المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وليكتسبوا بسبب ارتضائهم له وغرورهم {ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ}؛ أي: ما - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وليكتسبوا بسبب ارتضائهم له وغرورهم {ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ}؛ أي: ما

وليكتسبوا بسبب ارتضائهم له وغرورهم {ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ} ؛ أي: ما هم مكتسبون له من الآثام، فيعاقبوا عليها.

وقرأ النخعي والجراح بن عبد الله (1): {ولتصغي} - بكسر الغين - من أصغى الرباعي. وقرأ الحسن بسكون اللام في الأفعال الثلاثة، وقيل عنه بالسكون في:{لِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا} وبالكسر في: {وَلِتَصْغى} . وقال أبو عمرو الداني: قراءة الحسن إنما هي: {ولتصغي} - بكسر الغين - انتهى. وخرّج سكون اللام في الثلاثة على أنه شذوذ في لام كي، وهي لام كي في الثلاثة، وهي معطوفة على {غُرُورًا} ، وسكون لام كي في نحو هذا شاذ في السماع قوي في القياس. قاله أبو الفتح. وقال غيره: هي لام الأمر في الثلاثة، ويبعد ذلك في {ولتصغي} - بإثبات الياء - وإن كان قد جاء ذلك في قليل من الكلام كما في قراءة قنبل:{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} على أنه يحتمل التأويل. وقيل هي في {وَلِتَصْغى} لام كي سكنت شذوذا، وفي:{لِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا} لام الأمر مضمنا التهديد والوعيد كقوله: {اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ} .

‌114

- والاستفهام في قوله: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ} للإنكار، والفاء عاطفة على فعل مقدر، والكلام على إرادة القول، والتقدر: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أأضل وأميل إلى زخارف الشياطين فـ {أَبْتَغِي} وأطلب {حَكَمًا} ؛ أي: حاكما {غير الله} يحكم بيني وبينكم {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ} ؛ أي: والحال أنه سبحانه وتعالى هو الذي أنزل إليكم القرآن، وأنتم أمة أمية لا تدرون ما تأتون وما تذرون حالة كون ذلك الكتاب {مُفَصَّلًا}؛ أي: مبينا فيه الحق والباطل، فلم يبق في أمور الدين شيء من الإبهام، فأي حاجة بعد ذلك إلى الحكم؛ أي: لا أبتغي حكما غير الله نزلت حين قال مشركوا قريش للرسول صلى الله عليه وسلم: اجعل بيننا وبينك حكما من أحبار اليهود، وإن شئت من أساقفة النصارى، ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك، والحكم (2) والحاكم معناهما عند أهل اللغة واحد، لكن بعض

(1) البحر المحيط.

(2)

المراح.

ص: 17

أهل التأويل قال: الحكم أكمل من الحاكم؛ لأن الحكم لا يحكم إلا بالحق، والحاكم قد يجور، ولأن الحكم من تكرر منه الحكم، والحاكم يصدق بمرة.

والمعنى: ليس (1) لي أن أتعدى حكم الله تعالى، ولا أن أتجاوزه؛ لأنه لا حكم أعدل من حكمه، ولا قائل أصدق منه، وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا فيه كل ما يصح به الحكم، وإنزاله مشتملا على الحكم التفصيلي للعقائد والشرائع وغيرهما على لسان رجل منكم أمي مثلكم .. هو أكبر دليل وأظهر آية على أنه من عند الله لا من عنده، كما جاء في قوله:{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} ؛ أي: جاوزت الأربعين، ولم يصدر عني مثله في علومه، ولا في إخباره الغيب، ولا في فصاحته وبلاغته.

والخلاصة:

أنكم تتحكمون في طلب المعجزات؛ لأن الدليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم قد حصل بوجهين:

1 -

أنه أنزل إليكم الكتاب المفصل المشتمل على علوم كثيرة بأسلوب عجز الخلق عن معارضته، فيكون هذا دليلا على أن الله تعالى قد حكم بنبوته.

2 -

ما سيذكره بعد من أن التوراة والإنجيل تشتملان على الآيات الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم حق، وأن القرآن كتاب حق من عند الله تعالى، ثم ذكر ما يؤكد ما سبق، فقال:{وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ} ؛ أي: وأهل الكتاب الذين أعطيناهم التوراة والإنجيل والزبور {يَعْلَمُونَ أَنَّهُ} ؛ أي: أن هذا القرآن {مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} حالة كونه متلبسا {بِالْحَقِّ} والصدق الذي لا شك فيه ولا شبهة، والمراد بهم علماء أهل الكتاب، فهو عام بمعنى الخصوص.

قرأ ابن عباس وابن عامر وحفص (2): {مُنَزَّلٌ} - بتشديد الزاي - والباقون بسكون النون. {فَلا تَكُونَنَّ} يا محمد، أو أيها المخاطب {مِنَ الْمُمْتَرِينَ}؛ أي: من الشاكين في أن علماء أهل الكتاب يعلمون أن هذا القرآن حق، وأنه منزل من

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 18