المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

للرجل في ترتيب المنزل، وإعداد مهامه من مطعوم، ومشروب، وملبوس، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: للرجل في ترتيب المنزل، وإعداد مهامه من مطعوم، ومشروب، وملبوس،

للرجل في ترتيب المنزل، وإعداد مهامه من مطعوم، ومشروب، وملبوس، وأن تكون حافظة له قائمة بشؤون الأولاد، والخدم، وهذه المهامّ لا تتم على وجه الكمال إلّا إذا كانت مختصة برجل واحد منقطعة له دون غيره من الناس.

وإجمال ذلك: أن الزّنا فاحشة، وأيّ فاحشة لما فيه من اختلاط الأنساب، والتقاتل، والتناحر، دفاعا عن العرض، وأنه سبيل سيّىء من قبل أنه يسوّي بين الإنسان والحيوان في عدم اختصاص الذّكران بالإناث.

‌33

- وبعد أن نهى عن قتل الأولاد للسبب المتقدم، نهى عن القتل مطلقًا، فقال:{وَلا تَقْتُلُوا} أيها العباد {النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى قتلها بالإسلام والعهد {إِلَّا بِالْحَقِّ} أي إلا قتلًا متلبسًا بالحق، وهو أحد أمور ثلاثة: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمدًا، كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان، وغيرهما، عن ابن مسعود «لا يحل دم امرىء يشهد أن لا إله إلّا الله، وأن محمدًا رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيّب الزاني، والتارك لدينه، المفارق للجماعة» .

فالمراد بالتي حرّم الله التي جعلها معصومة بعصمة الدين، أو عصمة العهد، والمراد بالحق الذي استثناه، هو ما يباح به قتل الأنفس المعصومة في الأصل من إحدى الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث السابق؛ أي: لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب متلبس بالحق، أو إلا متلبسين بالحق.

ولتحريم (1) القتل حكم (2):

1 -

أنه إفساد، فوجب تحريمه لقوله:{وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} .

2 -

أنه ضرر، والأصل في المضارة الحرمة لقوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» .

3 -

أنه إذا أبيح القتل زال هذا النوع من الوجود، ففتك القوي بالضعيف،

(1) الشوكاني.

(2)

المراغي.

ص: 86

وحدث الاضطراب في المجتمع، فلا يستقيم للنّاس حال، ولا ينتظم لهم معاش.

{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} ؛ أي بغير سبب من الأسباب المسوّغة لقتله شرعًا {فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ} ؛ أي: لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين، أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين {سُلْطانًا}؛ أي: تسلّطًا واستيلاءً على القاتل، إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدّية.

ثم لما بيّن إباحة القصاص لمن هو مستحق لدم المقتول، أو ما هو عوضٌ عن القصاص، نهاه عن مجاوزة الحد فقال:{فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} ؛ أي: لا يتجاوز ما أباحه الله له، فيقتل بالواحد اثنين، أو جماعة كما كانوا يفعلون في الجاهلية؛ إذ كانوا يقتلون القاتل، ويقتلون معه غيره، إذا كان رجلًا شريفًا، وأحيانًا لا يرضون بقتل القاتل، بل يقتلون بدله رجلًا شريفًا، أو يمثّل بالقاتل أو يعذبه.

وفي الآية: إيماء إلى أن الأولى للولي أن لا يقدم على استيفاء القتل، وأن يكتفي بالدية أو يعفو.

ثم علل النهي عن السرف فقال: {إِنَّهُ} ؛ أي: إن ولي المقتول {كانَ مَنْصُورًا} من جهة الله سبحانه وتعالى؛ أي: إنّ الله سبحانه نصر الولي بأن أوجب له القصاص، أو الدية، وأمر الحكّام أن يعينوه على استيفاء حقه، فلا يبغي ما وراءه، ولا يطمع في الزيادة على ذلك.

وقد يكون المعنى: إنّ المقتول ظلمًا منصور في الدنيا بإيجاب القود له على قاتله، وفي الآخرة بتكفير خطاياه، وإيجاب النار لقاتله، وهذه الآية أول ما نزل من القرآن في شأن القتل لأنها مكية.

وقرأ الجمهور (1): {فَلا يُسْرِفْ} بياء الغيبة، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي، وزيد بن علي، وحذيفة، وابن وثاب، والأعمش، ومجاهد، بخلاف

(1) البحر المحيط.

ص: 87

عنه، وجماعة بتاء الخطاب، والظاهر: أنه على خطاب الولي، فالضمير له، وقال الطبري الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم: والأئمة من بعده، أي فلا تقتلوا غير القاتل انتهى. وقال ابن عطيّة، وقرأ أبو مسلم السراج، صاحب الدعوة العباسيَّة {فلا يسرفُ} بضم الفاء على الخبر، ومعناه النهي، وقد يأتي الأمر، والنهي بلفظ الخبر، ثم قال: وفي الاحتجاج بأبي مسلم في القراءة نظر، وفي قراءة أبيّ {فلا تسرفوا في القتل، إنّ وليّ المقتول كان منصورًا} والأولى حملها على التفسير لا على القراءة لمخالفتها سواد المصحف، ولأن المستفيض عنه {إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا} كقراءة الجماعة.

الإعراب

{وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا (16)} .

