المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ}، وقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ}، وقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ

عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ}، وقوله:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ} إلى نحو ذلك من الآيات الكثيرة في هذا الباب، ثم أبان أن هذا إمهال لا إهمال، فقال:{بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ} ليس لهم منه محيص، ولا ملجأ يلتجئون إليه من عذابه.

‌59

- ثم ذكر ما هو كالدليل على ما سلف، فقال:{وَتِلْكَ الْقُرى} ؛ أي: قرى عاد وثمود وأضرابهما، وهي على تقدير المضاف؛ أي: وأهل تلك القرى مبتدأ خبره قوله تعالى: {أَهْلَكْناهُمْ} واستأصلناهم {لَمَّا ظَلَمُوا} وكفروا برسلهم؛ أي: وقت ظلمهم مثل ظلم أهل مكة بالتكذيب والجدال وأنواع المعاصي، و {لَمَّا} (1) إما حرف كما قال ابن عصفور، وإما ظرف استعمل للتعليل، وليس المراد به الوقت المعيّن الذي عملوا فيه الظلم، بل زمان من ابتداء الظلم إلى آخره {وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ}؛ أي: لهلاكهم {مَوْعِدًا} ؛ أي: وقتًا معينًا لا يتأخرون عنه.

والمعنى: أي (2) وتلك القرى من عاد، وثمود، وأصحاب الأيكة، أهلكناهم لما ظلموا، فكفروا بآياتنا، وجعلنا لهلاكهم ميقاتا، وأجلا حين بلغوه جاءهم عذابنا فأهلكناهم به، وهكذا جعلنا لهؤلاء المشركين من قومك الذين لا يؤمنون بك موعدا لهلاكهم، إذا جاء أهلكناهم، كما هي سنتنا في الذين خلوا من قبلهم من أضرابهم من سالفي الأمم، فليعتبروا بهم، ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم، وقرأ الجمهور (3){لِمَهْلِكِهِمْ} بضم الميم، وفتح اللام قال الزجاج: وفيه احتمالان: أحدهما: أن يكون مصدرًا مضافًا إلى المفعول، فيكون المعنى: وجعلنا لإهلاكهم، والثاني: أن يكون زمانا، فالمعنى لوقت هلاكهم، وقرأ حفص، وهارون عن أبي بكر بفتح الميم واللام، وهو مصدر مثل الهلاك، وهو مصدر مضاف إلى المفعول، أي لإهلاكهم، وقرأ حفصٌ عن عاصم بفتح الميم وكسر اللام، فيكون زمانًا، أي: لوقت إهلاكهم.

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

(3)

البحر المحيط وزاد المسير.

ص: 419

الإعراب

{وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} .

{وَإِذْ} {الواو} : استئنافية {إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: واذكر إذ قلنا، والجملة المحذوفة مستأنفة {قُلْنا} فعل وفاعل {لِلْمَلائِكَةِ}: متعلق به، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إذ} {اسْجُدُوا}: فعل أمر، وفاعل {لِآدَمَ} متعلق به، والجملة في محل النصب مقول {قُلْنا} {فَسَجَدُوا}:{الفاء} عاطفة {سجدوا} فعل وفاعل معطوف على {قُلْنا} {إِلَّا} : أداة استثناء متصل أو منقطع {إِبْلِيسَ} : منصوب على الاستثناء ممنوع من الصرف للعلمية والعجمية {كَانَ} : فعل ماض ناقص واسمه ضمير يعود على {إِبْلِيسَ} . {مِنَ الْجِنِّ} : خبره، وجملة {كَانَ}: مستأنفة مسوقة لبيان علة استثناء {إِبْلِيسَ} من الساجدين {فَفَسَقَ} : {الفاء} عاطفة {فسق} فعل ماض وفاعله ضمير يعود على إبليس {عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} : متعلق به، والجملة معطوفة على جملة {كَانَ} .

{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)} .

