المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

شاءَ .. أظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: شاءَ .. أظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني،

شاءَ .. أظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني، ولو شاء .. جرَّدني، وإذا تغوَّط .. قال: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه في عافية، ولو شاء .. حبسه.

والمعنى: أي يا سلالة ذلك النبي الكريم الذي شمله الله بجميل رعايته، وأنجاه من غرق الطوفان بما ألهمه من عمل السفينة التي حمل فيها من كل زوجين اثنين، أنتم من حفدة أبنائه، فتشبّهوا بأبيكم، واقتدوا به، فإنه كان عبدًا شكورًا؛ أي: مبالغًا في الشكر بصرفه كلّ ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله، فاللّسان لذكر الله، والعقل للفكر فيما خلق الله والبصر للتأمل فيما صنع الله، وهكذا بقية الحواس، وأعضاء الجسم.

أخرج ابن مردويه عن معاذ بن أنس الجهنيّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ نوحًا كان إذا أمسى، وأصبح قال: سبحان الله حين تمسون، وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض، وعشيًا وحين تظهرون» .

وأخرج ابن جرير، والبيهقي، والحاكم عن سلمان الفارسي قال:«كان نوح إذا لبس ثوبًا، أو أطعم طعامًا حمد الله تعالى، فسمي عبدًا شكورًا» ، وفي هذا إيماء إلى أن إنجاء من كان معه كان ببركة شكره، وفيه حثٌّ للذرية على الاقتداء به، وزجرٌ لهم عن الشرك الذي هو أفظع مراتب الكفر.

وقرأ زيد بن ثابت (1)، وأبان بن عثمان، وزيد بن علي، ومجاهد في رواية، بكسر ذال {ذرية} وقرأ مجاهد أيضا بفتحها، وعن زيد بن ثابت {ذرية} بفتح الذال، وتخفيف الراء وتشديد الياء على وزن فعلية، كمطية، وقرىء ذرية بالرفع شاذا على تقديرهم ذرية، أو على البدل من الضمير في {يتخذوا} على القراءة بالياء لأنه غيب،

‌4

- ثمّ بيّن سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بالتوراة، وجعلها هدًى لهم، لكنهم لم يهتدوا بها فقال:{وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ} ؛ أي: أوحينا إليهم، وأعلمناهم، وأخبرناهم {فِي} ما آتيناهم من {الْكِتابِ}؛ أي:

(1) البحر المحيط.

ص: 21

التوراة، وكان إنزالها على نبيهم موسى، كإنزالها عليهم، لكونهم قومه وقيل: المراد بالكتاب: اللوح المحفوظ، والمعنى، وقضينا: أي: حكمنا على بني إسرائيل في اللوح المحفوظ، قضاء مبتوتا، وحكما مقطوعًا، و {اللام} في قوله:{لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ} : موطئة لقسم محذوف؛ أي: وعزتي وجلالي لتفسدن في أرض الشام، وبيت المقدس، أو أرض مصر بالمعاصي والظلم {مَرَّتَيْنِ}؛ أي: إفسادتين: أولاهما: مخالفة أحكام التوراة، وقتل شعياء، وحبس أرمياء، وثانيتهما: قتل زكريا، ويحيى، وقصد قتل عيسى عليهم السلام؛ أي: لتفسدن فيها إفسادًا بعد إفساد {وَلَتَعْلُنَّ} ؛ أي: ولتستكبرنّ فيها عن طاعة الله تعالى أو لتظلمن الناس {عُلُوًّا كَبِيرًا} أي استكبارا مجاوزا الحد، أو ظلمًا فاحشًا، وهذه {اللام} كاللام التي قبلها، والمعنى أي وأوحينا (1) إلى بني إسرائيل فيما أنزلناه في التوراة على موسى، فأعلمهم به، لتعصن الله، ولتخالفنّ أمره مرتين، أولاهما: تغيير التوراة، وقتل شعيا عليه السلام، وحبس أرميا حين أنذرهم سخط الله، والثانية: قتل زكريا، ويحيى وقصدهم قتل عيسى عليهم السلام.

وقيل: سبب قتل زكريا أنّهم اتهموه بمريم، قيل: قالوا: حين حملت مريم ضيّع بنت سيّدنا حتى زنت، فقطعوه بالمنشار في الشجرة. ولتستكبرن في الأرض عن طاعة الله تعالى، ولتبغن على الناس، ولتظلمنّهم ظلمًا شديدًا تفرطون فيه، وتبلغون أقصى الغاية.

وقرأ الجمهور (2): {فِي الْكِتابِ} بالإفراد، والظاهر أن يراد به التوراة، وقرأ أبو العالية، وسعيد بن جبير {في الكتب} على الجمع، فاحتمل أن يراد به الجنس، وقرأ الجمهور:{لَتُفْسِدُنَّ} بضم التاء، وكسر السين من أفسد الرباعي، وقرأ ابن عباس، ونصر بن علي، وجابر بن زيد:{لتفسدن} بضم التاء، وفتح السين مبنيًا للمفعول؛ أي يفسدكم غيركم، فقيل: من الإضلال، وقيل: من

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 22