الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستحقه، بحسب استحقاقه، ولا ينافيه مزيد التفضل على من هو أهل لذلك، والمراد بكونه سبحانه خبيرًا بصيرًا: أنه محيط بحقائق الأشياء ظاهرًا وباطنًا لا تخفى عليه منها خافية.
والمعنى: أي (1) وحسبك - أيها الرسول - بالله خبيرًا بذنوب خلقه، فلا يخفى عليه شيء من أفعال مشركي قومك، ولا أفعال غيرهم، بل هو عليم بجميع أعمالهم، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وسيجازيهم على ذلك بما يستحقون.
18
- ثم قسّم سبحانه عباده إلى قسمين: محب للعاجلة، ومحب لأعمال الآخرة، فذكر الأول منهما بقوله:{مَنْ كانَ} منكم أيها العباد {يُرِيدُ} بأعمال البر التي عملها {الْعاجِلَةَ} ؛ أي: المنفعة العاجلة، أو الدار العاجلة فقط: أي ما فيها من فنون مطالبها، فيدخل فيه الكفرة، والفسقة، والمراؤون، والمنافقون، والمهاجر للدنيا، والمجاهد لمحض الغنيمة والذكر، وطالب العلم لغرض الوظيفة، والمحمدة، والشهرة والاسم، كما ابتلي به كثير من طلبة عصرنا، وقد بيّنا ما يتعلق بعلم من ذكّر وضده في كتابنا «سلّم المعراج على خطبة المنهاج» ، فراجعه إن شئت. {عَجَّلْنا لَهُ}؛ أي: لذلك المريد {فِيها} ؛ أي: في تلك العاجلة، ثمّ قيّد المعجّل بقيدين:
الأول: قوله: {مَا نَشَاءُ} تعجيله له من نعيمها، لا كل ما يريد؛ فإن الحكمة لا تقتضي وصول كلّ طالب إلى مرامه ومطلوبه، ولهذا ترى كثيرا من هؤلاء المريدين للعاجلة، يريدون من الدنيا ما لا ينالون، ويتمنّون ما لا يصلون إليه، ومن حكمته سبحانه: أنه (2) يبتلي بعض العباد بالطلب من غير حصول المطلوب، وبعضهم يبتلي به مع حصول المطلوب المشروط به، إما مقارنا لطلبه، وإما بعده، لأن وقت الطلب قد يفارق وقت حصول المطلوب، فيحصل الطلب في وقت، والمطلوب في وقت، وبعضهم لا يبتلي بالطلب، بل يصل إليه الفيض
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.
بلا طلب، فالأول طلب ولا شيء، والثاني طلب وشيء، والثالث: شيء ولا طلب.
والقيد الثاني: قوله: {لِمَنْ نُرِيدُ} ؛ أي: لمن نريد التعجيل له منهم ما اقتضته مشيئتنا.
وجملة {لِمَنْ نُرِيدُ} بدل من الضمير في {له} بإعادة الجار بدل البعض من الكل؛ لأن الضمير يرجع إلى {من} الموصولة المفيدة للعموم.
وهذه الآية مقيِّدة للآيات المطلقة كقوله سبحانه: {وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها} وقوله: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15)} .
وقرأ الجمهور (1): {ما نَشاءُ} بالنون، وروي عن نافع {ما يشاء} بالياء، فقيل: الضمير في يشاء يعود على الله، وهو من باب الالتفات، فقراءة النون والياء سواء، وقيل: يجوز أن يعود على {من} العائد عليها الضمير في {له} وليس ذلك عامًّا بل لا يكون له ما يشاء إلا آحاد أراد الله لهم ذلك، ثم بعد هذه الطلبة الفارغة، والإرادة الخالية، التي لا تأثير لها إلا بالقيدين المذكورين عذاب الآخرة الدائم، ولهذا قال سبحانه:{ثُمَّ} بعد انتقاله إلى الآخرة {جَعَلْنا لَهُ} ؛ أي: لذلك المريد في الآخرة مكان ما عجّلنا له في الدنيا بسبب تركه لما أمر به من العمل للآخرة، وإخلاصه عن الشوائب {جَهَنَّمَ} وما فيها من أصناف العذاب حالة كونه {يَصْلاها}؛ أي: يدخلها حال من الضمير المجرور {مَذْمُومًا} من عند الخلق؛ أي: ملوما مهانا بالذمّ؛ لأن الذمّ اللوم، وهو خلاف المدح والحمد، يقال: ذممته، وهو ذميم غير حميد كما في «بحر العلوم» {مَدْحُورًا} عند الخالق؛ أي: مطرودًا من رحمة الله تعالى مبعدا عنها، فإنّ الدّحر الطرد، والإبعاد.
فهذه عقوبته في الآخرة، مع أنه لا ينال من الدنيا إلّا ما قدره الله سبحانه
(1) البحر المحيط.