الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السن التي نكب فيها، فوافق ذلك ما قال! ثم قال: شفعت أُخت المعز فيه فعفا عنه وخلع عليه وأُعطي للوقت بعض ضياع أبيه، وفي هذه النكبة يقول محمود:
وإخوانٍ تخذتهم دروعاً
…
فكانوها ولكن للأعادي
حسبتهم سهاماً صائباتٍ
…
فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صفت منّا قلوبٌ
…
لقد صدقوا ولكن من ودادي
أبو المطرف عبد الرحمن بن أحمد بن مثنى
كتب للمنصور أبي الحسن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن أبي عامر صاحب بلنسية، وكان معه على بلاغته وبيانه وتقدمه في غير ذلك من العلوم كما وصف في رسالته إليه عند انفصاله عنه، يرققه على أهله وأبنائه: ولما تيقنت أن حالي لا ترم، وأن شعثي لا يلم، أبديت العزمة وأكدت الرغبة، وأخلق بمن نبذ نبذ النوى، وطرح طرح القذى، أن يشتد استيحاشه، ولا يطمئن جأشه؛ ووالله لولا اليأس ما تحركت، ولو انقطاع الرجاء لتماسكت، وهو الذي تشهد لي به العقول ويقضي علي به التحصيل، ولن ترى طارداً للحر كالياس.
وقد قال الآخر:
وإنّك لن ترى طرداً لحرٍّ
…
كإلصاقٍ به طرف الهوان
وأيم الله لقد صبرت حتى عذرت، وأقمت حتى تهدمت، ومبلغ نفس عذرها مثل منجح، وأنا أستودع مولاي ودائع أقمن بحرمه، واعتصمن بذممه، وأوين إلى ظله، ولبسن أثواب فضله، وأستودعه استيداع من عظم وجده لبعاده، وخلف بين يديه فريقاً من فؤاده، وإني حيث خيمت، وأين يممت، لعبد شاكر ومعتقد نعمة ناشر، لا أفتر ولا اني، ولا أرتدع ولا أنثني، وحسبي بما سينهى إلى مولاي عني، وينمى إليه على قرب الدار وبعدها مني، وكذلك يعلم الله حسن ذكري لأكابره الجلة، وخلصائه العلية، وأسأل الله قبل وبعد أن يجزي بالنيات، ويقارض على المقامات، وأقول قول الموجع: بعد الزمن قطع مني عصمتي، وأدال لديك حرمتي؛ وأول هذه الرسالة:
قدر الله واردٌ
…
حين يقضى وروده
فأرد ما يكون إن
…
لم يكن ما تريده
ومن فصولها: وغير ذاهب على مولاي جلية حالي وسوء مآلي، وما منيت به من الجد العاثر والتأخر الظاهر، وما قلت إلا بالذي علمت سعد وفي علمه الجلي وفهمه الذكي أن الإناء إذا امتلأ يفيض، وأن الصبر على المعضل يغيض، وأن للاحتمال مدى ثم ينقطع، وللتحمل منتهى ثم يرتفع، ومملوكك لما غلبه جلده، وتناهى بشأنه كمده، وأظلم في عينيه ضوء النهار، وسد عليه طريق الاختيار، لم يجد بداً من مضايقة العسرة من النفار، خجلاً من الشمات اللاحق له، وتألماً من الخلل الملم به:
وللموت خيرٌ من حياةٍ يرى لها
…
على المرء ذي العلياء مسّ هوان
متى يتكلم يلغ حسن كلامه
…
وإن لم يقل قالوا عديم بيان
وكان ارتحاله من بلنسية إلى طليطلة، فاستوزره المأمون يحيى بن ذي النون، وألقى إليه بأموره كلها، فشهر اكتفاؤه وشكر غناؤه؛ ولأبن حيان في الثناء عليه إسهاب وإطناب، وأعتبه المنصور في بنيه، فلحقوا به على ما أحب، وتزايدت حظوته عند ابن ذي النون، وظهرت كفايته، فلما توفي المنصور عبد العزيز ببلنسية، وقدم ابنه عبد الله، أنفذه ابن ذي النون مع قائد من خاصته في جيش كثيف أمرهم بالمقام معه، وشد ركنه، فسكنت الدهماء عليه.