الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيصدقوا به فتخبت وتطمئن قلوبهم والذين أوتوا العلم هم الذين رزقوا قوة التمييز بين البرهان القاطع الذي يستقر بالعقل في قرارة اليقين وبين المغالطات وضروب السفسطة التي تطيش بالفهم، وتطير به مع الوهم، وتأخذ بالعقل تارة ذات الشمال وأخرى ذات اليمين.
الثاني:
ان التمني على معناه المعروف وكذلك الأمنية وهي أفعولة بمعنى المنية وجمعها أماني كما هو مشهور وقال أبو العباس أحمد بن يحيى:
التمني حديث النفس بما يكون وبما لا يكون والتمني سؤال الرب وفي الحديث: «إذا تمنى أحدكم فليتكثر فإنما يسأل ربه» وفي رواية فليكثر، قال ابن الأثير: التمني تشهي حصول الأمر المرغوب فيه وحديث النفس بما يكون وما لا يكون. وقال أبو بكر: تمنيت الشيء إذا قدرته وأحببت أن يصير لي، وكل ما قيل في معنى التمني على هذا الوجه فهو يرجع الى ما ذكرنا ويتبعه معنى الأمنية. ما أرسل الله من رسول ولا نبي ليدعو قوما الى هدى جديد أو شرع سابق شرعه لهم ويحملهم على التصديق بكتاب جاء به نفسه إن كان رسولا أو جاء به عيره ان كان نبيا بعث ليحمل الناس على اتباع من سبقه إلا وله أمنية في قومه وهي أن يتبعوه وينحازوا الى ما يدعوهم اليه وما يستشفوا من دائهم بدوائه، ويعصوا أهواءهم بإجابة ندائه، وما من رسول أرسل إلا وقد كان أحرص على إيمان أمته وتصديقهم برسالته منه على طعامه الذي يطعم وشرابه الذي يشرب وسكنه الذي يسكن اليه ويغدو عنه ويروح عليه وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك في المقام الأعلى والمكان الأسمى قال الله تعالى:«فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً» وقال: «وما أكثر الناس ولو حرصت
بمؤمنين» وقال: «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» وفي الآيات مما يطول سرده مما يدل على أمانيه صلى الله عليه وسلم المتعلقة بهداية قومه وإخراجهم من ظلمات ما كانوا فيه الى نور ما جاء به، وما من رسول ولا نبي إذا تمنى هذه الأمنية السامية إلا ألقى الشيطان في سبيله العثرات وأقام بينه وبين مقصده العقبات ووسوس في صدور الناس وسلبهم الانتفاع بما وهبوا من قوة العقل والإحساس فثاروا في وجهه وصدوه عن قصده وعاجزوه حتى لقد يعجزونه، وجادلوه بالقول والسلاح حتى لقد يقهرونه، فإذا ظهروا عليه والدعوة في بدايتها وسهل عليهم إيذاؤه وهو قليل الأتباع ضعيف الأنصار ظنوا الحق من جانبهم وكان فيما ألقوه من العوائق بينه وبين ما عمد اليه فتنة لهم، غلبت سنة الله في أن يكون الرسل من أواسط قومهم أو من المستضعفين فيهم ليكون العامل في الإذعان بالحق محض الدليل، وقوة البرهان، وليكون الاختيار المطلق هو الحامل لمن يدعى اليه على قبوله ولكيلا يشارك الحق الباطل في رسائله ويشاركه في نصب شراكه وحبائله أنصار الباطل في كل زمان، هم أهل القوة والأنفة والجاه والاعتزاز بالأموال والأولاد والعشيرة والأعوان والغرور بالزخارف، والزهو بكثرة المعارف، وتلك الخصال انما تجتمع كلها أو بعضها في الرؤساء وذوي المكانة من الناس فتذهلهم عن أنفسهم وتصرف نظرهم عن سبيل رشدهم، فإذا دعا الى الحق داع عرفته القلوب النقية من أوضار هذه الفواتن، وفزعت اليه النفوس الصافية والعقول المستعدة لقبوله بخلوصها من هذه الشواغل، وقلما توجد الا عند الضعفاء وأهل المسكنة فإذا التف هؤلاء حول الداعي، وظاهروه على دعوته قام أولئك المغرورون يقولون:«ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين»