحو: كلٌّ رجلٍ وضيعتُه (1) فـ (كل) مبتدأ و (رجل) مضاف إليه و (ضيعته) معطوف على المبتدأ، والخبر محذوف، أي: مقترنان، وإنما حذف للعلم به، ولأن العطف يسد مسده.

فإن لم تكن الواو للمصاحبة بل لمجرد التشريك في الحكم لم يحذف الخبر وجوبًا، نحو خالد وعاصم متباعدان. وكذا إن كانت للمصاحبة ولكنها ليست صريحة، نحو: الرجل وجاره مقترنان. وإنما لم تكن صريحة لأن الجار لا يلازم جاره، ولا يكون معه في الأوقات كلها أو أكثرها.

باب كان وأخواتها

قوله: (النَّواسِخُ لِحُكْم المُبَتَدأ والْخَبرِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ. أَحَدُهَا كَانَ وأَمْسى وأَصْبَحَ وأَضَحْى وظَلَّ وبَاتَ وصَارَ ولَيسَ ومَا زَالَ ومَا فَتِئَ ومَا انْفَكَّ ومَا بَرِحَ ومَا دَامَ، فَيَرْفَْعنَ المُبَتَدأَ اسْماً لَهُنَّ ويَنْصِبْنَ الْخَبَرَ خَبَراً لَهُنَّ نحْوُ: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (2)) .

لما فرغ ابن هشام رحمه الله من الكلام على المبتدأ والخبر ذكر النواسخ، وهي جمع ناسخ. والنسخ في اللغة يطلق على الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل: أزالته. فسميت بذلك لأنها تزيل حكم المبتدأ والخبر وتغيره.

وهي من حيث العمل ثلاثة أنواع:

(1) الضيعة: بضاد معجمة: الحرفة والصناعة.

(2)

سورة الفرقان، آية:54.

ص: 106

1-

ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر. وهو "كان وأخواتها"، وما حمل على (ليس) من الحروف النافية، وأفعال المقاربة (1) .

2-

ما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. وهو إن وأخواتها. ولا النافية للجنس.

3-

ما ينصبهما معاً، وهو ظن وأخواتها.

فـ (كان) وأخواتها ترفع المبتدأ ويسمى اسمها، وتنصب الخبر ويسمى خبرها، وقد ذكر المؤلف منها ثلاثة عشر فعلاً، وهي ثلاثة أقسام:

(أ) ما يعمل هذا العمل بلا شرط، وهو ثمانية أفعال:

1-

كان: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في الماضي مع الانقطاع نحو: كان الجو صحواً، أو مع الاستمرار، نحو قوله تعالى:{وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (2) فـ (كان) فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، (ربك) اسمها مرفوع بها، والكاف مضاف إليه (قديراً) خبرها منصوب بها.

2-

أمسى: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت المساء نحو: أمسى الجو باردًا.

3-

أصبح: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت الصباح نحو: أصبح الساهر متعبًا.

4-

أضحى: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت الضحى نحو: أضحى الطالب نشيطاً.

5-

ظل: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في جميع النهار غالبًا نحو: ظل الجوُّ حارًا.

6-

بات: يفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت البيات وهو الليل نحو: بات الحارس ساهراً.

7-

صار: يفيد تحول الاسم من حالته إلى الحالة التي يدل عليها الخبر نحو: صار الحديد بابًا.

(1) لم يذكر ابن هشام رحمه الله أفعال المقاربة في القطر.

(2)

سورة الفرقان، آية:54.

ص: 107

8-

ليس: يفيد نفي الخبر عن الاسم في الزمن الحالي عند الإطلاق (1) نحو: ليست المكتبة مفتوحة.

(ب) ما يعمل بشرط أن يتقدمه نفي أو نهي أو دعاء وهو أربعة: (زال، وبرح وفتئ وانفك) فمثال النفي: لا يزال البرد قارساً، فـ (لا) نافية و (يزال) فعل مضارع يرفع الاسم وينصب الخبر (البرد) اسمها (قارساً) خبرها.