{وَإِذا} {الواو} استئنافية {إِذا} ظرفٌ لما يستقبل من الزمان، والظرف متعلق بالجواب الآتي، {أَرَدْنا} فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذا} إليها على كونها فعل شرط لها {أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} ناصب وفعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، لـ {أَرَدْنا} تقديره: وإذا أردنا إهلاك قرية من القرى {أَمَرْنا} فعل وفاعل {مُتْرَفِيها} مفعول به منصوب بالياء، والجملة الفعلية جواب {إِذا} لا محلّ لها من الإعراب، وجملة {إِذا} مستأنفة مسوقة لبيان الأسباب التي تهلك بها القرى {فَفَسَقُوا} {الفاء} عاطفة {فسقوا} فعل وفاعل فِيها متعلق به، والجملة معطوفة على جملة {أَمَرْنا} . {فَحَقَّ} {الفاء} عاطفة حق فعل ماض {عَلَيْهَا} متعلق به {الْقَوْلُ} فاعل، والجملة معطوفة على جملة {فسقوا} لا على جملة {أَمَرْنا} لأن العاطف هنا مرتب {فَدَمَّرْناها} {الفاء} عاطفة {دمرناها} فعل وفاعل ومفعول {تَدْمِيرًا} منصوب على المفعولية المطلقة، مؤكد لعامله، والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ} .

{وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)} .

ص: 88

{وَكَمْ} {الواو} استئنافية {كَمْ} خبرية بمعنى عدد كثير في محل النصب على المفعولية بـ {أَهْلَكْنا} {أَهْلَكْنا} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {مِنَ} حرف جر وبيان لكنها زائدة في تمييز {كَمْ} الخبرية {الْقُرُونِ} مجرور بـ {مِنَ} الجار والمجرور متعلق بـ {أَهْلَكْنا} {مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} جار ومجرور حال {مِنَ الْقُرُونِ} أو متعلق بـ {أَهْلَكْنا} وجاز تعلّق حرفي جرّ متّحدي اللفظ بعامل واحد، لاختلاف معناهما؛ لأن الأولى، للبيان، والثانية: لابتداء الغاية، كما ذكره الكرخي، {وَكَفى بِرَبِّكَ} فعل وفاعل، و {الباء} زائدة في فاعل {كَفى} ، والجملة مستأنفة {بِذُنُوبِ عِبادِهِ} جار ومجرور، مضاف إليه متعلق بما بعده على سبيل التنازع {خَبِيرًا بَصِيرًا} تمييزان لنسبة {كَفى} كما في «الفتوحات» .

{مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)} .

{مَنْ} اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط أو هما {كانَ} فعل ماض ناقص في محل الجزم بـ {مَنْ} على كونه فعل شرط لها، واسمها ضمير يعود على {مَنْ} {يُرِيدُ الْعاجِلَةَ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ؛ والجملة الفعلية في محل النصب خبر {كانَ} {عَجَّلْنا} فعل وفاعل في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية على كونه جوابا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية مستأنفة {لَهُ} جار ومجرور متعلق بـ {عَجَّلْنا} {فِيها} متعلق به أيضًا، أو حال من ما الموصولة المذكورة بعده {ما} اسم موصول في محل النصب مفعول {عَجَّلْنا} . {نَشاءُ} فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول المشيئة محذوف، تقديره: ما نشاء تعجيله، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد، أو الرابط، الضمير المحذوف {لِمَنْ} جار ومجرور بدل من الجار والمجرور في قوله:{لَهُ} بدل بعض من كل {نُرِيدُ} فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعوله محذوف تقديره: لمن نريد التعجيل له، والجملة الفعلية صلة {مَنْ} الموصولة، {ثُمَّ جَعَلْنا} {ثُمَّ} حرف عطف لتراخي المدة {جَعَلْنا} فعل وفاعل معطوف على {عَجَّلْنا} {لَهُ} جار ومجرور في محل المفعول الثاني

ص: 89

لـ {جَعَلْنا} . {جَهَنَّمَ} مفعوله الأول {يَصْلاها} فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على مريد العاجلة، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ضمير له {مَذْمُومًا مَدْحُورًا} حالان من فاعل يصلى.

{وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)} .

{وَمَنْ} {الواو} عاطفة {مَنْ} اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط {أَرادَ الْآخِرَةَ} فعل ومفعول في محل الجزم بـ {مَنْ} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} {وَسَعى} فعل ماض في محل الجزم معطوف على {أَرادَ} ، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، {لَها} متعلق به {سَعْيَها} منصوب على المفعولية المطلقة، {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من فاعل {سَعى} {فَأُولئِكَ} {الفاء} رابطة لجواب من الشرطية {أولئك} اسم إشارة للجمع المذكر في محل الرفع مبتدأ {كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} فعل ناقص، واسمه وخبره، وجملة {كانَ} في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية، على كونها جوابا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية معطوفة على جملة {مَنْ} الأولى.

{كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)} .

{كُلًّا} مفعول مقدم لـ {نُمِدُّ} والتنوين عوض عن المضاف إليه، أي كل واحد من {الفريقين} نُمِدُّ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله {هؤُلاءِ} بدل من {كُلًّا} بدل تفصيل من مجمل {وَهَؤُلاءِ} معطوف على {هؤُلاءِ} الأول {مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ} جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ {نُمِدُّ} ، والجملة الفعلية مستأنفة {وَما} {الواو} عاطفة {ما} نافية {كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة معطوفة على جملة قوله:{كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ} .

{انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)} .

