الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قراءات من قرأ بالنون، فجملتها أربعة. وقد قرأ آخرون بالباء الموحدة، فقرأ ابن عباس والسلمي وابن أبي عبلة:{الرِّياحَ} - جمعا -: {بُشُرا} - بضم الباء والشين -. ورويت عن عاصم وهو جمع بشيرة كنذيرة ونذر. وقرأ عاصم كذلك إلا أنه سكن الشين تخفيفا من الضم. وقرأ السلمي: {بَشْرا} - بفتح الباء وسكون الشين - وهو مصدر بشر المخفف، ورويت عن عاصم. وقرأ ابن السميقع وابن قطيب:{بشرى} بألف مقصورة كرجعى، وهو مصدر. فهذه ثماني قراءات؛ أربعة في النون، وأربع في الباء. والمعنى على كلها: أنه سبحانه وتعالى يرسل الرياح ناشرات أو مبشرات.
58
- وبعد أن ضرب الله إحياء البلاد بالمطر مثلا لبعث الموتى .. ضرب اختلاف نتاج البلاد مثلا لما في البشر من اختلاف الاستعداد لكل من الهدى والكفر، والرشاد والغي، فقال:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ} ؛ أي: والأرض الطيبة التربة السهلة السمحة {يَخْرُجُ نَباتُهُ} ووافيا حسنا كثيرا غزير النفع {بِإِذْنِ رَبِّهِ} ؛ أي: بمشيئة الله تعالى وتيسيره بلا كد ولا عناء، كذلك المؤمن المخلص يؤدي ما أمر الله به بطيبة النفس {وَالَّذِي خَبُثَ}؛ أي: والبلد الذي خبث أرضه السبخة ترابه {لا يَخْرُجُ} نباته {إِلَّا نَكِدًا} ؛ أي: إلا بتعب وعناء وكلفة، والمعنى: إلا حالة كونه قليلا عديم النفع. قال الشاعر في المعنى يذم إنسانا:
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن
…
أعطيت أعطيت تافها نكدا
يعني بالتافه: القليل، وبالنكد: العسير، ومعناه: إنك إن أعطيت أعطيت القليل بعسر ومشقة وكلفة، وكذلك المنافق لا يؤدي ما أمر الله به إلا كرها بغير طيبة النفس. قال (1) المفسرون: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، فشبه المؤمن بالأرض الخيرة الطيبة التراب، وشبه نزول القرآن على قلب المؤمن بنزول المطر على الأرض الطيبة، فإذا نزل المطر أخرجت أنواع الأزهار والثمار، وكذلك المؤمن إذا سمع القرآن آمن به، وانتفع به، وظهرت منه الطاعات
(1) الخازن.
والعبادات، وأنواع الأخلاق الحميدة، وشبه الكافر بالأرض الرديئة الغليظة البسخة التي لا ينتفع بها وإن أصابها المطر، فكذلك الكافر إذا سمع القرآن لا ينتفع به، ولا يصدقه، ولا يزيده إلا عتوا وكفرا، وإن عمل الكافر حسنة في الدنيا كانت بمشقة وكلفة ولا ينتفع بها في الآخرة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن يقول: هو طيب وعمله طيب، كما أن البلد الطيب ثمره طيب، ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة المالحة التي خرجت منها البركة، فالكافر خبيث وعمله خبيث.
ويدل (1) على صحة هذا التأويل ما روى الشيخان والنسائي وأحمد من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب التي تشرب ولا تنبت، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا، وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى منها إنما هي قيعان - أرض مستوية - لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم القسم الأول؛ وهو الذي نفع وانتفع بالهادي المهتدي، وفسر القسم الثالث؛ وهو الذي لم ينفع ولم ينتفع بالجاحد، وسكت عن القسم الثاني؛ وهو الذي نفع غيره بعلمه، ولم ينتفع به هو؛ لأن له أحوالا كثيرة، فمنه المنافقون، ومنه المفرطون في دينهم، والمشاهدة تدل على أن الطيبي الأخلاق يفعلون الخير والبر بلا تكلف، وأن الخبيثين لا يفعلون الخير ولا يؤدون الواجب إلا نكدا بعد إلحاف أو إيذاء حين الطلب، أو إدلاء إلى الحكام.
وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بن عمر (2): {يُخْرَجُ نَباتُهُ} : - مبنيا للمفعول -؛ أي: يخرجه البلد. وقرأ ابن القعقاع: نَكَدا - بفتح الكاف - قال
(1) المراغي.
(2)
البحر المحيط.
الزجاج: وهي قراءة أهل المدينة. وقرأ ابن مصرف بسكونها، وهما مصدران؛ أي: ذا نكد. وقرأ الباقون: {نَكِدًا} بفتح النون وكسر الكاف.
{كَذلِكَ} ؛ أي: مثل ذلك التصريف البديع والتكرير العجيب {نُصَرِّفُ الْآياتِ} ؛ أي: نردد الآيات الدالة على القدرة القاهرة، والحكمة الباهرة، ونكررها {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} نعمتنا باستعمالها فيما تتم به حكمتنا، وبذلك يستحقون منا المزيد، ويكافؤون بالثواب عليها. وختم (1) هذه الآية بالشكر إذ كان موضوعها الاهتداء بالعلم والعمل والإرشاد، والآية التي قبلها بالتذكر لما كان موضوعها الاعتبار والاستدلال. وقرىء:{يصرف} - بالياء التحتية - مراعاة للغيبة في قوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِ} ذكره أبو حيان.
الإعراب
{وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ} : فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة، وسيأتي مقابله بقوله: {وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ
…
} الخ. {أَصْحابَ النَّارِ} : مفعول به ومضاف إليه. {أَنْ} : مفسرة بمعنى: أي؛ لسبقها بجملة فيها معنى القول دون حروفه مبنية على السكون، وجملة الفعل بعدها جملة مفسرة لـ {نادى} لا محل لها من الإعراب، وإن شئت قلت:{أَنْ} : مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. {قَدْ}: حرف تحقيق. {وَجَدْنا} : فعل وفاعل، وجملة {وَجَدْنا}: في محل الرفع خبر {أَنْ} المخففة، وجملة {أَنْ} المخففة: في محل النصب مفعول نادى، أو في محل الجر بجار محذوف تقديره: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار بأنه قد وجدنا الخ. {ما} : موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول أول لـ {وَجَدْنا}. {وَعَدَنا رَبُّنا}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} ،
(1) المراغي.
أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما وعدناه ربنا. {حَقًّا} : مفعول ثان لـ {وَجَدْنا} ، أو حال من الضمير المحذوف في {وَعَدَنا} إن كان {وجد} بمعنى أصاب. {فَهَلْ}:{الفاء} : عاطفة، {هل}: حرف للاستفهام الاستخباري. {وَجَدْتُمْ} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة وَجَدْنا. {ما}: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول أول لـ {وجد}. {وَعَدَ رَبُّكُمْ}: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما وعده ربكم. {حَقًّا} مفعول ثان لـ {وجد} ، أو حال من الضمير المحذوف في {وَعَدَ}. {قالُوا}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {نَعَمْ}: حرف جواب يجاب بها لتصديق الأخبار لا محل لها من الإعراب، والمجاب به محذوف لنيابة {نَعَمْ} عنه تقديره: وجدناه حقا. {فَأَذَّنَ} : {الفاء} : حرف عطف وتعقيب، {أذن مؤذن}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {نادى}. {بَيْنَهُمْ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {أذن} ، أو صفة لـ {مُؤَذِّنٌ}. {أَنْ}: تفسيرية بمعنى أي. {لَعْنَةُ اللَّهِ} : مبتدأ ومضاف إليه. {عَلَى الظَّالِمِينَ} : جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية جملة مفسرة لـ {أذن} لا محل لها من الإعراب، وإن شئت قلت:{أَنْ} المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع خبر {أَنْ} المخففة، وجملة {أَنْ} المخففة في محل النصب مفعول {أذن} تقديره: فأذن مؤذن بينهم أنه لعنة الله على الظالمين، أو في محل الجر بحرف جر محذوف تقديره: فأذن مؤذن بينهم بأنه لعنة الله على الظالمين.
