الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوقكم بريح يرسلها عليكم، فيها الحصباء يرجمكم بها، فيكون أشدّ عليكم من الغرق في البحر.
69
- و {أَمْ} في قوله: {أَمْ أَمِنْتُمْ} منقطعة تقدر بـ {بل} وبهمزة الاستفهام الإنكاري؛ أي: بل أأمنتم {أَنْ يُعِيدَكُمْ} الله سبحانه وتعالى {فِيهِ} ؛ أي: في البحر بعد خروجكم إلى البر وسلامتكم {تارَةً} ؛ أي: مرة {أُخْرى} بخلق دواعٍ وأسباب تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه، فإسناد (1) الإعادة إليه تعالى مع أنّ العود إليه باختيارهم باعتبار خلق تلك الدواعي الملجئة، وفيه إيماء إلى كمال شدة هول ما لاقوه في التارة الأولى، بحيث لولا الإعادة لما عادوا، وأوثرت كلمة (في) على كلمة (إلى) المنبئة عن مجرد الانتهاء للدلالة على استقرارهم فيه.
{فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ} وأنتم في البحر {قاصِفًا} ، أي: شديدًا {مِنَ الرِّيحِ} كاسرًا لما مر عليه، والقاصف من الريح هي التي لا تمر بشيء إلا قصفته؛ أي: كسرته، وجعلته كالرميم، وذكّر قاصفا؛ لأنه ليس بإزائه ذكر فجرى مجرى حائض كما في «الكواشي» {فَيُغْرِقَكُمْ} سبحانه بعد كسر فلككم كما ينبىء عنه عنوان القصف {بِما كَفَرْتُمْ}؛ أي: بسبب إشراككم وكفرانكم، لنعمة الإنجاء {ثُمَّ لا تَجِدُوا} ناصرًا {لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ}؛ أي: بإغراقكم {تَبِيعًا} ؛ أي: ثائرًا، ولا طالبًا يطالبنا بثأر إغراقكم، أو بصرفه عنكم، والمعنى؛ أي: أم أمنتم أيها المعرضون عنّا بعدما اعترفتم بتوحيدنا في البحر، حتى خرجتم إلى البر، أن يعيدكم فيه مرّة أخرى فيرسل عليكم ريحا تقصف السّواري، وتغرق المراكب بسبب كفركم، وإعراضكم عن الله، ثمّ لا تجدوا لكم نصيرا يعينكم، ويأخذ بثأركم، وقال قتادة في تفسيرها: أي: لا نخاف أحدًا يتبعنا بشيء ممّا فعلنا، يريد أنكم لا تجدون ثائرا يطلبنا بما فعلنا انتصارا منا، أو دركا للثأر من جهتنا، وفي معنى الآية قوله:{فَسَوَّاها (14) وَلا يَخافُ عُقْباها (15)} ، وفي الآية وعيد أيما وعيد، فكأنه قيل: ننتقم منكم من غير أن يكون لكم نصيرٌ يدفع عنكم شديد بأسنا.
(1) روح البيان.
وقرأ ابن كثير (1)، وأبو عمرو، {نخسف} و {أو نرسل} و {أن نعيدكم} و {فنرسل} و {فنغرقكم} خمستها بالنون، وباقي القراء بياء الغيبة، وقرأ مجاهد، وأبو جعفر، فتغرقكم بتاء الغائبة مسندًا إلى الريح، وقرأ الحسن، وأبو رجاء، فيغرقكم بياء الغيبة وفتح الغين، وشدّ الراء عداه بالتضعيف، والمقرىء لأبي جعفر كذلك إلّا بتاء الغيبة، وقرأ حميد بالنون، وإسكان الغين وإدغام القاف في الكاف، ورويت عن أبي عمرو وابن محيصن، وقرأ الجمهور من الريح بالإفراد، وأبو جعفر من الرياح جمعًا، والله أعلم.
الإعراب
{وَقُلْ} {الواو} عاطفة أو استئنافية {قُلْ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على ما سبق من الأوامر، ليستكمل التعاليم التي بها قوام أمورهم، أو مستأنفة {لِعِبادِي} جار ومجرور متعلق به، {يَقُولُوا} فعل مضارع بمعنى يذكروا .. مجزوم بالطلب السابق، وعلامة جزمه حذف النون، و {الواو} فاعل {الَّتِي} في محل النصب على المفعولية على كونها صفة للموصوف المحذوف، تقديره: يقولوا الكلمة التي هي أحسن، والمراد بالكلمة: الكلمة اللغوية، على حد قول ابن مالك: وكلمة بها كلام قد يؤم {هِيَ أَحْسَنُ} مبتدأ وخبر، والجملة صلة الموصول، {إِنَّ الشَّيْطانَ} ناصب واسمه {يَنْزَغُ} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {الشَّيْطانَ} {بَيْنَهُمْ} ظرف، ومضاف إليه متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها {إِنَّ الشَّيْطانَ} ناصب واسمه {كانَ} فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الشيطان {لِلْإِنْسانِ} جار ومجرور متعلق بـ {عَدُوًّا} {عَدُوًّا} خبر {كانَ} {مُبِينًا} صفة لـ {عَدُوًّا} ، وجملة {كانَ} في محل الرفع خبر {إِنَّ} ،
(1) البحر المحيط.
وجملة {إِنَّ} مسوقة لتعليل قوله: {يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} .
{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ} مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة {بِكُمْ} متعلق بـ {أَعْلَمُ} {إِنْ يَشَأْ} جازم وشرط مجزوم، وفاعله ضمير يعود على الرب {يَرْحَمْكُمْ} فعل ومفعول مجزوم على كونه جواب الشرط، وفاعله ضمير يعود على الرب، والجملة الشرطية مستأنفة {أَوْ} حرف عطف وتفصيل {إِنْ يَشَأْ} جازم وفعل مجزوم وفاعله ضمير يعود على الرب {يُعَذِّبْكُمْ} فعل ومفعول مجزوم على كونه جواب الشرط، والجملة الشرطية معطوفة على الشرطية الأولى {وَما} {الواو} عاطفة {ما} نافية {أَرْسَلْناكَ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة الشرط {عَلَيْهِمْ} متعلق بـ {وَكِيلًا} {وَكِيلًا} حال من الكاف في {أَرْسَلْناكَ} أي: وما أرسلناك إليهم حالة كونك موكولًا إليه أمرهم فتحاول هدايتهم.