{انْظُرْ} فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على كل مخاطب، والجملة مستأنفة {كَيْفَ} اسم استفهام في محل النصب على الحال؛ أي: انظر

ص: 90

فضلنا بعضهم على بعض كائنًا على أيّ حالةٍ، أو كيفيّةٍ، أو على التشبيه بالظرف منصوب، بـ {فَضَّلْنا} وهي معلقة لـ {انْظُرْ} بمعنى تفكر، {فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول {عَلى بَعْضٍ} متعلق بـ {فَضَّلْنا} ، وجملة {فَضَّلْنا} في محل النصب مفعول {انْظُرْ} معلقة عنها بـ {كَيْفَ} {وَلَلْآخِرَةُ} {الواو} استئنافية، و {اللام} حرف ابتداء، أو قسم {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ} مبتدأ وخبر {دَرَجاتٍ} تمييز محول عن المبتدأ، منصوب باسم التفضيل، والجملة الاسمية مستأنفة، أو جواب لقسم محذوف، {وَأَكْبَرُ} معطوف على {أَكْبَرُ} . {تَفْضِيلًا} منصوب على التمييز.

{لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)} .

{لا تَجْعَلْ} جازم ومجزوم وفاعله ضمير يعود على محمد أو على كل مخاطب، والجملة الفعلية مستأنفة {مَعَ اللَّهِ} ظرف، ومضاف إليه متعلق بمحذوف مفعول ثان، لـ {تَجْعَلْ} {إِلهًا} مفعول أول لـ {تَجْعَلْ} {آخَرَ} صفة له، والتقدير: لا تجعل إلها آخر كائنا مع الله {فَتَقْعُدَ} {الفاء} عاطفة سببية {تقعد} فعل مضارع من أخوات صار، منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي، واسمها ضمير يعود على المخاطب، {مَذْمُومًا} خبر أول لها {مَخْذُولًا} خبر ثان لها، والجملة الفعلية صلة، أن المصدرية، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها، من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: لا يكن جعلك مع الله إلهًا آخر، فقعودك مذمومًا مخذولًا.

{وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا} .

{وَقَضى رَبُّكَ} {الواو} استئنافية {قَضى رَبُّكَ} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان منزلة الوالدين، {أَلَّا} {أن} إما مصدرية، وعليها فـ {لا} نافية {تَعْبُدُوا} فعل وفاعل منصوب بـ {أن} وعلامة نصبه حذف النون {أَلَّا} أداة استثناء مفرغ {إِيَّاهُ} في محل النصب مفعول {تَعْبُدُوا} ، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، {وَقَضى} بمعنى أمر كما مر؛ والتقدير: وقضى ربك بعدم عبادة غيره سبحانه، وإما مفسرة؛ لأن {وَقَضى} فيه معنى

ص: 91

القول، دون حروفه، أو مخفّفةً من الثقيلة، فـ {لا} على هذين الوجهين ناهيةٌ جازمة، {تَعْبُدُوا} مجزوم بها، وعلامة جزمه حذف النون، والجملة الفعلية إما مفسرة لا محلّ لها من الإعراب، أو في محل الرفع خبر {أن} المخففة، {وَبِالْوالِدَيْنِ} جار ومجرور متعلق بفعل محذوف جوازًا تقديره: وأحسنوا بالوالدين {إِحْسانًا} منصوب على المفعولية المطلقة بذلك الفعل المحذوف، وإنما علّقنا الجار والمجرور بالفعل المحذوف دون المصدر لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته

{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا (23)} .

{إِمَّا} {إن} حرف شرط زيدت عليها {ما} تأكيدًا لها {يَبْلُغَنَّ} فعل مضارع في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة {عِنْدَكَ} ظرف، ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من الفاعل {الْكِبَرَ} مفعول به {أَحَدُهُما} فاعل {أَوْ كِلاهُما} معطوف على أحدهما مرفوع بالألف، لأنه ملحق بالمثنى، والتقدير: إن يبلغ أحدهما، أو كلاهما الكبر حالة كونه أو كونهما كائنين عندك؛ أي: في منزلك، أو كفالتك، {فَلا تَقُلْ} {الفاء} رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا {لا تقل} جازم ومجزوم وفاعله ضمير يعود على الولد {لَهُما} جار ومجرور متعلق بـ {تَقُلْ} {أُفٍّ} مقول محكي لـ {تَقُلْ} وإن شئت قلت:{أُفٍّ} اسم فعل مضارع بمعنى أتضجّر، وفاعله ضمير يعود على المتكلم، وجملة اسم الفعل في محل النصب مقول {تَقُلْ} ، وجملة {لا تقل} في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة إن الشرطية مستأنفة، {وَلا تَنْهَرْهُما} جازم، وفعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الولد، والجملة الفعلية في محل الجزم معطوفة على جملة {لا تقل} على كونها جوابًا لـ {إن} الشرطية، {وَقُلْ} فعل أمر وفاعله ضمير يعود على الولد {لَهُما} متعلق به {قَوْلًا} منصوب على المفعولية المطلقة {كَرِيمًا} صفة لـ {قَوْلًا} والجملة الفعلية في محل الجزم معطوفة على جملة {لا تقل} .

{وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا (24)} .

