المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

موصوف، ومثلها الحسنة فيما يتقرب به إلى الله تعالى. {إِنَّا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: موصوف، ومثلها الحسنة فيما يتقرب به إلى الله تعالى. {إِنَّا

موصوف، ومثلها الحسنة فيما يتقرب به إلى الله تعالى. {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ} منهم {عَمَلًا} مفعول أحسن، والتنوين فيه للتقليل، والأجر: الجزاء على العمل؛ أي: لا نبطل ثواب من أخلص منهم عملًا، ووضع الظاهر موضع المضمر، إذ حق العبارة أن يقال: إنّا لا نضيع أجرهم، للدلالة على أن الأجر إنما يستحق بالعمل دون العلم، إذ به يستحق ارتفاع الدرجات، والشرف، والرّتب، وقرأ عيسى الثقفي {إنا لا نضيِّع} من ضيع عداه بالتضعيف، والجمهور من أضاع عدوه بالهمزة.

والمعنى: أي (1) إن الذين آمنوا بالحق الذي يوحى إليك، وعملوا ما أمرهم به ربهم، فالله لا يضيع أجرهم على ما أحسنوا من الأعمال، ولا يظلمهم على ذلك نقيرًا ولا قطميرًا،

‌31

- ثمّ بيّن ما أعدّ لهم من النعيم بقوله:

1 -

{أُولئِكَ} الموصوفون بالصفات السابقة، {لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ}؛ أي: بساتين إقامة وخلود، يعني تخلد هي، ويخلد فيها صاحبها، ويجوز (2) أن يكون العدن: اسمًا لموضع معين من الجنة، وهو وسطها، وأشرف مكان فيها، وقوله: جنّات لفظ جمع، فيمكن أن يكون المراد ما قاله تعالى:{وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46)} ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (62)} ، ويمكن أن يكون نصيب كل واحد من المكلفين جنة على حدة.

2 -

{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ} ؛ أي: من تحت مساكنهم، وقصورهم {الْأَنْهارُ} الأربعة من الخمر، واللبن، والعسل، والماء العذب، وذلك لأن أفضل البساتين في الدنيا البساتين التي تجري فيها الأنهار؛ أي: إنّه لهم جنات يقيمون فيها، تجري من تحت غرفها الأنهار.

3 -

{يُحَلَّوْنَ فِيها} ؛ أي: يلبسون في تلك الجنات، وحكى الفراء {يَحْلَوْنَ} بفتح الياء وسكون الحاء، وفتح اللام من حليت المرأة، إذا لبست الحلي، وهي ما تتحلى وتتزين به من ذهب وفضة وغير ذلك من الجواهر. {مِنْ أَساوِرَ} قيل:

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 346

{مِنْ} زائدة بدليل سقوطها في سورة {هَلْ أَتى} {وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} وقيل:

ابتدائية، وأساور جمع أسورة، وهي جمع سوار، وهي زينة تلبس في الزند من اليد، وهي من زينة الملوك، يعني في الزمن الأول، وتنكيرها لتعظيم حسنها، قال في «بحر العلوم» (1): وتنكير أساور للتكثير والتعظيم، {مِنْ ذَهَبٍ} {مِنْ} بيانية صفة لأساور، وتنكيره لتبعيده من الإحالة به، وظاهر (2) الآية: أنها جميعها من ذهب، وجاء في آية أخرى {مِنْ فِضَّةٍ} ، وفي أخرى {مِنْ ذَهَبٍ} ، ولؤلؤ فيجمع بينها بأنهم يحلون بالأساور الثلاثة، إما على سبيل المعاقبة، أو على سبيل الجمع كما تفعله نساء الدّنيا، فيكون في الواحد منهم سوار من ذهب، وآخر من فضة، وآخر من لؤلؤ، وقرأ أبان عن عاصم، من:{أسوره} من غير ألف، وبزيادة هاء، وهو جمع سوار.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء» أخرجه البخاري ومسلم، وغيرهما.

4 -

{وَيَلْبَسُونَ} فيها {ثِيابًا خُضْرًا} ؛ أي: ذوات خضرة؛ لأن (3) الخضرة أحسن الألوان، وأكثرها طراوة، وأحبها إلى الله تعالى، ولأنها هي اللون الموافق للبصر، وقرأ أبان:{ويلبسون} بكسر الباء وعبارة «المراغي» هنا: واختير اللون الأخضر، لأنه أرفق بالأبصار، ومن ثمّ جعله الله لون النبات والأشجار، وجعل لون السماء الزرقة؛ لأنه نافع لأبصار الحيوان أيضًا، وقد قالوا: أربعة مذهبة للهم والحزن: الماء، والخضرة، والبستان، والوجه الحسن، {مِنْ سُنْدُسٍ} بيان لتلك الثياب، صفة لها، وهو ما رق من الديباج {وَإِسْتَبْرَقٍ} وهو ما غلظ منه، والدّيباج: الثوب الذي سداه ولحمته إبريسم وحرير، وإنما جمع بين النوعين للدلالة على أن لبسهما مما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين، وقرأ ابن محيصن:{واستبرقَ} بوصل الألف وفتح القاف حيث وقع جعله فعلًا ماضيًا على وزن استفعل من البريق، ويكون استفعل فيه موافقًا للمجرد الذي هو برق، ذكره في «البحر» .

(1) روح البيان.

(2)

السمرقندي.

