المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يكتب، ولم يدرس الحساب، ولا الهندسة ولا الفلك، فمن أين - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: يكتب، ولم يدرس الحساب، ولا الهندسة ولا الفلك، فمن أين

يكتب، ولم يدرس الحساب، ولا الهندسة ولا الفلك، فمن أين له أن كل مئة سنة شمسية، تزيد ثلاث سنين قمرية، وكلّ ثلاث وثلاثين سنةً شمسيةً تزيد سنةً قمريةً، وكل سنة شمسية تزيد عشرة أيامٍ، وإحدى وعشرين ساعةً، وخمس ساعة على السنة القمرية.

والسنة الشمسية (1): مدّة وصول الشمس إلى النقطة التي فارقتها من ذلك البرج، وذلك ثلاث مئة وخمسة وستون يومًا وربع يوم.

والسنة القمرية: اثنا عشر شهرًا قمريًا، ومدتها ثلاث مئة وأربعة وخمسون يومًا وثلث يوم، وقرأ الجمهور {مِائَةٍ} بالتنوين، فسنين بدل أو عطف بيان لثلاث مئة لا تمييز (2)، وإلا لكان أقل مدة لبثهم عند الخليل ست مئة سنة، لأن أقلّ الجمع عنده اثنان، وعند غيره تسع مئة، لأن أقله ثلاثة عندهم، هذا على قراءة {مئةٍ} بالتنوين، وأمّا على قراءة الإضافة، فأقيم الجمع مقام المفرد؛ لأنّ حق المئة أن يضاف إلى المفرد، وجه ذلك: أن المفرد في ثلاث مئة درهم في المعنى جمع، فحسن إضافته إلى لفظ الجمع، كما في الأخسرين أعمالًا فإنه ميّز بالجمع.

وقرأ حمزة (3)، والكسائي، وطلحة، ويحيى، والأعمش، والحسن، وابن أبي ليلى، وخلف، وابن سعدان، وابن عيسى الأصبهاني، وابن جبير الأنطاكي:{مئة} بغير تنوين مضافًا إلى سنين، أوقع الجمع موقع المفرد، كما مر آنفًا، وقرأ أُبيٌّ {سنة} وكذا في مصحف عبد الله، وقرأ الضحاك:{سنون} بالواو على إضمار، هي سنون، وقرأ الحسن، وأبو عمرو، في رواية اللؤلؤي عنه {تسْعا} بفتح التاء كما قالوا عشر،

‌26

- ثم أكد أن المدّة المضروبة على آذانهم، هي هذه المدة، فقال:{قُلِ} لهم يا محمد إذا نازعوك فيما ذكرنا: {اللَّهُ} سبحانه وتعالى {أَعْلَمُ} منكم {بِما لَبِثُوا} ؛ أي: بمدة لبثهم، وقد أخبرنا بمدّته، فهو الحق الذي

(1) روح البيان.

(2)

روح البيان.

(3)

البحر المحيط.

ص: 337

لا يحوم حوله شك، وقال البغويُّ: وهذه الجملة مرتبة على محذوف تقديره: إن الأمر في مدة لبثهم كما ذكرنا، فإن نازعوك فيها فأجبهم، و {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا}؛ أي: بالزمان الذي لبثوا فيه، لأن علم الخفيّات مختص به تعالى، ولذلك قال:{لَهُ} سبحانه وتعالى خاصة {لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ، أي: علم ما غاب عن أهل الأرض، والسموات فيهما، يعني: أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أحوال أهلها، فإنه العالم وحده به، فكيف يخفى عليه حال أصحاب الكهف، لا يعزب عنه علم شيء منه، فسلّموا له علم ما لبثت به الفتية في الكهف، وإذا علم الخفي فيهما، فهو بعلم غيره أدرى.

ومن ذلك العلم الغائب على كثير من العقول، حساب السنة الشمسية والقمرية، فقد غيّبه الله عن بعض الناس، ولم يطلع عليه إلّا العارفين بحساب الأفلاك، ومن ثم يعجبون من أمر نبيهم، ويعلمون أنّ هذا مبدأ زينة الأرض وزخرفها.

وفائدة تأخير بيان مدة لبثهم (1): الدلالة على أنهم تنازعوا فيها أيضًا، كما تنازعوا في عددهم على أن هذا البيان من الغيب الذي أخبر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم ليكون معجزة له، وجاء قوله:{قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا} تذييلًا لسابقه ليكون محاكيًا قوله في حكاية عددهم {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} .

ثم زاد في المبالغة والتأكيد، فجاء بما يدل على التعجب من إدراكه للمبصرات والمسموعات فقال:{أَبْصِرْ بِهِ} سبحانه وتعالى {وَأَسْمِعْ} به تعالى؛ أي: ما أبصر الله سبحانه وتعالى بكل موجود، وأسمعه بكل مسموع، فهو لا يخفى عليه شيء من ذلك، وهذا أمر عظيم من شأنه أن يتعجّب منه، وقد ورد مثل هذا في الحديث «سبحانك ما أحلمك عمن عصاك، وأقربك ممن دعاك، وأعطفك على من سألك» .

فأفاد هذا التركيب التعجب من علمه سبحانه وتعالى، ودل على (2) أن شأنه

(1) المراغي.

(2)

الشوكاني.

ص: 338