الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في طلب العلم، حتّى نبرئك منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما بي ما تقولون، ولكن الله بعثني إليكم رسولًا، وأنزل عليّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم مبشرا، ونذيرا» قالوا: فإن كنت غير قابل منّا ما عرضنا عليك، فقد علمت أنّه ليس أحد من الناس أضيق بلادًا منّا، ولا أقلّ مالا، ولا أشدّ عيشا منا، فلتسأل لنا ربك الذي بعثك، فليسير عنّا هذه الجبال التي ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من قد مضى من آبائنا، فإن لم تفعل .. فسل ربّك ملكا يصدّقك بما تقول وأن يجعل لنا جنانًا وكنوزًا وقصورًا من ذهب وفضة، نعينك بها على ما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق، وتلتمس المعاش، فإن لم تفعل فأسقط السماء كما زعمت أنّ ربك إن شاء فعل، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وقام معه عبد الله ابن أبي أمية، فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا، فلم تقبله منهم، ثمّ سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله، فلم تفعل ذلك، ثمّ سألوك أن تعجّل ما تخوفهم به من العذاب، فو الله لا أؤمن بك أبدًا حتى تتخذ إلى السماء سلما، ثمّ ترقى فيه، وأنا أنظر، وحتى تأتي معك بنسخة منشورة، ومعك أربعة من الملائكة، فيشهدوا لك أنّك كما تقول: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا، فأنزل الله عليه ما قاله عبد الله ابن أبي أمية {وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} إلى قوله:{بَشَرًا رَسُولًا} .
التفسير وأوجه القراءة
70
- {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ} ؛ أي: وعزتي، وجلالي، لقد شرفنا بني آدم قاطبة، وكرمناهم في أنفسهم تكريما شاملا لبرهم وفاجرهم، بالصورة (1) والقامة المعتدلة، والتسلط على ما في الأرض، والتمتع به، والتمكن من الصناعات، والعلم والنطق، وتناول الطعام باليد، وغير ذلك. قال ابن عباس: هو أنهم يأكلون بالأيدي، وغير الآدمي يأكل بفيه من الأرض، وقال أيضًا: بالعقل،
(1) المراح.
وقيل: أكرم الرّجال باللحى، والنساء بالذوائب، ولا مانع من حمل التكريم المذكور في الآية على جميع هذه الأشياء، وأعظم (1) خصال التكريم العقل، فإنّ به تسلطوا على سائر الحيوانات، وميّزوا بين الحسن والقبيح، وتوسعوا في المطاعم، والمشارب، وكسبوا الأموال التي تسببوا بها إلى تحصيل أمور لا يقدر عليها الحيوان، وبه قدروا على تحصيل الأبنية التي تمنعهم مما يخافون، وعلى تحصيل الأكسية التي تقيهم الحر والبرد، وقيل: تكريمهم، هو: أن جعل محمدًا صلى الله عليه وسلم منهم.
{وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ} على الدواب والقطر والسيارات {وَ} في {الْبَحْرِ} على البواخر، والسفن وفي الهواء على الطائرات، والمطاود واحدها منطاد، وهذا تخصيص لبعض أنواع التكريم {وَرَزَقْناهُمْ}؛ أي: أعطيناهم {مِنَ الطَّيِّباتِ} ؛ أي: من لذيذ المطاعم، والمشارب، وسائر ما يستلذونه وينتفعون به، {وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا} هم {تَفْضِيلًا} عظيمًا؛ أي: على كثير من الخلق بالغلبة، والشرف، والكرامة، فعليهم أن لا يشركوا بربهم شيئًا، ويرفضوا ما هم عليه من عبادة غيره من الأصنام والأوثان، والمراد بالكثير من عدا الملائكة عليهم السلام.
واعلم: (2) أنّ الله سبحانه وتعالى قال في أوّل الآية: {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ} ، وفي آخرها {وَفَضَّلْناهُمْ} ولا بدّ من الفرق بين التكريم والتفضيل، وإلا لزم التكرار، والأقرب أن يقال في الفرق: أنّ الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان على سائر الحيوان بأمور خلقيّةٍ، ذاتية طبيعيةٍ، مثل: العقل والنطق، والخط، وحسن الصورة.
ثم إنه سبحانه عرّفه بواسطة ذلك العقل والفهم اكتساب العقائد الصحيحة، والأخلاق الفاضلة، فالأول: هو التكريم، والثاني: هو التفضيل.
(1) الشوكاني.
(2)
الخازن.