(3)

المراغي.

ص: 347

فإن قيل: ما السبب في أنه تعالى قال في الحلي {يُحَلَّوْنَ} بالبناء للمفعول، وفي اللباس:{يَلْبَسُونَ} بالبناء للفاعل؟

قلنا: بنى في الأول للمفعول إيذانًا (1) بكرامتهم، وأن غيرهم يفعل بهم ذلك، ويزينهم به، بخلاف اللبس، فإن الانسان يتعاطاه بنفسه شريفا أو حقيرا، وقدم التحلي على اللباس؛ لأنه أشهى للنفس اهـ «سمين» .

وقال بعضهم: لا شك (2) أن لباس السّتر يلبسه المرء بنفسه، ولو كان سلطانا .. فلذا أسند إليه، وأما لباس الزينة فغيره يزيّنه به عادة كما يشاهد في السلاطين والعرائس، ولذا أسند إلى غيره على سبيل التعظيم والكرامة.

5 -

{مُتَّكِئِينَ فِيها} ؛ أي: حالة كونهم متكئين في الجنة، وجالسين فيها، {عَلَى الْأَرائِكِ} والسرر متربعين عليها، وفي «الجمل»: متّكئين: حال عاملها محذوف؛ أي: ويجلسون متكئين؛ أي: متربعين ومضطجعين جمع أريكة، وهي: السّرير في الحجال، ولا يسمى السرير وحده أريكة، إلّا إذا كان في الحجال والحجال: جمع حجلة، وهي بيت يزيّن بالثياب للعروس، وخص (3) الاتكاء؛ لأنه هيئة المتنعمين والملوك على أسرّتهم؛ أي: يتكئون فيها على سرر مزدانة بالستور، وفي هذا دليل على منتهى الراحة والنعيم، كما يكون ذلك في الدنيا، وأصل {مُتَّكِئِينَ} موتكئين؛ لأنه من اتكأ، أصله: أوتكأ، كما سيأتي في مبحث التصريف إن شاء الله تعالى.

وقد اشتملت الآية (4) على خمسة أنواع من الثواب كما أشرنا إليها بالأرقام، الأول: لهم جنات عدن، الثاني: تجري من تحتهم

إلخ، الثالث: يحلّون فيها، الرابع: ويلبسون ثيابًا

إلخ، والخامس: متكئين فيها

إلخ اهـ شيخنا.

{نِعْمَ الثَّوابُ} الذي أثابهم الله به بأنواعه الخمسة المتقدمة، والثواب فاعل والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره: هي؛ أي: الجنات {وَحَسُنَتْ} ؛ أي:

(1) الفتوحات.

(2)

روح البيان.

(3)

روح البيان.

(4)

الفتوحات.

ص: 348

الجنات {مُرْتَفَقًا} ؛ أي: مقرًا، ومنزلًا، ومجتمعا لعباده الصالحين، وقيل:{حَسُنَتْ} ؛ أي: الأرائك {مُرْتَفَقًا} ؛ أي: متكأً ومقعدًا، ومنزلًا للاستراحة.

والمعنى: أي نعمت الجنة لهم جزاءً وفاقًا على جميل أعمالهم، وحسنت منزلًا، ومقيلًا، ونحو الآية {أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلامًا (75) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقامًا (76)} .

الإعراب

{وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} .

{وَكَذلِكَ} : {الواو} : استئنافية، أو عاطفة {كَذلِكَ}: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف {أَعْثَرْنا} : فعل وفاعل ومفعوله محذوف تقديره: أعثرنا عليهم قومهم، {عَلَيْهِمْ} متعلق به، والتقدير: أعثرنا عليهم إعثارًا مثل: إنامتنا إياهم، وبعثنا إياهم، والجملة الفعلية مستأنفة، أو معطوفة على جملة قوله:{وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ} . {لِيَعْلَمُوا} : {اللام} : حرف جر وتعليل، {يعلموا}: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لعلمهم أن وعد الله حق، الجار والمجرور متعلق بـ {أَعْثَرْنا}. {أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}: ناصب واسمه وخبره، وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر ساد مسدّ مفعولي علم؛ أي: ليعلموا حقية وعد الله، {وَأَنَّ السَّاعَةَ}: ناصب واسمه {لا} : نافية {رَيْبَ} اسمها {فِيها} : جار ومجرور خبرها، وجملة {لا} في محل الرفع خبر {أَنَّ} المشددة، وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر معطوف على مصدر أن الأولى تقديره: ليعلموا حقية وعد الله، وعدم وجود الريب في الساعة، {إِذْ}: ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بـ {أَعْثَرْنا} {يَتَنازَعُونَ}: فعل وفاعل في محل الجر، مضاف إليه، لـ {إِذْ}. {بَيْنَهُمْ} متعلق به {أَمْرَهُمْ}: مفعول به منصوب بـ {يَتَنازَعُونَ} لأن تنازع إذا كان بمعنى التجاذب ينصب مفعولًا وقيل: منصوب بنزع الخافض أي في أمرهم.

ص: 349

{فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} .

