الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألم تر أن السحرة لم يتكلفوا تغليط الناس والتمويه عليهم إلا بالعصا ولا عارضهم موسى إلا بعصاه، ألا ترى أنهم لما سحروا أعين الناس واسترهبوهم بالعصي والحبال لم يجعل الله للحبال من الفضيلة في إعطاء البرهان ما جعل للعصا؟ وقدرة الله على تصريف الحبال في الوجوه كقدرته على تصريف العصا.
ثم تحدث الجاحظ بأسلوبه العذب السمح عن الشجر ومنافعها مما تأتي الاشارة إليه في حينه، وأورد قصصا مأثورة عن الانتفاع بالعصا، وما كان لها عند العرب من شأن فأورد قصة عامر بن الظرب العدواني- حكم العرب في الجاهلية- لما أسنّ واعتراه النسيان أمر بنته «عمرة» أن تقرع بالعصا إذا هو فهّ عن الحكم وجار عن القصد وكانت من حكيمات بنات العرب، حتى جاوزت في ذلك مقدار صحر بنت لقمان، وهند بنت الخس وخمعة بنت حابس وكان يقال لعامر ذو الحلم ولذلك قال الحارث بن وعلة:
وزعمتم أن لا حلوم لنا
…
إن العصا قرعت لذي الحلم
وقال الفرزدق:
فإن كنت أنساني حلوم مجاشع
…
فإن العصا كانت لذي الحلم تقرع
قلت:
قلت: هذا ما رواه الجاحظ بصدد قرع العصا، وليس هذا القول حاسما ففي أول من قرعت له العصا خلاف طويل فقيل هو عامر
ابن الظرب كما ذكر الجاحظ وقيل هو قيس بن خالد ذو الجدين وقيل هو عمرو بن حممة الدوسي ولكن الأشهر ما رواه الجاحظ.
وذكر العصا عندهم يجري في معان كثيرة تقول العرب: «العصا من العصية، والأفعى بنت حية» تريد أن الأمر الكبير يحدث عن الأمر الصغير، ويقال: طارت عصا فلان شققا ويقال: فلان شق عصا المسلمين ولا يقال شق ثوبا ولا غير ذلك مما يقع عليه اسم الشق وقال المضرّس الأسدي:
وألقت عصاها واستقر بها النوى
…
كما قر عينا بالإياب المسافر
ويقال لبني أسد «عبيد العصا» يعنى أنهم ينقادون لكل من حالفوا من الرؤساء وتسمي العرب كل صغير الرأس «العصا» وكان عمرو بن هبيرة صغير الرأس قال سويد بن كراع العكلي:
فمن مبلغ رأس العصا أن بيننا
…
ضغائن لا تنسى وإن قدم الدهر
وكان والبة بن الحباب الأسدي أحد من أخذ عنهم أبو نواس وكان شاعرا ماجنا صغير الرأس فقال أبو العتاهية في رأس والبة ورؤوس قومه:
رؤوس عصي كنّ من عود أثلة
…
لها قادح يفري وآخر مخرب