{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45)} .
{الَّذِينَ} : اسم موصول في محل الجر صفة لـ {الظَّالِمِينَ} . {يَصُدُّونَ} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يَصُدُّونَ} . {وَيَبْغُونَها} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {يَصُدُّونَ}. {عِوَجًا}: حال من الهاء في {يَبْغُونَها} ، ولكنها في تأويل معوجة، ويصح كونه مفعولا ثانيا. {وَهُمْ}: مبتدأ. {بِالْآخِرَةِ} : جار ومجرور متعلق
بـ {كافِرُونَ} . {كافِرُونَ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل {يَصُدُّونَ} .
{وَبَيْنَهُما} : ظرف ومضاف إليه خبر مقدم. {حِجابٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. {وَعَلَى الْأَعْرافِ}: جار ومجرور خبر مقدم. {رِجالٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. {يَعْرِفُونَ كُلًّا}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع صفة لـ {رِجالٌ}. {بِسِيماهُمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يَعْرِفُونَ} . {وَنادَوْا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {أَصْحابَ الْجَنَّةِ}: مفعول به ومضاف إليه. {أَنْ} : تفسيرية بمعنى أي مبنية على السكون. {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} : مبتدأ وخبر، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض الدعاء، والجملة الاسمية جملة مفسرة لجملة {نادَوْا} لا محل لها من الإعراب، وإن شئت قلت:{أَنْ} مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن أنه سلام عليكم، والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع خبرها، وجملة {أَنْ} المخففة في محل النصب مفعول {نادَوْا}؛ أي: نادوهم أنه سلام عليكم، أو في محل الجر بحرف جر محذوف تقديره: نادوهم بأنه سلام عليكم. {لَمْ يَدْخُلُوها} : جازم وفعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من فاعل {نادَوْا} ، أو مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل: ما صنع بأصحاب الأعراف .. فقيل: لم يدخلوها. {وَهُمْ} : مبتدأ، وجملة {يَطْمَعُونَ} خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل {يَدْخُلُوها} .
{وَإِذا} {الواو} : استئنافية {إِذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان. {صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ} : فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. {تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ}: ظرف
ومضاف إليه متعلق بـ {صُرِفَتْ} . {قالُوا} : فعل وفاعل، والجملة جواب {إِذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذا}: مستأنفة. {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{رَبَّنا} : منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قالُوا}. {لا}: دعائية جازمة. {تَجْعَلْنا} : فعل ومفعول مجزوم بـ {لا} الدعائية، وفاعله ضمير يعود على الرب جل جلاله، والجملة الفعلية جواب النداء في محل النصب مقول {قالُوا}. {مَعَ الْقَوْمِ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {تَجْعَلْنا} . {الظَّالِمِينَ} : صفة لـ {الْقَوْمِ} .
{وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ} : فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. {رِجالًا}: مفعول به. {يَعْرِفُونَهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول. {بِسِيماهُمْ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يعرفون} ، وجملة {يَعْرِفُونَهُمْ}: صفة لـ {رِجالًا} ، ولكنها سببية. {قالُوا}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية بدل من جملة نادى بدل كل من كل. {ما أَغْنى عَنْكُمْ}: إلى آخر الآية التالية مقول محكي لـ {قالُوا} ، وإن شئت قلت:{ما} : استفهامية استفهام توبيخ في محل الرفع مبتدأ. {أَغْنى} : فعل ماض. {عَنْكُمْ} : متعلق به. {جَمْعُكُمْ} : فاعل ومضاف إليه. {وَما} : {الواو} : عاطفة. {ما} : مصدرية. {كُنْتُمْ} : فعل ناقص واسمه، وجملة {تَسْتَكْبِرُونَ} خبرها، وجملة {كان} صلة {ما} المصدرية، {ما} مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على {جَمْعُكُمْ} على كونه فاعل {أَغْنى} تقديره: ما أغنى عنكم جمعكم، وكونكم مستكبرين، أو استكباركم عن الحق، وجملة {أَغْنى} في محل الرفع خبر {ما} الاستفهامية، وجملة {ما} الاستفهامية في محل النصب مقول {قالُوا} .
{أَهؤُلاءِ} {الهمزة} : للاستفهام التقريري التوبيخي، {هؤُلاءِ}: مبتدأ.
{الَّذِينَ} : اسم موصول في محل الرفع خبر، والجملة في محل النصب مقول {قالُوا}. {أَقْسَمْتُمْ}: فعل وفاعل. {لا} : نافية. {يَنالُهُمُ اللَّهُ} : فعل ومفعول وفاعل. {بِرَحْمَةٍ} متعلق بـ {يَنالُهُمُ} ، وجملة {يَنالُهُمُ} جواب لقسم محذوف تقديره: والله لا ينالهم الله برحمة، وجملة {أَقْسَمْتُمْ} مع جوابه صلة الموصول، والعائد الهاء من {يَنالُهُمُ}. {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية نائب فاعل لقول محذوف تقديره: قد قيل لهم ادخلوا الجنة، وجملة القول المحذوف في محل الرفع خبر ثان لاسم الاشارة؛ أي: أهؤلاء قد قيل لهم ادخلوا الجنة. {لا} : نافية تعمل عمل ليس. {خَوْفٌ} : اسمها مرفوع. {عَلَيْكُمْ} : جار ومجرور خبر {لا} ، وجملة {لا} من اسمها وخبرها في محل النصب حال من فاعل {ادْخُلُوا}. {وَلا} الواو: عاطفة {لا} . نافية. {أَنْتُمْ} : اسمها، وجملة {تَحْزَنُونَ} خبرها، وجملة {لا} الثانية في محل النصب معطوفة على جملة {لا} الأولى.
{وَنادى أَصْحابُ النَّارِ} : فعل وفاعل ومضاف إليه. {أَصْحابَ الْجَنَّةِ} : مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة. {أَنْ}: مفسرة. {أَفِيضُوا} : فعل وفاعل. {عَلَيْنا} : متعلق به، والجملة الفعلية مفسرة لجملة نادى لا محل لها من الإعراب، وإن شئت قلت:{أَنْ} مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، وجملة {أَفِيضُوا} في محل الرفع خبرها، وجملة {أَنْ} المخففة في محل النصب مفعول {نادى} ، والتقدير: ونادى أصحاب النار أنه أفيضوا علينا، أو في محل الجر بجار محذوف تقديره: ونادى أصحاب النار بأنه أفيضوا علينا. {مِنَ الْماءِ} : جار ومجرور صفة لمفعول محذوف تقديره: أن أفيضوا علينا شيئا من الماء. {أَوْ مِمَّا} : جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور قبله تقديره: أو أفيضوا علينا شيئا مما رزقكم الله تعالى. {رَزَقَكُمُ اللَّهُ} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما رزقكم الله إياه.
{قالُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {أَنْ} حرف نصب، {اللَّهُ}: اسمها. {حَرَّمَهُما} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ}. {عَلَى الْكافِرِينَ}: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {أَنْ} ، وجملة {أَنْ} في محل النصب مقول {قالُوا} .
