الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البلاغة:
في هذه الآيات فنون من البيان تذهل العقول، فأولها:
1- فن الاستدراج
وقد تقدم القول فيه وهو بالاضافة الى ما فيه من البلاغة ينطوي على نكت دقيقة في استدراج الخصم واضطراره الى الإذعان والتسليم فقد شاء السحرة في بادئ الأمر استدراج موسى ثقة منهم بأنهم فائزون عليه وكأنما ألهمهم الله حسن الأدب مع موسى في تخييره وإعطائه النصفة من أنفسهم عند ما قالوا «فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً» ففوضوا ضرب الموعد اليه ولكن موسى استدرجهم بإلهام من الله عز وجل أن يجعل موعدهم يوم زينتهم وعيدهم ليكون الحق أبلج على رؤوس الأشهاد فيكون أفضح لكيدهم وأهتك لسترهم ولما استدرجوه الى التخيير في الإلقاء أيكون هو البادئ أم يكونون هم البادئين استدرجهم هو إلى أن يجعلهم مبتدئين بما معهم ليكون القاؤه العصا بعد قذفا بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق فما أروع هذا الكلام.
2- فن توكيد الضميرين
،
وقد تتساءل وما علاقة البحث النحوي بالبلاغة؟ والضمائر وتوكيد بعضها لبعض مذكورة في كتب النحو ونقول ان المسألة أجلّ وأسمى من النحو، والنحاة بمعزل عن هذا الفن الرفيع ونعني بتوكيد الضميرين أن يؤكد المتصل بالمنفصل كقولك إنك أنت أو يؤكد المنفصل بمنفصل مثله كقولك أنت أنت أو يؤكد المتصل بمتصل مثله كقولك إنك إنك لعالم وانما يؤتى بمثل ذلك في معرض المبالغة وهو من أسرار علم البيان ومن ذلك قوله تعالى «قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ» فإن إرادة السحرة
الإلقاء قبل موسى لم تكن معلومة عنده لأنهم لم يصرحوا بما في أنفسهم من ذلك لكنهم لما عدلوا عن مقابلة خطابهم موسى بمثله الى توكيد ما هو لهم بالضميرين اللذين هما نكون ونحن دلّ ذلك على أنهم يريدون التقدم عليه والإلقاء قبله لأن من شأن مقابلة خطابهم موسى بمثله إن كان قالوا: إما أن تلقي وإما أن نلقي لتكون الجملتان متقابلتين فحيث قالوا عن أنفسهم «وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ» استدل بهذا القول على رغبتهم في الإلقاء قبله ومنه أيضا قوله تعالى «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى» فتوكيد الضميرين هاهنا في قوله إنك أنت الأعلى أنفى للخوف من قلب موسى وأثبت للغلبة والقهر ولو قال: لا تخف إنك الأعلى أنت الأعلى لم يكن له من التقرير والإثبات لنفي الخوف ما لقوله «إنك أنت الأعلى» وفي هذه الكلمات الثلاث ست فوائد:
1-
«إن» المشددة التي من شأنها الإثبات لما يأتي بعدها وتأكيده وقد نص علماء المعاني على أن الخبر يكون مع إن طلبيا أو إنكاريا لا ابتدائيا كقولك زيد قائم ثم تقول: إن زيدا قائم ففي قولك إن زيدا قائم من الإثبات لقيام زيد ما ليس في قولك زيد قائم.
2-
تكرير الضمير في قوله «إنك أنت» ولو اقتصر على أحد الضميرين لما كان بهذه المثابة في التقرير لغلبة موسى والإثبات لقهره.
3-
لام التعريف في قوله «الأعلى» ولم يقل أعلى أو عال لأنه لو قال ذلك لكان قد نكره وكان صالحا لكل واحد من جنسه كقولك رجل فإنه يصلح أن يقع على كل واحد من الرجال وإذا قلت الرجل فقد خصصته من بين الرجال بالتعريف وجعلته علما فيهم وكذلك جاء قوله «إنك أنت الأعلى» أي دون غيرك.