ومثال النهي: لا تفتأ محسنًا إلى الفقراء. فـ (لا) ناهية (تفتأ) فعل مضارع يرفع الاسم وينصب الخبر مجزوم. واسمه ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت (محسنًا) خبر (تفتأ)(إلى الفقراء) متعلق بالخبر.

ومثال الدعاء: لا زال بيتكم عامرًا بطاعة الله، فـ (لا) دعائية (زال) فعل ماض يرفع الاسم وينصب الخبر (بيتكم) اسمها والكاف مضاف إليه، والميم علامة الجمع (عامرًا) خبرها.

وهذه الأربعة تدل على ملازمة الخبر للاسم ملازمة مستمرة لا تنقطع. أو مستمرة إلى وقت الكلام ثم تنقطع بعد وقت طويل أو قصير. فالأول نحو: ما زال الأدب حلية طالب العلم. ومثال الثاني: لا يزال الخطيب يتكلم.

(1) المراد بالإطلاق عدم وجود قرينة تدل على أن النفي واقع في الزمن الماضي، أو المستقبل كالمثال المذكور. فإن معناه: نفي فتح المكتبة الآن، وهو زمن المتكلم. فإن وجد قرينة تدل على أن النفي واقع في الماضي أو المستقبل عمل بها نحو: ليس خالد مسافراً أمس، أو غدا. وقد تكون للنفي المجرد من الزمن كقول العرب: ليس الإنسان الصورة إنما الإنسان العقل.

ص: 108

(ج) ما يعمل بشرط أن تتقدمه (ما) المصدرية الظرفية، وهو (دام) ومعنى المصدرية: أنها تقدر بالمصدر وهو الدوام. والظرفية: لنيابتها عن الظرف وهو (مدة)، ومثالها: لا أصحبك ما دمت منحرفًا. فـ (ما) مصدرية ظرفية. و (دام) فعل ماض ناقص. والتاء اسمها. و (ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بإضافة ظرف الزمان، والتقدير: مدة دوامك، ولما حذف الظرف نابت (ما) وصلتها منابه فاستحقت إعرابه. فهي في محل نصب (منحرفاً) خبر (ما دام) .

ومعنى (ما دام) : استمرار المعنى الذي قبلها مدة محدودة، هي مدة ثبوت معنى خبرها لاسمها، فنفي الصحبة في المثال السابق، يدوم بدوام وقت معين محدود هو: مدة الانحراف.

قوله: (وقَدْ يَتَوَسَّطُ الْخَبرُ نحْوُ: * فَلَيْسَ سَوَاءً عالِمٌ وجَهُولٌ *) .

قد يتوسط الخبر- في هذا الباب- بين الاسم والفعل مع جميع الأفعال، وهذا التوسط نوعان:

ص: 109

1-

توسط جائز: إذا لم يوجد ما يوجب التوسط ولا ما يوجب التأخر (1) نحو: كان الخطيب مؤثرًا. أو كان مؤثرًا الخطيب. ومن ذلك قوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2) فـ (حقاً) خبر (كان) مقدم (نصر المؤمنين) اسمها مؤخر. ومضاف إليه، ومنه قوله تعالى:{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ} (3) فقد قرأ الكوفيون (4) وابن عامر بنصب (عاقبة) على أنه خبر مقدم لـ (كان) و (السُّوأى) اسمها مؤخر على أحد الأعاريب. والتقدير: (ثم كانت السوأى (5) عاقبة الذين أساءوا) . ومنه أيضًا قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} (6) فقد قرأ حمزة وحفص - من السبعة - بنصب (البرَّ) على أنه خبر (ليس) مقدم، والمصدر المؤول من (أن تولوا) اسمها مؤخر، أي: ليس البرَّ تولية وجوهِكم، وقرأ الباقون برفع (البر) على أنه اسم (ليس) والخبر هو المصدر المؤول، ومنه - أيضاً - قول الشاعر:

(1) وجوب التوسط سيذكر قريبًا إن شاء الله. وأما وجوب التأخر فمن مواضعه عدم تميز الاسم من الخبر لكون الإعراب مقدراً نحو: كان شريكي أخي. فـ (شريكي) اسم (كان) و (أخي) هو الخبر، ولا يجوز تقديمه على الاسم لوقوع اللبس. وفرق بين الجملتين.