{أَفَتَتَّخِذُونَهُ} : {الهمزة} للاستفهام الإنكاري التعجبي، داخلة على محذوف، و {الفاء} عاطفة على ذلك المحذوف {تتخذونه} فعل وفاعل، ومفعول أول، {وَذُرِّيَّتَهُ}: معطوف على ضمير المفعول، ويجوز أن يكون مفعولًا معه {أَوْلِياءَ}: مفعول ثان لـ {اتخذ} {مِنْ دُونِي} : جار ومجرور صفة لـ {أَوْلِياءَ} أو متعلق بـ {تتخذونه} ، وجملة {اتخذ} معطوفة على تلك الجملة المحذوفة، والتقدير: أبعد ما عرفتم فسقه عن أمر ربه تتبعونه، فتتخذونه، وذريته أولياء من دوني، والجملة المحذوفة جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب، {وَهُمْ}: مبتدأ {لَكُمْ} : متعلق بـ {عَدُوٌّ} لأنه صفة على زنة المصادر كالقبول {عَدُوٌّ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من مفعول {تتخذونه} أو

ص: 420

من فاعله لأن فيها مصححًا لكل من الوجهين، وهو الرابط اهـ «سمين» {بِئْسَ}: فعل ماض جامد لإنشاء الذم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا مفسر بنكرة مذكورة بعده {لِلظَّالِمِينَ}: متعلق بـ {بَدَلًا} و {بَدَلًا} : تمييز لفاعل {بِئْسَ} ويجوز أن يتعلّق {لِلظَّالِمِينَ} بمحذوف حال من {بَدَلًا} وأن يتعلق بفعل الذمّ والمخصوص بالذم محذوف وجوبًا والتقدير: بئس البدل للظالمين بدلًا، والمخصوص بالذم إبليس وذريته، وجملة {بِئْسَ}: جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب. {ما} : نافية {أَشْهَدْتُهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول أول {خَلْقَ السَّماواتِ} : مفعول ثان {وَالْأَرْضِ} : معطوف على السموات، والجملة مستأنفة {وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ}: معطوف على {خَلْقَ السَّماواتِ} {وَما} {الواو} عاطفة {ما} نافية {كُنْتُ} : فعل ناقص واسمه {مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ} : خبره، ومضاف إليه، وفيه وضع الظاهر موضع المضمر، وجملة {كان} معطوفة على جملة قوله {ما أَشْهَدْتُهُمْ} {عَضُدًا}: مفعول ثان لـ {مُتَّخِذَ} لأنه اسم فاعل من اتخذ مضاف إلى مفعوله الأول.

{وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)} .

{وَيَوْمَ} {الواو} : استئنافية {يَوْمَ} : منصوب على الظرفية الزمانية، متعلق بمحذوف تقديره: واذكر يا محمد يوم يقول، والجملة المحذوفة مستأنفةٌ {يَقُولُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ {يَوْمَ} {نادُوا}: فعل وفاعل {شُرَكائِيَ} : مفعول به، ومضاف إليه {الَّذِينَ}: نعت لـ {شُرَكائِيَ} ، وجملة {نادُوا}: في محل النصب مقول لـ {يَقُولُ} {زَعَمْتُمْ} : فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: زعمتموهم شركائي {فَدَعَوْهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {يَقُولُ} لأن الماضي هنا بمعنى المستقبل؛ أي: يوم يقول نادوا شركائي فيدعونهم {فَلَمْ} : {الفاء} عاطفة {لم} حرف جزم ونفي {يَسْتَجِيبُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لم} {لَهُمْ} : متعلق به، والجملة معطوفة على جملة قوله {فَدَعَوْهُمْ} {وَجَعَلْنا}: فعل وفاعل {بَيْنَهُمْ} : ظرف في محل المفعول الثاني

ص: 421

لـ {جَعَلْنا} {مَوْبِقًا} : هو المفعول الأول له، والجملة معطوفة على جملة {فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا} .