ص: 92

{وَاخْفِضْ} فعل أمر في محل الجزم معطوف على قوله: {وَقُلْ لَهُما} وفاعله ضمير يعود على الولد {لَهُما} متعلق به، {جَناحَ الذُّلِّ} مفعول به، ومضاف إليه {مِنَ الرَّحْمَةِ} جار ومجرور متعلق بـ {اخْفِضْ} فمن للتعليل؛ أي: من أجل الرحمة أو للابتداء؛ أي: إن هذا الخفض ناشىء من الرحمة المركوزة في الطبع، ويصح كونه حالًا من {جَناحَ الذُّلِّ} . {وَقُلْ} معطوف على {وَقُلْ} الأولى {رَبِّ ارْحَمْهُما

} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{رَبِّ} منادى مضاف {ارْحَمْهُما} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب مقول {قُلْ} على كونها جواب النداء {كَما} {الكاف} حرف جر وتشبيه، أو للتعليل {ما} مصدرية صفة. {رَبَّيانِي} فعل وفاعل ومفعول، و (نون) وقاية، لأن الألف ضمير تثنية {صَغِيرًا} حال من (ياء) المتكلم، والجملة الفعلية صلة لـ {ما} المصدرية، {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ {الكاف} والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: رب ارحمهما رحمة مثل تربيتهما إيّاي حالة كوني صغيرًا، أو رحمة مثل رحمتهما إياي حالة كوني صغيرًا أو ارحمهما لأجل تربيتهما إياي حالة كوني صغيرًا.

{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)} .

{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ} مبتدأ وخبر {بِما} جار ومجرور متعلق بـ {أَعْلَمُ} والجملة مستأنفة {فِي نُفُوسِكُمْ} جار ومجرور صلة لـ {ما} أو صفة لها {إِنْ} حرف شرط {تَكُونُوا} فعل ناقص واسمه مجزوم بـ {إِنْ} الشرطية صالِحِينَ خبر {تَكُونُوا} وجواب {إِنْ} الشرطية محذوف تقديره: فلا يضركم ما وقع منكم من الهفوة في حالة الغضب، وجملة {إِنْ} الشرطية مستأنفة، {فَإِنَّهُ} {الفاء} تعليلية {إنه} ناصب واسمه {كانَ} فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الله {لِلْأَوَّابِينَ} متعلق بما بعده {غَفُورًا} خبر {كَانَ} ، وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل الجر بلام التعليل المقدرة، مسوقة لتعليل الجواب المحذوف.

ص: 93

{وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} .

{وَآتِ ذَا الْقُرْبى} فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على المكلف {حَقَّهُ} مفعول ثان، والجملة مستأنفة {وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} معطوفان على {ذَا الْقُرْبى} . {وَلا تُبَذِّرْ} جازم ومجزوم وفاعله ضمير يعود على المكلف. {تَبْذِيرًا} منصوب على المفعولية المطلقة، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَآتِ} . {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ} ناصب واسمه {كانُوا} فعل ناقص واسمه {إِخْوانَ الشَّياطِينِ} خبره، ومضاف إليه، وجملة {كان} في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل النهي السابق {وَكانَ} {الواو} عاطفة أو حالية {وَكانَ الشَّيْطانُ} فعل ناقص واسمه {لِرَبِّهِ} جار ومجرور متعلق بما بعده {كَفُورًا} خبر {كانَ} وجملة {كانَ} إما معطوفة على جملة {إِنَّ} أو في محل النصب حال من {الشَّياطِينِ} .

{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)} .

{وَإِمَّا} {الواو} استئنافية {إِمَّا} {إن} حرف شرط، {ما} زائدة، {تُعْرِضَنَّ} فعل مضارع في محل الجزم بـ {إن} على كونه فعل شرط لها مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على المكلف {عَنْهُمُ} متعلق به {ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ} مفعول لأجله منصوب بفعل الشرط أو جوابه، {مِنْ رَبِّكَ} جار ومجرور صفة أولى لـ {رَحْمَةٍ} . {تَرْجُوها} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة في محل الجر صفة ثانية لـ {رَحْمَةٍ} أو حال من {رَحْمَةٍ} لتخصصه بالصفة، {فَقُلْ} {الفاء} رابطة لجواب الشرط، وجوبًا {قل} فعل أمر في محل الجزم، بـ {إن} على كونه جوابًا لها مبني على السكون، وفاعله ضمير يعود على المخاطب {لَهُمْ} متعلق به {قَوْلًا} منصوب على المفعولية المطلقة {مَيْسُورًا} صفة لـ {قَوْلًا} .

{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)} .

ص: 94

{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً} فعل، ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة مستأنفة {إِلى عُنُقِكَ} جار ومجرور متعلق بـ {مَغْلُولَةً} {وَلا تَبْسُطْها} فعل ومفعول مجزوم بـ {لا} الناهية، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، {كُلَّ الْبَسْطِ} منصوب على المفعولية المطلقة، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ} . {فَتَقْعُدَ} {الفاء} عاطفة سببية (تقعد) فعل مضارع من أخوات صار الناقصة منصوب بأن مضمرة بعد الفاء السببية، واسمها ضمير يعود على المخاطب {مَلُومًا} خبر أول لها {مَحْسُورًا} خبر ثان لها، وجملة (تقعد) في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيّد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: لا يكن بسط يدك فقعودك ملومًا محسورًا.

{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)} .

