الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقابه، وأليم عذابه، ولم نرسلهم ليقترح عليهم الظالمون من أممهم الآيات بعد ظهور المعجزات، ويطلبوا منهم ما لا قبل لهم به، ثم ذكر أن من شأن المشركين كثرة الجدل للرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
{وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} كلام مستأنف، فالوقف على {وَمُنْذِرِينَ} ، أي: يجادلون ويخاصمون الرسل المبشرين والمنذرين {بِالْباطِلِ} حيث يقولون: {ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا} {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً} ويقترحون آيات بعد ظهور المعجزات، تعنّتًا {لِيُدْحِضُوا}؛ أي: ليزيلوا {بِهِ} ؛ أي: بالجدال {الْحَقَّ} الذي مع الرسل عن مقره ومركزه، ويبطلوه. مأخوذٌ من إدحاض القدم، وهو إزلاقها عن موطنها، والدحض الزلق؛ أي: ويجادل أولئك المشركون بالباطل كقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن فتية ذهبوا أوّل الدهر ما شأنهم؟ وعن الرجل الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وعن الروح، وما أشبه ذلك مما يقصد منه التعنت وإزالة الحقّ الذي جاء به الرسل عليهم السلام، لا كشف حقيقة تفيد في دين أو دنيا.
وخلاصة ذلك: أن الرّسل ما أرسلوا للجدل والشغب بالباطل، بل بعثوا للبشارة والإنذار، وأنتم تجادلون بالباطل لتدحضوا الحق الذي جاءكم به رسولي.
{وَاتَّخَذُوا آياتِي} الدالة على الوحدة والقدرة ونحوهما {وَما أُنْذِرُوا} ؛ أي:
خوّفوا به من العذاب {هُزُوًا} ؛ أي: سخرية يعني موضع استهزاء (1) فيكون من باب الوصف بالمصدر مبالغة، يقرأ بالواو، وبالهمز سبعيتان، والمعنى؛ أي:
واتخذوا الحجج الّتي أحجّ بها عليهم، وكتابه الذي أنزل إليهم، والنذر التي أنذروا بها من العذاب والعقاب، استهزاء وسخريةً كقولهم:{وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)} وقولهم: {لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا} .
57
- ولما حكى عنهم خبيث أحوالهم، وصفهم بما يوجب الخزي والنّكال
(1) روح البيان.
فقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ} استفهام إنكاري مضمن للتوبيخ؛ أي: من أشد ظلمًا {مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ} ؛ أي: وعظ بالقرآن الكريم فقوله: {ذُكِّرَ} قد روعي لفظ {من} في خمسة مواضع هذا أولها، وروعي معناها في خمسة أولها: قوله {عَلى قُلُوبِهِمْ} . اهـ شيخنا. {فَأَعْرَضَ عَنْها} ؛ أي: فصرف عنها، ولم يتدبرها، ولم يتفكرها {وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ} من الكفر والمعاصي، وتغافل عنها، ولم يتفكر في عاقبتها، ولم ينظر في أن المسيء والمحسن لا بد لهما من جزاء، ولما كان (1) الإنسان يباشر أكثر أعماله بيديه غلّبت الأعمال باليدين على الأعمال التي تباشر بغيرهما، حتى قيل في عمل القلب: هو ممّا عملت يداك، وحتى قيل لمن لا يدين له: ما قدمت يداك، قال بعضهم: أحق الناس تسمية بالظلم من يرى الآيات فلا يعتبر بها، ويرى طريق الخير فيعرض عنها، ويرى مواقع الشر فيتّبعها، ولا يجتنب عنها.
وحاصل المعنى: أي لا أحد أظلم ممن وعظ بآيات الله، ودل بها على سبيل الرشاد، وهدي بها إلى طريق النجاة، فأعرض عنها، ولم يتدبّرها، ولم يتّعظ بها، ونسي ما عمله من الكفر والمعاصي، أي: لم يتفكر في عواقبه، ومن ثم لم يتب منها، ولم ينب إلى ربه.
ثم علل ذلك الإعراض والنسيان بقوله: {إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} ؛ أي: أغطية جمع كنان، كأزمّة وزمام كراهية {أَنْ يَفْقَهُوهُ}؛ أي: أن يفقهوا ما ذكر من آيات الله تعالى، وتذكير الضمير وتوحيده باعتبار معنى القرآن، وهو تعليل لإعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم كراهة أن يقفوا على كنه الآيات، أو المعنى: جعلنا على قلوبهم أغطية مانعة من أن يفهموا القرآن فيتبعوه، وتلك الأغطية ما ران على قلوبهم بسبب كفرهم ومعاصيهم {وَ} جعلنا {فِي آذانِهِمْ وَقْرًا}؛ أي: ثقلًا وصممًا يمنعهم عن استماعه، وفيه: إشارة إلى أن أهل اللّغو والهذيان لا يصيخون إلى القرآن.
والمعنى: أي إن (2) ذلك الإعراض منهم بسبب أنّا جعلنا على قلوبهم أغطية
(1) روح البيان.
(2)
المراغي.