{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)} .

{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {جَعَلْنا} {فَظَنُّوا}:{الفاء} عاطفة {ظنوا} فعل وفاعل معطوف على {رَأَى} {أَنَّهُمْ مُواقِعُوها} : ناصب واسمه وخبره، وجملة {أن} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {ظن} {وَلَمْ}:{الواو} عاطفة {لَمْ} {يَجِدُوا} : جازم وفعل وفاعل {عَنْها} : متعلق بـ {مَصْرِفًا} و {مَصْرِفًا} : مفعول به لـ {وجد} لأنه بمعنى أصاب، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {فَظَنُّوا}. {وَلَقَدْ}:{الواو} استئنافية و {اللام} موطئة للقسم {قد} حرف تحقيق {صَرَّفْنا} : فعل وفاعل {فِي هذَا الْقُرْآنِ} : متعلق به {لِلنَّاسِ} : متعلق بـ {صَرَّفْنا} أيضًا {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} : جار ومجرور صفة لمحذوف وقع مفعولًا لـ {صَرَّفْنا} تقديره: مثلًا من جنس كل مثل، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة، {وَكانَ الْإِنْسانُ}: فعل ناقص واسمه {أَكْثَرَ شَيْءٍ} : خبره {جَدَلًا} : تمييز محول عن اسم {كانَ} والأصل: وكان جدل الإنسان أكثر شيء، وجملة {كَانَ}: معطوفة على جملة {صَرَّفْنا} على كونها جواب القسم.

{وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا (55)} .

{وَما} {الواو} : عاطفة أو استئنافية {ما} نافية {مَنَعَ النَّاسَ} : فعل ومفعول أول {أَنْ يُؤْمِنُوا} : ناصب وفعل، وفاعل، والجملة في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا ثانيًا تقديره: وما منع الناس إيمانهم {إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بـ {يُؤْمِنُوا} {جاءَهُمُ الْهُدى}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ {إِذْ} {وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يُؤْمِنُوا} {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ {أَنْ تَأْتِيَهُمْ} : ناصب وفعل ومفعول به

ص: 422

مقدم {سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} : فاعل مؤخر، والجملة في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لـ {مَنَعَ} ولكنه على تقدير مضاف، والتقدير: وما منع الناس إيمانهم، وقت مجيء الهدى إياهم، واستغفارهم ربهم، إلا إتيان سنة الأولين إياهم؛ أي: إلا انتظار إتيان سنة الأولين إياهم، {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ}: فعل ومفعول وفاعل معطوفة على {أَنْ تَأْتِيَهُمْ} {قُبُلًا} : حال من الضمير، أو من العذاب، والتقدير: أو إلا انتظار إتيان العذاب إياهم، {قُبُلًا}: وجملة {مَنَعَ} : مستأنفة أو معطوفة على جملة {صَرَّفْنا} وفي الكرخي: وإنما احتيج إلى حذف المضاف، إذ لا يمكن جعل إتيان سنة الأولين مانعًا عن إيمانهم، فإن المانع يقارن الممنوع، وإتيان العذاب متأخرٌ عن عدم إيمانهم بمدة كثيرة اهـ.

{وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)} .

