الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة المؤلف
قال المؤلف: قد أوردت ما أردت من هذه المآثر الكرام، المحفوظة النظام، واقتداء خلفاء الله به جل جلاله في التجاوز عن الذنوب العظام، مما نويت باجتلائه الإلماع، وأعفيت من تشعب أبوابه الأسماع، سوى أشياء لبعض ما يمر نظائر، ليس التدريج إليها ولا التعريج عليها بضائر، وكل ذلك بالنسبة إلى الحلم الإمامي والإسجاح، كالذبالة باهرت أنوار الصبح الوضاح، والصبابة كاثرت تيار اليم الطفاح، يوم ابتز ما كان باليد اللسان، واستفز العجل الذي خلق منه الإنسان، فيالمسرف على نفسه خائف، ومستشرف طوي بالإهمال طي الصحائف، لا جرم أنه تبوأ رتبة مرفعة، فربأ عن إسلامها كهلاً بعد إحرازها يفعة، متوقفاً عن الانحدار في الوقوف مع الإختيار، ومتوكفاً قبول الإعتذار بالبيت السيار:
لا تهنّي بعد أن أكرمتني
…
فشديدٌ عادةٌ منتزعه
فصدر ما أثلج الصدر من إعفاء، وظهر إبقاء أوفى على الأمل أي إيفاء، ثم في صبيحة اليوم الثالث، هجم علي بالكارب الكارث، أُصير إلى الإقصاء من التقريب، وأُخير بين التشريق والتغريب، ومعاذ الله لا اختيار في خطتى خسف، هذا لو أن جناحاً وبالاً دون كسر وكسف، فكيف ولا حراك موجود، ولا مستنجد إلا منجود، في هاجم للآمال هادم، وناجم بالأهوال داهم، وعلى ما دفعت إليه من ارتباك، لمتعسف كاب، ومتأسف باك، من ولهى وواله، كل يجد على زواله، ويحد في إعواله، شرعت في المسير، وضرعت إلى الله في التيسير جالياً للجلاء والرحيل أوجهاً تصلاه، وتالياً من محكم التنزيل " لا تَقْنَطوا من رحمةِ الله "، وحسبي السميع البصير، " نعمَ المولى ونعم النّصير " فقل في يوم عصيب، رماني بسهم للفراق مصيب، ولم يدع لي فيما سوى الإضاعة وإزجاء البضاعة من نصيب، أرى ضد ما تمنيت، وشرى بثمن بخس ما اقتنيت، واستشرى في محو ما وحيت، وهدم ما بنيت، حتى عيل الاصطبار وغلب الاستعبار، للتفكر في بث الأشجان وبت الأشطان،
والتذكر لولوج الامتحان بالخروج عن الأوطان، أيان سلمها الإسلام آيساً، وتدبرها التثليث آنساً، وخلال ذلك من حسن الظن بالخلال الكرام ما حمل على أن قلت في بدء الحال، وبين يدي العمل على الترحال، مرتقباً خفايا الألطاف، ومقترباً بهدايا الاستعطاف، لاتضاح دلائل الحدب، ونجاح رسائل الأدب:
لمبشّري برضاك أن يتحكّما
…
لا المال أستثني عليه ولا الدّما
تالله لا غبن أمرؤٌ يبتاعه
…
بحياته فوجوده أن يعدما
أيّ المعاذر أرتضي لجناية
…
عظمت ولكن ظلّ عفوك أعظما
ندمي على ما ندّ مني دائمٌ
…
وعلامة الأوّاب أن يتندّما
يا طول بؤسي مبسلاً بجريرتي
…
إن لم تجزني بالتجاوز منعما
مولاي رحماك التي عوّدتني
…
إني اعتمدتك خاضعاً مسترحما
فأحقّ من تولي الإقالة عاثرٌ
…
لم يستحبّ على الهدى قطّ العمى
أقصاه عنك تزلفٌ بخطيئةٍ
…
خال الصواب خلالها وتوهما
ولقد تحفّظ في المقالة جهده
…
لكنّه نمي الحديث ونمنما
مولاي عبدك ماله من معدلٍ
…
عن دار عدلك منذ حلّ وخيّما
لو أنّه يجد الحياة كريمةً
…
في غيرها لرأى المنيّة أكرما
إن ينتزح ناديك عنه يقترب
…
منه وإن لا تحمه يلج الحمى
متهافتاً مترامياً متطارحاً
…
متوصّلاً متوسّلاً متحرّما
قد علّمته تجنب الجهل العلا
…
يكفيه أن قوّمته فتقوّما
هيهات يصحو أو يواقع سلوةً
…
من لم يزل برضاك مغرى مغرما
أهون بما لاقاه من هونٍ إذا
…
لاقاك مرتاحاً له متبسّما
وجثا يقبّل قبل راحتك الثرى
…
غرداً بما أوليته مترنّما
بمتابةٍ رسخ الهدى أثناءها
…
علماً وقام الحقّ فيها معلما
وكتبت إلى النجل الطاهر والقمر الباهر الأمير الأمجد الأسعد الوارث عن آبائه الطاهرين إنجاز ما وعد وإخلاف ما أوعد، أبي عبد الله نصر الله لواءه وحرس مجده المؤثل وعلياءه، وكافأ اهتمامه الكافي طارق الهموم الوافي، بالخصوص من الأفضال والعموم واعتناءه أستشفع بمقامه، وأستدفع انتقام الأيام بإنعامه:
مولاي دامت لك السّعود
…
أخطأت أخطأت لا أعود
مالي براحٌ ولا انتزاحٌ
…
موتي في أرضكم خلود
كن لي شفيعاً إلى إمام