(2)

سورة الروم، آية:47.

(3)

سورة الروم، آية:10.

(4)

الكوفيون هم: عاصم بن أبي النجود (م 127هـ) وحمزة بن حبيب الزيات (م 156) وعلي بن حمزة الكسائي (م 189) . وأما ابن عامر وهو عبد الله بن عامر فهو شامي (م 118) وبقية السبعة نافع بن عبد الرحمن المدني (م 169) وعبد الله بن كثير المكي (م 120) وأبو عمرو بن العلاء البصري (م154) وهؤلاء قرأوا بالرفع.

(5)

السوأى: جهنم. والحسنى: الجنة.

(6)

سورة البقرة، آية:117.

ص: 110

سلي إن جهلتِ الناسَ عنا وعنهمُ ......فليس سواءً عالمٌ وجهولُ (1)

فـ (سواءً) خبر (ليس) مقدم. و (عالمٌ) اسمها مؤخر.

وقوله (وقَدْ يَتَوَسَّطُ) يفيد أن الأصل تأخر الخبر، وتوسطه جائز.

2-

توسط واجب: وذلك في موضعين:

الأول: أن يكون الخبر محصوراً في الاسم نحو: ما كان مستفيدًا إلا المجدُّ.

الثاني: أن يتصل بالاسم ضمير يعود على بعض الخبر نحو: كان في الفصل طلابُه، وقد تقدم إيضاح ذلك في باب المبتدأ والخبر.

قوله: (وقَدْ يَتَقَدَّمُ الْخَبَرُ إلَاّ خَبَرَ دَامَ ولَيْسَ) .

قد يتقدم الخبر على الاسم والفعل، وهذا التقدم نوعان:

1-

تقدم جائز نحو: كان الجو باردًا. فتقول: باردًا كان الجو.

2-

تقدم واجب. كأن يكون الخبر اسماً واجب الصدارة كأسماء الاستفهام نحو: أين كان الغائب؟ فـ (أين) اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر (كان) مقدم (الغائب) اسمها مؤخر. ومنه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (2) فـ (كيف) اسم استفهام في محل نصب خبر مقدم لـ (كان) و (عاقبة) اسمها.

(1) إعرابه: (سلي) فعل أمر مبني على حذف النون. وياء المخاطبة: فاعل. (إن) حرف شرط جازم (جهلت) فعل وفاعل. وهو فعل الشرط وجوابه محذوف دل عليه السياق. (الناس) مفعول به لـ (سلي)(عنا) جار ومجرور متعلق بـ (سلي)(وعنهم) معطوف على المجرور السابق (فليس) الفاء للتعليل (ليس) فعل ماض ناقص (سواء) خبر مقدم لـ (ليس)(عالم) اسم ليس مؤخر (وجهول) معطوف عليه.

(2)

سورة الروم، آية:9.

ص: 111

ولا يستثنى من أفعال هذا الباب إلا (دام، وليس) ، أما (دام) فلا يجوز تقدم الخبر على (ما) المتصلة بها، فلا تقول: لا أصحبك منحرفًا ما دمت، وعللوا لذلك بأن تقديم الخبر على (ما) يقتضي تقديم بعض الصلة على الموصول؛ لأن (ما) مصدرية. فهي موصول حرفي وما بعده صلة له، فلو قدم الخبر لزم منه تقدم بعض أجزاء الصلة، وهذا لا يجوز (1) . وأما تقدمه على (دام) وحدها فالظاهر الجواز، تقول: لا أصحبك ما منحرفاً دمت.