{وَمَا} {الواو} : عاطفة على {صَرَّفْنا} ، أو استئنافية، {ما} نافية {نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ}: فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ {مُبَشِّرِينَ} : حال من {الْمُرْسَلِينَ} {وَمُنْذِرِينَ} : معطوف على {مُبَشِّرِينَ} ، والجملة الفعلية مستأنفة أو معطوفة على {صَرَّفْنا} {وَيُجادِلُ الَّذِينَ}:{الواو} : استئنافية {يُجادِلُ الَّذِينَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {كَفَرُوا}: فعل، وفاعل صلة الموصول {بِالْباطِلِ}: متعلق بـ {يُجادِلُ} {لِيُدْحِضُوا} : {اللام} حرف جر وتعليل {يدحضوا} فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، {بِهِ} متعلق بـ {يدحضوا} {الْحَقَّ} مفعول به، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لإدحاض الحق به، الجار والمجرور متعلق بـ {يُجادِلُ} {وَاتَّخَذُوا}:{الواو} حالية أو استئنافية {اتَّخَذُوا} : فعل وفاعل {آياتِي} : مفعول أول {وَمَا} {الواو} عاطفة {ما} اسم موصول في محل النصب معطوف على {آياتِي} {أُنْذِرُوا} : فعل ونائب فاعل صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: وما أنذروا به، ويصح أن تكون {ما} مصدرية، والمصدر المؤول معطوف على {آياتِي} ، {هُزُوًا} مفعول ثاني لـ {اتَّخَذُوا} وجملة {اتَّخَذُوا} في محل النصب حال من فاعل {يجادل} على

ص: 423

تقدير قد أو مستأنفة.

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)} .

{وَمَنْ} {الواو} : استئنافية من اسم استفهام إنكاري بمعنى النفي في محل الرفع مبتدأ {أَظْلَمُ} : خبره، والجملة مستأنفة {مِمَّنْ}: جار ومجرور متعلق بـ {أَظْلَمُ} {ذُكِّرَ} : فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على من والجملة صلة الموصول {بِآياتِ رَبِّهِ}: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {ذُكِّرَ} {فَأَعْرَضَ}:{الفاء} عاطفة {أعرض} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {من} {عَنْها}: متعلق به، والجملة معطوفة على {ذُكِّرَ} {وَنَسِيَ}: فعل ماض، معطوف على {أعرض}: وفاعله ضمير يعود على {من} . {ما} : موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول {نَسِيَ} {قَدَّمَتْ يَداهُ}: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: ما قدمته يداه {إِنَّا} : ناصب واسمه وجملة {جَعَلْنا} خبره، وجملة إن مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها {عَلى قُلُوبِهِمْ} جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ {جَعَلْنا} {أَكِنَّةً}: مفعول أول له {أَنْ يَفْقَهُوهُ} : ناصب وفعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر إليه، وذلك المقدر منصوب على أنه مفعول لأجله، والتقدير: إنا جعلنا على قلوبهم أكنة كراهية فقههم بآيات الله {وَفِي آذانِهِمْ} : معطوفة على {قُلُوبِهِمْ} {وَقْرًا} : معطوف على {أَكِنَّةً} {وَإِنْ} : {الواو} عاطفة {أَنْ} حرف شرط {تَدْعُهُمْ} : فعل ومفعول مجزوم بـ {أَنْ} الشرطية، وفاعله ضمير يعود على محمد {إِلَى الْهُدى}: متعلق به {فَلَنْ} : {الفاء} رابطة الجواب وجوبًا لاقترانه بـ {لن} {يَهْتَدُوا} : فعل وفاعل منصوب بلن {إِذًا} : حرف جواب وجزاء مهمل {أَبَدًا} : ظرف متعلق بـ {يَهْتَدُوا} ، وجملة {يَهْتَدُوا}: في محل الجزم بـ {أَنْ} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {أَنْ} الشرطية معطوفة على جملة قوله:{إِنَّا جَعَلْنا} : عطف فعلية على اسمية.

ص: 424

{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)} .