{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ} مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على جملة قوله:{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} {بِمَنْ} جار ومجرور متعلق بـ {أَعْلَمُ} {فِي السَّماواتِ} جار ومجرور صلة {من} الموصولة {وَالْأَرْضِ} معطوف على {السَّماواتِ} {وَلَقَدْ} {الواو} استئنافية و {اللام} موطئة للقسم {قد} حرف تحقيق {فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب لقسم محذوف، وجملة القسم مستأنفة {عَلى بَعْضٍ} جار ومجرور متعلق بـ {فَضَّلْنا} {وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا} فعل وفاعل ومفعولان، والجملة معطوفة على جملة {فَضَّلْنا} .
{قُلِ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة {ادْعُوا الَّذِينَ
…
} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{ادْعُوا الَّذِينَ} فعل
وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول {قُلِ} {زَعَمْتُمْ} فعل وفاعل ومفعولا {زعم} محذوفان للعلم بهما، تقديره؛ زعمتموهم آلهةً، وجملة زعم صلة الموصول {مِنْ دُونِهِ} جار ومجرور حال من الموصول، لأن في الكلام تقديمًا، وتأخيرًا، تقديره: قل ادعوا الذين من دونه، زعمتم أنهم شركاء لله، فلا يرد السؤال، كيف قال من دونه مع أنّ المشركين، ما زعموا غير الله إلها دون الله، بل مع الله على وجه الشركة اهـ كرخي. {فَلا} {الفاء} استئنافية {لا} نافية {يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ} فعل وفاعل {عَنْكُمْ} متعلق بـ {كَشْفَ} ، والجملة الفعلية مستأنفة، {وَلا} {الواو} عاطفة لا نافية {تَحْوِيلًا} معطوف على {كَشْفَ الضُّرِّ} .
{أُولئِكَ} مبتدأ واقع على الذين زعموهم آلهة من العقلاء {الَّذِينَ} بدل من {أُولئِكَ} ، أو عطف بيان عليه {يَدْعُونَ} فعل وفاعل والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: يدعونهم {يَبْتَغُونَ} فعل وفاعل {إِلى رَبِّهِمُ} متعلق بـ {الْوَسِيلَةَ} {الْوَسِيلَةَ} مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، ويجوز لك أن تعرب الذين هو الخبر، وجملة {يَبْتَغُونَ} حال من فاعل {يَدْعُونَ}. {أَيُّهُمْ} أي: اسم موصول في محل الرفع بدل من فاعل {يَبْتَغُونَ} و {الهاء} مضاف إليه {أَقْرَبُ} خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو أقرب والجملة صلة الموصول، ويجوز أن تعرب {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} على الابتداء، والخبر على جعل أيّ استفهامية، والجملة الاسمية في محل النصب على إسقاط الخافض على إضمار فعل التعليق، تقديره: ينظرون في أيهم أقرب، وجملة الفعل المعلق حال من فاعل {يَبْتَغُونَ} . {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يَبْتَغُونَ} {وَيَخافُونَ عَذابَهُ} فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يَرْجُونَ} . {إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ} ناصب واسمه، ومضاف إليه {كانَ مَحْذُورًا} فعل ناقص وخبره واسمه ضمير يعود على العذاب، وجملة {كانَ} في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل جملة الخوف.
{وَإِنْ} {الواو} استئنافية {إِنْ} نافية {مِنْ} زائدة {قَرْيَةٍ} مبتدأ {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ {نَحْنُ مُهْلِكُوها} مبتدأ، وخبر {قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ} متعلق بـ {مُهْلِكُوها} ، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر للمبتدأ الأول، وجملة الأول مستأنفة {أَوْ مُعَذِّبُوها} معطوف على {مُهْلِكُوها} {عَذابًا} مفعول مطلق لـ {مُعَذِّبُوها} {شَدِيدًا} صفة {عَذابًا} . {كانَ ذلِكَ} فعل ناقص واسمه {فِي الْكِتابِ} متعلق بـ {مَسْطُورًا} {مَسْطُورًا} خبر {كانَ} وجملة {كانَ} مستأنفة.
{وَما} {الواو} عاطفة أو استئنافية {ما} نافية {مَنَعَنا} فعل ومفعول أول {أَنْ نُرْسِلَ} ناصب وفعل، وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول الإرسال محذوف، تقديره: نرسل رسولًا {بِالْآياتِ} جار ومجرور متعلق بـ {نُرْسِلَ} أو حال من المفعول المحذوف، تقديره: أن نرسل رسولًا حالة كونه ملتبسا بالآيات، والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا ثانيًا لـ (منع) تقديره؛ وما منعنا إرسال رسول بالآيات {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ {أَنْ كَذَّبَ} ناصب ومنصوب {بِهَا} متعلق به {الْأَوَّلُونَ} فاعل، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية، لـ {منع} تقديره: وما منعنا إرسال رسول بالآيات إلا تكذيب الأولين بها، وجملة {منع} معطوفة على جملة قوله:{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ} أو مستأنفة. {وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ} فعل وفاعل ومفعولان، والجملة مستأنفة {مُبْصِرَةً} حال من {النَّاقَةَ} . {فَظَلَمُوا} {الفاء} عاطفة {ظلموا} فعل وفاعل {بِهَا} متعلق به، والجملة معطوفة على جملة {آتَيْنا} . وَما {الواو} حالية {ما} نافية {نُرْسِلَ} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله {بِالْآياتِ} متعلق بـ {نُرْسِلَ} أو حال من المفعول المحذوف كما مر نظيره آنفًا {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ {تَخْوِيفًا} مفعول لأجله منصوب بـ {نُرْسِلَ} ؛ أو حال من فاعل {نُرْسِلَ} أي حالة كوننا مخوفين بها، أو من {الآيات} أي: مخوفًا بها.
{وَإِذْ} {الواو} استئنافية {إِذْ} ظرف لما مضى متعلق بمحذوف تقديره: واذكر لقومك قصة إذ قلنا لك {قُلْنا} فعل وفاعل {لَكَ} جار ومجرور متعلق بـ {قُلْنا} ، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ {إِذْ} {إِنَّ رَبَّكَ} ناصب واسمه {أَحَاطَ} فعل ماض {بِالنَّاسِ} متعلق به، وفاعله ضمير يعود على الله، وجملة {أَحاطَ} في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {إِنَّ} في محل النصب مقول {قُلْنا} {وَما} {الواو} استئنافية {ما} نافية {جَعَلْنَا الرُّؤْيَا} فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة مستأنفة {الَّتِي} اسم موصول في محل النصب صفة لـ {أَرَيْناكَ} {أَرَيْناكَ} فعل وفاعل ومفعول أول، والمفعول الثاني محذوف تقديره أريناكها، وهو العائد على الموصول، وجملة {أَرَيْناكَ} صلة الموصول {إِلَّا} أداء استثناء مفرغ {فِتْنَةً} مفعول ثان لـ {جَعَلْنَا} {لِلنَّاسِ} جار ومجرور صفة لـ {فِتْنَةً} .