{فَقالُوا} : {الفاء} عاطفة {قالوا} فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {أَعْثَرْنا} {ابْنُوا عَلَيْهِمْ} إلى قوله:{قالَ} مقول محكي لـ {قالوا} ، وإن شئت: قلت {ابْنُوا} : فعل أمر وفاعل {عَلَيْهِمْ} متعلق بـ {ابْنُوا} {بُنْيانًا} : مفعول به ومنصوب على المصدرية، والجملة في محل النصب مقول {قالوا} {رَبُّهُمْ أَعْلَمُ}: مبتدأ وخبر {بِهِمْ} متعلق بـ {أَعْلَمُ} والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قالوا} إن كان من كلامهم، أو جملة مستأنفة، إن قلنا إنه من كلام الله {قالَ الَّذِينَ}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {غَلَبُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول {عَلى أَمْرِهِمْ} متعلق بـ {غَلَبُوا} {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} مقول محكي، وإن شئت قلت:{اللام} موطئة للقسم {نتخذن} فعل مضارع مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين {عَلَيْهِمْ}: جار ومجرور حال من {مَسْجِدًا} . {مَسْجِدًا} : مفعول به، والجملة الفعلية جواب القسم، وجملة القسم في محل النصب مقول {قالَ} .

{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} .

{سَيَقُولُونَ} {السين} حرف استقبال أتى بها للإشارة إلى أنّ النزاع في أمرهم، حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: في المستقبل البعيد بالنسبة لقصتهم، {يقولون} فعل وفاعل، والضمير يعود إلى الخائضين في قصتهم، زمن النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب والمؤمنين، والجملة الفعلية مستأنفة، قال أبو حيان: وجاء (1) بسين الاستقبال؛ لأنه كان في الكلام طيٌّ، وإدماج، والتقدير: فإذا أجبتهم عن سؤالهم، وقصصت عليهم قصة أهل الكهف، فسلهم عن عددهم، فإنهم إذا سألتهم، سيقولون، ولم يأت بالسين فيما بعده؛ لأنه معطوف على المستقبل، فدخل في

(1) الفتوحات.

ص: 350

الاستقبال، أو لأنه أريد به معنى الاستقبال، الذي هو صالح له، {ثَلاثَةٌ}: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هم ثلاثة أشخاص، والجملة الاسمية في محل النصب، مقول القول {رابِعُهُمْ}: مبتدأ {كَلْبُهُمْ} : خبره، والجملة في محل الرفع، صفة لـ {ثَلاثَةٌ}؛ أي: هم ثلاثة، موصوفون بكون جاعلهم، أربعة كلبهم بانضمامه إليهم، {وَيَقُولُونَ}: فعل وفاعل معطوف على {سَيَقُولُونَ} {خَمْسَةٌ} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هم خمسة أشخاص، والجملة في محل النصب مقول القول {سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ}: مبتدأ، وخبر، والجملة في محل الرفع، صفة لـ {خَمْسَةٌ} تقديره: هم خمسة أشخاص، موصوفون بكون جاعلهم ستة كلبهم بانضمامه إليهم {رَجْمًا}: منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف، تقديره: يرجمون ذلك رجمًا بالغيب؛ أي: يرمون رميًا بالخبر الخفي المظنون، أو على الحال من فاعل يقولون، أي: يقولون ذلك حالة كونهم راجمين بالغيب؛ أي: قائلين بما غاب عنهم، {بِالْغَيْبِ}: جار ومجرور متعلق بـ {رَجْمًا} ، {وَيَقُولُونَ}: فعل وفاعل معطوف على {سَيَقُولُونَ} {سَبْعَةٌ} : خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم سبعة أشخاص، {وَثامِنُهُمْ}:{الواو} زائدة، زيدت تشبيهًا (1) للجملة الواقعة صفة للنكرة، بالجملة الواقعة حالًا عن المعرفة، في نحو قولك: جاء زيد، ومعه رجل آخر، لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، ودلالة على أن اتصافه بها، أمر ثابت، مستقر في الأذهان، وهذا القول ما اختاره الزمخشري، وابن هشام من الأقوال المتلاطمة في هذه {الواو} التي لا طائل تحتها. {وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل الرفع صفة لـ {سَبْعَةٌ} تقديره: ويقولون هم سبعة أشخاص، موصوفون بكون جاعلهم ثمانية كلبهم بانضمامه إليهم.

{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} .

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة {رَبِّي

(1) الفتوحات.

ص: 351

أَعْلَمُ}: مبتدأ، وخبر {بِعِدَّتِهِمْ} متعلق بـ {أَعْلَمُ} ، والجملة في محل النصب مقول القول، {ما} نافية {يَعْلَمُهُمْ}: فعل، ومفعول {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ {قَلِيلٌ} فاعل، والجملة مستأنفة، {فَلا}:{الفاء} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط، مقدر، تقديره: إذا عرفت أنه لا يعلمهم إلا قليل منهم، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فأقول لك: لا تمار فيهم، ويصحّ أن تكون {الفاء} تفريعية، كما في «روح البيان» كما مر عنه {لا} ناهية جازمة {تُمارِ}: فعل مضارع مجزوم بـ {لا} الناهية، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وهي الياء والكسرة قبلها دليل عليها، وفاعله ضمير يعود على محمد {فِيهِمْ} متعلق به {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ {مِراءً} : مفعول مطلق {ظاهِرًا} : صفة له، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {وَلا}:{الواو} عاطفة، {لا} ناهية جازمةٌ {تَسْتَفْتِ}: فعل مضارع مجزوم بـ {لا} الناهية، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وهي الياء، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله {فَلا تُمارِ} {فِيهِمْ} متعلق به، {مِنْهُمْ}: حال من {أَحَدًا} لأنه صفة نكرة، قدمت عليها {أَحَدًا}: مفعول به.