{الَّذِينَ} : صفة لـ {الْكافِرِينَ} : {اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا} : فعل وفاعل ومفعولان. {وَلَعِبًا} : معطوف على {لَهْوًا} ، والجملة صلة الموصول. {وَغَرَّتْهُمُ}: فعل ومفعول. {الْحَياةُ} : فاعل. {الدُّنْيا} : صفة لـ {الْحَياةُ} ، والجملة معطوفة على جملة الصلة. {فَالْيَوْمَ} {الفاء}: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت حالهم ودينهم، وأردت بيان عاقبتهم .. فأقول لك، {اليوم}: منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ {نَنْساهُمْ} . {نَنْساهُمْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {كَما}:{الكاف} : حرف جر، {ما}: مصدرية. {نَسُوا} : فعل وفاعل. {لِقاءَ يَوْمِهِمْ} : مفعول به ومضاف إليه. هذا: في محل الجر صفة لـ {يَوْمِهِمْ} ، والجملة الفعلية صلة لـ {ما} المصدرية، {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف تقديره: كنسيانهم يومهم هذا، الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: فاليوم ننساهم نسيانا كنسيانهم يومهم هذا. {وَما كانُوا} : {الواو} عاطفة. {ما} : مصدرية. {كانُوا} : فعل ناقص واسمه. {بِآياتِنا} : متعلق بـ {يَجْحَدُونَ} ، وجملة {يَجْحَدُونَ} في محل النصب خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة {ما} المصدرية. {ما} مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر منسبك من {ما} الأولى والتقدير: ننساهم نسيانا كنسيانهم لقاء يومهم، وكونهم منكرين أن الآيات من عند الله تعالى، ويجوز أن تكون الكاف للتعليل؛ أي فاليوم نتركهم لأجل نسيانهم وجحودهم، والتعليل
واضح في المعطوف دون التشبيه كما سبق ذكره عن «الفتوحات» .
{وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)} .
{وَلَقَدْ} {الواو} استئنافية، {اللام}: موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق. {جِئْناهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول. {بِكِتابٍ} : متعلق به، والجملة الاسمية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة. {فَصَّلْناهُ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الجر صفة لـ {كتاب}. {عَلى عِلْمٍ}: جار ومجرور حال من فاعل {فصلنا} ؛ أي: حالة كوننا متلبسين بعلم، أو من المفعول؛ أي: حالة كون ذلك الكتاب مشتملا على علم. {هُدىً وَرَحْمَةً} إما حال من هاء {فَصَّلْناهُ} ؛ أي: فصلناه حالة كونه هاديا وذا رحمة للمؤمنين، أو حالا من {كتاب} ، وجاز مجيء الحال منه لتخصصه بالوصف، أو منصوبان على أنهما مفعولان لأجله؛ أي: فصلناه لأجل الهداية والرحمة للمؤمنين. {لِقَوْمٍ} : جار ومجرور تنازع فيه كل من {هُدىً وَرَحْمَةً} ، وجملة {يُؤْمِنُونَ} صفة لـ {قوم} .
{هَلْ} حرف للاستفهام الإنكاري. {يَنْظُرُونَ} : فعل وفاعل. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {تَأْوِيلَهُ} : مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة. {يَوْمَ}: منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ {يَقُولُ} الآتي. {يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} : فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ}. {يَقُولُ الَّذِينَ}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {نَسُوهُ} فعل وفاعل ومفعول. {مِنْ قَبْلُ}: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. {قَدْ جاءَتْ رُسُلُ} إلى قوله:{قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} مقول محكي لـ {يَقُولُ} ، وإن شئت قلت:{قَدْ} : حرف تحقيق. {جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا} : فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول لـ {يَقُولُ}. {بِالْحَقِّ}: جار ومجرور حال
من {رُسُلُ رَبِّنا} ؛ أي: حالة كونهم متلبسين بالحق.
{فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} .