{وَالشَّجَرَةَ} معطوف على {الرُّؤْيَا} . {الْمَلْعُونَةَ} صفة لـ {الشَّجَرَةَ} . {فِي الْقُرْآنِ} جار ومجرور حال من {الشَّجَرَةَ} ؛ أي: حالة كونها مذكورة في القرآن، {وَنُخَوِّفُهُمْ} {الواو} استئنافية {نُخَوِّفُهُمْ} فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة {فَمَا} {الفاء} عاطفة {ما} نافية {يَزِيدُهُمْ} فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على التخويف {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ {طُغْيانًا} مفعول ثان {كَبِيرًا} صفة له، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {نخوف} .
{وَإِذْ} {الواو} استئنافية {إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: واذكر قصّة إذ قلنا للملائكة {قُلْنا} فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ {إِذْ} {لِلْمَلائِكَةِ} متعلق بـ {قُلْنا} {اسْجُدُوا لِآدَمَ} مقول محكي، وإن شئت قلت:{اسْجُدُوا} فعل وفاعل {لِآدَمَ} متعلق به، والجملة في محل
النصب مقول {قُلْنا} {فَسَجَدُوا} {الفاء} عاطفة {سجدوا} فعل وفاعل معطوف على {قُلْنا} {إِلَّا} أداة استثناء {إِبْلِيسَ} منصوب على الاستثناء {قالَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {إِبْلِيسَ} والجملة في محل النصب حال من {إِبْلِيسَ} {أَأَسْجُدُ} إلى آخر الآية مقول محكي لـ {قالَ} ، وإن شئت قلت:{الهمزة} للاستفهام الإنكاري، {أَسْجُدُ} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {إِبْلِيسَ} والجملة في محل النصب مقول {قالَ} {لِمَنْ} جار ومجرور متعلق بـ {أَسْجُدُ} {خَلَقْتَ} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: لمن خلقته {طِينًا} حال من من الموصولة، والعامل فيه {أَسْجُدُ} أو من العائد المحذوف، والعامل {خَلَقْتَ} أو منصوب بنزع الخافض أي: من طين أو مفعول منه، منصوب بـ {خَلَقْتَ} كقوله تعالى:{وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ} ؛ أي: من قومه؛ لأن قومه مفعول به كما ذكرنا في مبحثه.
{قالَ} فعل ماض وفاعله ضمير يعود على {إِبْلِيسَ} ، والجملة مستأنفة {أَرَأَيْتَكَ} إلى قوله:{قالَ} مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{أرايت} فعل وفاعل، و {الكاف} حرف دال على الخطاب لتأكيد الخطاب المفهوم من {التاء} ، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قالَ} {هذَا} في محل النصب مفعول أول لـ {رأيت} {الَّذِي} صفة لاسم الإشارة، أو بدل منه {كَرَّمْتَ} فعل وفاعل {عَلَيَّ} متعلق به، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: كرمته عليّ والمفعول الثاني لـ {أَرَأَيْتَكَ} محذوف لدلالة الصلة عليه، ولا بد من كونه جملة استفهامية، والتقدير: أخبرني عن هذا الذي كرمته علي، بأن أمرتني بالسجود له، لم كرمته علي؛ أي: تقديره أرأيتك هذا الذي كرمته علي لم كرمته علي، ولم يجبه الله تعالى عن هذا السؤال، استصغارًا لأمره، واحتقارًا لشأنه، فاختصر الكلام بحذف ذلك، ثمَّ ابتدأ بالقسم فقال:{لَئِنْ} {اللام} موطئة للقسم {إن} حرف شرط {أَخَّرْتَنِ} فعل وفاعل، ومفعول ونون وقاية في محل الجزم
بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها {إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {أَخَّرْتَنِ} {لَأَحْتَنِكَنَّ} {اللام} موطئة للقسم مؤكدة للأولى {أحتنكن} فعل مضارع في محل الرفع، لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنا يعود على إبليس {ذُرِّيَّتَهُ} مفعول به {إِلَّا} أداة استثناء {قَلِيلًا} مستثنى من الذرية منصوب بإلا على الاستثناء، والجملة الفعلية: جواب القسم لا محلّ لها من الإعراب، وجملة القسم في محل النصب مقول {قالَ} وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، تقديره: إن أخرتني أحتنك ذريته إلّا قليلا وجملة الشرط معترضة بين القسم وجوابه في محل النصب مقول {قالَ} .
{قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُورًا (63)} .
{قالَ} فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة {اذْهَبْ} مقول محكي، وإن شئت قلت:{اذْهَبْ} فعل أمر وفاعله ضمير يعود على إبليس، والجملة في محل النصب مقول {قالَ} {فَمَنْ} {الفاء} استئنافية {من} اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط، أو هما {تَبِعَكَ} فعل ومفعول في محل الجزم بـ {من} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {من} {مِنْهُمْ} جار ومجرور حال من ضمير الفاعل في {تَبِعَكَ} {فَإِنَّ} {الفاء} رابطة لجواب {من} الشرطية {إن جهنم جزاؤكم} ناصب واسمه وخبره، وجملة {إن} في محل الجزم بـ {من} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {من} الشرطية مستأنفة {جَزاءً} منصوب على المفعولية المطلقة بالمصدر المذكور قبله، أو بفعل محذوف تقديره: تجزون جزاء {مَوْفُورًا} صفة لـ {جَزاءً} .
