الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما هو؟ قال: إن الله يقول " ولو كُنتَ فظّاً غَليظَ القلبِ لأنْفَضُّوا من حَولك " وهأنت فظ غليظ القلب، ونحن نتكاثر عليك! فقال له: حاجتك؟ قال ترتبني في دار أمير المؤمنين المأمون. قال: قد فعلت! قال: وتقضي ديني وهو ثلاثون ألف درهم! قال: قد فعلت.
ثم إنه اعتل من فساد مزاج، فتخلف عن المأمون إلى أن مات، فحضر المأمون جنازته، وصلى عليه، ووقف على قبره، فلما دلي فيه قال: رحمك الله فلأنت كما قال الشاعر:
أخو الجدّ إن جدّ الرّجال وشمّروا
…
وذو باطلٍ إن شئت ألهاك باطله
أحمد بن يوسف
وزر للمأمون بعد أحمد بن أبي خالد، وكانا جميعاً مع عمرو بن مسعدة من كتاب الحسن بن سهل، وهو أشار على المأمون بهما، فقد مهما لوزارته، ولم يكن في زمن أحمد بن يوسف أكتب منه، وشعره يرتفع عن أشعار الكتاب، وهو أحد من رأس ببلاغته وبيانه.
وكان أول ظهوره وارتفاعه أن المخلوع محمد بن الرشيد لما قتل، أمر طاهر بن الحسين الكتاب أن يكتبوا إلى المأمون، فأطالوا، فقال طاهر: أُريد أخصر من هذا! فوصف له أحمد بن يوسف وموضعه من البلاغة، فأحضره لذلك، فكتب: أما بعد، فإن المخلوع وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة، فقد فرق بينهما حكم الكتاب والسنة في الولاية والحرمة، لمفارقته عصمة الدين وخروجه عن الأمر الجامع للمسلمين، لقول الله عز وجل فيما اقتص علينا من نبأ نوح:" يا نوحُ إنّه ليس من أهلِك إنه عملٌ غيرُ صالح "، ولا صلة لأحد في معصية الله، ولا قطيعة ما كانت القطيعة في ذات الله، وكتابي إلى أمير المؤمنين وقد قتل الله المخلوع ورداه رداء نكثه، وأحصد لأمير المؤمنين أمره، وأنجز له ما كان ينتظره من سابق وعده، والحمد لله رب العالمين، الراجع إلى أمير المؤمنين معلوم حقه، الكائد له من ختر عهده، ونقض عقده، حتى رد الله به الألفة بعد فرقتها، وجمع به الأمة بعد شتاتها، وأحيا به أعلام الدين بعد دروسها، وقد بعثت إليك بالدنيا وهي رأس المخلوع، وبالآخرة
وهي البردة والقضيب، والحمد لله الآخذ لأمير المؤمنين حقه، الراجع إليه تراث آبائه الراشدين. فرضي طاهر ووصله، وشهر أمره، ولم يكن قبل مذكوراً.
وكان المأمون يقول بعد أن بلاه واختبره، إذا وصفه له أحمد بن أبي خالد: يا عجبا لأحمد بن يوسف كيف استطاع أن يكتم نفسه! قال أبو العيناء: كان أحمد بن يوسف الكاتب قد تولى صدقات البصرة، فجار فيها وظلم، وكثر الشاكي به والداعي عليه، ووافى باب أمير المؤمنين المأمون زهاء خمسين من جلة البصريين، فعزله المأمون وجلس لهم مجلساً خاصاً، وأقام أحمد بن يوسف لمناظرتهم، فكان مما حفظ من كلامه أن قال يا أمير المؤمنين لو أن أحداً ممن ولي الصدقات سلم من الناس لسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:" ومنهم من يَلْمِزُك في الصّدَقاتِ، فان أُعطوا منها رضوا، وإن لم يُعطوا منها إذا هم يسخطون ". فأعجب المأمون جوابه، واستجزل مقامه، وخلى سبيله.
وحكى الصولي خلاف هذا قال: شغب أهل الصدقات على المأمون