الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محذوف أي هي. (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) كلام مستأنف مسوق لضرب المثل وهو إن يكن أشبه بالقصة إلا انه في سيرورته واستغرابه سمي مثلا، يا أيها الناس تقدم اعرابها كثيرا وضرب مثل فعل ماض مبني للمجهول ونائب فاعل، فاستمعوا الفاء الفصيحة واستمعوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وله متعلقان باستمعوا. (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الجملة مفسرة للمثل وان واسمها وجملة تدعون صلة ومن دون الله حال وجملة لن يخلقوا ذبابا خبر ان وذبابا مفعول به ولو الواو عاطفة على محذوف هو حال أي انتفى خلقهم الذباب على كل حال ولو في هذه الحال التي اجتمعوا لها ولو شرطية واجتمعوا فعل وفاعل وله متعلقان باجتمعوا. (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) الواو عاطفة وان شرطية ويسلبهم فعل الشرط والهاء مفعول به والذباب فاعل وشيئا مفعول به ثان ولا نافية ويستنقذوه جواب الشرط والواو فاعل والهاء مفعول به ومنه متعلقان بيستنقذوه وجملة ضعف الطالب والمطلوب حال. و (ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الواو استئنافية مسوقة للرد على أحبار اليهود ورؤسائهم الذين قالوا ان الله فقير ونحن أغنياء وما نافية وقدروا فعل وفاعل ولفظ الجلالة مفعول به وحق قدره مفعول مطلق وجملة ان الله تعليل لما تقدم وان واسمها واللام المزحلقة وقوي خبر إن الاول وعزيز خبر إن الثاني.
البلاغة:
سلامة الاختراع:
وهو أن يخترع الشاعر أو الكاتب معنى لم يسبق اليه ولم يتبع
فيه فقوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً» الآية من أبلغ ما أنزله الله في تجهيل الكافرين واستركاك عقولهم لغرابة التمثيل الذي تضمن الافراط في المبالغة مع كونها جارية على الحق خارجة مخرج الصدق وذلك حين اقتصر سبحانه على ذكر أضعف المخلوقات وأقلها سلبا لما تسلبه وتعجيز كل من دونه سبحانه كائنا من كان عن خلق مثله مع التضافر والاجتماع ثم نزل في التمثيل عن رتبة الخلق إذ هما مما يعجز عن مثلهما كل قادر غير الله عز وجل الى استنقاذ النزر التفه الذي يسلبه هذا الخلق الضعيف على ضعفه ويعجز كل قادر من المخلوقين عن استنقاذه منه فتنقل في النزول في التمثيل على ما تقتضيه البلاغة على الترتيب في هذا المكان، لما علم سبحانه انه لا مبالغة في تعجيزهم عن الخلق والاختراع الذي لا يدعيه جبار ولا يتعاطاه من المخلوقين أحد وإن أوتي قدرة وأعطي قوة وكان فيه من التغالي بالكفر والجهل ما يدعي معه الالهية وينتحل الربوبية، فنزل بهم الى استنقاذ ما يسلبه هذا المخلوق الضعيف على ضعفه وقوتهم ليريهم عجزهم فتستيقنه نفوسهم وإن لم تقرّ به ألسنتهم فجاء بما يقضي الظاهر أنه أيسر من الخلق وهو الحقيقة مثله في العمر فإن الظفر بنفس هذا المخلوق أيسر من الظفر بما يسلبه فاستنقاذ ما يسلبه في العجز عنه مثل خلقه ولم يسمع مثل هذا التمثيل في بابه لأحد قبل نزول الكتاب العزيز.
