الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم كتب إليه أسماء جواريه العوامل، وعرضها عليه، فأبى أن يقبلهن، ووصله بعشرة آلاف دينار، ثم صرفه في تلك السنة.
وقال أبو محمد بن السيد البطليوسي في شرح قول ابن قتيبة: وأي موقف أخزى لصاحبه من موقف رجل من الكتاب قال ابن القوطية: هذا الرجل هو محمد بن الفضل وهذا غلط لأن محمد بن الفضل إنما وزر للمتوكل، وكان شاعراً كاتباً حلو الشمائل، عالماً بالغناء.
وولي الوزارة أيضاً في أيام المستعين.
عمرو بن بحر الجاحظ
كان مائلاً إلى ابن الزيات، منحطاً في هواه، فلما نكبه المتوكل أُدخل الجاحظ على أحمد بن أبي دواد مقيداً، فقال له: والله ما أعلمك إلا متناسياً
للنعمة كفوراً للصنيعة، معدداً للمساوئ، وما فتني باستصلاحي لك، ولكن الأيام لا تصلح منك لفساد طويتك، ورداءة جبلتك، وسوء اختيارك، وتكالب طباعك! فقال الجاحظ: خفض عليك أصلحك الله، فوالله لأن يكون لك الأمر علي خير من أن يكون لي عليك، ولأن أُسيء وتحسن أُحسن في الأُحدوثة من أن أُحسن فتسيء، ولأن تعفو عني في حال قدرتك علي، أجمل بك من الانتقام مني!.. فعفا عنه.
وأرق من هذا الاستعطاف على أن بلاغة الجاحظ في رسائله وخطبه لا يتعاطاها الفحول ذوو الإدراك ما كتب به بعض الكتاب إلى أبي غالب، ابن أخي إبراهيم بن المدبر وهو: وجدت استصغارك لعظيم ذنبي أعظم لقدر تجاوزك عني، ولعمري ما جل ذنب يقاس إلى فضلك، ولا عظم جرم يقاس إلى صفحك، ويعول فيه على كرم عفوك، ولئن كان قد وسعه حلمك فأصبح جليله عندك محتقراً وعظيمه لديك مستصغراً، إنه عندي لفي أقبح صور الذنوب، وأعلى رتب العيوب؛ غير أنه لولا بوادر الجهلاء لم يعرف فضل الحلماء، ولولا ظهور نقص الأتباع لم يبن كمال الرؤساء، ولولا إلمام الملمين بالذنب لبطل تطول المتطولين بالصفح، وإني لأرجو أن يمنحك الله السلامة بطلبك منها، ويقيلك
العثرات بإقالتك لها، وما علمت أني وقفت على نعمة أتدبرها إلا وجدتها تشتمل على عائدة فضل، معها فائدة عقل فيها؛ إنى وجدتني قد وصلت إلى تفضلك من غير مسألة، ودخلت إلى إحسانك من بابه، ووصلت إلى تقلد عملك بمن أشركته في الشكر معك، إن لم أكن جعلته دونك، فنقلتني بما استكرهتك عليه، إلى ما تطوعت لي به، ومما كان لي فيه سبب إليك، إلى ما لا سبب لي فيه غيرك، ومما يطالبني بالشكر عليه سواك، إلى ما تنفرد معه بشكري إياك، ثم جعلت ما نقلتني إليه أجل قدراً، وأخص من خدمتك محلاً مما نقلتني عنه، كنت في ذلك كما قال الشاعر:
لا أظأر النفس إكراهاً إلى أحدٍ
…
وشرٌّ ودّك ما يأتي وقد نهكا
من مّجه فوك لم تنفعه آصرةٌ
…
والنفس مجّاجةٌ ما مجّه فمكا
ولم أر تأديباً ألطف ولا فعلاً أشرف، ولا تقويماً أنفع، ولا استصلاحاً أنجع، ولا كرماً أبرع مما توصلت إليه في، وتغلغلت في الإنعام به علي، وإني لأرجو بمن الله وستره ألا تقف مني علي أُخت لهذه الفعلة، ولا نظير لهذه الزلة ما اختلف الجديدان، وتجاور الفرقدان.