…
ليس على فضله مزيد
عادته العفو والموالي
…
تعفو إذا أخطأ العبيد
وأظل شهر رمضان على ارتماض لفقد المسكن والسكون، وانقباض من تبسط الشجون الجون، فشفعت وتر الاستقالة، وضرعت أثناء الشمل المصدوع بهذه المقالة، أعد قومي البشرى، ولا أستبعد فوزي باليسرى:
بشرى بإسفار صباح النجاح
…
عن صفحة الصفح وخفض الجناح
قد آذن المنّ بحوز المنى
…
وأعلن الكدح بفوز القداح
هذا افتتاح الصوم مستقبلاً
…
عن اختتام بالرضى وافتتاح
إن الإمام الهادي المرتضى
…
أكّد بالعطف شروط السّماح
لين سجايا عاطراتٍ كما
…
هزّ الرياحين هبوب الرياح
وحسن إسجاحٍ يليه الندى
…
لذا انفساخٌ ولذاك انسياح
لو جبل الدهر على حلمه
…
لم يك منه للنفوس اكتساح
عفو الإمام الحقّ عن خاطئٍ
…
أشرف للغايات منه طماح
قد راضه بالكبح تأديبه
…
ولم يجاهر عامداً بالجماح
أذنب لكن تاب من فوره
…
وفي قبول التوب رفع الجناح
حسبي شفيعاً لك في هفوتي
…
حبٌ ونصحٌ وثناءٌ صراح
برّح بي الشوق إلى حضرةٍ
…
ليس لمن وفّق عنها براح
وهمت فيها باقترابٍ فلم
…
تثمر لي الأقدار غير انتزاح
لا زلت والزلاّت شأن الورى
…
تهتزّ للصفح اهتزاز الصّفاح
فما راعني غير الأمان تسفر فيه البشراء، والانصاف من الزمان تبشر به السفراء، في وقت زان مطلعه سعيداً، وكان مقدمه قبل العيد عيداً، فقلت مستقصراً سرفي لقصد الإغضاء، ومستحقراً لوامي بشكر اليد البيضاء:
قابلت نعماك بالسّجود
…
لله من عطفةٍ وجود
ولم أجد للحياة عدماً
…
وفي وجود الرضى وجودي
قد وصل الأمن والأماني
…
بعد المضادّة والصدود
فإن أكن قبل في صبوبٍ
…
فهأنا اليوم في صعود
نبّهت بالعفو عن خمولي
…
وكنت للهفو في خمود
هذا ظهوري من التّواري
…
هذا نشوري من الهمود
لا وحشةٌ للوعيد عندي
…
أزاحها الأُنس بالوعود
يا مبدئاً في العلا معيداً
…
أُيّدت بالمبدئ المعيد
بأيّ حمدٍ وإن تناهى
…
أُثني على صنعك الحميد
صفحت عمداً عن الخطايا
…
وتلك من عادة العميد
وغير بدعٍ ولا بعيدٍ
…
صفح الموالي عن العبيد
أينقص اليأس من رجائي
…
وذلك الفضل في مزيد
أيّ امرئٍ في الورى شقي
…
يأوي إلى أمرك السعيد
ما غرّة العيد أجتليها
…
يوم رضاك الأغرّ عيدي
وقلت بعد ذلك مشيداً بالتشفيع، ومشيراً إلى كرم الصنيع:
أيا بشراي قد وضح القبول
…
وصحّ من الرضى أملٌ وسول
وشفّع نجله الأزكى إمامٌ
…
لمن صرمت وسائله وصول
فما لسواهما في الصفح عني
…
يدٌ عليا ولا منٌّ جزيل
أقالني الخليفة من عثاري
…
فماذا في إقالته أقول
وكم قبحت ممالأة الليالي
…
عليّ ورأيه الحسن الجميل
أنا العبد الشكور لما حبتني
…
به علياه والمجد الأثيل
وإخلاصي به المولى عليمٌ
…
وإن لم يأت إجرامي جهول
أذوب إذا أُحجّب عنه شوقاً
…
إليه فكيف لو أزف الرحيل
وهذا ما جعلته مسكة الختام ولبثة التمام:
أجار من الخطب الأمير محمدٌ
…
فقمت بما أولاه أُثني وأحمد
ويوم أتتني بالبشارة رسله
…
سجدت وفي التبشير لله يسجد
وأملت بالشكر المزيد من الرضى
…
وأيّة نعمى كالرضى تتزيّد
وظائف ما أهملت حيناً أداءها
…
وبعض شهودي الأمس واليوم والغد
همامٌ كفاني الحادثات اعتناؤه
…
وقد عنّ لي منها مقيمٌ ومقعد
فلا منّةٌ إلا له في تخلّصي
…
بيمن مساعيه الكرام ولا يد
ومن يك فرعاً للإمامة والهدى
…
فإنّ جناه الغضّ مجدٌ وسؤدد
رآني مردود الشرائع كلّما
…
تقرّبت بالإخلاص أُقصى وأُبعد
نصيبي من الآداب حرفتها التي
…
شقيت بها جاراً لمن بات يسعد
وللحظّ لحظٌ كلّ دوني خاسئاً
…
كأني وإياه شعاعٌ وأرمد
فجمّع من شملي وشملي مفرّقٌ
…
ورفّه من شربي وشربي مصرّد
وصرّح بالبقيا وما زال منعماً
…
له مصدرٌ في الصالحات ومورد
وكانت هوىً ألقى إليها بي الهوى
…
فخلّصني منها معانٌ مؤيّد
تشفعت فيها للإمام بنجله
…
ونعم شفيع المذنبين محمد!
نجزت الرسالة الموسومة بإعتاب الكتاب، صنعة الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي بكر القضاعي المعروف بابن الأبار، رحمه الله تعالى ورضي عنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.