{إِنَّ رَبَّكَ} ناصب واسمه {يَبْسُطُ الرِّزْقَ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إِنَّ} . {لِمَنْ} جار ومجرور متعلق بـ {يَبْسُطُ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، {يَشاءُ} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الرب، والجملة الفعلية صلة {من} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: لمن يشاء البسط له، {وَيَقْدِرُ} في محل الرفع معطوفة على جملة {يَبْسُطُ} {إِنَّهُ} ناصب، واسمه {كانَ} فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الله {بِعِبادِهِ} جار ومجرور متعلق بما بعده، على سبيل التنازع {خَبِيرًا بَصِيرًا} خبران لـ {كانَ} وجملة {كانَ} في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة إن مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيرًا (31)} .

{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} فعل وفاعل، ومفعول مجزوم بـ {لا} الناهية {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} مفعول لأجله، ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة نَحْنُ مبتدأ، وجملة نَرْزُقُهُمْ خبره وَإِيَّاكُمْ معطوف على {الهاء} ، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها {إِنَّ قَتْلَهُمْ} ناصب واسمه كانَ فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على القتل {خِطْأً} خبر {كانَ} . {كَبِيرًا} صفة

ص: 95

{خِطْأً} ، وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل النهي السابق.

{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32)} .

{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى} فعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ {لا} الناهية، والجملة معطوفة على جملة {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} {إِنَّهُ} ناصب واسمه {كانَ} فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على الزنا {فاحِشَةً} خبرها، وجملة {كانَ} في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، {وَساءَ} فعل ماض من أفعال الذم، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا يعود على الزنا {سَبِيلًا} تمييز لفاعل {وَساءَ} ، وجملة {وَساءَ} في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف، هو مخصوص بالذم تقديره هو يعود على الزنا، والجملة الاسمية جملة إنشائية لا محلّ لها من الإعراب.

{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا (33)} .

{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ} فعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ {لا} الناهية، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، {الَّتِي} صفة لـ {النَّفْسَ} {حَرَّمَ اللَّهُ} قتلها فعل وفاعل، {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ {بِالْحَقِّ} جار ومجرور متعلق بـ {تَقْتُلُوا} أو بمحذوف حال من فاعل {تَقْتُلُوا}؛ أي: إلّا حالة كونكم ملتبسين بالحق، {وَمَنْ} اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب أو هما. {قُتِلَ}: فعل ماض مغير الصيغة في محل الجزم بـ {مَنْ} على كونه فعل شرط لها، ونائب فاعله ضمير يعود على {مَنْ} {مَظْلُومًا} حال من نائب الفاعل في {قُتِلَ} {فَقَدْ} {الفاء} رابطة لجواب من الشرطية وجوبًا لاقترانه بـ {قد} {قد} حرف تحقيق {جَعَلْنا} فعل وفاعل في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية على كونه جوابًا لها {لِوَلِيِّهِ} جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ {جَعَلْنا} {سُلْطانًا} مفعول أول له، وجملة {مَنْ} الشرطية مستأنفة {فَلا} {الفاء} عاطفة {لا} ناهية {يُسْرِفْ} فعل مضارع مجزوم بـ {لا} الناهية، وفاعله ضمير يعود على {وليه} . {فِي

ص: 96

الْقَتْلِ} متعلق به، والجملة في محل الجزم معطوفة على جملة الجواب {إِنَّهُ} ناصب واسمه {كانَ} فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على الولي {مَنْصُورًا} خبرها، وجملة {كانَ} من اسمها وخبرها في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

التصريف ومفردات اللغة

{أَمَرْنا مُتْرَفِيها} والمترفون: هم المنعّمون من الملوك والعظماء، وفي «القاموس» التّرفه بالضم: النعمة، والطعام الطيِّب: والشيء الظريف، تخص به صاحبك، وترف كفرح تنعّم وأترفته النّعمة أطغته، أو نعّمته كترفّته تتريفًا، والمترف كمكرم المتروك، يصنع ما يشاء، ولا يمنع، والمتنعّم لا يمنع من تنعّمه، وتترّف تنعّم، وفي «أساس البلاغة» أترفته النّعمة أبطرته، وأترف فلان، وهو مترف وأعوذ بالله من الإتراف، والإسراف، واستترفوا تعفرتوا، وطغوا، ولم أزل معهم في ترفة، أي: في نعمة {فَفَسَقُوا} ؛ أي: خرجوا عن الطاعة، وتمرّدوا {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ}؛ أي: وجب لها العذاب {تَدْمِيرًا} ، والتدمير: الإهلاك مع طمس الأثر.

{مِنَ الْقُرُونِ} جمع قرن، والقرن: القوم يجمعهم زمان واحد، وقد حدّد بأربعين سنة وثمانين سنة، وبمئة، وبغير ذلك {الْعاجِلَةَ} الدار الدنيا. {يَصْلاها}؛ أي: يقاسي حرّها {مَدْحُورًا} ؛ أي: مطرودًا مبعدًا من رحمة الله، وفي «القاموس» الدحر: الطّرد والإبعاد، والدفع كالدحور، وهو داحرٌ ودحور، وفي «المختار» دحره يدحره من باب: خضع طرده اهـ. {مَحْظُورًا} ؛ أي: ممنوعًا عمّن يريده {فَتَقْعُدَ} قعد يجوز أن تكون على بابها، فينتصب ما بعدها على الحال، ويجوز أن تكون بمعنى صار فينتصب ما بعدها على الخبرية، وإليه ذهب الفراء، والزمخشري اهـ «سمين» {مَذْمُومًا}؛ أي: ممن يستحق الذّمّ من الملائكة والمؤمنين {مَخْذُولًا} ؛ أي: من الله، لأنك أشركت معه ما لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا.

