الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم أسبلت تلك الغمامة دمعها
…
أريعت لو شك البين أم ذاقت العشقا
يقول فيها:
غريبٌ بأرض الغرب فرّق قلبه
…
فآوت سلا فرقاً ويابرةٌ فرقا
إذا ما بكى أو ناح لم يلف مسعداً
…
على شجوه إلا الغمائم والورقا
ومنها في المدح:
حياءٌ يغضّ الطرف إلاّ عن العلا
…
وعرضٌ كماء المزن في الحزن بل أنقى
وفضلٌ نمير الماء قد خضّل الربا
…
وعدلٌ منير النّجم قد نوّر الأُفقا
بلغنا بنعماك الأمانيّ كلّها
…
فما بقيت أُمنيّةٌ غير أن تبقى
أبو جعفر أحمد بن عطية
صنيعة الإيالة الحفصية على الحقيقة، ونشأة عنايتها الكريمة وهدايتها العتيقة، بها بهر بهاؤه، واشتهر ابتداؤه وانتهاؤه، حتى ساق الأيام بل الأنام بعصاه،
واستوسق له أدنى الشرف وأقصاه، وهو أحد من سودته براعته، ولم توجد بداً من اصطناعه صناعته، وكان في أول أمره قد كتب لإسحق بن علي بن يوسف ابن تاشفين فلما دخلت مراكش عنوة من جهة باب إيلان يوم السبت الثامن عشر لشوال سنة إحدى وأربعين وخمس مائة، وقتل إسحق وطائفة من أصحابه، توارى أبو جعفر ودخل في غمار الناس، وبلغ به الجد في الاستخفاء والاستتار إلى أن ارتسم في المرتزقين من الرماة ليتبلغ بما يجرى عليه، إلى أن ثار الدعي المعروف بالماسي واستفحل أمره، فنهد إليه الأمير المعظم المجاهد المقدس المبارك الأرضى المرحوم أبو حفص ناصر دعاية التوحيد المحفوف الراية بالظهور والتأييد، الذي حبيت بالمضاء صوارمه وصرائمه، وسبيت له من كل ذي كفر وغي كرائمه، فقتله الله على يديه وانهزم أصحابه، وذلك يوم الخميس السادس عشر لذي الحجة سنة اثنتين وأربعين، وأمر رضوان الله عليه بإحضار مخاطب عنه بذلك الفتح العظيم والمنح الجسيم، فنبه على أبي جعفر وقد أخفى نفسه في رماة العسكر، وتنكر جهده وهو المعروف غير المنكر، فدعا به لسعادته، وأوعز إليه بإرادته، فكتب رسالته التي أورثته تشريفاً
وتكريماً، وصيرته أغر محجلاً بعد أن كان بهيماً، وبسببها أُوثر بالكتابة الكلية والوزارة، وهي عادة هذا البيت المعروف البركة والطهارة، ما أعتلق به معتلق إلا أمن من العوادي، ولا ألتفت إلى عجز إلا لحق بالهوادي، لا زالت أبواب معروفة وسماحه لها كظيظ من الزحام، وما يصدر عن صفائحه وصفاحه يعول الأولياء بالإنعام، ويغول الأعداء بالانتقام:
آمين آمين لا أرضى بواحدةٍ
…
حتى أُضيف إليها ألف آمينا
ومن فصول هذه الرسالة المباركة: كتابنا هذا من وادي ماسة بعد ما تجدد من أمر الله الكريم ونصره المعهود المعلوم " وما النصرُ إلا من عِنْدِ الله العزيزِ الحكيم "، فتح بهر الأنوار إشراقاً، وأحدق بنفوس المؤمنين إحداقاً، ونبه من الأماني النائمة جفوناً وأحداقاً، واستغرق غايات الشكر استغراقاً، فلا تطيق الألسن لكنه وصفه إدراكاً ولا لحاقاً، جمع أشتات الطلب والأرب، وتقلب في النعم أكرم منقلب، وملأ دلاء الآمال إلى عقد الكرب:
فتحٌ تفتّح أبواب السماء له
…
وتبرز الأرض في أثوابها القشب
وقد تقدمت بشارتنا به جملة، حين لم تعط الحال بشرحه مهلة، كان أولئك الضالون المرتدون قد بطروا عدواناً وظلماً، واقتطعوا الكفر معنى واسماً، وأملى لهم الله ليزدادوا إثماً، وكان مقدمهم الشقي قد استمال النفوس بخز عبلاته، واستهوى القلوب بمهولاته، ونصب له الشيطان من حبالاته، فأتته المخاطبات من بعد وكثب، ونسلت إليه الرسل من كل حدب، واعتقدته الخواطر أعجب عجب، وكان الذي قادهم إلى ذلك، وأوردهم تلك المهالك، وصول من كان بتلك السواحل ممن ارتسم برسم الانقطاع عن الناس فيما سلف من الأعوام، واشتغل على زعمه بالقيام والصيام، آناء الليل وأطراف الأيام، لبسوا للناس أثواباً، وتدرعوا للرياء جلباباً، فلم يفتح الله لهم للتوفيق باباً.
ومنها في ذكر الدعي: فصرع بحمد الله لحينه، وبادرت إليه بوادر منونه، وأتته وافدات الخطيات عن يساره ويمينه، وقد كان يدعي أنه بشر بأن المنية في هذه الأعوام لا تصيبه، والنوائب لا تنوبه، ويقول في سواه قولاً كثيراً، ويختلق على الله إفكاً وزوراً، فلما عاينوا هيئة اضطجاعه، ورأوا ما خطته الأسنة على أضلاعه، ونفذ فيه من أمر الله تعالى ما لم يقدروا على استرجاعه، انهزم ما كان لهم من الأحزاب، وتساقطوا على وجوههم تساقط