هذا وقد قسم علماء البيان سلامة الاختراع إلى ضربين:
أولهما: يبتدعه صاحبه من غير أن يقتدي فيه بمن سبقه وهذا الضرب يعثر عليه عند الحوادث المتجددة، وينتبه له عند الأمور الطارئة فمن ذلك ما ورد في شعر لأبي تمام في قصيدة له يمدح بها المعتصم بالله ويذكر حرق الافشين ومطلعها:
الحق أبلج والسيوف عوار
…
فحذار من أسد العرين حذار
وفيها يخترع وصف المصلبين فيقول:
بكروا وأسروا في متون ضوامر
…
قيدت لهم من مربط النّجّار
لا يبرحون ومن رآهم خالهم
…
أبدا على سفر من الأسفار
وهذا المعنى مما يعثر عليه عند الحوادث المتجددة، والخاطر في مثل هذا المقام ينساق الى المعنى المخترع من غير كبير كلفة لشاهد الحال الحاضرة، ومما قاله فيها في صفة من أحرق بالنار:
ما زال سر الكفر بين ضلوعه
…
حتى اصطلى سرّ الزناد الواري
نارا يساور جسمه من حرها
…
لهب كما عصفرت شقّ إزار
طارت لها شعل يهدّم لفحها
…
أركانه هدما بغير غبار
فصّلن منه كلّ مجمع مفصل
…
وفعلن فاقرة بكل فقار
مشبوبة رفعت لأعظم مشرك
…
ما كان يرفع ضوءها للساري
صلى لها حيا وكان وقودها
…
ميتا ويدخلها مع الفجار
وقد ذيل البحتري على ما ذكره أبو تمام في وصف المصلبين فقال:
كم عزيز أباده فغدا ير
…
كب عودا مركّبا في عود
أسلمته الى الرقاد رجال
…
لم يكونوا عن وترهم برقود
تحسد الطير فيه ضبع البوادي
…
وهو في غير حالة المحسود
غاب عن صحبه فلا هو موجو
…
د لديهم وليس بالمفقود
وكأن امتداد كفيه فوق الجذع في محفل الردى المشهود طائر مدّ مستريحا جناحيه استراحات متعب مكدود
أخطب الناس راكبا فإذا أر
…
جل خاطبت منه عين البليد
ومن هذا الضرب ما جاء في شعر أبي الطيب المتنبي في وصفه الحمى:
وزائرتي كأن بها حياء
…
فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا
…
فعافتها وباتت في عظامي
كأن الصبح يطردها فتجري
…
مدامعها بأربعة سجام
أراقب وقتها من غير شوق
…
مراقبة المشوق المستهام
ومن بديع ما أتى به في هذا الموضع أن سيف الله بن حمدان كان مخيما بأرض ديار بكر على مدينة ميا فارقين، فعصفت الريح بخيمته فتطّير الناس لذلك وقالوا فيه أقوالا فمدحه أبو الطيب بقصيدة يعتذر فيها عن سقوط الخيمة أولها:
أينفع في الخيمة العذّل
…
وتشمل من دهرها يشمل
ومما أحسن فيه غاية الإحسان وعدّ من أوابده التي لا تبلى قوله:
تضيق بشخصك أرجاؤها
…
ويركض في الواحد الجحفل
وتقصر ما كنت في جوفها
…
وتركز فيها القنا الذّبّل
وكيف تقوم على راحة
…
كأن البحار لها أنمل
فليت وقارك فرّقته
…
وحملت أرضك ما تحمل
فصار الأنام به سادة
…
وسدتهم بالذي يفضل
رأت لون نورك في لونها
…
كلون الغزالة لا يغسل
وأنّ لها شرفا باذخا
…
وأن الخيام بها تخجل
فلا تنكرنّ لها صرعة
…
فمن فرح النفس ما يقتل
ولو بلّغ الناس ما بلّغت
…
لخانتهم حولك الأرجل
ولما أمرت بتطنيبها
…
أشيع بأنك لا ترحل
فما اعتمد الله تقويضها
…
ولكن أشار بما تفعل
وعرّف انك من همه
…
وأنك في نصره ترفل
فما العاندون وما أمّلوا
…
وما الحاسدون وما قوّلوا
هم يطلبون فمن أدركوا؟
…
وهم يكذبون فمن يقبل؟
وهم يتمنّون ما يشتهون
…
ومن دونه جدّك المقبل
والمعاني المخترعة فيها واضحة للعيان وكفى المتنبي فضلا أن يأتي بمثلها.
وفي كتاب الروضة لأبي العباس المبرد، وهو كتاب جمعه واختار فيه أشعار شعراء بدأ فيه بأبي نواس ثم بمن كان في زمانه فقال مما أورده من شعره: وله معنى لم يسبق اليه بإجماع وهو قوله:
تدار علينا الراح في عسجدية
…
حبتها بأنواع التصاوير فارس
قرارتها كسرى وفي جنباتها
…
مها تدّريها بالقسيّ الفوارس
فللراح ما زرت عليه جيوبها
…
وللماء ما دارت عليه القلانس
فالمعنى مخترع ولكنه- كما يقول الجاحظ- من المعاني المشاهدة فإن هذه الخمر لم تحمل إلا ماء يسيرا وكانت تستغرق صور هذه الكأس الى مكان جيوبها وكان الماء فيها قليلا بقدر القلانس التي على رؤوسها وهذا حكاية حال مشاهدة بالبصر.
وثانيهما: المعاني التي تستخرج من غير شاهد حال متصورة فانها أصعب منالا مما يستخرج بشاهد الحال وقد قيل: إن أبا تمام أكثر الشعراء المتأخرين ابتداعا للمعاني وقد عدت معانيه المبتدعة فوجدت ما يزيد على عشرين معنى:
فمن ذلك قوله:
يا أيها الملك النائي برؤيته
…
وجوده لمراعي جوده كثب
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا
…
إن السماء ترجّى حين تحتجب