{وَرَبُّكَ} {الواو} : استئنافية {رَبُّكَ} : مبتدأ {الْغَفُورُ} : خبر أول {ذُو الرَّحْمَةِ} : خبر ثان، والجملة مستأنفة، {لَوْ}: حرف شرط غير جازم {يُؤاخِذُهُمْ} : فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة فعل شرط لـ {لَوْ} لا محلّ لها من الإعراب، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {يُؤاخِذُهُمْ} {كَسَبُوا} : فعل وفاعل صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: بما كسبوه {لَعَجَّلَ} : {اللام} رابطة لجواب {لَوْ} {عجل} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {الله} {لَهُمُ} متعلق به {الْعَذابَ}: مفعول به، والجملة جواب لولا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} الشرطية مستأنفة، أو في محل الرفع خبر ثالث، لربك {بَلْ}: حرف إضراب وابتداء {لَهُمُ} : خبر مقدم {مَوْعِدٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة {لَنْ يَجِدُوا}: ناصب وفعل وفاعل {مِنْ دُونِهِ} : جار ومجرور حال من {مَوْئِلًا} أو متعلق بـ {يَجِدُوا} و {مَوْئِلًا} : مفعول به، وجملة {لَنْ يَجِدُوا}: في محل النصب حال من ضمير {لَهُمُ} أو في محل الرفع صفة لـ {مَوْعِدٌ} {وَتِلْكَ} : مبتدأ {الْقُرى} بدل منه {أَهْلَكْناهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة {لَمَّا}: ظرف بمعنى حين متعلق بـ {أهلكنا} ، وجملة {ظَلَمُوا}: في محل الجر مضاف إليه لـ {لَمَّا} الحينية {وَجَعَلْنا} : فعل وفاعل معطوف على {أهلكنا} {لِمَهْلِكِهِمْ} : حال من {مَوْعِدًا} أو متعلق به لأن {جعل} هنا بمعنى قدر، وعين {مَوْعِدًا}: مفعول به لـ {جَعَلْنا} .

التصريف ومفردات اللغة

{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} ؛ أي: خرج يقال: فسق الرطب إذا خرج عن قشره، قال الفراء: العرب تقول: فسقت الرطبة عن قشرها لخروجها منه. {وَذُرِّيَّتَهُ} والذرية: الأولاد، وبذلك قال جمع من العلماء، منهم: الضحّاك، والأعمش،

ص: 425

والشعبيُّ، وقيل: المراد بهم الأتباع من الشياطين. قال أبو نصر القشيري، وبالجملة: فإن الله تعالى أخبر بأن لإبليس أتباعًا، وذرية، وأنهم يوسوسون إلى بني آدم، وهم أعداؤهم، ولم يثبت عندنا علم بكيفيّة التوالد منهم، وحدوث الذرية من إبليس، فيتوقف الأمر فيه على نقل صحيح اهـ. {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} والعدو اسم جنس يطلق على الواحد، والكثير، كما قال {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77)} ، وقال:{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} {عَضُدًا} ، والعضد: أصله ما بين المرفق إلى الكتف، ويستعمل بمعنى المعين كاليد، ونحوها، وهو المراد هنا، وفي «السمين»: والعضد من الإنسان، وغيره معروف، ويعبر به عن المعين، والناصر، يقال: فلان عضدي، ومنه {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}؛ أي: سنقوي نصرتك ومعونتك اهـ.

{فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} ، أي: فلم يجيبوا لهم فالسين والتاء زائدتان {مَوْبِقًا} الموبق مكان الوبوق؛ أي: الهلاك، وهو النار وفي «القاموس»: وبق كوعد ووجل، وورث وبوقا، وموبقًا هلك، وكمجلس المهلك والموعد، والمحبس واد في جهنم، وكل شيء حال بين شيئين، وأوبقه حبسه أو أهلكه وأوبقته ذنوبه: أهلكته اهـ. وفي أبي السعود: {وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ} ، أي: بين الداعين والمدعوين {مَوْبِقًا} اسم مكان، أو مصدر من وبق وبوقًا كوثب وثوبًا أو وبق وبقا كفرح فرحًا، إذا هلك؛ أي: مهلكًا يشتركون فيه وهو النار {مَصْرِفًا} أي: مكانًا ينصرفون إليه. وفي «السمين» والمصرف يجوز أن يكون اسم مكانٍ أو زمان، وقال أبو البقاء:{مَصْرِفًا} أي: انصرافًا، ويجوز أن يكون مكانًا اهـ. {جَدَلًا}؛ أي: خصومة في الباطل قال الفرزدق:

ما أنت بالحكم التُّرضى حكومته

ولا الأصيل ولا ذي الرّأي والجدل

{سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} الإهلاك بعذاب الاستئصال، {قُبُلًا} والقبل، بضمتين الأنواع والألوان واحدها قبيل كسبل وسبيل وفي «القاموس»: رأيته قبلا (بضمتين) وقَبْلا (بفتح فسكون) وقَبَلا (بفتحتين) وقِبَلًا (بكسر ففتح) وقُبَيلًا (بضم ففتح) وقبيلًا؛ أي: عيانًا، ومقابلةً، وقال الفراء: إن قبلا جمع قبيل؛ أي: متفرقا يتلو

ص: 426

بعضه بعضًا، وقيل: عيانًا، وقيل: فجأة {لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} ، والإدحاض الإزلاق يقال أدحض قدمه؛ أي: أزلقها، وأزلها من موضعها، والحجة الداحضة التي لا ثبات لها، والدحض الطين: لأنه يزلق فيه، ومكان دحض من هذا اهـ «سمين». وفي «المختار»: دحضت حجته بطلت، وبابه خضع وأدحضها الله، ودحضت رجله زلقت وبابه قطع، والإدحاض الإزلاق اهـ.

{أَكِنَّةً} ؛ أي: أغطية جمع كنان كزمام، وأزمة، وأصله أكننة، كأزممة نقلت حركة النون إلى الكاف، قبلها، ثم أدغمت في التي بعدها اهـ شيخنا وفي «القاموس»: أنّه جمع كن أيضًا، ونصه: والكن - بالكسر - وقاء كل شيءٍ وستره كالكنة، والكنان بكسرهما، والجمع أكنان وأكنة اهـ {وَقْرًا}؛ أي: ثقلا في السمع {مَوْئِلًا} والموئل المرجع، من وأل، يئل، وألًا، وؤولًا إذا رجع، وهو من التأويل، وقال الفراء: الموئل المنجا، يقال وألت نفسه، أي نجت، وقال ابن قتيبة: الموئل الملجأ يقال وأل فلان إلى فلان يئل، وألا، وؤولا إذا لجأ إليه، وهو هنا مصدر اهـ. وفي «المصباح»: وأل إلى الله يئل - من باب وعد - التجأ إليه، وباسم الفاعل سمي ومنه: وائل بن حجر، وهو صحابي، وسحبان بن وائل، ووأل رجع، وإلى الله الموئل؛ أي: المرجع اهـ. {لِمَهْلِكِهِمْ} بضم الميم اسم مصدر لأهلك لكنه على زنة اسم المفعول، وهو مضاف لمفعوله؛ أي: لإهلاكنا إياهم.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة، وضروبًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الجناس المماثل في قوله: {اسْجُدُوا} {فَسَجَدُوا} .

ومنها: الاستفهام الإنكاري التعجبي في قوله: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ} .

ومنها: الطباق بين {أَوْلِياءَ} و {عَدُوٌّ} في قوله: {أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} لأن الأولياء معناه الأصدقاء وإن كان مجازًا عن الأتباع.

ص: 427

ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ} إذ المراد بالمضلين من انتفى عنهم إشهاد خلق السموات والأرض اهـ سمين.

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {عَضُدًا} لأنه حقيقة في العضو المعروف، ثمّ استعير للمعين والناصر.

ومنها: التهكم في قوله: {نادُوا شُرَكائِيَ} لأنه أضافهم إليه على زعمهم تهكمًا بهم، وتقريعًا لهم.

ومنها: الطباق بين {مُبَشِّرِينَ} {وَمُنْذِرِينَ} ، وبين {الْحَقَّ} {والباطل} في قوله:{وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} .

ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ} .