{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} .

{وَلا} {الواو} عاطفة، أو استئنافية، {لا} ناهية جازمة {تَقُولَنَّ}: فعل مضارع في محل الجزم بـ {لا} الناهية مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله، {فَلا تُمارِ} أو مستأنفة {لِشَيْءٍ}: جار ومجرور متعلق بـ {تَقُولَنَّ} ؛ أي: لأجل شيء تقدم عليه، وتهتم به، وقيل:{اللام} بمعنى في {إِنِّي} : ناصب واسمه {فاعِلٌ} خبره {ذلِكَ} : مفعول فاعل {غَدًا} : منصوب على الظرفية متعلق بفاعل {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ من أعم الأحوال؛ أي: لا تقل لشيء في حال من الأحوال، إلا في حال تلبسك بالتعليق، بالمشيئة {أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}: ناصب وفعل وفاعل، والجملة الفعلية في تأويل مصدر منصوب على الاستثناء، ولكن

ص: 352

على حذف مضاف، والتقدير: لا تقولن ذلك في وقت من الأوقات إلا وقت مشيئة الله، فحذف الوقت، وهو مراد، أو على الحال، والتقدير: لا تقولنّ أفعل غدا إلّا حالة كونك قائلًا إن شاء الله، أو إلا حالة كونك متلبسًا بقول إن شاء الله كما في «العكبري» .

{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا} .

{وَاذْكُرْ} {الواو} : عاطفة {اذْكُرْ رَبَّكَ} : فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَلا تَقُولَنَّ} {إِذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط، {نَسِيتَ}: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ {إِذا} تقديره: واذكر مشيئة ربّك وقت نسيانك إياها، عند تذكرك بها، {وَقُلْ}: فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على جملة اذكر {عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ

} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{عَسَى} : فعل ماض من أفعال الرجاء، واسمها ضمير مستتر فيها: تقديره: هو يعود على الرب، والأولى أن يكون {رَبِّي} اسمها مؤخرًا، {أَنْ} حرف نصب ومصدر {يَهْدِيَنِ} فعل مضارع منصوب بـ {أَنْ} ، وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره، والنون نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسر نون الوقاية في محل النصب مفعول به، وفاعله لفظة {رَبِّي} أو ضمير يعود على الرب لتقدمه رتبة، {لِأَقْرَبَ} متعلق بـ {يَهْدِيَنِ} {مِنْ هذا} متعلق بـ {أقرب} {رَشَدًا}: تمييز {لِأَقْرَبَ} أي: لشيء أقرب إرشادًا للناس، أو مفعول مطلق؛ أي: يهديني هدايةً فيكون ملاقيًا لعامله بهذا المعنى، والأول أقرب، وجملة يهديني مع أن المصدرية في تأويل مصدر منصوب على الخبرية، لـ {عَسَى} ، ولكنه في تأويل اسم الفاعل، ليصحّ الإخبار به، والتقدير: وقل عسى ربي هاديا لي لأقرب من هذا رشدًا.

{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} .

{وَلَبِثُوا} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ} {فِي كَهْفِهِمْ} جار ومجرور متعلق بـ {لَبِثُوا} {ثَلاثَ} منصوب على الظرفية متعلق بـ {لَبِثُوا} {مِائَةٍ} مضاف إليه، {سِنِينَ} عطف بيان لثلاث مئة،

ص: 353

ولا يصح أن يكون تمييزًا؛ لأن تمييز المئة يجرّ، وجره بالإضافة والتنوين مانع منها، نعم قرىء في السبعة بالإضافة، وعليه فـ {سِنِينَ} تمييز غير أنه قليل؛ لأن تمييز المئة، الكثير فيه الإفراد، كما قال ابن مالك:

ومئة والألف للفرد أَضِفْ

ومئةٌ بالجمع نزرًا قد رَدِفْ

{وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} .

{وَازْدَادُوا تِسْعًا} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {لَبِثُوا} {قُلِ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة {اللَّهُ أَعْلَمُ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول القول {بِما}: جار ومجرور متعلق بـ {أَعْلَمُ} {لَبِثُوا} : فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: بالزمن الذي لبثوه {لَهُ} خبر مقدم {غَيْبُ السَّماواتِ} مبتدأ مؤخر، ومضاف إليه، {وَالْأَرْضِ}: معطوف على {السَّماواتِ} ، والجملة مستأنفة {أَبْصِرْ}: فعل تعجب، لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر، والباء في {بِهِ} زائدة في الفاعل إصلاحًا للفظ {وَأَسْمِعْ}: معطوف على {أَبْصِرْ} ، وجملة التعجب جملة إنشائية، لا محلّ لها من الإعراب.

{ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} .

{ما} : نافية {لَهُمْ} : جار ومجرور خبر مقدم {مِنْ دُونِهِ} : حال من ولي {مِنْ} زائدة {وَلِيٍّ} : مبتدأ مؤخر مرفوع، تقديرا، والجملة الاسمية مستأنفة {وَلا} {الواو} عاطفة {لا} نافية {يُشْرِكُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله {فِي حُكْمِهِ} ، متعلق بـ {يُشْرِكُ} {أَحَدًا}: مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الاسمية.

{وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)} .

{وَاتْلُ} {الواو} استئنافية {اتْلُ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة {ما} موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به

ص: 354

{أُوحِيَ} : فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ما، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها {إِلَيْكَ} متعلق بـ {أُوحِيَ} {مِنْ كِتابِ رَبِّكَ}: جار ومجرور حال من {ما} الموصولة {لا} نافية {مُبَدِّلَ} في محل النصب اسمها {لِكَلِماتِهِ} : جار ومجرور خبر {لا} ، وجملة لا في محل النصب حال من {رَبِّكَ} لأن المضاف كالجزء من المضاف إليه، {وَلَنْ تَجِدَ} {الواو} عاطفة {لَنْ تَجِدَ}: ناصب ومنصوب، وفاعله ضمير يعود على محمد {مِنْ دُونِهِ}: حال من {مُلْتَحَدًا} {مُلْتَحَدًا} : مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة {لا} على كونها حالا من {رَبِّكَ} .

{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا} .

{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} : فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَاتْلُ} . {مَعَ الَّذِينَ} : ظرف، ومضاف إليه متعلق بـ {اصْبِرْ} {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول {بِالْغَداةِ} متعلق بـ {يَدْعُونَ} {وَالْعَشِيِّ}: معطوف على {الغداة} {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل النصب حال من الموصول، أو من فاعل {يَدْعُونَ} {وَلا تَعْدُ}: جازم ومجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة {عَيْناكَ}: فاعل وعلامة رفعه الألف، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} {عَنْهُمْ} متعلق بـ {تَعْدُ} {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ} : فعل ومفعول به، ومضاف إليه {الدُّنْيا} صفة لـ {الْحَياةِ} وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ضمير المخاطب في {عَيْناكَ} لأن المضاف جزء من المضاف إليه.

{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} .

{وَلا تُطِعْ} {الواو} : عاطفة {لا تُطِعْ} : جازم ومجزوم، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَلا تَعْدُ عَيْناكَ} {مَنْ} اسم موصول في محل النصب مفعول به {أَغْفَلْنا قَلْبَهُ} : فعل وفاعل ومفعول {عَنْ

ص: 355

ذِكْرِنا} متعلق به، والجملة صلة من الموصولة، {وَاتَّبَعَ هَواهُ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ}؛ والجملة معطوفة على {أَغْفَلْنا} {وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}: فعل ناقص واسمه، وخبره، وجملة {كَانَ}: معطوفة على جملة {أَغْفَلْنا} على كونها صلة لـ {مَنْ} الموصولة.

{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها} .

{وَقُلِ} : {الواو} عاطفة {قُلِ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على جملة قوله {وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ}. {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} إلى قوله:{فَلْيَكْفُرْ} مقول محكي، وإن شئت قلت:{الْحَقُّ} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره؛ هذا الذي أوحي إليّ الحقّ {مِنْ رَبِّكُمْ}: حال من الحق، والجملة في محل النصب مقول القول، لـ {قُلِ} {فَمَنْ شاءَ}:{الفاء} استئنافية، أو فصيحة {من} اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما {شَاءَ}: فعل ماض في محل الجزم بـ {من} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {من} {فَلْيُؤْمِنْ}:{الفاء} رابطة لجواب من الشرطية، وجوبًا لكونه جملة طلبيّةً و {اللام} لام أمر وجزم {يؤمن}: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، وفاعله ضمير يعود على {من} ، والجملة في محل الجزم بـ {من} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {من} الشرطية في محل النصب مقول لـ {قُلِ} على كونها مستأنفة، أو مقولًا لجواب إذا المقدرة. {وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ}: جملة شرطية معطوفة على جملة من الأولى، {إِنَّا}: ناصب واسمه {أَعْتَدْنا} : فعل وفاعل {لِلظَّالِمِينَ} متعلق به {نارًا} : مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها {أَحاطَ}: فعل ماض {بِهِمْ} متعلق به {سُرادِقُها} : فاعل وجملة {أَحَاطَ} في محل النصب صفة لـ {نارًا} ؛ ولكنها صفة سببية.

{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} .

ص: 356

{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} : {الواو} استئنافية {إِنْ يَسْتَغِيثُوا} : جازم وفعل وفاعل مجزوم على كونه فعل شرط، وعلامة جزمه حذف النون {يُغاثُوا}: فعل، ونائب فاعل مجزوم بـ {إِنْ} الشرطية على كونه جوابًا لها، وعلامة جزمه حذف النون {بِماءٍ} متعلق بـ {يُغاثُوا} {كَالْمُهْلِ}: صفة أولى لـ {ماء} ، وجملة {إِنْ} الشرطية مستأنفة {يَشْوِي}: فعل مضارع {الْوُجُوهَ} : مفعول به، وفاعله ضمير يعود على {الماء} ، والجملة الفعلية في محل الجر صفة ثانية لـ {ماء} أو حال منه لتخصصه بالصفة {بِئْسَ الشَّرابُ}: فعل وفاعل وهو من أفعال الذم، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: هو أي: ذلك الماء المستغاث به، وجملة {بِئْسَ} في محل الرفع خبر للمخصوص بالذم المحذوف، والجملة الاسمية، جملة إنشائية لا محلّ لها من الإعراب، {وَساءَتْ}: فعل ماض، وهي لإنشاء الذم، وفاعله ضمير يعود على النار، {مُرْتَفَقًا}: تمييز محول عن فاعل {ساء} والأصل: ساء مرتفقها فحول الإسناد من المضاف إلى المضاف إليه، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فجيء بضمير الرفع، فاستتر في الفعل، ثم جيء بالمضاف المحذوف تمييزًا، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: هي؛ أي: النار، والجملة معطوفة على جملة {بِئْسَ} .