{وَقَضى} قيل: بمعنى أوصى، وقيل بمعنى حكم، وقيل: بمعنى أوجب، وقيل: بمعنى ألزم. اهـ «سمين» {أُفٍّ} يقرأ بالتنوين للدلالة على التنكير؛ أي: لا تقل لهما أتضجّر وأقلق من كل فعل لكما، وبعدمه للدلالة على التعريف؛ أي:

ص: 97

لا تقل لهما أتضجر من فعل خاص من أفعالكما اهـ. شيخنا.

فصل في أُفّ

والأصح: أن أُفّ اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر، وفيه: أربعون لغة، وحاصلها: أن الهمزة إمّا أن تكون مضمومةً، أو مكسورةً، أو مفتوحةً، فإن كانت مضمومة .. فاثنتان وعشرون لغةً.

وحاصل ضبطها: أنها إمّا مجرّدة عن اللواحق، أو ملحقة بزائد، والمجردة إما أن يكون آخرها ساكنًا، أو متحركًا، والمتحركة إمّا أن تكون مشددةً، أو مخففةً، وكلٌّ منهما مثلّث الآخر مع التنوين، وعدمه، فهذه اثنتا عشرة لغة، والساكنة إما مشدّدةً أو مخفّفةً فهذه سبع عشرة، وإن كان حرف مدّ فهو إمّا واو، أو ياء، أو ألف، والفاء فيهن: مشددةً، والألف إما مفخّمة أو بالإمالة المحضة، أو بين بين، فهذه خمس أخرى مع السبع عشرة، وإن كانت مكسورة فإحدى عشرة مثلثة الفاء، مخففة مع التنوين، وعدمه، فهذه ست لغات، وفتح الفاء وكسرها بالتشديد فيها مع التنوين وعدمه، فهذه أربع لغات: والحادية عشرة: أفّي بالإمالة، وإن كانت مفتوحة، فالفاء مشددة مع الفتح، والكسر، والتنوين وعدمه، والخامسة أف بالسكون، والسادسة أفّي بالإمالة، والسابعة: أفاه بهاء السكت، فهذه السبع مكملة للأربعين، وقد قرىء من هذه اللغات بسبع، ثلاث في المتواتر، وأربع في الشواذ، وقراءة حفص، وهي قراءتنا {أُفٍّ} بالكسر، والتنوين مع التشديد {وَلا تَنْهَرْهُما} ، وفي «السمين» والنهر: الزجر بجرحٍ، وغلظة، وأصله الظهور، ومنه النهر لظهوره، وقال الزمخشري: النهي، والنّهر، والنّهم أخوات اهـ.

{قَوْلًا كَرِيمًا} ؛ أي: جميلًا لا شراسة فيه، قال الراغب: كل شيء يشرف في جنسه، يقال: إنّه كريمٌ {وَاخْفِضْ لَهُما} وخفض الجناح يراد به: التواضع، والتذلل {مِنَ الرَّحْمَةِ}؛ أي: من فرط رحمتك عليهما {لِلْأَوَّابِينَ} جمع أوّاب، والأواب الذي ديدنه الرجوع إلى الله، والالتجاء إليه حين الشدّة {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} والتبذير: إنفاق المال في غير موضعه {إِخْوانَ الشَّياطِينِ} ؛ أي: أمثالهم في الشّرارة، فإن التّضييع، والإتلاف شر، أو أصدقاؤهم، وأتباعهم لأنهم

ص: 98

يطيعونهم في الإسراف، والصرف في المعاصي، والعرب تقول لكل من هو ملازم سنّة قوم: هو أخوهم {لِرَبِّهِ كَفُورًا} ؛ أي: جحودًا لنعمة ربه، فما ينبغي أن يطاع؛ لأنه يدعو إلى مثل عمله اهـ من «الخازن» والبيضاوي وعبارة الكرخي والمراد من هذه الأخوة: التّشبّه بهم في هذا الفعل القبيح؛ لأنّ العرب يسمّون اللازم للشيء أخًا له فيقولون: فلان أخو الكرم، والجود وأخو الشعر إذا كان مواظبًا على هذه الأفعال اهـ. و {الابتغاء} الطلب و {الرحمة} الرزق و {الميسور} السّهل اللّيّن {والمغلولة} المقيدة بالغل، وهو بضم الغين طوق من حديد، يوضع في اليدين، والعنق فمعنى مغلولة إلى عنقك، أي: مضمومةً إليه مجموعة معه في الغل، والمراد به هنا: الإمساك عن الإنفاق في الخيرات {وَلا تَبْسُطْها} ؛ أي: لا تتوسع في الإنفاق {مَلُومًا} ؛ أي: مذموما من الخلق والخالق {مَحْسُورًا} ؛ أي نادمًا، أو منقطعًا بك لا شيء عندك من حسرة السفر، إذا أثر فيه فهو محسور؛ أي: منقطع عن السير إعياءً، وكلالًا، والإملاق الفقر.

