المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والبزي بتشديد (1): {أنّ} ونصب - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والبزي بتشديد (1): {أنّ} ونصب

قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والبزي بتشديد (1): {أنّ} ونصب {لعنة} وهو الأصل، وقرأ الباقون {أَنْ} بالتخفيف ورفع {لَعْنَةُ} على أنها المخففة من الثقيلة، أو المفسرة. وقرأ الأعمش بكسر همزة {إن} على إضمار القول،

‌45

- ثم المراد بالظالمين {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ؛ أي: الذين يعرضون بأنفسهم عن سلوك سبيل الله الموصلة إلى مرضاته وثوابه، ويمنعون الناس عن سلوكها تارة بالزجر والقهر، وأخرى بسائر الحيل {وَيَبْغُونَها عِوَجًا}؛ أي: يطلبون اعوجاجها؛ أي: يريدون إثبات كونها معوجة مائلة عن الحق بإلقاء الشكوك في أدلتها، أو ينفرون الناس عنها، ويقدحون في استقامتها بقولهم: إنها غير حق، وأن الحق ما هم عليه. وفي «أبي السعود» في آل عمران: بأن يلبسوا على الناس، ويوهموهم أن فيها ميلا عن الحق بنفي النسخ، وتغيير صفة الرسول صلى الله عليه وسلم عن وجهها، ونحو ذلك. اه. وفي «الخازن»: هنا (2){وَيَبْغُونَها عِوَجًا} ؛ أي: يحاولون أن يغيروا دين الله وطريقته التي شرع لعباده ويبدلونها. وقيل معناه: أنهم يصلون لغير الله، ويعظمون ما لم يعظمه الله، وذلك أنهم طلبوا سبيل الحق بالصلاة لغير الله، وتعظيم ما لم يعظمه الله، فأخطؤوا الطريق وضلوا عن السبيل. اه.

‌46

- {وَبَيْنَهُما} ؛ أي: وبين الفريقين؛ فريقي أهل الجنة وأهل النار، أو بين الجنة والنار {حِجابٌ}؛ أي: حاجز يفصل كلّا منهما من الآخر، ويمنعه من الاستطراق إليه، وهذا الحجاب هو السور الذي سيأتي ذكره في سورة الحديد بقوله: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13)

} الآية. {وَعَلَى الْأَعْرافِ} ؛ أي: وعلى أعالي ذلك السور المضروب بين الجنة والنار {رِجالٌ} يرون أهل الجنة وأهل النار جميعا قبل الدخول فيها، فـ {يَعْرِفُونَ كُلًّا} من أهل الجنة وأهل النار {بِسِيماهُمْ}؛ أي: بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها كبياض الوجه وسواده، وهي التي وصفهم الله تعالى بها في نحو قوله: {وُجُوهٌ

(1) الشوكاني.

(2)

الخازن.

ص: 335

يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)}.

وهؤلاء الرجال هم طائفة من الموحدين قصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار جعلوا هناك حتى يقضى بين الناس، فبينما هم كذلك إذ يطلع عليهم ربهم فيقول لهم:«قوموا ادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم» . أخرجه أبو الشيخ والبيهقي وغيرهما عن حذيفة، وفي رواية عنه:«يجمع الله الناس، ثم يقول لأصحاب الأعراف: ما تنتظرون؟ قالوا: ننتظر أمرك، فيقال: إن حسناتكم تجاوزن بكم النار أن تدخلوها، وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم، فادخلوها بمغفرتي ورحمتي» .

وقيل (1): هؤلاء الرجال قوم قتلوا في سبيل الله، وهم عصاة لآبائهم، وقيل: هم قوم كان فيهم عجب، وقيل: هم قوم كان عليهم دين، فهذه الأقوال تدل على أن أصحاب الأعراف أقوام يكونون في الدرجة النازلة من أهل الثواب، وقيل: إنهم الأشراف من أهل الثواب، وقيل: إنهم الأنبياء، وإنما أجلسهم الله على ذلك المكان العالي تمييزا لهم على سائر أهل القيامة، وقيل: إنهم الشهداء وهم شهداء الله على أهل الإيمان والطاعة، وعلى أهل الكفر والمعصية، فهم يعرفون أن أهل الثواب وصلوا إلى الدرجات، وأهل العقاب وصلوا إلى الدركات، كما قال تعالى:{يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ} .

{وَنادَوْا} ؛ أي: ونادى رجال الأعراف {أَصْحابَ الْجَنَّةِ} حين رأوهم قائلين لهم {أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} يا أهل الجنة، وهذا السلام إما تحية ودعاء، وإما إخبار بالسلامة من المكروه والنجاة من العذاب؛ أي سلمتم من الآفات، وحصل لكم الأمن والسلام، هذا إن كان قبل دخول الجنة. فإن كان بعدها فهي تحية خالصة تدخل في عموم قوله تعالى:{لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا (26)} وجملة قوله: {لَمْ يَدْخُلُوها} حال من فاعل {نادَوْا} {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} حال

(1) المراح.

ص: 336