{وَاسْتَفْزِزْ} فعل أمر وفاعله ضمير يعود على إبليس، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {اذْهَبْ} {مَنِ} اسم موصول في محل النصب مفعول
به {اسْتَطَعْتَ} فعل وفاعل، ومفعوله، محذوف تقديره: من استطعت استفزازه، والجملة صلة {مَنِ} الموصولة، والعائد الضمير المحذوف {مِنْهُمْ} جار ومجرور حال من {مَنِ} الموصولة، أو من العائد المحذوف {بِصَوْتِكَ} جار ومجرور متعلق بـ {اسْتَفْزِزْ} {وَأَجْلِبْ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على إبليس، والجملة معطوفة على جملة {اذْهَبْ} {عَلَيْهِمْ} متعلق بـ {أَجْلِبْ} {بِخَيْلِكَ} جار ومجرور حال من فاعل {أَجْلِبْ}؛ أي: حالة كونك مصحوبًا بخيلك، {وَرَجِلِكَ} معطوف على خيلك، {وَشارِكْهُمْ} فعل ومفعول معطوف على {اذْهَبْ} وفاعله ضمير يعود على إبليس فِي {الْأَمْوالِ} متعلق بـ {شارِكْهُمْ} ، {وَالْأَوْلادِ} معطوف على الأموال، {وَعِدْهُمْ} فعل ومفعول معطوف على {اذْهَبْ} وفاعله ضمير يعود على إبليس، {وَما} {الواو} حالية، أو اعتراضية {ما} نافية {يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ} فعل ومفعول وفاعل {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ {غُرُورًا} منصوب على المفعولية المطلقة لأنه صفة لمصدر محذوف تقديره: إلا وعدا غرورا؛ أي: باطلا، والجملة المنفية في محل النصب حال من فاعل، {عِدْهُمْ} ، وفي الكلام التفات أو جملة معترضة لا محلَّ لها من الإعراب لاعتراضها بين الجمل التي خاطب الله بها إبليس. اهـ كرخي.
{إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)} .
{إِنَّ عِبادِي} ناصب واسمه {لَيْسَ} فعل ماض ناقص {لَكَ} خبر {لَيْسَ} مقدم {عَلَيْهِمْ} متعلق بـ {سُلْطانٌ} {سُلْطانٌ} اسم {لَيْسَ} مؤخر؛ أي: ليس سلطان عليهم كائنًا لك، وجملة {إِنَّ} مسوقة لتعليل ما قبلها على كونها مقول {قالَ} {وَكَفى بِرَبِّكَ} فعل وفاعل و {الباء} زائدة في فاعل {كَفى} {وَكِيلًا} منصوب على التمييز لنسبة {كَفى} إلى فاعله، وجملة {كَفى} في محل النصب مقول {قالَ} .
{رَبُّكُمُ الَّذِي} مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل كفايته،
وبيان قدرته على عصمة من توكل عليه في أموره. اهـ زاده. {يُزْجِي} فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الموصول {لَكُمُ} متعلق به {الْفُلْكَ} مفعول به {فِي الْبَحْرِ} حال من الفلك، والجملة الفعلية صلة الموصول {لِتَبْتَغُوا} {اللام} حرف جر وتعليل {تبتغوا} فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي {مِنْ فَضْلِهِ} جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لابتغائكم من فضله الجار والمجرور متعلق بـ {يُزْجِي} {إِنَّهُ} ناصب واسمه {كانَ} فعل ماض ناقص واسمه ضمير يعود على الرب {بِكُمْ} متعلق بـ {رَحِيمًا} {رَحِيمًا} خبر {كانَ} وجملة {كانَ} في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها فهي تعليل ثان لقوله:{يُزْجِي} .
{وَإِذا} {الواو} عاطفة {إِذا} ظرف لما يستقبل من الزمان {مَسَّكُمُ الضُّرُّ} فعل ومفعول، وفاعل، والجملة الفعلية في محل الخفض بإضافة {إِذا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي {فِي الْبَحْرِ} جار ومجرور حال من كاف المخاطبين تقديره: حالة كونكم في البحر {ضَلَّ} فعل ماض {مَنْ} اسم موصول في محل الرفع فاعل ضل، وجملة {تَدْعُونَ} صلة من الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من تدعونه {إِلَّا} أداة استثناء {إِيَّاهُ} في محل النصب على الاستثناء من {مَنْ} الموصولة، وجملة {ضَلَّ} جواب {إِذا} لا محلّ لها من الإعراب، وجملة إذا معطوفة على جملة قوله:{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ} {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ} {الفاء} عاطفة على محذوف تقديره: ولما دعوتموه تعالى نجاكم إلى البر {لما} حرف شرط غير جازم {نَجَّاكُمْ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية فعلُ شرط لـ {لما} لا محل لها من الإعراب {إِلَى الْبَرِّ} جار ومجرور حال من ضمير المخاطبين؛ أي: حَالَة كونكم، واصلين إلى البر، أو متعلق بـ {نَجَّاكُمْ} {أَعْرَضْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة جواب {لما} لا
محلّ لها من الإعراب، وجملة {لما} معطوفة على تلك الجملة المحذوفة، {وَكانَ} {الواو} استئنافية {كانَ الْإِنْسانُ كَفُورًا} فعل ناقص واسمه وخبره، وجملة {كانَ} مستأنفة مسوقة لتعليل قوله:{أَعْرَضْتُمْ} .
{أَفَأَمِنْتُمْ} {الهمزة} للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، و {الفاء} عاطفة على ذلك المحذوف، {أمنتم} فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على تلك الجملة المحذوفة، والتقدير: أنجوتم فأمنتم، والجملة المحذوفة جملة إنشائية مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب {أَنْ يَخْسِفَ} ناصب وفعل منصوب وفاعله ضمير يعود على الله {بِكُمْ} جار ومجرور حال من {جانِبَ الْبَرِّ} {جانِبَ الْبَرِّ} مفعول به: والتقدير أن يخسف جانب البر حالة كونه مصحوبًا بكم، والجملة الفعلية مع {أَنْ} المصدرية، في تأويل مصدر مجرور، بحرف جر محذوف، تقديره: أفأمنتم من خسف الله تعالى جانب البرّ {بِكُمْ} الجار والمجرور متعلق بـ {أمنتم} {أَوْ يُرْسِلَ} معطوف على {يَخْسِفَ} ، وفاعله ضمير يعود على الله {عَلَيْكُمْ} متعلق به {حَاصِبًا} مفعول به {ثُمَّ} حرف عطف {لا} نافية {تَجِدُوا} فعل وفاعل معطوف على {يُرْسِلَ} {لَكُمْ} حال من {وَكِيلًا} لأنه صفة نكرة قدمت عليها {وَكِيلًا} مفعول به لـ {وجد} فهو من وجدان الضالة يتعدى لمفعول واحد.
