الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبيد الله بن سليمان بن وهب
لما تقلد المعتضد أبو العباس أحمد ولاية العهد بعد وفاة أبيه الموفق أبي أحمد طلحة بن المتوكل، وذلك يوم الأربعاء لثمان بقين من صفر سنة ثمان وسبعين ومائتين في آخر خلافة المعتمد بن المتوكل، أقر أبا الصقر إسماعيل بن بلبل على ما كان عليه من الوزارة والتدبير، إلى يوم الاثنين بعده، ثم قبض عليه وعلى أبنائه وحاشيته، وانتهبت منازلهم، وطلب ابن الفرات، فاستتر، وبعث إلى أبي القاسم عبيد الله بن سليمان، وكان قبل ذلك بمدة منكوباً من قبل المعتمد، وأمره بالانصراف إلى منزله والبكور إليه، ليخلع عليه، فانصرف في طياره، وبكر من الغد إلى المعتضد، فخلع عليه، وانصرف وبين يديه جميع القواد والغلمان.
ولما توفي المعتمد في آخر رجب من سنة تسع وسبعين أخذ البيعة للمعتضد عبيد الله بن سليمان على الناس، فأحسن التدبير، ونظم سياسة الأمور، واستكتب
ابنه القاسم بن عبيد الله لبدر المعتضدي، وجلت حاله، فاستنابه في العرض على المعتضد، وسعى به بعض حسدته، فلم يقبل المعتضد سعايته، وحضر عبيد الله، فدفع إليه السعاية، فأنشده:
كفاية الله خيرٌ من توقّينا
…
وعادة الله بالإحسان تغنينا
كاد الوشاة ولا والله ما تركوا
…
قولاً وفعلاً وبأساءً وتهجينا
فلم نزد نحن في سرٍ وفي علنٍ
…
على مقالتنا الله يكفينا
وحكي أن المعتضد تقدم إليه بأن يوعز إلى القواد وسائر الجند بالخروج إلى الصيد معه، وذلك في فصل الشتاء، فقال له: يا أمير المؤمنين، لهؤلاء القوم استحقاق والمال عزيز، ومتى أُمروا بذلك طالبونا بما يجددون به التهم! فأمسك عنه إلى أن خرج من حضرته، ثم تقدم إلى خفيف السمرقندي حاجبه بالقبض عليه وأخذ سيفه ومنطقته، ففعل ذلك. وانصرف القاسم بن عبيد الله من دار بدر فسأل عن أبيه، فعرف الخبر، فعاد من وقته إلى بدر، فتلطف في الوصول إليه، وبكى بين يديه، فركب بدر إلى الدار، فاستأذن على المعتضد، فتبسم وعلم ما جاء به، فوجه إليه: لي شغل مع الحرم، فقال بدر: إن معي خبراً
لا يجوز تأخيره، فوجه إليه: قد عرفت الخبر فانصرف فوجه إليه: إني قد استعملت في هذه الحال ما لا يحب من الأدب، ولا بد أن أُخاطبه! فأذن له، فلما مثل بين يديه حل سيفه وقال: يا أمير المؤمنين، دمي معقود بدم عبيد الله، فمتى هممت في أمره بشيء، أمرت في بمثله! فقال المعتضد: يبلغ من مقداره أن آمره بأمر فيعارضني فيه، ما أنا محتاج إلى رأيه، وإنما مجراه مجرى من ينفذ ما آمره به؛ فقال بدر: ليس يعاود ولا يجاوز ما تأمره به؛ فقال: امض فخذه! فخرج بدر، فكسر غلق الحجرة وأخذه، وتقدم إليه بترك المعارضة فيما يأمره به.
وكان المعتضد يصف عبيد الله بالدهاء والرجلة، فلما أشار إليه بإخراجه مع بدر إلى الجبل، وقع له أنه إنما أراد التخلص والبعد منه، فقال لبدر: قد استوحشت من عبيد الله لالتماسه الخروج، وقد عزمت على أن أقبض عليه، وأقلدك خراجها مكانه؛ فدافعه عن ذلك وراجعه، وكان أحمد بن الطيب قريباً منهما، وكان المعتضد يأنس به، فوقف على كلامهما، فمضى من فوره فعرف عبيد الله ما جرى، بعد أن أحلفه أن يستره، فقلق عبيد الله، ولم تسمح نفسه بكتمانه، فصار من غد إلى المعتضد ومعه ثلث جميع ما يملك من ضيعة وعقار ومال، فوضعه بين يديه وقال له: قد جعلت لك يا أمير المؤمنين جميع ملكي حلالاً طيباً
وتؤمنني على نفسي وولدي! فأنكر المعتضد ذلك وسأل عن سبب ما بلغه، فدافعه، فأمسك المعتضد وصرفه، وأحضر بدراً فأسمعه كل مكروه وقال: أنت أخبرت عبيد الله، ولم يحصل إلا على فساد نيته لنا! فحلف له بدر بأيمان صدقه فيها؛ ولما كان من غد حضر عبيد الله، فخلا به وألح عليه أن يعرفه من الذي رقى إليه ذلك؛ فقال: أخبرني به أحمد بن الطيب. فقال: كذب وإنما أراد التشوق عندك، فكن على ثقة، فليس لك عندي إلا ما تحبه. ثم قبض على أحمد بن الطيب وحبسه في المطامير إلى أن مات.
وقيل إن أحمد بن الطيب المذكور كان يقول للمعتضد: كثير من الأمور يخفى عليك ويستر دونك! فقال له يوماً: فما الدواء؟ فقال: توليني الخبر على بدر وعبيد الله؛ فقال: قد فعلت! قال: فإذ قد فعلت فاكتب لي رقعة! فكتب له بذلك، فأخذ التوقيع وجاء به إلى عبيد الله ليتقرب إليه، فأخذه عبيد الله، ثم وثب، فطلبه ابن الطيب فقال: أنا أخرجه إليك؛ ووكل به في داره وركب إلى بدر، فأقرأه إياه، فدخلا إلى المعتضد، فرمى عبيد الله بنفسه بين يديه وقال له: أنت نعشتني وابتدأتني بما لم أؤمله، وكل نعمة لي منك وبك وتفعل هذا بفلان! فقال: إنه يسعى عليكما عندي فأكره ذلك فاقتلاه وخذا ماله؛ فأُدخل في وقته إلى المطامير.