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه {آمَنُوا} : فعل وفاعل صلة الموصول {وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {آمَنُوا} {إِنَّا} : ناصب واسمه {لا} : نافية {نُضِيعُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله {أَجْرَ}: مفعول به {مَنْ} : مضاف إليه {أَحْسَنَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} {عَمَلًا}: مفعول به، أو تمييز محول عن الفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر، {إن} ، وجملة {إن} في محل الرفع خبر أول، لـ {إِنَّ} الأولى، والرابط الضمير المستتر في أحسن أو، الرابط تكرر الظاهر بمعناه، لأن حقّ العبارة أجرهم، ويجوز أن تكون جملة {إِنَّا لا نُضِيعُ} معترضةً وخبر، {إِنَّ} الأولى جملة {أُولئِكَ} .

ص: 357

{أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)} .

{أُولئِكَ} : مبتدأ أول {لَهُمْ} : خبر مقدم للمبتدأ الثاني، {جَنَّاتُ عَدْنٍ}: مبتدأ ثان مؤخر، والجملة من المبتدأ الثاني، وخبره خبر للمبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره في محل الرفع خبر ثان، لـ {إِنَّ} الأولى أعني: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، أو خبر لها، إن قلنا: جملة {إِنَّا لا نُضِيعُ} معترضة {تَجْرِي} : فعل مضارع {مِنْ تَحْتِهِمُ} متعلق به {الْأَنْهارُ} : فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع صفة لـ {جَنَّاتُ}؛ أو في محل النصب حال من {جَنَّاتُ} {يُحَلَّوْنَ}: فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ثان، لـ {أُولئِكَ} فِيها متعلق بـ {يُحَلَّوْنَ} أو حال من واو {يُحَلَّوْنَ} أي: حالة كونهم كائنين فيها {مِنْ أَساوِرَ} {مِنْ} زائدة. {أَساوِرَ} : مفعول ثان لـ {يُحَلَّوْنَ} ، وهو ممنوعٌ من الصرف لصيغة منتهى الجموع، أو جار ومجرور صفة لـ {أَساوِرَ}. {مِنْ ذَهَبٍ} صفة لـ {أَساوِرَ} {وَيَلْبَسُونَ}: فعل وفاعل معطوف على {يُحَلَّوْنَ} . {ثِيابًا} : مفعول به {خُضْرًا} : صفة أولى لـ {ثِيابًا} {مِنْ سُنْدُسٍ} : جار ومجرور صفة ثانية لـ {ثِيابًا} أو حال من {ثِيابًا} لتخصصه بالصفة، {وَإِسْتَبْرَقٍ}: معطوف على {سُنْدُسٍ} {مُتَّكِئِينَ} : حال إما من الضمير في {تَحْتِهِمُ} أو من الضمير في {يُحَلَّوْنَ} أو {يَلْبَسُونَ} {فِيها} : جار ومجرور حال أيضًا من الضمير في {يُحَلَّوْنَ} ، أو {يَلْبَسُونَ} وهي حال متداخلة {عَلَى الْأَرائِكِ} متعلق بـ {مُتَّكِئِينَ} {نِعْمَ الثَّوابُ}: فعل وفاعل وهو من أفعال المدح، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره: هي؛ أي: الجنات، والجملة الفعلية خبر للمخصوص بالمدح، والجملة الاسمية جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب، {وَحَسُنَتْ}: فعل ماض لإنشاء المدح، معطوف على نعم، وفاعله ضمير يعود على الجنات {مُرْتَفَقًا}: تمييز لفاعل {حسن} محول عن الفاعل، والتقدير: حسن مرتفقها، والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره: هي؛ أي: الجنات.

ص: 358

التصريف ومفردات اللغة

{أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ} أطلعنا عليهم قومهم، وأظهرناهم، وأعثر يتعدى بالهمزة، وأصل العثار في القدم، وفي «الأساس»: وعثر على كذا اطلع عليه، وأعثره على كذا أطلعه، وأعثره على أصحابه دلّه عليهم، ويقال للمتورط: وقع في عاثور، وفلان يبغي صاحبه العواثير، وأصله حفرة تحفر للأسد، وغيره يعثر بها، فيطيح فيها، ويقال: عثر عثورا، وعثارا: إذا سقط لوجهه، ويقال في المثل:«من سلك الجدد أمن العثار» ثم استعمل في الاطلاع على أمر من غير طلب له.

