الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك بفضل طاعته تعالى، والإخبات إليه،
7
- ومن ثمّ قال: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ} ؛ أي: أفعالكم، وأقوالكم على الوجه المطلوب منكم {أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ}؛ أي: لغرض أنفسكم؛ لأن ثواب ذلك عائد إليكم، {وَإِنْ أَسَأْتُمْ} أفعالكم، وأقوالكم فأوقعتموها، لا على الوجه المطلوب منكم، {فَلَها}؛ أي: فعليها؛ أي (1): إحسان الأعمال وإساءتها، كلاهما مختص بكم، لا يتعدى ثوابها ووبالها إلى غيركم، فـ {اللام} على أصلها، وهو الاختصاص قال (2) في تفسير «النيسابوري» قال أهل الإشارة: إنه أعاد الإحسان مرتين ولم يذكر الإساءة إلا مرّة، إشارة إلى أنّ جانب الرحمة أغلب، ويجوز أن يترك تكريرها استهجانًا لها.
والمعنى: أي (3){إِنْ أَحْسَنْتُمْ} فأطعتم الله، ولزمتم أمره، وتركتم نهيه {أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} لأنكم تنفعوها بذلك في دنياها وآخرتها، أما في الدنيا: فإنّ الله يدفع عنكم أذى من أرادكم بسوء، ويرد كيده في نحره، وينمي لكم أموالكم، ويزيدكم قوة إلى قوتكم، وأما في الآخرة: فإن الله يثيبكم جنّات تجري من تحتها الأنهار، ويرضى عنكم {وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} ، وإن أسأتم، فعصيتم ربكم، وفعلتم ما نهاكم عنه، فإلى أنفسكم تسيؤون، لأنكم تسخطونه، فيسلّط عليكم في الدنيا أعداءكم، ويمكّن منكم من يبغي بكم السوء، ويلحق بكم في الآخرة العذاب المهين {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} أي: وعد عقوبة المرة الآخرة - أي: الثانية - أي: حان وقت ما وعد به من عقوبة المرة الآخرة من الإفسادين، والمرة الآخرة هي قصدهم قتل عيسى فخلصه الله منهم، ورفعه إليه، وقتلوا زكريّا ويحيى فسلط الله عليهم الفرس والرّوم فسبوهم وقتلوهم.
وجواب {إذا} محذوف دل عليه جواب إذا الأولى؛ أي: فإذا جاء وعد الآخرة بعثنا عليكم عبادًا لنا {لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ} ؛ أي: ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم حتى تظهر عليكم آثار المساءة، وتتبيّن في وجوهكم الكآبة، والحزن.
(1) روح البيان.
(2)
روح البيان.
(3)
المراغي.
وقيل: المراد بالوجوه: السادة منهم؛ أي: ليحزنوكم بالقتل والسبي حزنًا يظهر في وجوهكم.
وقرأ الجمهور (1): {لِيَسُوؤُا} ؛ أي: قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: ليسوؤوا بلام كي، وياء الغيبة، وضمير الجمع الغائب العائد على المبعوثين؛ وبالهمز بين الواوين، وقرأ ابن عامر، وحمزة، وأبو بكر، عن عاصم {ليسوء وجوهكم} بالياء، وهمزة مفتوحة على الإفراد، والفاعل المضمر عائد على الله تعالى، أو على الوعد أو على البعث الدال عليه جملة الجزاء المحذوفة، وقرأ علي بن أبي طالب، وزيد بن علي، والكسائي:{لنسوء} بالنون التي للعظمة، وفيها ضمير يعود على الله، وقرأ أبي {لنسوءن} بلام الأمر، والنون التي للعظمة، ونون التوكيد الخفيفة آخرا، وعن علي أيضا {لنسوءن} و {ليسوءن} بالنون والياء، ونون التوكيد الشديدة، وهي لام القسم، ودخلت لام الأمر في قراءة أبيّ على المتكلم، كقوله تعالى:{وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ} وجواب إذا هو الجملة الأمرية، على تقدير الفاء وفي مصحف أبيّ {ليسىء} بياء مضمومة بغير واو، وفي مصحف أنس {ليسوء وجهكم} على الإفراد، ومعنى {لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ}؛ أي: ليدخلوا عليكم الحزن بما يفعلون من قتلكم وسبيكم، وخصت المساءاة بالوجوه، والمراد: أصحاب الوجوه لما يبدو عليها من أثر الحزن والكآبة. وقوله: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} معطوف على {لِيَسُوؤُا} ؛ أي: وليدخلوا مسجد بيت المقدس، فيخرّبوه {كَما دَخَلُوهُ} في المرة الأولى {وَلِيُتَبِّرُوا}؛ أي: وليدمّروا ويهلكوا، ويهدّموا، ويخرّبوا {ما عَلَوْا}؛ أي: ما غلبوا عليه من بلادكم، أو مدة علوّهم {تَتْبِيرًا}؛ أي: تدميرًا، ذكر المصدر إزالة للشك، وتحقيقًا للخبر.
ومعنى الآية: أي فإذا جاء وقت حلول العقاب على المرة الآخرة من مرتي إفسادكم في الأرض، بعثنا أعداءكم ليجعلوا آثار المساءة والكآبة باديةً في وجوهكم «فإن الأعراض النفسية تظهر في الوجوه، فالفرح يظهر فيها النضارة، والإشراق، والحزن والخوف يظهر فيها الغبرة والقترة» {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} قاهرين
(1) البحر المحيط.