المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

منصور عن عطاء الخراساني قال: جاء ناس من مزينة يستحملون - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: منصور عن عطاء الخراساني قال: جاء ناس من مزينة يستحملون

منصور عن عطاء الخراساني قال: جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا أجد ما أحملكم عليه» فتولوا، وأعينهم تفيض من الدمع حزنا، ظنوا ذلك من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ} ، وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: نزلت فيمن كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم من المساكين.

قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ

} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه سعيد بن منصور عن سيار أبي الحكم قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزّ، وكان معطيا كريما، فقسمه بين الناس، فأتاه قوم فوجدوه قد فرغ منه، فأنزل الله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها

} الآية.

وأخرج ابن مردويه، وغيره عن ابن مسعود، قال: جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي تسألك كذا وكذا، قال:«ما عندنا شيء اليوم» قال: فتقول لك: أكسني قميصك، فدفعه إليه، فجلس في البيت حاسرًا فأنزل الله:{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)} .

وأخرج أيضًا عن أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «أنفق ما على ظهر كفي» فقالت: إذن لا يبقى شيء، فأنزل الله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ

} الآية. وظاهر ذلك أنّها مدنية.

التفسير وأوجه القراءة

‌16

- ثم بين كيف يقع العذاب بعد بعثة الرسل، فقال:{وَإِذا أَرَدْنا} ؛ أي: وإذا (1) دنا وقت تعلق إرادتنا بإهلاك قرية بعذاب الاستئصال أَمَرْنا على لسان الرسول المبعوث إلى أهلها {مُتْرَفِيها} أي منعميها ورؤسائها وكبارها وملوكها بالأعمال الصالحة، وهي الإيمان والطاعة، والمترف كمكرم من أبطرته النعمة، وسعة العيش والترفة (2) بالضم النعمة والطّعام الطيّب، وخصهم بالذكر مع توجّه الأمر إلى الكل؛ لأنهم الأصول في الخطاب، والباقي أتباع لهم، وقرأ (3)

(1) المراح.

(2)

روح البيان.

(3)

البحر المحيط.

ص: 56

الجمهور {أَمَرْنا} من الأمر الذي هو ضد النهي، وقرأ (1) علي بن أبي طالب، وابن أبي إسحاق، وأبو رجاء وعيسى بن عمر، وسلّام، وعبد الله بن أبي يزيد، والكلبي {آمرنا} بالمد، وجاء كذلك عن ابن عباس، والحسن، وقتادة وأبي العالية، وابن هرمز، وعاصم، وابن كثير، وأبي عمرو، ونافع، وهو اختيار يعقوب، ومعناه: كثّرنا يقال: أمر الله القوم، وآمرهم، ومعنى {آمرنا} مترفيها: أي كثّرنا أغنياءها، وفساقها، وقرأ ابن عباس، وأبو عثمان النهدي السدي، وزيد بن علي، وأبو العالية {أمّرنا} بتشديد الميم، وروي ذلك عن علي، والحسن، والباقر، وعاصم، وأبي عمرو ومعناه (2) جعلنا جبابرتها وفسّاقها أمراء.

{فَفَسَقُوا} ؛ أي: فخرجوا عما أمرهم الله تعالى به من الإيمان والطاعة، وعملوا المعاصي {فِيها} ، أي: في تلك القرية {فَحَقَّ} ؛ أي فوجب، وثبت {عَلَيْهَا}؛ أي: على أهل تلك القرية. {الْقَوْلُ} بالعذاب، أي: ثبت عليهم قضاؤنا بالعذاب، وتحقق موجبه بحلول العذاب بهم، إثر ما ظهر فسقهم وطغيانهم، والقول الذي حق عليهم هو وعيد الله الذي قاله رسولهم، وقيل: القول هو {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} وهؤلاء في النار، ولا أبالي. ذكره في «البحر» .

والمعنى: أي فثبت عليها ما توعدناهم به على لسان رسولنا من الإهلاك {فَدَمَّرْناها} بتدمير أهلها، وتخريب ديارها {تَدْمِيرًا} ، والتدمير: الإهلاك مع طمس الأثر، وهدم البناء، والمعنى: فأهلكناها إهلاك الاستئصال كفاء فسقهم، وطغيانهم، وبطرهم إهلاكًا عظيمًا، لا يوقف على كنهه لشدته وعظم موقعه.

وقيل (3): في تفسير {أَمَرْنا} بأنه مجاز عن السبب الحامل لهم على الفسق، وهو إدرار النعم عليهم، بأن صبّ عليهم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق.

وعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول: «لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من

(1) المراح.

(2)

روح البيان.

(3)

روح البيان.

ص: 57