{أَمْ} منقطعة بمعنى بل، وهمزة الاستفهام الإنكاري {أَمِنْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{أَفَأَمِنْتُمْ} أو مستأنفة، ويجوز أن تكون {أَمْ} متصلة؛ أي: أي الأمرين كائن {أَنْ يُعِيدَكُمْ} ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، {فِيهِ} متعلق بـ {يعيد} {تارَةً} منصوب على الظرفية الزمانية، متعلق بـ {يعيد} أيضًا {أُخْرى} صفة لـ {تارَةً} ، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: أم أمنتم إعادتَه إيَّاكم فيه مرةً
أخرى {فَيُرْسِلَ} {الفاء} عاطفة {يرسل} معطوف على {يعيد} وفاعله ضمير يعود على الله {عَلَيْكُمْ} متعلق به {قاصِفًا} مفعول به {مِنَ الرِّيحِ} جار ومجرور، صفة لـ {قاصِفًا} {فَيُغْرِقَكُمْ} {الفاء} عاطفة {يغرقكم} فعل ومفعول معطوف على {يرسل} وفاعله ضمير يعود على الله {بِمَا} {الباء} حرف جر وسبب {ما} مصدرية {كَفَرْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة الفعلية صلة {ما} المصدرية {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ {الباء} الجار والمجرور متعلق بـ {يغرق}؛ أي: فيغرقكم بسبب كفركم، {ثُمَّ} حرف عطف {لا} نافية، {تَجِدُوا} فعل وفاعل معطوف على {يغرقكم} {لَكُمْ} جار ومجرور حال من {تَبِيعًا} لأنه كان في الأصل صفة لـ {تَبِيعًا} فقدّم عليه على حد قول أبي الطيب المتنبي:
لَوْلا مفارقةُ الأَحْبَاب مَا وَجَدَتْ
…
لَهَا المَنَايَا إلَى أَرْوَاحِنَا سُبُلَا
فقوله: لها متعلق بمحذوف حال من سُبلًا لأنه صفة نكرة، قدمت عليها، ولا يجوز تعلقه بوجدت، لأن وجد لا يتعدى باللام، وإنما يتعدَّى بنفسه، و {عَلَيْنا} متعلق بمحذوف حال من {تَبِيعًا} أيضًا، و {بِهِ} متعلق بـ {تَبِيعًا} {تَبِيعًا} مفعول لـ {تَجِدُوا} ، ويجوز أن يتضمن {تَبِيعًا} بمعنى {نَاصِرًا} فيكون {عَلَيْنَا} متعلق به؛ أي: ناصرًا علينا، والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
{يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} يقال: نزغ بينهم من باب نفع، إذا أفسد، وأغرى، ووسوس أي يفسد ويهيج الشر والمراء بينهم فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد، وازدياد الفساد، وفي «القاموس»: ونزغه كمنعه طعن فيه، واغتابه {وَكِيلًا} ، والوكيل: هو المفوض إليه الأمر. {زَبُورًا} والزبور: اسم الكتاب الذي أنزل على داود عليه السلام، وتعريف الزبور تارةً، وتنكيره أخرى إمّا لأنه في الأصل فعول بمعنى المفعول، كالحلوب أو مصدر بمعناه كالقبور، وإما لأن المراد إيتاء داود زبورا من الزبر فيه ذكره صلى الله عليه وسلم اهـ.
{الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} الزعم بتثليث الزاي: القول المشكوك في صدقه: وقد يستعمل بمعنى الكذب، حتى قال ابن عباس: كل موضع في كتاب الله ورد فيه
«زعم» فهو كذب {لَا يَمْلِكُونَ} ؛ أي: لا يستطيعون {كَشْفَ الضُّرِّ} {وَلا تَحْوِيلًا} ؛ أي: إزالته عنكم، أو تحويله، ونقله عنكم إلى غيركم {الْوَسِيلَةَ} القرب إليه تعالى بالطاعة والعبادة {مَحْذُورًا} ، أي يحذره، ويحترس منه كل أحد {فِي الْكِتابِ}؛ أي: في اللوح المحفوظ {مَسْطُورًا} ؛ أي: مكتوبًا اسم مفعول من سطر - من باب نصر - سطرًا بالسكون، وسطرًا بالتحريك، وجمع السطر بالسكون أسطر كفلس، وأفلس وجمع السطر بالتحريك: أسطارٌ كسبب، وأسباب {وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ}؛ والآيات هي ما اقترحته قريش من جعل الصَّفا ذهبًا. {مُبْصِرَةً}؛ أي: ذات بصيرة، لمن يتأملها، ويتفكر فيها {فَظَلَمُوا بِها}؛ أي: فكفروا بها، وجحدوا {أَحاطَ بِالنَّاسِ} ، أي: أحاطت بهم قدرته فلا يستطيعون إيصال الأذى إليك إلا بإذننا {الرُّؤْيَا} والرؤيا هي ما عاينه صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به من العجائب. {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ} ، أي: المؤذية، وهي شجرة الزقوم، وللعلماء في معنى الملعونة ثلاثة أقوال:
أحدها: المذمومة. قاله ابن عباس.
والثاني: الملعون آكلها، ذكره الزجَّاج، وقال: إن لم يكن في القرآن ذكر لعنها، ففيه لعن آكلها، قال: والعرب تقول لكل طعام مكروه وضار ملعون، وأما قوله:{فِي الْقُرْآنِ} فمعناه التي ذكرت في القرآن، وهي مذكورةٌ في قوله:{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44)} .
والثالث: أن معنى الملعونة المبعدة عن منازل أهل الفضل. ذكره ابن الأنباري.
وفي هذه الشّجرة أيضًا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّها شجرة الزقوم، رواه عكرمة.