{فَهَلْ} {الفاء} : عاطفة، {هل}: حرف للاستفهام الاستخباري، وفيه معنى التمني. {لَنا}: جار ومجرور خبر مقدم. {مِنْ شُفَعاءَ} : مبتدأ مؤخر، و {مِنْ} زائدة، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة:{قَدْ جاءَتْ} على كونها مقولا لـ {يَقُولُ} . {فَيَشْفَعُوا} : فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب الاستفهام. {لَنا} : جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: فهل لنا ثبوت شفعاء فشفاعتهم لنا. {أَوْ} : حرف عطف وتفصيل. {نُرَدُّ} فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ} والتقدير: فهل لنا من شفعاء، أو هل نرد إلى الدنيا. {فَنَعْمَلَ}: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب الاستفهام، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: فهل يوجد لنا رد إلى الدنيا فعملنا غير الذي كنا نعمل. {غَيْرَ الَّذِي} : مفعول به ومضاف إليه. {كُنَّا} : فعل ناقص واسمه، وجملة {نَعْمَلُ} في محل النصب خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: غيره الذي كنا نعلمه.
{قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ} .
{قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. {وَضَلَّ}: فعل ماض. {عَنْهُمْ} : متعلق به. {ما} موصولة، أو مصدرية. {كانُوا}: فعل ناقص واسمه، وجملة {يَفْتَرُونَ} في محل النصب خبر {كان} ، وجملة {كان}
صلة {ما} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: وضل عنهم الآلهة اللاتي كانوا يفترونهن، أو صلة {ما} المصدرية تقديره: وضل عنهم افتراؤهم في الدنيا، وجملة {ضَلَّ} معطوفة على جملة قوله:{قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} .
{إِنَّ} : حرف نصب. {رَبَّكُمُ} : اسمها. {اللَّهُ} : خبرها، والجملة مستأنفة. {الَّذِي}: صفة للجلالة. {خَلَقَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. {السَّماواتِ}: مفعول به. {وَالْأَرْضَ} : معطوف عليه. {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {خَلَقَ} . {ثُمَّ} : حرف عطف وترتيب. {اسْتَوى} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول. {عَلَى الْعَرْشِ}: متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة الصلة. {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ}: فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، والجملة في محل النصب حال من فاعل {خَلَقَ} ، فالآية الكريمة من باب أعطيت زيدا عمرا؛ لأن كلا من الليل والنهار يصلح أن يكون غاشيا ومغشيا، فوجب جعل الليل في قراءة الجماعة هو الفاعل المعنوي، والنهار هو المفعول من غير عكس اه «سمين». {يَطْلُبُهُ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّيْلَ} ، والضمير البارز يعود على {النَّهارَ} ، والجملة في محل النصب حال من فاعل {يطلب} {حَثِيثًا}: صفة لمصدر محذوف تقديره: يطلبه طلبا حثيثا؛ أي: سريعا.
{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ} : معطوفات على {السَّماواتِ} . {مُسَخَّراتٍ} حال من الثلاثة. {بِأَمْرِهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {مُسَخَّراتٍ} . {أَلا} : حرف استفهام وتنبيه. {لَهُ} : خبر مقدم. {الْخَلْقُ} : مبتدأ مؤخر. {وَالْأَمْرُ} :
معطوف عليه، والجملة مستأنفة. {تَبارَكَ اللَّهُ}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {رَبُّ الْعالَمِينَ}: صفة للجلالة. {ادْعُوا رَبَّكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} حالان من واو {ادْعُوا} ، ولكنه بعد تأويلهما بمشتق؛ أي: ادعوا ربكم حالة كونكم متضرعين ومخفين في دعائكم، أو صفتان لمصدر محذوف تقديره: دعاء تضرع ودعاء خفية. {إِنَّهُ} : {إنّ} : حرف نصب، و {الهاء}: اسمها، وجملة {لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {إن}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{وَلا} الواو عاطفة. {لا} : ناهية جازمة. {تُفْسِدُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لا} الناهية، والجملة مستأنفة. {فِي الْأَرْضِ}: جار ومجرور متعلق بـ {لا تُفْسِدُوا} . {بَعْدَ إِصْلاحِها} : ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {تُفْسِدُوا} أيضا. {وَادْعُوهُ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَلا تُفْسِدُوا} . {خَوْفًا وَطَمَعًا} : حالان من واو {ادْعُوهُ} ، ولكن بعد تأويلهما بمشتق تقديره:{وَادْعُوهُ} تعالى حالة كونكم خائفين من عقابه وطامعين في رحمته. {إِنَّ} : حرف نصب. {رَحْمَتَ اللَّهِ} : اسمها ومضاف إليه. {قَرِيبٌ} خبرها. {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} : جار ومجرور متعلق بـ {قَرِيبٌ} ؛ لأنه صفة مشبهة، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} .
