الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوال كل من الضعفاء التابعين من الناس، وأقوال المتكبرين المتبوعين وقول الشيطان للفريقين وتنصله من استحقاق الملام وكفره بما أشركوا.
{قالَ} الله سبحانه وتعالى لهؤلاء الذين استمتع بعضهم ببعض من الجن والإنس ردا عليهم {النَّارُ} الأخروية {مَثْواكُمْ} ؛ أي: منزلكم وموضع إقامتكم ومقركم فيها ومصيركم إليها حالة كونكم {خالِدِينَ فِيها} ؛ أي: في النار؛ أي: مقيمين فيها إقامة خلود أبدا {إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى من الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب السعير إلى عذاب الزمهرير، فيشتد البرد عليهم فيه، فيطلبون الرد إلى الجحيم كما قال تعالى:{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)} .
{إِنَّ رَبَّكَ} يا محمد {حَكِيمٌ} في صنعه وتدبيره، فيضع كل شيء في محله اللائق به، وقيل: حكيم فيما يفعله من ثواب الطائع وعقاب العاصي، وفي سائر وجوه المجازاة {عَلِيمٌ} بخلقه، فيجازي كلا بعمله، أو عليم بعواقب أمور خلقه وما هم إليه صائرون، كأنه قال: إنما حكمت لهؤلاء الكفار بالخلود في النار؛ لعلمي بأنهم يستحقون ذلك.
129
- {وَكَذلِكَ} ؛ أي: وكما متعنا الإنس والجن بعضهم ببعض {نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} آخر منهم؛ أي: نسلط بعض الظالمين بالكفر والمعاصي، أي: نسلط ونؤمر بعضهم على بعض {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} ؛ أي: بسبب ما يعملونه من الكفر والمعاصي، أو بسبب كسبهم وعملهم المعاصي. والضمير في {كانُوا} عائد على البعض الثاني كما في «الجمل». والمعنى: كما متعنا الإنس والجن بعضهم ببعض نسلط بعض الظالمين بعضهم على بعض بسبب كسبهم من المعاصي، فيؤخذ الظالم بالظالم لما في الحديث. «ينتقم الله من الظالم بالظالم، ثم ينتقم من كليهما» ، وفي الحديث أيضا «كما تكونوا يولّ عليكم» ومن هذا المعنى قول الشاعر:
وما من يد إلا يد الله فوقها
…
وما من ظالم إلا سيبتلى بأظلم
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إن الله تعالى إذا أراد بقوم
خيرا ولى أمرهم خيارهم، وإذا أراد بقوم شرا ولى أمرهم شرارهم. أي: ومثل (1) ذلك الذي ذكر من استمتاع أولياء الإنس والجن بعضهم ببعض في الدنيا لما بينهم من التناسب والمشاكلة نولي بعض الظالمين لأنفسهم وللناس بعضهم على بعض آخر بسبب ما كانوا يكسبون باختيارهم من أعمال الظلم المشتركة بينهم.
روي عن قتادة أنه قال في تفسير الآية: إنما يولي الله بين الناس بأعمالهم، فالمؤمن ولي المؤمن من أين كان وحيثما كان، والكافر ولي الكافر من أين كان وحيثما كان، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولعمري لو عملت بطاعة الله، ولم تعرف أهل طاعة الله .. ما ضرك ذلك، ولو عملت بمعصية الله وتوليت أهل طاعة الله .. ما نفعك ذلك شيئا، انتهى. وروى أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال: سألت الأعمش عن قوله تعالى: {وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} ما سمعتهم يقولون فيه؟ قال: سمعتهم يقولون: إذا فسد الناس أمر عليهم شرارهم، انتهى. ذاك أن الملوك يتصرفون في الأمم الجاهلة الضالة تصرف الرعاة في الأنعام السائمة، فهم يتخذون الوزراء والحاشية من أمثالهم، فيقلدوهم وهم جمهور الأمة في سيء أعمالهم، فيغلب الفساد على الصلاح، ويفسقون عن أمر الله فيهلكون، أو يسلط عليهم الأمم القوية التي تستبيح حماهم، وتشل عروشهم ويصبحون مستعبدين أذلاء بعد أن كانوا سادة أعزاء، كما قال سبحانه وتعالى:{وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا (16)} . أما الأمم العالمة بسنن الاجتماع التي أمرها شورى بين زعمائها وأهل الرأي فيها، فلا يستطيع الملوك أن يتصرفوا فيها كما يشاؤون، بل يكونون تحت مراقبة أولي الأمر فيها، وقد (2) وضع الإسلام هذا الدستور، فجعل أمر الأمة بين أهل الحل والعقد، وأمر الرسول بالمشاورة وسار على هذا النهج، وجعلت الولاية العامة - الخلافة - بالانتخاب.
واقتفى الخلفاء الراشدون خطواته، وجروا على سنته، فقال الخليفة الأول
(1) الصاوي.
(2)
المراغي.