المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

للضب ونحوه من الحيوانات، وذلك أن الله سبحانه أمسك جرية - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: للضب ونحوه من الحيوانات، وذلك أن الله سبحانه أمسك جرية

للضب ونحوه من الحيوانات، وذلك أن الله سبحانه أمسك جرية الماء عن الموضع الذي انسرب فيه الحوت ودخل فصار كالطاق فشبه مسلك الحوت في البحر مع بقائه، وانجياب الماء عنه بالسرب الذي هو الكوة المحفورة في الأرض، قال الفراء: لما وقع في الماء جمد مذهبه في البحر، فكان كالسرب،

‌62

- فلما جاوزا ذلك المكان الذي كانت عنده الصخرة، وذهب الحوت فيه، انطلقا، فأصابهما ما يصيب المسافرين من النصب والكلال، ولم يجدا النصب حتّى جاوزا الموضع الذي فيه الخضر، فلهذا قال سبحانه:{فَلَمَّا جاوَزا} ، أي: جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين الذي جعل موعدا للملاقاة، مع الخضر؛ أي: انطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتى إذا كان الغد، ألقي على موسى الجوع، ليتذكر الحوت، ويرجع إلى مطلبه، فعند ذلك، {قالَ} موسى {لِفَتاهُ} يوشع {آتِنا غَداءَنا}؛ أي: قرّب لنا ما نتغدى به، وهو الحوت كما ينبىء عنه الجواب، والغداء - بالفتح - هو ما يعد للأكل أول النهار، والعشاء ما يعد له آخره، والله {لَقَدْ لَقِينا} وذقنا {مِنْ سَفَرِنا هذا}؛ أي: من هذا السفر الذي سرناه بعد مجاوزة مجمع البحرين، {نَصَبًا}؛ أي: تعبًا وإعياء.

وقرأ الجمهور: {نَصَبًا} بفتحتين، وعبد الله بن عبيد بن عمير بضمتين، قال صاحب «اللوامح»: وهي إحدى اللغات الأربع التي فيها، ذكره في «البحر» ، قال النواوي: إنما لحقه النصب والجوع، ليطلب موسى الغداء، فيتذكر به يوشع الحوت، وفي الحديث:«لم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره به» ، وفي «الأسئلة المقحمة»: كيف (1) جاع موسى ونصب في سفرته هذه، وحين خرج إلى الميقات ثلاثين يومًا لم يجع ولم ينصب؟

قيل: لأن هذا السفر، كان سفر تأديب وطلب علم، واحتمال مشقة، وذلك السّفر كان إلى الله تعالى، انتهى، وجملة القسم في محل التعليل للأمر بإيتاء الغداء

‌63

- {قالَ} فتى موسى لموسى: {أَرَأَيْتَ} قال ابن ملك (2): هو يجيىء بمعنى أخبرني، وهنا بمعنى التعجب، ومفعوله محذوف، وذلك المحذوف عامل في

(1) روح البيان.

(2)

روح البيان.

ص: 437

قوله: {إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ} والتقدير: أرأيت ما دهاني أو نابني في ذلك الوقت والمكان، وتلك الصخرة كانت عند مجمع البحرين، الذي هو الموعد.

والمعنى: عجبت مما أصابني حين وصلنا إلى الصخرة، ونزلنا عندها {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} أن أذكر لك أمره، وما شاهدت منه من الأمور العجيبة، نسب النسيان إلى نفسه؛ لأن موسى كان نائمًا، وأحس يوشع بخروجه من المكتل إلى البحر، ورآه قد اتخذ السرب، فأشفق أن يوقظ موسى، وقال: أؤخر إلى أن يستيقظ، ثم نسي أن يعلمه حتى ارتحلا، وجاوزا مجمع البحرين.

وأوقع النسيان على الحوت دون الغداء الذي تقدم ذكره، لبيان أن ذلك الغداء المطلوب هو ذلك الحوت الذي جعلاه زادا لهما، وأمارة لوجدان مطلوبهما.

ثم اعتذر بإنساء الشيطان إياه، لأنه لو ذكر ذلك لموسى ما جاوز ذلك المكان، وما ناله النصب فقال:{وَما أَنْسانِيهُ} ؛ أي: وما أنساني الحوت {إِلَّا الشَّيْطانُ} بوسوسته الشاغلة عن ذلك، {أَنْ أَذْكُرَهُ} بدل اشتمال من الضمير، وقرىء {أن أذكر له} كما في «البيضاوي»؛ أي: وما أنساني ذكر أمر الحوت لك، إلا الشيطان بوسوسته الشاغلة عن ذلك، {وَاتَّخَذَ} الحوت {سَبِيلَهُ} ومسلكه {فِي الْبَحْرِ} اتخاذا {عَجَبًا} ، وهو كون مسلكه كالسرب، فلم يلتئم الماء، وجمد ما تحت الحوت منه حتى رجع موسى إليه، فرأى مسلكه، وكون الحوت قد مات، وأكل شقه الأيسر، ثمّ حيي بعد ذلك، وقرأ الجمهور {وما أنسانيه} بكسر الهاء على أصل حركة التقاء الساكنين ولمناسبة الياء وقرأ حفص بضم الهاء هنا وفي «الفتح» في قوله:{عليه الله} بناء على أن الغالب في حركة بناء هاء الضمير الضم، جبرًا لما فاته من الإعراب، وذلك في الوصل، وقد بسطنا البحث عن ذلك في سورة الفاتحة، فراجعه، وعبارة ابن الجوزي هنا: قرأ الكسائي {أنسانيه} بإمالة السين مع كسر الهاء، وقرأ ابن كثير {أنسانيهي} بإثبات ياء في الوصل بعد الهاء، وروي عن حفص {أنسانيه إلا} بضم الهاء في الوصل، وهذا الكلام يحتمل أن يكون من كلام يوشع، أخبر موسى أن الحوت اتخذ سبيله عجبًا

ص: 438