الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنده أنه أتلف مالاً كثيراً، وحمل على محاسبته فأمر بها فكانت سياقة الحساب عليه سبعين ألف دينار، حكى الأصبهاني كاتبه المعروف بالعماد في تاريخ فتوحه الشامية أنه ما طلبها ولا ذكرها؛ قال: ثم لم يرض له العطلة فولاه ديوان جيشه، وأولاه ما دنت له به مجاني جاهه وعيشه!
أبو عبد الله محمد بن عياش
قبض على مخدومه الملقب بالرشيد في سنة أربع وثمانين وخمس مائة، واعتقل برباط الفتح من سلا إلى أن قتل هنالك، واستتر هو مدةً ثم صفح عنه، فظهر واستكتب بمراكش، واتصلت نباهته وحظوته أزيد من ثلاثين سنة واستعمل أبناؤه معه وبعده، وكان الداعي بعد نكبته إلى استعماله ما عرف من
كفايته واستقلاله، ورسالته في غزو بلاد الروم سنة اثنتين وتسعين هي جذبت بضبعه، وحكمت في نصبه للاشتغال برفعه، حتى رسا في الرياسة أركاناً، وسما على أهل عصره مكاناً؛ ومن فصولها: وأن تعلموا أن الجيوش وإن كثرت جنودها، وانتشرت ذات اليمين والشمال بنودها، فلا ثقة إلا بالواحد الذي يغلب والكتائب الباغية كثيرة الأعداد، ولا استظهار إلا بسيفه الذي يضرب والسيوف في مضاجع الأغماد، وإلا فما يؤثر الخميس العرمرم إذا لم يكن السعد من نفره، وما يغني شجر القنا إذا لم يكن العون من شريه والفتح من ثمره، وما تفيد عيونه الزرق إذا كان صنع الله محجوباً عن بصره!.
ومنها يصف معقلاً: وهو حصن يتلفع بالعنان، ويقتنص الطائر بالسنان، وينفث الشجاعة في روع الجبان الهدان، على طود قد سافر في الجو
مغترباً، ولم يرض بالجبال أكفاء ولا بالبسيطة منتسباً، ينظر إلى ما يجاوره نظر الجارح المحلق في السماء، أو الشهاب الراجم في حندس الظلماء، ففتحه الله وحده قبل الخلوص إليه من العروج، والنزول عليه من السروج، فتحاً تفاءل به التوحيد فيما يؤمله، وقال أهله: اللهم اجعله مفتاح كل باب نستقبله!.
ومنها: صوبنا على طليطلة قاعدة الصفر وأم بلاد الكفر، وجئناها من جهات أبواب قشتالة وهي الجهات التي كانوا يأمنون من أُفقها، ولا يسدون باباً يفضي إلى طرقها، فأخذهم العذاب من حيث لا يشعرون، وعرفوا التخاذل من حيث كانوا ينصرون، واستقبلتهم العبر أفواجاً أفواجاً، وجاءتهم النذر تأويباً وإدلاجاً، إلى أن نزلنا بظاهرها الشمالي وكم لجيوش الإسلام لم توقع بصراً على حدودها، ولا جرت صعدة في صعيدها، فرد ما كان يليها منها نفنفاً، وقاعاً صفصفاً
…
ثم تظاهر الموحدون ثاني يوم فيما أعطاهم الله تعالى من قوة العدة والعديد، وفاضوا على أعطافها في بحور الخيل وأمواج الحديد، كل قبيلة في شعارها الموسوم، وعلى
مدرجها المرسوم، كأنهم من البحر لج موجه متراكب، أو سحاب خريف زعزعته الجنائب
…
ثم أجازنا وادي تاجو إلى جنابها الإسلامي، وهو منشأ دوحها المائس الأعطاف، وحدائقها الغلب وجناتها الألفاف
…
وفيه المنية التي كانت جنة الكافر ومأواه، وحظه من أُولاه وأُخراه، فكر على الجميع المؤمنون كرةً، فكان انجعافه بإذن الله مرة، ولم يكن بين رؤيته في ملاءة الحسن والابتهاج، وتضاؤله في شعر مسودة كالليل الداج، إلا بمقدار ما غير الله نعمته بالبؤس، وبدله من الأمن والخفض بالخوف والجوع وهو شر لبوس
…
وطالما كانت حجراً على النوائب، بسلاً على الجيوش الكثيفة والكتائب، وها هي اليوم وخيل الله تمرع في شعابها آمنةً، ورماح الموحدين تندق في أبوابها طاعنةً أسيرة الركب وقعيدة الخطب وضعيفة الحيل، ولقىً بين أرجل الخيل، ليس بينها وبين المجاز ناقوس يضرب، ولا صليب ينصب؛ لا إهلال لغير الله، ولا نداء إلا بذكر الله، حتى ينجز الله وعده في سنامها، ويفيض نور الملة المحمدية على ظلامها.
وهذا الغزو الذي يسر في طاغية الروم كل مرام، وعم سرارة أرضه بالسير فيها عاماً بعد عام، أهل البيت الحفصي الكريم يتولى، وعن آرائهم المرتضاة وسيوفهم المنتضاة، حل وتجلى، حظ سواهم منه زهيد، وشهيدهم على ما أقول شهيد، لا جرم أن رأيتهم الحمراء نصرت على بني الأصفر السمحة البيضاء هي التي فعلت هناك الأفاعيل، ودمغت بالحق الذي عقدت لإقامته الأباطيل، عادة في الحفاظ عدوية، وشنشنة مخزومية لا أخزمية، وحسب الدول بسلف أربوا على الملوك الأُول، يجدون مر المهالك أحلى من العسل، ويعتقدون أعلى الممالك ما بني على الأسل، خلفهم خليفة الله في عباده وبلاده، ومجاهد الكفار والمنافقين فيه حق جهاده، القائم الهادي بالحق الواضح البادي، والعدل المقاص في الحاضر والبادي، فملك البسيطة حزنها وسهلها، وتقلد الإمامة وكان أحق بها وأهلها، مناقب تبهر النجوم الثواقب، وشمائل تفاخر الأواخر والأوائل، استحقت على الأمراء الممادح والمحامد، واسترقت من الشعراء القصائد والمقاصد، فلو أُنسئ أبو نواس لما اعتمد سواه بقوله، وإن كان طويل الثناء قاصراً عن طوله:
إذا نحن أثنينا عليك بصالحٍ
…
فأنت كما نثني وفوق الذي نثني