الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولاد لخوف فقر، ولا لغيره {كانَ خِطْأً كَبِيرًا}؛ أي: ذنبًا عظيمًا، وإثمًا فظيعًا لما فيه من انقطاع التناسل، وزوال هذا النوع من الوجود.
وفي «الصحيحين» عن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا، وهو خلقك» قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك» .
وقرأ الأعمش وابن وثَّاب (1): {ولا تُقَتِّلوا} بالتضعيف، وقرىء {خِشْيَةَ} بكسر الخاء، وقرأ الجمهور {خِطْأً} بكسر الخاء، وسكون الطاء، وقرأ ابن كثير بكسرها، وفتح الطاء، والمدّ، وهي قراءة طلحة، وشبل، والأعمش، ويحيى، وخالد بن إلياس، وقتادة، والحسن، والأعرج، بخلاف عنهما. وقال النحاس: لا أعرف لهذه القراءة وجها، ولذلك جعلها أبو حاتم غلطا، وقرأ ابن ذكوان {خَطأً} على وزن نبأ، وقرأ الحسن {خَطَاءً} بفتحهما، والمد جعله اسم مصدر من أخطأ كالعطاء من أعطى قاله ابن جني، وقال أبو حاتم: هي غلط غير جائز، ولا يعرف هذا في اللغة، وقرأ أبو رجاء، والزهري، كذلك إلا أنّهما كسرا الخاء فصار مثل ربا، وكلاهما من خطىء في الدين، وأخطأ في الرّأي، وجاء عن ابن عامر خطأ بالفتح، والقصر مع إسكان الطاء، وهو مصدر ثالث من خطىء بالكسر.
32
- ولما كان في قتل الأولاد حظ من البخل، وفي الزنا داعٍ من دواعي الإسراف أتبعه به، فقال:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى} أيها المكلفون بمباشرة مقدماته من اللمس، والقبلة والنظرة، والمعانقة والغمزة.
وفي النهي (2) عن قربانه بمباشرة مقدماته نهيٌ عنه بالأولى؛ فإن الوسيلة إلى الشيء إذا كانت حرامًا .. كان المتوسّل إليه حرامًا، بفحوى الخطاب، والزنا: الأكثر فيه القصر، ويمد لغة لا ضرورةً هكذا نقل اللغويون.
وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، والحسن بالمدّ قال أبو عبيدة: وقد يمدّ الزنا
(1) البحر المحيط.
(2)
الشوكاني.
في كلام أهل نجد.
قال الفرزدق:
أَخَضَبْتَ فِعْلَكَ للزِّناء وَلَمْ تَكُنْ
…
يَوْمَ اللِّقَاء لِتَخْضِبَ الأَبْطَالَا
ثم علل النهي عن الزنا بقوله: {إِنَّهُ} أي: إن الزنا {كانَ فاحِشَةً} ؛ أي: فعلة قبيحة ظاهرة القبح، لاشتماله على فساد الأنساب، وعلى التقاتل، فإن الإنسان لا يعرف أن الولد الذي أتت به الزانية أهو منه أو من غيره؟ فلا يقوم بتربيته، وذلك يوجب ضياع الأولاد، وانقطاع النسل، وخراب العالم، {وَساءَ} الزنا، وقبح من جهة كونه {سَبِيلًا} ؛ أي طريقًا إلى النار، والمخصوص بالذم طريقه. ولا خلاف في كونه من الكبائر، وقد ورد في تقبيحه والتنفير عنه من الأدلة ما هو معلوم.
والحاصل: أن الزنا اشتمل على مفاسدَ كثيرةٍ (1)، أهمها:
1 -
اختلاط الأنساب، واشتباهها وإذا شك المرء في الولد الذي أتت به الزانية أهو منه أم من غيره؟ لا يقوم بتربيته، ولا يستمر في تعهده، وذلك مما يوجب إضاعة النسل، وخراب العالم كما مر آنفًا.
2 -
فتح باب الهرج والمرج، والاضطراب بين الناس دفاعًا عن العرض، فكم سمعنا بحوادث قتلٍ كان مبعثها الإقدام على الزّنا حتى إنه ليقال عند السماع بحادث قتل: فتّش عن المرأة.
3 -
أن المرأة إذا عرفت بالزنا، وشهرت به استقذرها كل ذي طبع سليم، فلا تحدث ألفة بينها وبين زوجها، ولا يتم السّكن والازدواج الذي جعله الله مودّةً، ورحمة بين الناس بقوله:{وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} .
4 -
أنه ليس المقصد من المرأة مجرد قضاء الشهوة، بل أن تصير شريكةً
(1) المراغي.