الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه برسالة إلى بعض خلفائه من رؤساء الجزيرة، فجعل أبو محمد يتفادى منها ويتثاقل عنها؛ قال: ولما انسل من يد عباد انسلال الطيف، ونجا وسله كيف، رجع إلى مستقره من الشرق، وأدار الحيلة على أبي عمر بن الحذاء، فعوضه بضياعه وعقاره، وزين له اللحاق بدار بواره وسوء قراره؛ وقد كان عباد قبل ذلك يستهويه ويستدرجه ويدليه، فلما طلع عليه لم يزد على أن اسره وقصره وأظهر من الزهد فيه أضعاف ما كان يعده ويمنيه، وجعل أبو محمد بعد ذلك يتنقل في الدول، كالبدر يترك منزلاً عن منزل، وقد جمع التالد إلى الطارف، وكتب عن أكثر ملوك الطوائف.
أبو بكر محمد بن سليمان بن القصيرة
حكى ابن بسام أنه نشأ في دولة المعتضد؛ قال: وشهر بالعفاف فلزمه، ويسر للعلم فعلمه وعلمه، وكانت له نفس تأبى إلا مزاحمة الأعلام، والخروج على الأيام، وهو دائماً يغض من عنانها فتجمح، ويطأطيء من غلوائها فتتطاول وتطمح، ممتنعاً
من خدمة السلطان، وقاعداً بنفسه عن مرتبة نظرائه من الأعيان، بين عفة تزهده، وهيبة من المعتضد تقعده، وذكر أن ابن زيدون نبه عليه للمعتضد آخر دولته، فتصرف فيها قليلاً إلى أن أفضى الأمر إلى المعتمد فأنهضه إلى مثنى الوزارة، وأكثر ما عول عليه في السفارة، فسفر غير ما مرة بينه وبين ملوك الطوائف بالأندلس حتى انصرفت وجوه آمالهم إلى يوسف بن تاشفين أول ظهور اللمتونيين، فسفر بينهما مراراً فكثر صوابه، واشتهر في ذات الله مجيئه وذهابه، واضطر المعتمد إليه قريباً في آخر دولته، فعظمت حاله، واتسع مجاله، واستولى على دولته استيلاءً قصر عنه أشكاله، إلى أن كان من خلعه ما كان، وذلك في رجب سنة أربع وثمانين وأربع مائة، فكان أبو بكر أحد من حرب، وفي جملة من نكب، وأقام على تلك الحال نحواً من ثلاثة أحوال، حتى تذكر ابن تاشفين ما كان من حسن خليقته، وسداد طريقته؛ ويقال إن سبب ذلك الذكر كتاب ورد عليه من صاحب مصر لم يكن بد منه في الجواب عنه، فاستدعاه من حينه، وولاه كتب دواوينه، ورفع شأنه وأعلاه، وولي بعده ابنه علي بن يوسف فأقره على ما كان يتولاه.