{وَأَنَّ السَّاعَةَ} والساعة: يوم القيامة، حين يبعث الله الخلائق جميعًا للحساب والمجازاة، والتنازع والتّخاصم {رَجْمًا بِالْغَيْبِ}؛ أي: رميًا بالخبر الخفي، وإتيانًا به، والرجم القول بالظن والحدس، ويقال: لكل ما يخرص رجم فيه، وحديث مرجوم، ومرجّم، وفي «المصباح» الرّجم بفتحتين الحجارة، ورجمته رجما من باب قتل، ضربته بالرجم، وهي الحجارة الصغار، ورجمته بالقول، رميته بالفحش، قال تعالى:{رَجْمًا بِالْغَيْبِ} ؛ أي: ظنًا: من غير دليلٍ، ولا برهان، كقول زهير بن أبي سلمى يصف الحرب:

ومَا الحرب إلّا ما علمتم وذقتم

وما هو عنها بالحديث المرجّم

أي: المظنون، والغيب ما غاب عن الانسان، فالمراد أن يرمي الانسان ما غاب عنه، ولا يعرفه بالحقيقة، كما يقال: فلان يرمي بالكلام رميًا؛ أي: يتكلم من غير تدبر، والمراد هنا القول بالظن والتخمين.

{فَلا تُمارِ فِيهِمْ} ؛ أي: لا تجادل، يقال: مارى يماري مماراةً، ومراءً؛ أي: جادل وفي «القاموس» مارى مراء ومماراةً جادل، ونازع، ولاج وتماريا تجادلا وامترى في الشيء شك، والمرية بكسر الميم، والمرية الجدل؛ يقال: ما في ذلك مرية، أي: جدل وشك.

{مُلْتَحَدًا} ؛ أي: ملتجأ تجنح إليه لائذًا، إن هممت بالتبديل للقرآن، وفي «المصباح» قال أبو عبيدة: ألحد إلحادًا جادل، ومارى، ولحد جار، وظلم،

ص: 359

وألحد في الحرم، استحل حرمته وانتهكها، والملتحد بالفتح اسم الموضع، وهو: الملجأ. وفي «القاموس» : التحد عن الدين بمعنى ألحد، والتحد إلى كذا مال، والتحد إلى فلان التجأ {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} في «المختار» الصبر: حبس النفس عن الجزع، وبابه: ضرب وصبره حبسه، قال تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} اهـ.

{وَلا تَعْدُ عَيْناكَ} ؛ أي: لا تنصرف يقال: عداه إذا جاوزه، ومنه قولهم: عدا طوره، وجاءني القوم عدا زيدًا، فحق الكلام، أن يقال: بالنصب؛ أي: لا تعد عينيك، وإنما عدل إلى الرفع لأنه أراد صاحب العينين، فهو من المجاز كما سيأتي في البلاغة {فُرُطًا} بضمتين؛ أي: مجاوزًا الحدّ. قال ابن عطية: الفرط يحتمل أن يكون بمعنى التفريط، والتضييع للذي يجب أن يلزم، ويحتمل: أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف اهـ «سمين» .

والظاهر: أنه مصدر أفرط كما في «المختار» وعبارته: وأفرط في الأمر: جاوز فيه الحدّ اهـ. وعليه فيكون مصدرًا سماعيًا، لا قياسيًا، وفي «المختار» أيضًا: وأمرٌ فرطٌ بضمتين؛ أي: مجاوز فيه الحد، ومنه قوله تعالى:{وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} اهـ ثمّ قال: وفرط إليه منه قول سبق، وبابه نصر اهـ.

{إِنَّا أَعْتَدْنا} ؛ أي: أعددنا، وهيأنا {لِلظَّالِمِينَ} الذين اختاروا الكفر بالله، والجحد له، والإنكار لأنبيائه نارًا عظيمة {أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها}؛ أي: اشتمل عليهم، والسّرادق واحد السرادقات، قال الجوهري: وهي التي تمد فوق صحن الدار وكل بيت من كرسف؛ أي: قطن فهو سرادق، ومنه قول رؤبة:

يا حكم بن المنذر بن جارود

سرادق المجد عليك ممدود

وفي «الفتوحات» : والسرادق قيل: هو ما أحاط بشيء، كالمضرب والخباء، وقيل للحائط المشتمل على شيء: سرادق، قاله الهرويّ، وقيل: هو الحجرة، تكون حول الفسطاط، وقيل: هو ما يمد على صحن الدار، وقال الراغب: السّرادق فارسيّ معرب، وليس في كلامهم اسم مفرد، ثالث حروفه ألف بعدها حرفان إلا هذا، وقيل: هو دخان يحيط بالكفار، قبل دخول النار، وقيل: حائط من نار يطيف بهم، وفي «الكشاف»: شبه ما يحيط بهم من النار

ص: 360

بالسرادق، وهو الحجرة الّتي تكون حول الفسطاط اهـ.

{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} الياء فيه منقلبةٌ عن واو، إذ الأصل يستغوثوا، فنقلت كسرة الواو للساكن قبلها، ثم قلبت ياء لمناسبة الكسرة.

{المهل} بضم الميم اسم يجمع معدنيات الجواهر، كالفضة، والحديد، والصفر، ما كان منها ذائبًا، والقطران الرقيق، والزيت الرقيق، والسم، والقيح، أو صديد الميت خاصة، وما يتحات عن الخبز من الرماد، وقيل: هو كعكر الزّيت؛ أي: ما بقي في الإناء منه.