قال الشاعر:

وإنّي على الإملاق يا قوم ماجدٌ

أعدّ لأضيافي الشُّواء المُضهَّبَا

{خِطْأً} والخطأ كالإثم، وزنًا، ومعنًى فقال فيه: خطئًا بكسر الخاء، وسكون الطاء على وزن مثل، وخطأ بفتحتين على وزن شبه، وخطاء بكسر الخاء، وفتح الطاء، وبالمد على وزن قتال ففيه ثلاث قرآت كلها سبعية اهـ شيخنا فعلى الأولى: فهو مصدر لخطىء من باب علم، وعلى الثانية: اسم مصدر لأخطأ رباعيا، وعلى الثالثة: هو مصدر لخاطأ، وهو وإن لم يسمع، لكنه سمع تخاطأ اهـ من «البيضاوي» . ومجيء تخاطأ يدل على وجود (خاطأ)؛ لأن تفاعل مطاوعٌ فاعل كباعدته فتباعد، وناولته فتناول اهـ زاده {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى} في «المصباح» . قربت الأمر أقربه من باب تعب، وفي لغة من باب قتل قربانا بالكسر دانيته، ومن الأول:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى} ويقال منه أيضًا: قربت المرأة قربانا كناية عن الجماع، ومن الثاني: لا تقرب الحمى؛ أي: لا تدن منه اهـ.

والعامة على قصر الزنا، وهي اللغة الفاشية، وقرىء بالمد، وفيه وجهان:

ص: 99

أحدهما: أنّه لغة في المقصور.

والثاني: أنه مصدر زانأ يزانىء كقاتل قتالا؛ لأنه يكون من اثنين اهـ. «سمين» (والفاحشة) الفعلة القبيحة الظاهرة القبح {سُلْطانًا} السلطان التسلط والاستيلاء {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} ؛ أي: فلا يتجاوز الحد المشروع فيه.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: المجاز المرسل في قوله: {أَمَرْنا مُتْرَفِيها} ؛ لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم: افسقوا، وهذا باطل فبقي أن يكون مجازا عن التوسعة في العيش، واسترسالهم في المعاصي، وفيه أيضًا المجاز بالحذف، لأنه لم يذكر المأمور به إيجازا في القول واعتمادًا على بداهته للسامع؛ أي: أمرناهم بالطاعة.

ومنها: التزام ما لا يلزم في قوله: {مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها} ، وهو التزام حرف أو حرفين فصاعدا قبل الروي على قدر طاقة الشاعر، أو الكاتب من غير كلفةٍ فقد التزم في قوله:{مُتْرَفِيها} و {فِيها} {الفاء} قبل ياء الردف، ولزمت الياء، وسيأتي الكثير منه في القرآن، وهو من أرشق الاستعمالات.

ومنها: الجناس المغاير في قوله: {فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا} ، وفي قوله:{وَسَعى لَها سَعْيَها} وفي قوله: {الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ} .

ومنها: الطباق بين {الْعاجِلَةَ} و {الْآخِرَةَ} .

ومنها: اللفُّ والنَّشْرُ المرتّب في قوله: {هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ} فهؤلاء الأولى للفريق الأول، أي: مريد الدنيا، وهؤلاء الثانية للفريق الثاني، أي: مريد الآخرة.

ومنها: الإجمال ثمّ التفصيل في قوله: {كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ} .

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ}

ص: 100

لأنها جرت في الفعل بعد جريانها في المصدر، حيث شبهت إلانة الجانب بخفض الجناح، بجامع العطف. والرقة في كلٍّ، واستعير الخفض للإلانة، واشتق منه اخفض بمعنى ألن أو الاستعارة الأصلية في الجناح، حيث شبه الجانب بالجناح، واستعير للجانب.

ومنها: إضافة الموصوف إلى الصفة في قوله: {جَناحَ الذُّلِّ} لأن المصدر، وهو {الذُّلِّ} بمعنى الذليل، وفي السمين، قوله:{جَناحَ الذُّلِّ} فيه استعارة بليغة، وذلك أنّ الطائر إذا أراد الطيران نشر جناحيه، فجعل خفض الجناح كناية عن التواضع، واللين اهـ ويصحّ كونها استعارة مكنية، بأن شبّه الذلّ بطائر، له جناحٌ، وحذف الطّائر ورمز له بشيء من لوازمه، وهو الجناح على سبيل الاستعارة، المكنية.

ومنها: التشبيه في قوله: {كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا} .

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ} حيث شبه حال البخيل في امتناعه عن الإنفاق بحال من يده مغلولة إلى عنقه، فهو لا يقدر على التصرف في شيءٍ، وشبه حال المسرف المبذّر المتلاف بحال من يبسط يده كل البسط، فلا يبقي شيئًا في كفه، ولا يدّخر شيئًا ينفعه في الحاجة، ليخلص إلى نتيجة مجدية، وهي التوسط بين الأمرين، والاقتصاد الذي هو وسط بين الإسراف، والتقتير، وقد طابق في الاستعارة بين بسط اليد، وقبضها من حيث المعنى، لأنّ جعل اليد مغلولة هو قبضها، وغلها أبلغ في القبض.

ومنها: اللّفّ والنّشر المرتب في قوله: {فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} لأن قوله: {مَلُومًا} راجع إلى البخل، وقوله:{مَحْسُورًا} راجع إلى الإسراف، أي: يلومك الناس إن بخلت وتصبح مقطوعًا إن أسرفت.

ومنها: الطباق بين {يَبْسُطُ} و {يَقْدِرُ} .