{وَهُوَ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على جملة قوله:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ} . {يُرْسِلُ الرِّياحَ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. {بُشْرًا}: حال من {الرِّياحَ} ؛ أي: حالة كونها مبشرات أو ناشرات. {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} : ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {يُرْسِلُ} .
{حَتَّى} : ابتدائية غائية. {إِذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان. {أَقَلَّتْ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {الرِّياحَ}. {سَحابًا}: مفعول به. {ثِقالًا} : صفة لـ {سَحابًا} ، والجملة الفعلية في محل الخفض على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. {سُقْناهُ}: فعل وفاعل ومفعول به. {لِبَلَدٍ} : متعلق بـ {سقنا} . {مَيِّتٍ} : صفة {لِبَلَدٍ} ، والجملة جواب إِذا لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذا} مستأنفة في اللفظ غاية لما قبلها في المعنى. {فَأَنْزَلْنا}: فعل وفاعل معطوف على {سقنا} . {بِهِ} : متعلق بـ {أنزلنا} . {الْماءَ} : مفعول به. {فَأَخْرَجْنا} : فعل وفاعل معطوف على {أنزلنا} . بِهِ: متعلق بـ {أخرجنا} . {مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {أخرجنا} أيضا. {كَذلِكَ} : جار ومجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: {نُخْرِجُ الْمَوْتى} من قبورهم إخراجا مثل إخراج الثمرات من الأرض. {نُخْرِجُ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. {لَعَلَّكُمْ}: ناصب واسمه، {تَذَكَّرُونَ} خبرها، وجملة {لعل} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ} : مبتدأ وصفة. {يَخْرُجُ نَباتُهُ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة. {بِإِذْنِ رَبِّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل {يَخْرُجُ} . {وَالَّذِي} : مبتدأ. {خَبُثَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. {لا}: نافية. {يَخْرُجُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على النبات، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ} . {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {نَكِدًا} : حال من فاعل {يَخْرُجُ} . {كَذلِكَ} : جار ومجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: ونصرف الآيات
تصريفا مثل تصريفنا الآيات السابقة. {نُصَرِّفُ الْآياتِ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. {لِقَوْمٍ}: جار ومجرور متعلق بـ {نُصَرِّفُ} ، وجملة {يَشْكُرُونَ} صفة لـ {قوم} .
التصريف ومفردات اللغة
{وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ} والنداء: رفع الصوت لطلب الإقبال {ما وَعَدَنا} والوعد: خاص بما كان في الخير أو يشمل الخير والشر، وهو الصحيح، والوعيد: خاص بالشر أو السوء، فتسمية ما كان لأهل النار وعدا؛ إما من قبيل التهكم، أو للمشاكلة.
{نَعَمْ} : هي حرف جواب كأجل وجير وإي وبلى، ونقيضها لا، ونعم لتكون لتصديق الأخبار، أو إعلام استخبار، أو وعد طالب، وقد يجاب بها النفي المقرون باستفهام، وهو قليل جدا، وتبدل عينها حاء، وهي لغة فاشية كما تبدل حاء حتى عينا، وكسر عينها لغة قريش. اه «سمين» .
{فَأَذَّنَ} التأذين: رفع الصوت بالإعلام بالشيء. {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ} اللعنة: الطرد والإبعاد مع الخزي والإهانة.
{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} يقال: صد عن الشيء يصد - بضم الصاد - صدودا أعرض عنه، وصده عن الأمر إذا منعه، وصرفه عنه من باب رد، فهو يتعدى ولا يتعدى.