والخلاصة: هو اسم جامع لكل المستقذرات التي تغشى منها النفس، وتتألم وتنفر {يَشْوِي الْوُجُوهَ}؛ أي: ينضجها إذا قدم ليشرب لشدة حرّه، والشيّ: الإنضاج بالنار من غير إحراق، {مُرْتَفَقًا}؛ أي: متّكأً يقال: بات فلان مرتفقا؛ أي: متّكئا على مرفق يده، وأصل الارتفاق الاتكاء على المرفق مع نصب الساعد، وهي هيئة المتحزن والمتحسر {جَنَّاتُ عَدْنٍ}؛ أي: جنات إقامة، واستقرار، يقال: عدن بالمكان إذا أقام فيه، واستقر، ومنه المعدن لاستقرار الجواهر فيه. {أَساوِرَ} جمع أسورة، والأسورة جمع سوار، كأحمرة جمع حمار، فالأساور جمع الجمع.

{السندس} ما رق من الديباج، {الاستبرق} ما غلظ من الديباج، والاستبرق يونانيّةٌ والسندس فارسية، وقيل: هندية {مُتَّكِئِينَ} أصله موتكئين من اتّكأ أصله، اوتكأ، والاتكاء: التحامل على الشيء {عَلَى الْأَرائِكِ} جمع أريكةٍ، وفي «القاموس»: الأريكة - كسفينة - سرير في حجلة، أو كل ما يتكأ عليه من سرير، ومنصّة، وفراش، أو سرير متخذ مزين في قبة، أو بيتٍ، فإن لم يكن فيه سريرٌ .. فهو حجلة، والجمع أرائك اهـ.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الاستعارة المكنية في قوله تعالى: {يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} فقد شبّه

ص: 361

أمرهم بشيء كثر النزاع حوله، ثم حذف ذلك الشيء، واستعير النّزاع القائم حوله.

ومنها: الاستعارة المكنية في قوله: {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} فقد شبه الغيب، والخفاء بشيء يرمى بالحجارة، واستعير الرجم له.

وفي «الفتوحات» : والرجم بمعنى الرمي، وهو: استعارة للتكلم بما لم يطّلع عليه لخفائه، عنه تشبيها له بالرمي بالحجارة التي لا تصيب غرضًا اهـ.

ومنها: صيغة التعجب في قوله: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} .

ومنها: المجاز العقليَّ في قوله: {وَلا تَعْدُ عَيْناكَ} ؛ لأنه أسند فعل عدا، أي: تجاوز إلى العينين، ومن حقه: أن يسندهما إليه؛ لأن عدا متعد بنفسه، وإنّما جنح إلى المجاز؛ لأنه أبلغ من الحقيقة، فكأنّ عينيه ثابتتان في الرنوّ إليهم، وكأنما أدركتا ما لا تدركان، وأحستا بوجوب النظر، إلى هؤلاء، وصبر النفس، ورياضتها على ملازمتهم، وقيل: هو من باب التضمين، فقد ضمّن عدا معنى نبا، وعلا من قولهم: نبت عينه عنه إذا اقتحمته ولم تعلق به.

ومنها: الطباق في قوله: {بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ} وبين قوله: {فَلْيُؤْمِنْ} {فَلْيَكْفُرْ} .

ومنها: المشاكلة (1) في قوله: {يُغاثُوا} إذ لا إغاثة لهم بالماء المذكور، بل إتيانهم به، وإلجاؤهم لشربه غاية الإضرار، والإغاثة هي الانقاذ من الشدة، فكأنّه قال: يضروا ويعذبوا بماء. الخ وعبر عن هذا الإضرار بالإغاثة مشاكلة لقوله: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} اهـ شيخنا.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيانًا} ، وفي قوله:{فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِرًا} .

ومنها: الجناس المماثل في قوله: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا} .

ومنها: اللف والنشر المشوش في قوله: {إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ} فإنه راجع

(1) الفتوحات.

ص: 362

لقوله {وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} ، وفي قوله:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} فإنه راجع لقوله: {فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ} .

ومنها: التهكم في قوله: {يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ} فقد سمى أعلى أنواع العذاب إغاثةً، والإغاثة هي: الإنقاذ من العذاب تهكما بهم، وتشفيًا منهم، والتهكم: فن طريف من فنونهم.

ومنها: التشبيه (1) المؤكد في قوله: {إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها} فقد شبه النار المحيطة بهم، بالسرادق المضروب على من يحتويهم، وأضيف السّرادق إلى النار، فذلك هو التشبيه المؤكّد، وهو أن يضاف المشبّه إلى المشبه به، كقول بعضهم:

والريح تعبث بالغصون وقد جرى

ذهب الأصيل على لجين الماء

فقد أضاف الأصيل، وهو المشبه إلى الذهب، وهو المشبّه به، كما أضاف الماء الذي هو المشبه إلى اللجين، الذي هو المشبه به.

ومنها: التشبيه المرسل المفصل في قوله: {بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} لذكر الأداة، ووجه الشبه، وقيل: وجه الشّبه فيه الثخن والرداءة في كلٍ كما في «الفتوحات» .

ومنها: المقابلة البديعة بين الجنة في قوله: {نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} ، والنار في قوله:{بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقًا} فقد ذكر الارتفاق في النار مقابلةً كقوله: فيما بعد في وصف الجنة {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدّة مواضع.

والله أعلم

* * *

(1) إعراب القرآن.

ص: 363

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَرًا (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَدًا (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْها مُنْقَلَبًا (36) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانًا مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَاّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا أمر (1) نبيّه بصبر نفسه مع فقراء المؤمنين، وعدم طاعة أولئك الأغنياء من المشركين، الذين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الصعاليك،

(1) المراغي.

ص: 364