الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علمه، وقدرته، وحقّية التوحيد، وكرامة أهله عنده، ثمّ بيّن أن هدايتهم إلى التوحيد كانت بعناية الله ولطفه، فقال:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ} ؛ أي: من يوفّقه الله للاهتداء بآياته، وحججه إلى الحق، كأصحاب الكهف. {فَهُوَ الْمُهْتَدِ} الذي أصاب سبيل الحق، وفاز بالحظ الأوفر في الدارين، فلن يقدر على إضلاله أحد، والمراد: إما الثناء عليهم، بأنهم المهتدون، أو التنبيه على أن أمثال هذه الآية كثيرة، ولكن المنتفع بها من وفّقه الله للاستبصار بها، كأصحاب الكهف، وقوله:{فَهُوَ الْمُهْتَدِ} بدون ياء في الرسم؛ لأنها من ياءات الزوائد، وهي لا تثبت فيه، وأما في النطق فعند الوقف تحذف عند الجميع، وعند الوصل بعض السبعة يحذفها، وبعضهم يثبتها اهـ شيخنا.
وفي هذا (1): إيماء إلى أن أصحاب الكهف أصابوا الصّواب ووفّقوا لتحقيق ما أمّلوا من نشر الرحمة عليهم، وتهيئة المرفق لهم، {وَمَنْ يُضْلِلْ}؛ أي: ومن يضلله الله لسوء استعداده، وصرف اختياره إلى غير سبل الهدى والرشاد، {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}؛ أي: ناصرا يهديه إلى الحق، كدقيانوس وأصحابه؛ أي: فلن تجد له أبدًا خليلًا، ولا حليفًا يرشده لإصابة سبل الهداية، ويخلصه من الضلال؛ لأن التّوفيق والخذلان بيد الله، يوفق من يشاء من عباده، ويخذل من يشاء، وفي هذا تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم وإرشادٌ له إلى أنه لا ينبغي له أن يحزن على إدبار قومه عنه، وتكذيبهم إياه، فإن الله لو شاء .. لهداهم وآمنوا.
18
- {وَتَحْسَبُهُمْ} ؛ أي: وتحسب أيها الرسول أو أيّها المخاطب أصحاب الكهف، وتظنّهم لو رأيتهم {أَيْقاظًا}؛ أي: منتبهين لانفتاح أعينهم على هيئة الناظر {وَهُمْ رُقُودٌ} ؛ أي: نيام جمع راقد كقاعد، وقعود؛ أي: والحال أنهم راقدون نائمون؛ أي: ولو رأيتهم .. لظننتهم في حال يقظة لانفتاح أعينهم، كأنهم ينظرون إلى من أمامهم، والحال أنهم: نائمون لما بهم من الحال الخاصة بالنوم، كاسترخاء المفاصل، والأعضاء، ولا سيما العينان والوجه {وَنُقَلِّبُهُمْ}؛ أي:
(1) المراغي.
ونقلب هؤلاء الفتية في حال رقدتهم بأيدي الملائكة، أو بيد القدرة {ذاتَ الْيَمِينِ} نصب على الظرفية؛ أي: جهة تلي أيمانهم {وَذاتَ الشِّمالِ} ؛ أي: جهة تلي شمائلهم، كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم، على طول الزمان؛ أي: نحوّلهم في رقدتهم مرّة للجنب الأيمن، ومرّة للجنب الأيسر، كي ينال روح النّسيم جميع أبدانهم، ولا يتأثر ما يلي الأرض منها بطول المكث، والمراد بذات اليمين وذات الشمال هنا يمينهم وشمالهم أنفسهم، بخلاف ما تقدم، فإنّ المراد به يمين الكهف وشماله كما مر {وَكَلْبُهُمْ}؛ أي: وكلب أولئك الفتية، وهو كلب راع قد تبعهم على دينهم، واسمه قطمير {باسِطٌ ذِراعَيْهِ} حكاية حال ماضية؛ أي: وكلبهم ملق يديه على الأرض مبسوطتين غير مقبوضتين {بِالْوَصِيدِ} ؛ أي: بموضع الباب من الكهف والذراع (1) من المرفق إلى رأس الأصبع الوسطى قال في «القاموس» : الوصيد الفناء والعتبة. انتهى قال السدي: الكهف لا يكون له عتبة، ولا باب، وإنما أراد أنّ الكلب منه موضع العتبة من البيت {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ} أي: على أهل الكهف، أي: لو شاهدت يا محمد، أو أيها المخاطب في رقدتهم التي رقدوها في الكهف {لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ}؛ أي: لأدبرت {فِرارًا} منهم، والفرار الهرب، وهو منصوب على المصدرية من معنى ما قبله، إذ التولية، والفرار معناهما واحد؛ أي: ولّيت توليةً، وفررت فرارًا. {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}؛ أي: ولملئت (2) نفسك حين اطّلاعك عليهم خوفًا وفزعًا، فكل من رآهم فزع منهم فزعًا شديدًا لأنّ الله سبحانه قد ألبسهم هيبة ووقارًا كي لا يصل إليهم واصل ولا تلمسهم يد لامس، حتى يبلغ الكتاب أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الحين الذي أراد أن يجعلهم فيه عبرة لمن شاء من خلقه، وآية لمن أراد الاحتجاج عليهم من عباده، وليعلموا أنّ وعد الله حق، وأنّ السّاعة آتية لا ريب فيها.
وقرأ الجمهور (3): {وَنُقَلِّبُهُمْ} بالنون مزيد اعتناء الله بهم، حيث أسند
(1) روح البيان.
(2)
المراغي.
(3)
زاد المسير.