وأما (ليس) فقد وقع الخلاف في جواز تقديم خبرها عليها. والمنع أرجح؛ لأن ذلك لم يرد في لسان العرب.

قوله: (وتختَصُّ الْخَمْسَةُ الأُوَلُ بُمَرادَفَةِ صَارَ) .

تختص الخمسة الأول من أفعال هذا الباب وهي: كان. أمسى. أصبح. أضحى. ظل. بمرادفة (صار) فتستعمل فيما يدل على التحول والانتقال نحو: احترق الخشب فكان ترابًا،

(1) انظر: شرح الأشموني بحاشية الصبان (1/233) .

ص: 112

ومنه قوله تعالى: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) } (1) أي: (صارت) ؛ لأن المعنى يقتضي هذا. وتقول: أصبح الكتاب مبذولاً، وإنما كانت بمعنى (صار) لأن المراد ليس مقصوراً على وقت الصباح، ومنه قوله تعالى:{فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (2) وتقول: شرحت له باب (الفاعل) فأمسى واضحاً، وإنما كانت بمعنى (صار) لأن المراد ليس مقيداً بوقت المساء، وتقول: أضحى طلب العلم ميسورًا؛ لأن المراد ليس مقيداً بوقت الضحى. ومثال (ظل) : قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) } (3) وإنما كانت بمعنى صار، لأن وجهه لم يكن مسودًا قبل البشرى، وإنما تحول إلى السواد بعد ولادة البنت.

قوله: (وغَيرُ لَيْسَ وفَتئَ وزَالَ بجَوَاز التَّمام أي: الاسْتِغْنَاء عَن الْخَبر نحْوُ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (4) ، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) } (5)

{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} (6)) .

(1) سورة النبأ، آية: 19، 20.

(2)

سورة آل عمران، آية:103.

(3)

سورة النحل، آية:58. وقيل: إنّ (ظلَّ) على بابها [انظر: تفسير البحر المحيط (5/488) ] .

(4)

سورة البقرة، آية:280.

(5)

سورة الروم، آية:17.

(6)

سورة هود، آية:107.

ص: 113

تختص غير (ليس، زال، فتئ) من أفعالها هذا الباب بجواز استعمالها تامة. ومعنى التمام: أن تستغنى بمرفوعها عن الخبر فتكون كغيرها من الأفعال التامة. ويعرب فاعلاً، نحو: إذا كان الشتاء فاجتهد في الصدقة. فـ (كان) فعل ماض تام بمعنى: جاء، و (الشتاء) فاعل، ومنه قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (1) فـ (ذو عسرة) فاعل (كان) وقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (2) أي تدخلون في المساء، و (تمسون) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل، ومثله (تصبحون) . وقوله تعالى:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} (3) أي ما بقيت و (السموات) فاعل، وقوله تعالى:{أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (4) أي: ترجع، و (الأمور) فاعل، وقوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} (5) فقوله: (لا أبرح) أي: لا أذهب. والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنا. وتقول: أضحينا. أي دخلنا في الضحى. و (نا) فاعل: وبات بالقوم، أي: نزل بهم ليلاً، والفاعل ضمير مستتر، وتقول: لو ظل الظلم هلك الناس. فـ (ظل) بمعنى دام. وتقول: فككت حلقات السلسلة فانفكت، أي: انفصلت، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره (هي) .

هذا هو المراد بالتمام في هذا الباب.

(1) سورة البقرة، آية:280.

(2)

سورة الروم، آية:17.

(3)

سورة هود، آية:107.

(4)

سورة الشورى، آية:53.

(5)

سورة الكهف، آية:60.

ص: 114

وأما النقصان - الذي هو الأصل فيها - فمعناه احتياج هذه الأفعال إلى منصوب، إذ لا يتم معناها بذكر مرفوعها فقط، فإذا قلت: كان خالد. لم تدل إلا على الوجود المطلق الذي هو ضد العدم؟، وهذا غير مراد ولا مطلوب، فإذا جاء الخبر، وقلت: كان خالد مسافرًا، تحدد المعنى. وتم المراد.

