الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{لِذُكُورِنا} ، والجملة خبر {ما}. وقرأ الجمهور:{خالِصَةٌ} - بالرفع بالتاء - وقرأ أبو بكر (1): {وإن تكن} - بتاء التأنيث - {مَيْتَةً} بالنصب؛ أي: وإن تكن الأجنة التي تخرج ميتة. وقرأ ابن كثير: {وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً} - بالتذكير وبالرفع - على أنه من كان التامة، وقال الزمخشري: وقرأ أهل مكة: وإن تكن ميتة - بالتأنيث والرفع - انتهى. فإن عنى ابن كثير فهو وهم، وإن عنى غيره من أهل مكة، فيمكن أن يكون نقلا صحيحا، وهذه القراءة التي عزاها لأهل مكة هي قراءة ابن عامر. وقرأ باقي السبعة:{وَإِنْ يَكُنْ} - بالتذكير - {مَيْتَةً} - بالنصب - على تقدير: وإن يكن ما في بطونها ميتة. وقرأ يزيد: {ميّتة} - بالتشديد -، وقرأ عبد الله:{فهم فيه سواء} .
140
- {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ} بالوأد للبنات وبالنحر للذكور؛ أي: قد خسروا في الدنيا باعتبار السعي في نقص عددهم، وإزالة ما أنعم الله به عليهم، وفي الآخرة باستحقاق العذاب الأليم، والجملة جواب لقسم محذوف تقديره: وعزتي وجلالي لقد خسروا في الدنيا والآخرة {سَفَهًا} ؛ أي: قتلوهم لأجل السفه والحمق، وقلة العقل {بِغَيْرِ عِلْمٍ}؛ أي: بغير حجة ولا إذن من الله، وهم ربيعة ومضر، وأمثالهم من العرب، وبنو كنانة لا يفعلون ذلك. وسبب هذا الخسران؛ لأن الولد نعمة عظيمة من الله على العبد، فإذا سعى في إبطاله استحق الذم العظيم في الدنيا؛ لأن الناس يقولون: قتل ولده خوفا من أن يأكل طعامه، والعقاب العظيم في الآخرة وسببه خفة العقل؛ لأن قتل الولد إنما يكون للخوف من الفقر، والقتل أعظم ضررا منه، والقتل ناجز، والفقر موهوم، وهذه السفاهة إنما نشأت من الجهل الذي هو أعظم المنكرات.
وقرأ الحسن والسلمي وأهل مكة والشام، ومنهما ابن كثير وابن عامر:{قتّلوا} - بالتشديد -. وقرأ اليماني: {سفهاء} - بصيغة الجمع -. {وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ} تعالى من الأنعام التي سموها بحائر وسوائب، وهو معطوف على {قَتَلُوا} ، فهو صلة ثانية {افْتِراءً} وكذبا {عَلَى اللَّهِ} تعالى بنسبة ذلك إليه تعالى
(1) البحر المحيط.
{قَدْ ضَلُّوا} ؛ أي: وعزتي وجلالي لقد ضلوا وأخطؤوا بهذه الافعال عن الصراط المستقيم {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} إلى الحق بعد ضلالهم، فعلم أن فائدته بعد قوله:{قَدْ ضَلُّوا} أنهم بعد ما ضلوا لم يهتدوا مرة أخرى، كما ذكره الكرخي، فإن تحريم الحلال من أعظم أنواع الحماقة؛ لأنه يمنع نفسه تلك المنافع، ويستحق بسبب ذلك المنع أعظم أنواع العقاب، أو أن الجرأة بالافتراء أعظم الذنوب، وهم قد ضلوا عن الرشد في مصالح الدين ومنافع الدنيا، ولم يحصل لهم الاهتداء قط.
والحاصل (1): أن الله سبحانه وتعالى أنكر على مشركي العرب أمرين عظيمين ونعاهما عليهم، وحكم فيهم حكما عدلا وهما:
1 -
قتل أولادهم ووأد بناتهم، وبذلك خسروا خسرانا مبينا، فإن قتل الأولاد يستلزم خسران كل ما كان يرجى من العزة والنصرة والسرور والغبطة، والبر والصلة، وخسران العاطفة الأبوية ورأفتها، واستبدال القسوة والغلظة بها إلى نحو أولئك من مساوي الأخلاق التي يضيق بها العيش في الدنيا، وبها يحل العقاب في الآخرة.
2 -
تحريم ما رزقهم الله من الطيبات، وإيضاح هذا: أن الله سبحانه وتعالى قد حكم على من فعل هذين الجرمين بالخسران والسفاهة، وعدم العلم والافتراء على الله والضلال وعدم الاهتداء.
أما الخسران: فلأن الولد نعمة من الله على العبد، فإذا سعى العبد في زوالها .. فقد خسر خسرانا عظيما؛ إذ هو قد استحق الذم في الدنيا، وقال الناس فيه: إنه قتل ولده خوف أن يأكل طعامه، والعقاب في الآخرة؛ لأنه ألحق أعظم أنواع الأذى بأقرب الناس إليه محبة.
وأما السفاهة: وهي اضطراب النفس وحماقتها، فلأنه أقدم على ضرر محقق، وهو القتل خوفا من ضرر موهوم، وهو الفقر كما مر.
(1) المراغي.