المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)} قال: وهذه أشد - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)} قال: وهذه أشد

لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)} قال: وهذه أشد من الأولى، {قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)} {فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِدارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ} قال: مائل، فقال الخضر بيده هكذا، فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم، فلم يطعمونا، ولم يضيّفونا {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} {قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر، حتى يقص الله علينا من خبرهما».

قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ: {وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} وكان يقرأ: {وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين} ، وبقية روايات سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبيِّ بن كعب، هي موافقة لهذه الرواية في المعنى، وإن تفاوتت الألفاظ في بعضها، فلا فائدة في الإطالة بذكرها، وكذا روايات غير سعيد عنه.

التفسير وأوجه القراءة

‌60

- والظرف في قوله: {وَإِذْ قالَ} متعلق بفعل محذوف تقديره؛ واذكر يا محمد لقومك قصّة إذ قال مُوسى بن عمران عليه السلام، {لِفَتاهُ} يوشع بن نون بن أفراشيم بن يوسف عليه السلام، لما فيها من العبرة. قيل (1): ووجه ذكر هذه القصة في هذه السورة: أن اليهود لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن قصة أصحاب الكهف، وقالوا: إن أخبركم فهو نبي، وإلا فلا .. ذكر الله قصّة موسى والخضر، تنبيهًا على أن النبي لا يلزمه أن يكون عالمًا بجميع القصص والأخبار، والمعنى: واذكر قصة وقت قول موسى لفتاه يوشع بن نون، وهو ابن أخت موسى، وكان من أكبر أصحابه، ولم يزل معه إلى أن مات، وخلفه في شريعته، وكان من أعظم بني إسرائيل بعد موسى، سمي فتاه إذ كان

(1) الشوكاني.

ص: 434

يخدمه، ويتبعه، ويتعلم منه، ويسمى الخادم والتلميذ فتى، وإن كان شيخا، وإليه يشير القول المشهور: تعلم يا فتى فالجهل عار.

{لا أَبْرَحُ} : من برح الناقص كزال يزال؛ أي: لا أزال أسير، فحذف الخبر اعتمادًا على قرينة الحال؛ إذ كان ذلك عند التوجه إلى السفر، ويدل عليه أيضًا ذكر السفر في قوله:{لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا} {حَتَّى أَبْلُغَ} وأصل {مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} ؛ أي: ملتقى بحر فارس والروم، مما يلي المشرق، وهو المكان الذي وعد الله موسى بلقاء الخضر فيه، والمراد (1) بملتقاهما هنا موضع يقرب التقاؤهما فيه مما يلي المشرق، ويُعطى لما يقرب من الشيء حكم ذلك الشيء ويعبر به عنه، وفيه إشارة إلى أن موسى والخضر عليهما السلام بحران لكثرة علمهما {أَوْ} حتى {أَمْضِيَ} وأسير {حُقُبًا}؛ أي: زمانًا طويلًا، أتيقن معه فوات المطلب، أو أسير ثمانين سنةً، يعني حتى يقع، إما بلوغ المجمع، أو مضي الحقب؛ قال الجوهري: الحقب - بالضم - ثمانون سنةً، وقال النّحّاس: الذي يعرفه أهل اللغة: أن الحقب والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود، كما أن رهطًا وقومًا منهم غير محدود، وجمعه أحقاب، وسبب هذه العزيمة على السير من موسى عليه السلام ما روي أنه سئل موسى من أعلم الناس؟ فقال: أنا، فأوحى الله إليه: أنّ أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين، كما مر في القصة، والمعنى؛ أي (2): واذكر أيها الرسول قصة حين قال موسى بن عمران لفتاه يوشع: لا أزال أمشي حتى أبلغ مكان اجتماع البحرين، أو أسير دهرًا طويلًا.

وخلاصة ذلك: أن الله تعالى أعلم موسى هذا العالم، وما أعلمه موضعه بعينه، فقال: لا أزال أمشي حتى يجتمع البحران، فيصيرا بحرًا واحدًا، أو أمضي دهرًا طويلًا حتى أجده.

ومجمل الأمر: أنّه وطّن نفسه على تحمل التعب الشديد، والعناء العظيم،

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 435