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {ما قَدَّمَتْ يَداهُ} ؛ لأن اليدين مجاز عن النفس من إطلاق البعض، وإرادة الكل.

ومنها: جناس الاشتقاق بين {الْهُدى} و {يَهْتَدُوا} في قوله: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا} .

ومنها: المبالغة في قوله: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ} .

ومنها: المجاز في قوله: {وَتِلْكَ الْقُرى} ؛ أي: أهل تلك القرى من إطلاق المحل، وإرادة الحال.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 428

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَبًا (62) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَاّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصًا (64) فَوَجَدا عَبْدًا مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلامًا فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى، لما ذكر (1) قصص المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأنصار، وامتنعوا عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يشتركوا مع أولئك الصعاليك في مجلس واحد، ولئلا يؤذوهم بمناظرهم البشعة، وروائحهم المستقذرة .. قفّى على ذلك بذكر قصص موسى عليه السلام مع الخضر، ليبين بها أن موسى مع كونه نبيًا صادقًا، أرسله الله إلى بني إسرائيل بشيرًا ونذيرًا، وهو كليم الله، أمر أن يذهب إلى الخضر، ليتعلم منه ما لم يعلمه، وفي ذلك دليل على أن التواضع خير من التكبر.

(1) المراغي.

ص: 429

مقدمة تشرح هذا القصص

1 -

مَنْ موسى؟

أكثر العلماء على أنّ موسى الذي ذكر في هذه الآية، هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، صاحب المعجزات الظاهرة، والشريعة الباهرة، ولهم على ذلك أدلة:

1 -

أنه ما ذكر الله موسى في كتابه إلا أراد صاحب التوراة، فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه، ولو كان شخصا آخر سمي بهذا الاسم، لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز، وتزيل الشبهة.

2 -

ما أخرجه البخاري، ومسلم في جماعة آخرين، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: إن نوفًا البكالي بن فضالة ابن امرأة كعب من أصحاب أمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه، يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، فقال: كذب عدو الله.

وذهب أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدثين والمؤرخين، أنّ موسى هنا هو موسى بن ميشى بن يوسف بن يعقوب، وكان نبيًا قبل موسى بن عمران، ولهم على ذلك أدلة:

1 -

أن موسى بعد أن أنزلت عليه التوراة، وكلّمه بلا واسطة، وحج خصمه بالمعجزات العظيمة التي لم يتفق مثلها لأكثر الأنبياء، يبعد أن يبعثه الله بعد ذلك ليستفيد علما من غيره. وردّ هذا: بأنه لا يبعد بأن العالم الكامل في أكثر العلوم يجهل بعض أشياء، فيحتاج في تعلمها إلى من دونه، وهذا مشاهد معلومٌ.

2 -

أن موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر، وذهابه إلى التيه، توفي، ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته، ولو كانت هذه القصة معه، لاقتضت خروجه من التيه؛ لأنها لم تكن وهو في مصر بالاتفاق.

3 -

أنها لو كانت معه لاقتضت غيبته أيامًا، ولو كان كذلك .. لعلمها الكثير من بني إسرائيل الذين كانوا معه، ونقلت لتوافر الدواعي على نقلها، ولم

ص: 430

يكن شيء من ذلك، فإذًا لم تكن معه. وردّ هذا: بأنه قد يكون موسى عليه السلام خرج وغاب أيامًا، لكن لم يعلموا أنه ذهب لهذا الغرض، بل ذهب ليناجي ربه، ولم يقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، فأوصى فتاه بكتمان ذلك، وعلى الجملة: فإنكارهم لا يؤبه به، وهو جائز عقلا، وقد أخبر به سبحانه رسوله.

2 -

من فتاه؟

فتى موسى: هو يوشع بن نون، بن أفراشيم، بن يوسف عليه السلام، وقد كان يخدمه ويتعلّم منه، والعرب تسمّي الخادم فتًى، لأن الخدم أكثر ما يكونون في سن الفتوة، كما يطلقون على العبد فتى، وفي الحديث الصحيح:«ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي» وهذا من محاسن الآداب الشرعية.