وأما (زال وفتئ وليس) فهي ملازمة للنقصان، فلا تستعمل تامة كما تقدم. والمراد (زال) التي مضارعها (يزال) ، أما (زال) التي مضارعها (يزول) فهي تامة، وليست من أفعال هذا الباب، نحو: صلاة الظهر إذا زالت الشمس.

قوله: (وكانَ بِجَوَازِ زِيَادَاتِها مُتَوَسِّطَةً نحْوُ: ما كان أَحْسَنَ زَيْداً) .

هذا معطوف على ما تقدم أي: وتختص كان عن باقي أخواتها بأحكام خاصة، وقد ذكر منها ابن هشام أربعة:

الأول: جواز زيادتها، ومعنى زيادتها أنها غير عاملة، وأن الكلام يستغني عنها، ولا ينقص معناه بحذفها، وتزاد لإفادة التوكيد وتقوية الكلام، وعلى هذا فـ (كان) الزائدة غير (كان) الناقصة و (كان) التامة، وقد مضتا، وشرط زيادتها أمران:

1-

أن تكون بلفظ الماضي.

2-

أن تكون متوسطة بين شيئين متلازمين، كالمبتدأ والخبر نحو:(الكتابُ كان مفيدٌ)، وبين (ما) وفعل التعجب نحو:(ما كان أحسن زيدًا) فـ (ما) تعجيبة مبتدأ و (كان) زائدة، و (أحسن) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: هو، يعود على (ما) و (زيدًا) مفعول به، والجملة خبر.

قوله: (وحَذْفِ نُونِ مُضَارِعَها المَجْزُومِ وصْلاً إنْ لَمْ يَلْقَهَا سَاكِنٌ ولَا ضَمِيرُ نَصْبٍ مُتَّصِلٌ) .

الثاني: مما تختص به كان: جواز حذف نون مضارعها، وذلك بخمسة شروط:

1-

أن يكون المضارع مجزومًا، فلا حذف في نحو: من تكونُ له الجائزة؟ لعدم الجزم.

2-

أن يكون الجزم بالسكون، ولم يذكره المصنف، لأنه الأصل والمتبادر عند الإطلاق، فلا حذف في نحو: إن تأخرتم لم تكونوا مستفيدين، لأن الجزم ليس بالسكون، وإنما بحذف النون.

ص: 115

3-

أن لا يقع بعد النون ضمير نصب متصل، بخلاف قوله صلى الله عليه وسلم: لعمر رضي الله عنه في شأن ابن صياد "إن يَكُنْهُ فلن تسلط عليه، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله"(1) فلا يجوز حذف النون، لأن بعدها ضمير نصب متصل، وهو الهاء.

4-

أن لا يقع بعدها ساكن، بخلاف قولك (لم يكن الجوُّ صحوًا) فلا تحذف النون لوقوع الساكن بعدها، وهو لام التعريف.

5-

أن يكون ذلك في حالة الوصل، فلا تحذف حال الوقف نحو (لم أكن) ؛ لأن النون في حالة الوقف ترجع وتظهر.

والمثال: (لم يكُ طالبُ العلم مقصرًا) وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2) وقال تعالى عن مريم: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} (3) فقوله (ولم يك) أصله: لم يكوْنْ، فهو مجزوم بالسكون على النون، فالتقى ساكنان: الواو والنون، فحذفت الواو للتخلص من التقائهما، فصار: لم يكنْ، ثم حذفت النون تخفيفاً، فـ (لم يك)(لم) حرف نفي وجزم وقلب، و (يك) فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف.

قوله (وحَذْفِها وحْدَهَا مُعَوِّضاً عَنَها (مَا) في مِثْل: أمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ، ومَعَ اسْمِهَا في مِثْلِ: إِنْ خيراً فَخَيرٌ، والْتَمِسْ ولَوْ خاتَماً مِنْ حَديدٍ) .

