الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال له: قد استوهبتك من المعتضد لأستعين بك، وقص عليه القصة، فقال: يتقدم الوزير بإحضار الطائي وعلي بن محمد أخي؛ فقال: افعل، فأحضرهما فأخذ دواة، واعتزل بهما، فلم يزل هو وأخوه يناظران الطائي على ضمان الكوفة وسوادها وما يتصل بها، وعلى أن يحمل من مالها كل شهر ستين ألف درهم، وفي كل يوم سبعة آلاف دينار، ففعل ذلك وضمناه، وأخذا خطه وجاءا به إلى عبيد الله فسره، وكان ذلك سبب ارتقائهما إلى أن ولي علي منهما وزارة المقتدر ثلاث مرات بعد نكبات عظيمة. ولما جلس للمظالم في وزارته الثانية رميت إليه رقعة فيها:
أبا حسنٍ عزاءً وأحتسابا
…
إذا سهمٌ من الحدثان صابا
فإنّ الله يأخذ ثم يعطي
…
وإن أخذ الذي أعطى أثابا
القاسم بن عبيد الله
عرض على المعتضد في حياة أبيه عبيد الله بن سليمان بن وهب، فلما توفي
عبيد الله كتب إلى المعتضد رقعة يعرفه بذلك منها: ولما أفقت من هذه الصدمة التي وقعت علي، لم آمن أن يدخل علي الخلل الواقع في أوائل الحوادث، وكرهت أن أُحدث شيئاً من الأعمال دون علم رأي أمير المؤمنين سيدنا، فتوقفت ليأتيني من أمره ما يكون عملي بحسبه! فأجابه المعتضد: أستمتع الله النعمة ببقائك؛ وصل كتابك بالحادث العظيم والله عندي، فأورد علي ما أقلقني وأرمضني وأبكاني وبلغ مني، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعند الله أحتسب أبا القاسم، وإياه أسأل أن يغفر له، وما مضى من مثلك وراءه، ولست أشك فيما نزل بك، وحقيق عليك، ولست ممن يحتاج إلى وصية، فبحياتي عليك لما تعمل بنفسك عملاً يضر ببدنك، وأخرج اللوعة بالبكاء، فإن فيه راحةً وفرجاً، ودع تجاوز ذلك إلى غيره؛ وأما الأعمال التي استأذنتنا فيها فتقلدها ونفذها، وأجر الأمور على ما كان أبوك يجريها عليه، وأحذ حذوه، واسلك طريقه، فإني أرجو زيادتك، ولا أخشى إضاعتك إن شاء الله!. وبعث المعتضد من صار إليه من خدمه بالقاسم في غد ذلك اليوم، وكان نازلاً بالثريا، فلما رآه عزاه عن أبيه، وبسطه وآنسه، وقال: ثق بمالك عندي فإن الثقة بذلك توفي على المصيبة وإن عظمت! ثم خلع عليه للوزارة، فخرج معه
بدر وجميع القواد والجيش حتى صار إلى منزله.
ولما توفي المعتضد في شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين بعد سنة كاملة من وزارة القاسم، أخذ البيعة للمكتفي ابن المعتضد على الناس، واستقامت الأمور وعظمت هيبته وجل شأنه.
وكان من رأي بدر توليه عبد الواحد بن الموفق، فخالفه القاسم، ثم خالفه فأغرى به المكتفي حتى قتله.
وذكر أن المعتضد أحب أن يستكتب أحمد بن محمد المعروف بجرادة، بعد وفاة عبيد الله بن سليمان، فألح عليه بدر يقبل الأرض بين يديه ويقول: تربيتك وصنيعتك القاسم! فيقول له المعتضد: القاسم حدث غر وجرادة شيخ مجرب! فلم يزل به إلى أن قال: اختر عشرة آلاف دينار أو القاسم! فاختار أمر القاسم؛ فقال له المعتضد: والله لأقتلك غيره! فكان كما قال.
واستثقل المكتفي بعد ذلك القاسم، وأنكر قلة وفائه لبدر، وعزم على صرفه وتقليد غيره، فبلغه ذلك، فصار إلى المكتفي، ورمى بنفسه بين يديه، وقال: قد قمت ببيعتك وأنت غائب.. وذكر أشياء من خدمته توجب حرمته،
ثم قال: وهذه رقعة بجميع ما أملك، لك كله، وأمني، ولا تسلمني إلى عدوي! فقال المكتفي: وما السبب في هذا الكلام؟ فأخبره بمن حكى عنه ذلك، فعرف صحته وغاظه وقال: ما من ذلك شيء، وإنما أردت تولية الدواوين! واحتال القاسم في إتلاف المرشح لمكانه من كتاب المكتفي، فتم له ذلك.
وقال الصولي: لعهدي بالقاسم قد حل سيفه ومنطقته بين يدي المكتفي وهو يتقلب بالأرض ويقبلها، والمكتفي يطيب نفسه؛ قال: ثم مضى المكتفي إلى حرب القرمطي والقاسم معه، فكانت له في ذلك آراء مشهورة أدت إلى الظفر به. وركب مع المكتفي يوم دخولهم بالقرمطي، وكان من أيام الدنيا، وذلك في سنة إحدى وتسعين ومائتين. قال: وسأل القاسم المكتفي أن يشرفه بتزويج ابنه محمد بنته، فأجابه ومهرها مائة ألف دينار، فخلع عليه القاسم وعلى أهل الدولة، ولقب بولي الدولة، وكان يكتب عن نفسه: من ولي الدولة أبي الحسين القاسم بن عبيد الله وأمر أن تؤرخ الكتب عنه بأسماء أصحاب الدواوين، وهذا ما كان قط إلا لخليفة.