3 -

من الخضر؟

الخضر: - بفتح الخاء وكسرها وكسر الضاد، وسكونها -: لقبٌ لصاحب موسى، واسمه بليا - بفتح الباء وسكون اللام - ابن ملكان، والأكثرون على أنه كان نبيًا، ولهم على ذلك أدلة:

1 -

قوله: {آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا} ، والرحمة النّبوّة بدليل قوله:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} .

2 -

قوله: {وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} ، وهذا يقتضي أنه علمه بلا واسطة معلم، ولا إرشاد مرشد، وكلّ من كان كذلك كان نبيًا.

3 -

أنه قال له موسى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ} ، والنبي لا يتعلّم من غير النبي.

4 -

أنه قال: {وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} ؛ أي: بل قد فعلته بوحي من الله، وهذا دليل النبوة.

4 -

أين كان مجمع البحرين؟

ص: 431

مجمع البحرين: هو المكان الذي يجتمع فيه البحران ويصيران بحرًا واحدًا، وفيه رأيان:

1 -

أنه ملتقى بحري فارس والروم، ملتقى المحيط الهندي والبحر الأحمر عند باب المندب.

2 -

أنه ملتقى بحر الروم والمحيط الأطلنطي عند طنجة، قاله محمد بن كعب القرظي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق أمام طنجة.

قال البقاعي: والله أعلم إنّه مجمع النيل، والملح عند دمياط أو رشيد من بلاد مصر، ويؤيده نقر العصفور في البحر الذي ركب فيه سفينته للتعدية، كما ورد في الحديث، فإنّ الطير لا يشرب من الماء الملح اهـ. وليس في الكتاب الكريم ما يدل على تعيين هذين البحرين، فإن جاء في الخبر الصحيح شيء فذاك، وإلا فيجمل السكوت عنه.

قصة الخضر مع موسى عليهما السلام

واعلم: أنه قد رويت في قصة الخضر مع موسى المذكورة في الكتاب العزيز أحاديث كثيرة بروايات مختلفة، وأتم الروايات وأصحها، ما روى الشيخان عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قلت لابن عباس: إن نوفًا البكالي يزعم: أن موسى صاحب الخضر، ليس موسى صاحب بني إسرائيل، قال ابن عباس: كذب عدو الله. حدثنا أبيّ بن كعب: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل أيّ الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ لي عبدا بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى: يا رب، فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتل، فحيثما فقدت الحوت، فهو ثمّ، فأخذ حوتًا فجعله في مكتل، ثمّ انطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى أتيا الصخرة، وضعا رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في

ص: 432

البحر، فاتخذ سبيله في البحر سربًا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه:{آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَبًا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به، فقال له فتاه:{أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} قال: فكان للحوت سربًا، ولموسى وفتاه عجبًا، فقال موسى:{ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصًا} » قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة، لا يصيب ماؤها ميتًا إلّا عاش، قال: وكان قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان أثرهما، حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجّى بثوب، فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل، قال: نعم، قال: أتيتك لتعلّمني مما علّمت رشدًا، قال:{إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} يا موسى، إني على علم من الله علّمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من الله، علّمك الله لا أعلمه، قال موسى:{سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} فقال له الخضر: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة، فكلّموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر، فحملوه بغير نولٍ، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدّوم، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها؟! لقد جئت شيئًا إمرًا. قال {: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} {قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)} قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فكانت الأولى من موسى نسيانًا قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السفينة، فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلّا مثل ما نقص هذا العصفور الذي وقع على حرف السفينة، من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده، فاقتلعه بيده، فقتله، فقال موسى:{أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} {قالَ أَلَمْ أَقُلْ

ص: 433