ومنها: الإطناب في قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا

ص: 101

يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا} فإن معنى هذه الآية جاء موجزًا في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ} لكن الأول إطناب، والثاني إيجاز، وكلاهما موصوف بالمساواة فالإطناب في اصطلاح البيانيين: هو زيادة اللفظ على المعنى، لفائدة، فإذا لم تكن في الزيادة فائدة، تسمى تطويلًا إن كانت الزيادة .. غير متعينة، وحشوًا إن كانت متعينةً.

ومنها: الزيادة والحذف في عِدَّة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 102

قال الله سبحانه جلّ وعلا:

{وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَاّ نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظامًا وَرُفاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَاّ قَلِيلًا (52)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى، لما نهى (1) عن إتلاف النفوس نهى عن أخذ الأموال كما قال صلى الله عليه وسلم: «فَإنَّ دماءكم وأموالكم، وأعراضكم حرامٌ

(1) البحر المحيط.

ص: 103

عليكم»، ولمّا كان اليتيم ضعيفًا عن أن يدفع عن ماله لصغره .. نص على النهي عن قربان ماله.

قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ

} الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما: أنه سبحانه وتعالى لما نهى عن إتلاف مال اليتيم .. أردفه (1) بالأمر بوفاء العهد، وهو العقد الذي يعمل لتوكيد الأمر وتثبيته، ثم بإيفاء الكيل والميزان لما في حسن التعامل بين الناس من توافر المودة، والمحبّة بينهم، وهذا ما يرمي إليه الدّين لإصلاح شؤون الفرد والمجتمع.

قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما أمر (2) بثلاثة أشياء .. أتبع ذلك بثلاثة مناه: {وَلا تَقْفُ} {وَلا تَمْشِ} {وَلا تَجْعَلْ} أي: أردف ذلك بالنّهي (3) عن تتبع ما لا علم لك به من قول، أو فعل، فلا تتّبع ما يعمله الآباء اقتداء بهم من عبادة الأصنام تقليدا لهم، ولا تشهد على شيء لم تره، ولا تكذب فتقول في شيء لم تسمعه إنك قد سمعته، ولا في شيء لم تره إنّك قد رأيته، ثمّ بالنهي عن مشية الخيلاء، والمرح لما فيهما من الصلف الذي لا يرضاه الله تعالى، ولا الناس، ثمّ ختم ذلك ببيان أنّ تلك الأوامر، والنواهي من وحي الله وتبليغه، لا من عند نفسه، أمر بها، ونهى عنها لأنها أسس سعادة الدارين، وعليها تبنى العلاقات بين الأفراد والأمم على نظم صحيحة، لا تكون عرضة للاضطراب، وفقدان الثقة في معاملاتهم.

قوله تعالى: {أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما نبه (4) على جهل من أثبتوا له شريكًا، واتخذوا له ندًا ونظيرًا .. أردف ذلك بالتنديد، والتقريع لمن أثبتوا له ولدا، وأنه قد بلغ من تحتهم أن جعلوا البنين لأنفسهم مع علمهم بعجزهم، ونقصهم، وأعطوا لله البنات، مع علمهم بأنّه الموصوف بالكمال،

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

(3)

المراغي.

(4)

المراغي.

ص: 104

الذي لا نهاية له، والجلال الذي لا غاية له، ثمّ أتبعه ببيان أنه قد ضرب في القرآن الأمثال، ليتدبروا ويتأمّلوا فيها، ولكن ذلك ما زادهم إلا نفورًا عن الحق، وقلّة طمأنينة إليه، ثمّ أردفه ببيان أنه لو كانت هذه الأصنام كما تقولون من أنها تقربكم إلى الله زلفى .. لطلبت لأنفسها قربة إلى الله، وسبيلًا إليه، ولكنّها لم تفعل ذلك، وكيف تقرّبكم إليه، وكل ما في السموات والأرض يسبح بحمده، بدلالة أحواله على توحيده، وتقديسه، وكمال قدرته، ولكنكم لجهلكم وغفلتكم لا تدركون دلالة تلك الدلائل.

قوله تعالى: {وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (1): أنه سبحانه وتعالى لما أنهى الكلام في مقام الألوهية، وجدالهم بالّتي هي أحسن، بضرب الأمثال لهم، وإقامة الحجة عليهم، وإيضاح السبيل لهم .. أردف هنا بالكلام في مقام النبوة، والنعي عليهم في عدم فهمهم للقرآن، والنفور منه، والهزء به، وضربهم الأمثال للنبي صلى الله عليه وسلم، وقولهم فيه تارةً إنه ساحرٌ، وأخرى إنه مجنون وحينًا إنه شاعر.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ

} الآية، أخرج (2) ابن المنذر عن ابن شهاب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا القرآن على مشركي قريشٍ، ودعاهم إلى الكتاب قالوا يهزؤون به:{قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ} فأنزل الله تعالى في قولهم ذلك: {وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ

} الآيات.

وروى ابن عباس رضي الله عنهما أنّ أبا سفيان، والنّضر بن الحارث، وأبا جهل وغيرهم، كانوا يجالسون النبيّ صلى الله عليه وسلم ويستمعون إلى حديثه، فقال النضر يومًا: ما أدري ما يقول محمد غير أني أرى شفتيه تتحركان بشيء، وقال أبو سفيان: إني لأرى بعض ما يقول حقا، وقال أبو جهل: هو مجنون، وقال أبو لهب: هو كاهن، وقال حويطب بن عبد العزى: هو شاعر فنزلت هذه الآية.

(1) المراغي.

(2)

لباب النقول.

ص: 105