والقول الثاني: أنَّ الشَّجرة الملعونة هي التي تلتوي على الشجر يعني الكشوثي، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا. قال الجوهري: الكشوث نبت يتعلق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض قال الشاعر:
هُو الْكَشُوْثُ فَلا أَصْلٌ وَلا ورقٌ
…
وَلا نَسِيمٌ وَلا ظلٌّ ولا ثمرُ
والقول الثالث: أنّ الشجرة كناية عن الرجال على ما ذكرنا عن سعيد بن المسيب ذكره ابن الجوزي في «زاد المسير» ، وهي أخبث الشجر المرّ، وهي تنبت بتهامة؛ وتنبت في الآخرة في أصل الجحيم، أي قعرها، وتكون طعام أهل النار {لَأَحْتَنِكَنَّ}؛ أي: لأستأصلنّ ذرّيته بالإغواء من احتنك الجراد الأرض إذا جرّد ما عليها أكلًا مأخوذ من الحنك، وقيل: معنى لأحتنكنّ لأسوقنهم، وأقودنهم حيث شئت من حنك الدابة إذا جعل الرسن في حنكها، وفي «المختار» حنك الفرس جعل في فيه الرسن، وبابه نصر، وضرب، وكذا احتنكه، واحتنك الجراد الأرض أكل ما عليها، وأتى على نبتها، وقوله تعالى حاكيًا عن إبليس:{لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} قال الفراء: لأستولين عليهم، والحنك المنقار يقال: أسود مثل حنك الغراب، وأسود حانك مثل حالك، والحنك ما تحت الذقن من الإنسان وغيره، ويقال: حنك الدابّة، واحتنكها إذا جعل في حنكها الأسفل حبلا يقودها به، كأنه يملكهم كما يملك الفارس فرسه بلجامه {اذْهَبْ}؛ أي: امض لشأنك، فقد خليتك، وما سولت لك نفسك {مَوْفُورًا}؛ أي: مكملًا لا يدخر منه شيء من قولهم: فر لصاحبك عرضه فرة؛ أي: أكمله له، قال الشاعر:
وَمَنْ يَجْعَلِ الْمَعْرُوْفَ مِنْ دُوْنِ عِرْضِهِ
…
يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ
{وَاسْتَفْزِزْ} يقال: أفزه الخوف، واستفزه؛ أي: أزعجه، واستخفه، وفي «القاموس» «والتاج»: فزّ يفزّ فزًّا من باب شد انفرد، وفز عنه تنحَّى، وعدل واستفزه أزعجه، وأخرجه من داره، وقتله. {بِصَوْتِكَ}؛ أي: بدعائك إلى معصية الله {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ} أي: صح عليهم من الجلبة، وهي الصياح، ويقال: أجلب على العدو إجلابا إذا جمع عليه الخيول، والمعنى: صح وصوِّت عليهم حال كونك ملتبسًا، ومصحوبًا بجنودك الركاب، والمشاة، والخيل تطلق على النوع المعروف، وعلى الراكبين لها، والمراد هنا الثاني، أعني الفرسان كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته لأصحابه: يا خيل الله اركبي.
وقيل: معنى {أَجْلِبْ} اجمع، والباء زائدة؛ أي: أجلب عليهم خيلك، واجمع، وفي «المختار» وجلب على فرسه يجلب جلبًا بوزن طلب يطلب طلبًا،
صاحَ بهِ من خلفه، واستحثه للسبق، وكذا أجْلب عليه اهـ. وهذا يقتضي زيادة الباء، ويكون المعنى عليه، و {حث} و {أسرع} عليهم جندك خيلًا ومشاةً، لتدركهم، وتتمكن منهم فليتأمل {وَرَجِلِكَ} اسم جمع لراجل بمعنى الماشي، كصحب اسم جمع لصاحب، وقرىء في السبعة، ورجلك بكسر الجيم، وهو مفرد بمعنى الجمع فهو بمعنى المشاة، وفي «القاموس»: الرجل الراجل. والرّاجل من يمشي على رجليه لا راكبًا، وجمعه رجلٌ ورجّالة، ورجّالٌ، ورجال، ورجالى، ورجالى ورجلان، ويقال: جاءت الخيالة، والرّجّالة، وأغار عليهم بخيله ورجله، والخيل الخيّالة {غُرُورًا} ، والغرور: تزيين الباطل بما يظن أنه حق {وَكِيلًا} والوكيل: الحافظ، والرّقيب {يُزْجِي}؛ أي: يسوق حينا بعد حين يجري، ويسير وفي «القاموس» زجاه ساقه، ودفعه كزجاه، وأزجاه اهـ. ومنه قول الشاعر:
يَا أَيُّهَا الرَّاكبُ الْمُزْجِيْ مَطِيَّتَهُ
…
سَائل بنيْ أسدٍ ما هذه الصَّوْتُ
{لَكُمُ الْفُلْكَ} ، وفي «المختار» الفلك السفينة، واحدٌ وجمعٌ يذكَّر ويؤنث قال الله تعالى:{فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} فأفرد، وذكّر، وقال:{وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ} فأنَّث، ويحتمل الإفراد، والجمع، وقال:{حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} فجمع فكأنّه يذهب بها إذا كانت واحدة إلى المركب، فيذكَّر، وإلى السفينة فيؤنث اهـ. {وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ} ، والمراد بالضر هنا: خوف الغرق بتقاذف الأمواج {ضَلَّ} ؛ أي: غاب عن ذكركم {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ} ، والخسف: والخسوف دخول الشيء في الشيء، يقال: عين خاسفةٌ إذا غابت حدقتها في الرأس، وعين من الماء خاسفة؛ أي: غائرة الماء، وخسفت الشمس؛ أي: احتجبت، وكأنّها غارت في السحاب. {حَاصِبًا} الحاصب: الريح الّتي تحصب؛ أي: ترمي بالحصباء والحصباء: الحجارة الصغيرة، واحدتها حصبة كقصبة، وفي «المصباح»: وحصبته حصبًا من باب: ضرب، وفي لغة من باب قتل رميته بالحصباء اهـ قال أبو عبيدة والقتيبي: الحصب الرمي، أي: ريحًا شديدة حاصبة، وهي التي ترمي بالحصى الصغار، وقال الزجاج: الحاصب التّراب الذي فيه حصباء فالحاصب ذو الحصباء كاللابن، والتّامر، ويقال للسحابة التي ترمي بالبرد
حاصبٌ، ومنه قول الفرذدق:
مُستقبلينَ جِبالَ الشَّامِ تَضربُنَا
…
بحَاصبٍ كنديف القطنِ منثورُ
{تارَةً أُخْرى} بمعنى مرّة، وكرّةً فهو مصدر، ويجمع على تيرة، وتارات، وألفها يحتمل أن تكون عن واو أو عن ياء اهـ سمين {قاصِفًا} والقاصف: الرّيح تقصف الشّجر وتكسره يقال: قصفه يقصفه من باب ضرب يضرب وقيل: القاصف الريح التي لها قصيف، وهو الصوت الشديد، كأنها تتقصف؛ أي: تتكسَّر، وقيل: التي لا تمرّ بشيء إلّا قصفته. {تَبِيعًا} التَّبيع - كأمير -: المطالب قال الشماخ: يصف عقابًا:
تَلوذُ ثعالبُ الشَّرقين منها
…
كَمَا لاذَ الغَريم من التَّبيع
أي: تهرب منها ثعالب الشرقين - بمعنى المشرقين - كما هرب، والتجأ الغريم؛ أي: المدين من التبيع؛ أي: الدَّائن المطالب.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإضافة للتشريف في قوله: {وَقُلْ لِعِبادِي} ؛ لأن المراد بهم المؤمنون.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {إِنَّ الشَّيْطانَ} ؛ لأنّ مقتضى السّياق أن يقال: إنه.