الثالث: مما تختص به (كان) : جواز حذفها وبقاء اسمها وخبرها. وذلك بعد (أن) المصدرية، في كل موضع: أريد فيه تعليل شيء بشيء.

(1) تقدم معنى هذا الحديث في بحث الضمير.

(2)

سورة النحل، آية:120.

(3)

سورة مريم، آية:20.

ص: 116

مثال ذلك: أمَّا أنت غنياً فتصدق. والأصل: تصدق لأن كنت غنيًا، فقدمت اللام: وما بعدها على (تصدق) للاختصاص. ثم حذفت اللام للاختصار والتخفيف، فصار: أن كنت غنيًا، ثم حذفت (كان) للاختصار، فانفصل الضمير فصار: أن أنت غنيًا: ثم أتى بـ (ما) الزائدة عوضاً عن (كان) ثم أدغمت النون في الميم فصار: أما أنت غنيًا، فـ (أما) عبارة عن (أن) المصدرية. المدغمة في (ما) و (أنت) اسم لكان المحذوفة و (غنيًا) خبرها ومثله قول الشاعر:

(1)

أبا خراشة أما أنت ذا نفر

فإن قومي لم تأكلهم الضبع (1)

والأصل: فَخَرْتَ عليَّ لأن كنت ذا نفر. فعمل فيه ما ذكرنا.

الرابع مما تختص به (كان) : جواز حذفها مع اسمها وبقاء خبرها وذلك بعد (إن) و (لو) الشرطيتين. نحو: المرء محاسب على عمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. فـ (خيرًا) خبر لكان المحذوفة مع اسمها و (فخير) خبر لمبتدأ محذوف. والتقدير إن كان عمله خيرًا فجزاؤه خير، وإن كان عمل شرًا فجزاؤه شر.

(1) أبا خراشة: كنية المخاطب بهذا البيت. (ذا نفر) أي: جماعة (الضبع) المراد هنا السنوات المجدبة.

إعرابه: أبا خراشة: منادي بحرف نداء محذوف. منصوب بالألف، لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف و (خراشة) مضاف إليه مجرور بالفتحة، لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث (أما أنت ذا نفر) أعربت في الأصل. (فإن) الفاء للتعليل و (إن) حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر (قومي) اسم (إن) منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم. والياء مضاف إليه (لم) حرف نفي وجزم وقلب. (تأكلهم) فعل مضارع مجزوم بالسكون والهاء: مفعول به ضمير متصل في محل نصب والميم: علامة الجمع (الضبع) فاعل (تأكل) والجملة في محل رفع خبر (إن) .

ص: 117

ومثال الحذف بعد (لو) قوله صلى الله عليه وسلم: (التمس ولو خاتمًا من حديد)(1) فـ (خاتمًا) خبر (كان) المحذوفة مع اسمها، والتقدير: ولو كان الملتمس خاتَماً من حديث.

الحروف العاملة عمل (ليس)

قوله: (وَمَا النَّافِيَةُ عِِنْدَ الحِجازِيِّينَ كلَيْسَ إنْ تَقَدَّمَ الاسم ولَمْ يُسْبَقْ بِإنْ ولَا بِمَعْمُول الْخَبر إلَاّ ظَرْفاً، أوْ جاراً ومجْروراً، ولا اقْتَرَنَ الْخَبرُ بِإلَاّ نحْوُ: {مَا هَذَا بَشَرًا} (2)) .

اعلم أنهم أجروا ثلاثة أحرف من حروف النفي مُجْرَى (ليس) في رفع الاسم ونصب الخبر، وهي:(ما) و (لا) و (لات) ، ولكل منها كلام يخصها.

