الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
داود القيرواني
كتب لمحمد بن مقاتل العكي، ثم لإبراهيم بن الأغلب، في إمارتهما على إفريقية من قبل هرون الرشيد، باستمراره على ولايته بعد عزله بابن الأغلب، وخاف بسبب ذلك من إبراهيم، عند افتضاح الأمر واتضاح ما تمالأ عليه من النكر، فاستخفى إلى أن كتب إليه مستعطفا: أما بعد أعز الله الأمير فلو كان أحد يبلغ بحرصه رضا بشر، بصحه مودة وتفقد حق، وإيثار نصيحة لرجوت أن أكون، بما جبلني الله عليه، من تفقد ما يلزمني من ذلك، أكرم الناس عند الأمير منزلةً، وألطفهم لديه حالاً، وأبسطهم أملاً، ولكن الأمور تجري على خلاف ما يروي العباد في أنفسهم، وإن من ساعده الدهر حظي في أموره كلها، واستحسن القبيح منه، وأُظهرت محاسنه، وسترت مساوئه، ومن خالفه القضاء، وأعان عليه الدهر، لم ينتفع بحرص، ولم يسلم من بغي، وقد كنت إذا افتخر الناس بساداتهم للأمير أطال الله بقاءه ذاكراً، وبيومه مسروراً، ولغده راجياً، إلى أن أتانا الله من ذلك بما كنت أبسط له أملي، وأُعظم فيه رجائي، وكان
مني في إجهاد نفسي بالقيام بما يلزمني من نصيحة الأمير أيده الله حسب الذي يحق علينا، فبينا أنا مشرف على إدراك كل خير، وبلوغ نهاية كل فضل، إذ رماني الدهر بفرقته، ولزمني من ذلك ما كنت أشد الناس زرية به، فوجد أهل البغي والفرية إلي سبيلاً، وقد صرت أعز الله الأمير لمكان الخوف الذي ملكني نازع أمكنة، وغرض ألسنة، فلو تحقق الأمير سيء حالي، وكنت العدو، لأشفق علي، ورثى لي، وذنبي أيده الله عظيم، وخناقي ضيق، وحجتي ضعيفة، وعفو الأمير وطوله أعظم من ذلك كله، فإن تداركني الأمير بما أؤمل فذاك الذي يشبهه وينسب إليه وأرجوه منه، وإن يعاقب فبالذنب الذي اجترمته، وهو أحق من انتشلني من زلتي، وأقالني من عثرتي، ورجا ما يرجوه مثله من أهل المنة والطول من مثل ما عظمت المنة عليه، والأمير أولى بي، وأنظر مني لنفسي، وأعلى بما سألته ورغبت إليه فيه عيناً ويداً، والله ولي توفيقه فيما عزم عليه من ذلك، وعليه التوكل لا شريك له؛ وأنا أرجو أطال الله بقاءه أن أكون ممن يتعظ بالتجربة، ويقيس موارد أموره بمصادرها، ولا يدع تصحيح النظر لنفسه، فيما يستقبل منها إن شاء الله، أتم الله على الأمير نعمه، وهناه كرامته، وألبسه أمنه وعافيته في الدنيا والآخرة. فأمنه واستكتبه وكان يشاوره في أموره.