ومنها: الاعتراض بقوله: {إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ
…
} إلى آخر الآية بين قوله: {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، وقوله:{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} لأن قوله: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} بيان لـ {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
ومنها: الطباق بين {يَرْحَمْكُمْ} و {يُعَذِّبْكُمْ} .
ومنها: التخصيص في قوله: {وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا} بعد التعميم في قوله:
{وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ} ردًا على اليهود، حيث زعموا أنه لا نبي بعد موسى، ولا كتاب بعد التوراة.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {وَلا تَحْوِيلًا} ؛ أي: ولا تحويل الضرّ عنكم إلى غيركم، لدلالة ما قبله عليه.
ومنها: المقابلة اللّطيفة بين الجملتين {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} ، ويخافون عذابه.
ومنها: الإظهار في قوله: {إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ} للتهويل، وكان مقتضى المقام أن يقال: إنه لتقدم المرجع.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ
…
} الخ؛ لأنّ المنع هنا مجاز عن الترك؛ لأنه محال في حقه تعالى؛ لأنه سبحانه لا يمنعه مانع عن إرادته، فكأنه قال: وما كان سبب ترك الإرسال بالآيات إلّا تكذيب الأولين.
ومنها: المجاز العقليّ في قوله: {وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} لأنه لما كانت الناقة سببًا في إبصار الحق، والهدى نسب إليها الإبصار، ففيه مجاز عقليّ علاقته السببية.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ} حيث شبه الرؤية البصريّة بالرؤيا الحملية، لما فيها من الخوارق التي هي بالمنام أليق في مجاري العادات، فاستعار لها لفظ الرؤيا الّتي هي حقيقة في الحلمية على طريقة الاستعارة التّصريحية الأصلية.
ومنها: الجناس المغاير بين لفظي {الرُّؤْيَا} و {أَرَيْناكَ} .
ومنها: الإسناد المجازيّ في قوله: {الْمَلْعُونَةَ} لأنّ المعنى: الملعون طاعمها.
ومنها: المجاز المرسل في استعمال الرؤية بمعنى الإخبار في قوله: {أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} لأنها سببه، فالعلاقة فيها السببية.
ومنها: الاستعارة التمثيليةُ في قوله: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} حيث مثل حال الشيطان في تسلطه على من يغويه بالفارس الذي يصيح بجنده للهجوم على الأعداء لاستئصالهم.
ومنها: الالتفات عن الخطاب إلى الغيبة في قوله: {وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُورًا} ، وكان مقتضى الظاهر أن يقال: وما تعدهم إلا غرورًا، ولكنه عدل عن ذلك تهوينًا لأمره، واستصغارًا لأمر الغرور الذي يعدهم به.
ومنها: المجاز العقلي في نسبة الغرور، إلى الوعد على حد قوله: نهاره صائم، وليله قائم.
ومنها: التذييل في قوله: {إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ؛ لأنه كالتعليل لما سبق من تسيير السفن، وتسخيرها في البحر.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} ، وفي قوله:{أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ} .
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
تنجيتهم من الغرق
…
تمم ذكر المنّة بذكر تكرمتهم، ورزقهم، وتفضيلهم. أو يقال: لما هددهم بما هدد به من الخسف، والغرق، وأنهم كافرو نعمته .. ذكر ما أنعم به عليهم، ليتذكّروا فيشكروا نعمه ويقلعوا عما كانوا فيه من الكفر، ويطيعوه تعالى، وفي ذكر النّعم وتعدادها هز لشكرها؛ أي: حثٌّ على شكرها.
قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى (1)، لما ذكر أحوال بني آدم في الدنيا، وذكر أنه أكرمهم على كثير من خلقه، وفضّلهم عليهم تفضيلًا .. فصّل في هذه الآيات تفاوت أحوالهم في الآخرة مع شرح أحوال السعداء، ثم أردفه ما يجري مجرى تحذير السعداء من الاغترار بوساوس أرباب الضّلال، والانخداع بكلامهم المشتمل على المكر، والتلبيس ثمّ قفى على ذلك ببيان أنّ سنّته قد جرت بأن الأمم التي تلجىء رسلها إلى الخروج من أرضها، لا بدّ أن يصيبها الوبال والنكال.
قوله تعالى: {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لمّا عدد نعمه على بني آدم، ثمّ ذكر حالهم في الآخرة من إيتاء الكتاب باليمين لأهل السعادة، ومن عمى أهل الشقاوة .. أتبع ذلك بما يهم به الأشقياء في الدنيا من المكر والخداع، والتلبيس على سيّد أهل السعادة المقطوع له بالعصمة، ذكره في «البحر» .
قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (2): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر كيدهم للرسول صلى الله عليه وسلم وما كانوا يرومون به .. أمره الله سبحانه وتعالى أن يقبل على شأنه من عبادة ربه، وأن لا يشغل قلبه بهم، وكان قد تقدّم القول في الإلهيات، والمعاد، والنبوات، فأردف ذلك بالأمر بأشرف العبادات والطاعات بعد الإيمان، وهي الصلاة.
(1) المراغي.
(2)
البحر المحيط.
وعبارة المراغي هنا: مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر (1) كيد الكفّار واستفزازهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوه من أرضه، وسلّاه بما سلّاه به .. أمره بالإقبال على ربّه بعبادته، لينصره عليهم، ولا يبالي بسعيهم، ولا يلتفت إليهم، فإنه سبحانه يدفع مكرهم، وشرّهم، ويجعل يده فوق أيديهم، ودينه عاليا على أديانهم، ثمّ وعده بما يغبطه عليه الخلق أجمعون من المقام المحمود، ثمّ بيّن أن ما أنزل عليه من كتاب ربه فيه الشفاء للقلوب من الأدواء النفسية، والأمراض الاعتقادية، كما أنه يزيد الكافرين خسارة وضلالًا، لأنه كلّما نزلت عليه آية ازدادوا بها كفرًا وعتوًا.