والكلام الآن في (ما) وهي حرف يفيد نفي المعنى عن الخبر في الزمن الحالي عند الإطلاق (3) وإعمالها عمل (ليس) لغة الحجازيين وبها جاء التنزيل، قال تعالى:{مَا هَذَا بَشَرًا} (1)، وقال تعالى:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} (4) ، فـ (ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع اسم (ما) و (بشرًا) خبرها منصوب، و (هن) ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع اسم (ما) و (أمهاتهم) خبر (ما) منصوب وعلامة نصبه الكسرة، لأنه جمع مؤنث سالم، والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع، ولا تعمل عندهم إلا بأربعة شروط:

1-

أن يتقدم اسمها على خبرها، فإن تقدم الخبر بطل عملها، نحو:(ما الفقر عيبًا) فلو قيل: ما عيب الفقر، بتقديم الخبر بطل عملها. ووجب رفع ما بعدها على أنه مبتدأ وخبر.

2-

ألا يقترن اسمها بـ (إنْ) الزائدة، فإن اقترن بطل عملها، نحو (ما إنِ الحقُ منهزمٌ) برفع (منهزم) على أنه خبر المبتدأ.

(1) متفق عليه.

(2)

سورة يوسف، آية:31.

(3)

المراد بإطلاق عدم وجود قرينة تحدد المراد بالزمن. فإن وجدت أخذ بها. انظر ما تقدم في الكلام على (ليس) .

(4)

سورة المجادلة، آية:2.

ص: 118

3-

ألا يتقدم معمول خبرها على اسمها، فإن تقدم بطل عملها، نحو (ما العاقلُ مصاحبًا الأحمقَ) فتقول: ما الأحمقَ العاقلُ مصاحبٌ، برفع مصاحب، لأنه خبر المبتدأ، إلا إن كان المعمول ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، فيجوز إعمالها وإهمالها مع تقدمه، نحو: ما في الشر أنت راغبًا، وما عندي معروفك ضائعًا، والأصل: ما أنت راغبًا في الشر. وما معروفك ضائعاً عندي.

4-

ألا يقترن الخبر بـ (إلا) فإن اقترن بطل عملها، نحو: ما دنياك إلا فانية. برفع (فانية) على أنه خبر المبتدأ. قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} (1) .

قوله: (وكَذَا لَا النَّافِيةِ في الشِّعْرِ بِشَرْطِ تَنْكِيرِ مَعْمُولَيْهَا نحْوُ:

تَعَزَّ فَلَا شَيءٌ عَلَىَ الأْرْضِ باقِياً ......ولَا وَزَرٌ مِمَّا قَضى الله وَاقياً)

الحرف الثاني مما يعمل عمل ليس: (لا) وهي النافية للواحد (2) وهي لنفي معنى الخبر في الزمان الحالي عند الإطلاق، نحو: لا طالب حاضرًا. أي: الآن، فـ (لا) نافية عاملة عمل ليس (طالب) اسمها مرفوع بها (حاضرًا) خبرها منصوب بها، وقد ذكر المصنف لإعمالها شرطين:

الأول: أن يكون ذلك في الشعر خاصة، فلا تعمل في النثر. ولا يخفى أنه إذا اثبت السماع عن العرب فلا حاجة لتقييده بالشعر.

الثاني: تنكير معموليها أي: اسمها وخبرها. فلا تعمل في المعرفة. ومن شواهد إعمالها في النكرات قول الشاعر:

تعزَّ فلا شيء على الأرض باقيًا

ولا وَزَرٌ مما قضى الله واقياً (3)

(1) سورة آل عمران، آية:144.

(2)

أي نفي حكم الخبر عن فرد واحد نحو: لا طالب غائباً. فتدل على نفي الغياب عن طالب واحد. وتحتمل أيضاً نفي الغياب عن الجنس كله. وهذا بخلاف (لا) النافية للجنس وسيأتي مزيد إيضاح لذلك في باب (لا) النافية للجنس إن شاء الله.

(3)

تعز: أي تصبَّرْ أمر من تعزى يتعزى. والوزر: بالفتح الملجأ، والواقي الحافظ، وإعرابه في الأصل.

ص: 119