الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} السالكين صراطه المستقيم، ففوض أمرهم إلى خالقهم، فهو العليم بالضال والمهتدي، ويجازي كلا بما يليق بعمله.
وقرأ الحسن وأحمد بن أبي شريح: {يضل} - بضم الياء - وفاعل {يضل} ضمير {مَنْ} ، ومفعوله محذوف؛ أي: من يضل الناس، أو ضمير الله على معنى يجده ضالا، أو يخلق فيه الضلال، وهذه الجملة خبرية تتضمن الوعيد والوعد؛ لأن كونه تعالى عالما بالضال والمهتدي كناية عن مجازاتهما. ذكره أبو حيان في «البحر» .
118
- وبعد أن أبان لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أكثر أهل الأرض يضلون من أطاعهم؛ لأنهم ضالون خراصون، وأنه تعالى هو العليم بالضالين والمهتدين .. أمر رسوله وأتباعه بمخالفة أولئك الضالين من قومهم، ومن غيرهم في مسألة الذبائح وترك جميع الآصار والآثام، فقال:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وهذا كلام متفرع من النهي عن اتباع المضلين، وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله، فما قتله الله أحق أن تأكلوه مما قتلتموه أنتم، فقال الله للمسلمين:
{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ؛ أي: إذا كان حال أكثر هؤلاء الناس ما بينته لكم من الضلال، فكلوا مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح، وهو المذكى ببسم الله خاصة، دون غيره مما ذكر عليه اسم غيره فقط، أو مع اسمه تعالى، أو مات حتف أنفه {إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ} التي جاءتكم بالهدى والعلم {مُؤْمِنِينَ} وبما يخالفها من الضلال والشرك مكذبين.
فصل
وقد كان مشركوا العرب وغيرهم من أرباب الملل يجعلون الذبائح من أمور العبادات، ويقرنونها بأصول الدين والاعتقادات، فيتعبدون بذبح الذبائح لآلهتهم ومن قدسوا من رجال دينهم، ويهلون لهم عند ذبحها، وهذا شرك بالله؛ لأنه عبادة يقصد بها غيره تعالى سواء سموه إلها أو معبودا، أو لم يسموه.
119
- {وَما لَكُمْ} ؛ أي: وأي سبب حاصل لكم أيها المؤمنين في: {أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} عند الذبح وأن تأكلوا من غيره؛ أي: وأي غرض لكم في
الامتناع من أكله؟ وهو استفهام يتضمن الإنكار على من امتنع من ذلك؛ أي: لا شيء يمنعكم من ذلك، وهذا تأكيد في إباحة ما ذبح على اسم الله دون غيره؛ أي: ما المانع لكم من أكل ما سميتم عليه بعد أن أذن الله لكم بذلك؟ {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} ؛ أي: والحال أنه سبحانه وتعالى قد بين لكم ما حرم عليكم بقوله سبحانه وتعالى في هذه السورة فيما سيأتي: {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} ومعنى {أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} ؛ أي: ذكر عليه اسم غيره عند ذبحه كالأصنام والأنبياء الذين وضعت التماثيل ذكرى لهم. فهذا وإن كان متأخرا في التلاوة، فلا يمتنع أن يكون هو المراد؛ لأن التأخر في هذا قليل، وأيضا التأخر في التلاوة لا يوجب التأخر في النزول.
أو بين لكم بقوله تعالى في أول سورة المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} الآية؛ لأن الله تعالى علم أن سورة المائدة متقدمة على سورة الأنعام في الترتيب لا في النزول. {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} ؛ أي: إلا ما دعتكم الضرورة والمشقة وأحوجتكم إلى أكله بسبب شدة المجاعة مما حرم عليكم عند الاختيار؛ فهو حلال لكم لأجل الضرورة بأن لم يوجد من الطعام عند شدة الجوع إلا المحرم، فحينئذ يزول التحريم، والقاعدة الشرعية:(الضرورات تبيح المحظورات)، والقاعدة الأخرى:(الضرورة تقدر بقدرها) فيباح للمضطر ما تزول به الضرورة، ويتقي به الهلاك لا أكثر منه.
وقرأ العربيان (1) - أبو عمرو وابن عامر - وابن كثير: ببناء {فصل} و {حرم} للمفعول مع التشديد. وقرأ نافع وحفص عن عاصم ببنائهما للفاعل، وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ببناء الفعل الأول للفاعل، وبناء الثاني للمفعول، وقرأ عطية العوفي:{فصل} - بالتخفيف مع البناء للفاعل -؛ أي: أبان وأظهر.
(1) المراح والشوكاني.