قوله تعالى: {وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر تنويع ما أنزل من القرآن شفاء ورحمة للمؤمن، وبزيادة خسار للظالم .. عرّض بما أنعم به، وما حواه من لطائف الشرائع على الإنسان، ومع ذلك أعرض عنه، وبعّد بجانبه عنه اشمئزازًا له، وتكبرًا عن قرب سماعه، وتبديلًا مكان شكر الإنعام كفره.
قوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما (2) امتنّ على نبيه بما أنزل عليه من الكتاب، وذكر أنه شفاء للناس، وأنه ثبته عليه حين كادوا يفتنونه عنه، ثمّ أردفه بمسألة الروح اعتراضا، لأنّ اليهود والمشركين اشتغلوا بها عن تدبر الكتاب والانتفاع به، وسألوا تعنتا عن شيء لم يأذن الله بالعلم به لعباده .. امتنّ عليه ببقاء ذلك الكتاب، وحذّره من فتنة الضالين، وإرجاف المرجفين، وهو المعصوم من الفتنة، فإنّه لو شاء لأذهب ما بقلبه منه، ولكن رحمة بالناس تركه في الصدور، وفي هذا تحذيرٌ عظيم للهداة والعلماء، وهم غير معصومين من الفتنة بأن يباعد بينهم وبين هدي الدين بمظاهرتهم للرؤساء، والعامة، وتركهم العمل به اتباعا لأهوائهم، واستبقاء لودهم، وحفظًا لزعامتهم على الناس.
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
ثم ذكر أنّ القرآن وحيٌ يوحى فلا يستطيع الجن والإنس أن يأتوا بمثله، ولو كان بعضهم لبعض معينا، وقد اشتمل على الحكم والأحكام، والآداب التي يحتاج إليها البشر في معاشهم، ومعادهم، وكثيرٌ من الناس جحدوا فضله عتوًا وكبرًا.
قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما ذكر (1) إنعامه على نبيه صلى الله عليه وسلم بالنبوة، وبإنزال وحيه عليه .. ذكر ما منحه تعالى من الدليل على نبوته الباقي بقاء الدهر، وهو القرآن الذي عجز العالم عن الإتيان بمثله، وأنّه من أكبر النعم عليه، والفضل الذي أبقى له ذكرًا إلى آخر الدهر، ورفع له قدرا به في الدنيا والآخرة.
قوله تعالى: {وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى، لما (2) أقام الدليل على إعجاز القرآن، ولزمتهم الحجة، وغلبوا على أمرهم .. أخذوا يراوغون، ويقترحون الآيات، ويتعثرون في أذيال الحيرة، فطلبوا آية من آيات ست، فإن جاءهم بآية منها، آمنوا به وصدَّقوا برسالته.
أسباب النزول
قوله تعالى: {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
…
} الآيات، سبب نزولها (3): ما أخرجه ابن مردويه، وابن أبي حاتم، من طريق إسحاق عن محمد ابن أبي محمد عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خرج أميّة بن خلف، وأبو جهل بن هشام، ورجال من قريش، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، تعالى تمسّح بآلهتنا، وندخل معك في دينك، وكان يحب إسلام قومه، فرقّ لهم، فأنزل الله عز وجل قوله:{وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} إلى قوله: {نَصِيرًا} .
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.
(3)
لباب النقول.
قلت: هذا أصحُّ ما ورد في سبب نزولها، وإسناده جيد، وله شاهد.
وعن سعيد بن جبير، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود في طوافه، فمنعته قريش، وقالوا: لا ندعك تستلم حتى تلمّ بآلهتنا، فحدّث نفسه، وقال:«ما علي أنْ أُلمّ بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر، والله يعلم إني لها كاره» ، فأبى الله ذلك، وأنزل عليه هذه الآية.
قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي
…
} الآية، سبب نزولها (1): ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة، فنزلت عليه:{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا (80)} ، وهذا صريح في أنّ الآية مكية، وأخرجه ابن مردويه بلفظ أصرح منه.
قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
…
} الآية، سبب نزولها (2): ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود، قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو متوكِّىء على عسيب، فمر بنفر من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، لا يجيىء فيه بشيء تكرهونه، فقال بعضهم: لنسألنّه، فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت فقلت: إنه يوحى إليه، فلما انجلى عنه قال:{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} ، قال الأعمش: هي كذا قراءتنا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قالت قريش لليهود: علمونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوهُ عن الروح، فنزلت {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} .
قالوا: نحن لم نؤت من العلم إلّا قليلًا، وقد أوتينا التوراة فيها حكم الله، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، فنزلت {قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)} قال الحافظ بن كثير
(1) لباب النقول.
(2)
البخاري.
(ج 3/ ص 60) في الكلام على الحديث الأول: وهذا الحديث يقتضي فيما يظهر بادىء الرأي أن هذه الآية مدنية، وأنها نزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة، مع أنّ السورة كلها مكية. وقد يجاب عن هذا بأنّها قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك، أو أنه نزل عليه الوحي بأن يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه، وهي هذه الآية.
قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا
…
} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (1) ابن إسحاق، وابن جرير من طريق سعيد، أو عكرمة عن ابن عباس قال: أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم سلّام بن مشكم في عامة من يهود، سماهم، فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا، وإنّ هذا الذي جئت به لا نراه متناسقًا كما تناسق التوراة، فأنزل علينا كتابًا نعرفه، وإلا جئناك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} الآية.
قوله تعالى: {وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا
…
} الآيات، سبب نزولها (2): ما أخرجه ابن جرير من طريق ابن إسحاق، عن شيخ من أهل مصر، عن عكرمة عن ابن عباس، أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، ورجلا من بني عبد الدار، وأبا البحتريّ والأسود بن عبد المطلب، وربيعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيها ومنبها ابني الحجّاج اجتمعوا فقالوا: يا محمد: ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد سببت الآباء، وعبت الدّين، وسفّهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، فما من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تريد مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالا، وإن كنت إنما تطلب الشّرف فينا .. سوّدناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك ربّما يأتيك رئيًا تراه قد غلب، بذلنا أموالنا
(1) لباب النقول.
(2)
لباب النقول.