{عِوَجًا} ؛ أي: ذات عوج؛ أي: غير مستوية ولا مستقيمة حتى لا يسلكها أحد والعوج - بالكسر - يكون في المعاني كالملة والدين والرأي والقول، ويكون في الأعيان ما لم يكن منتصبا، وبالفتح مختص بالأعيان المنتصبة كالرمح والحائط كما في «أبي السعود» .
{حِجابٌ} والحجاب: هو السور الذي بين الجنة والنار كما قال في سورة الحديد: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ} .
{الْأَعْرافِ} : جمع عرف - بزنة قفل - وهو أعلى الشيء، وكل مرتفع من الأرض وغيرها، ومنه عرف الديك والفرس والسحاب لعلوها، وجعل بعضهم الأعراف هو نفس الحجاب المتقدم ذكره، عبر عنه تارة بالحجاب، وتارة بالأعراف. قاله الواحدي، ولم يذكر غيره، ولذلك عرف الأعراف؛ لأنه عني به الحجاب. اه. {بِسِيماهُمْ} والسماء والسيمياء: العلامة. {صُرِفَتْ} : حولت.
والتلقاء جهة اللقاء؛ وهي جهة المقابلة يقال: فلان تلقاء فلان إذا كان حذاءه، ويستعمل تلقاء ظرف مكان كما هنا، ويستعمل (1) مصدرا كالتبيان، ولم يجىء من المصادر على التفعال بالكسر غير التلقاء والتبيان والزلزال، وإنما يجيء ذلك في الأسماء نحو التمثال والتمساح والتصفار، وانتصاب {تِلْقاءَ} ههنا على الظرف؛ أي: ناحية أصحاب النار.
{أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ} إفاضة الماء: صبه، ثم استعملت في الشيء الكثير، فيقال: فاض الرزق والخير، وأفاض عليه النعم، وقالوا: أعطاه غيضا من فيض؛ أي: قليلا من كثير، وما رزقهم الله يشمل الطعام والأشربة غير الماء.
{لَهْوًا وَلَعِبًا} اللهو (2): صرف الهم بما لا يحسن أن يصرف به، واللعب: طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب كما مر به ذكره «البيضاوي» . {بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ} الكتاب: هو القرآن الكريم، والتفصيل جعل المسائل المراد بيانها مفصولا بعضها من بعض بما يزيل اشتباهها.
{إِلَّا تَأْوِيلَهُ} وتأويل الشيء: عاقبته ومرجعه ومصيره الذي يؤول ذلك الشيء إليه.
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} والرب (3): هو السيد والمالك والمدبر والمربي، والإله هو المعبود الذي يدعى لكشف الضر،
(1) الفتوحات.
(2)
البيضاوي.
(3)
المراغي.
أو جلب النفع، ويتقرب إليه بالأقوال والأعمال التي يرجى أن ترضيه، و {اللَّهُ}: اسم لخالق الخلق أجمعين، ولا يثبت الموحدون ربا سواه، وأكثر المشركين يقولون: إنه أكبر الأرباب، أو رئيسهم وأعظم الآلهة، وكان مشركوا العرب لا يثبت ربا سواه، وإنما يعبدون آلهة تقربهم إليه. {السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} يراد بهما العالم العلوي، والعالم السفلي. الستة: رتبة من العدد معروفة، حاشيته العليا السبعة، وحاشيته السفلى الخمسة، وأصلها: سدسة أبدلت التاء من إحدى السينين، وأدغم فيها الدال، والدليل على ذلك أنك تقول: في التصغير: سديسة، وفي الجمع: أسداس، وتقول: جاء فلان سادسا. واليوم: الزمن الذي يمتاز عن غيره بما يحدث فيه كامتياز اليوم المعروف بما يحده من النور والظلام، وامتياز أيام العرب بما يقع فيها من الحرب والخصام، وليست هذه الأيام الستة من أيام الأرض، وهي التي مجموع ليلها ونهارها أربع وعشرون ساعة، فإن هذه إنما وجدت بعد خلق هذه الأرض، فكيف يعد خلقها بأيام منها.
{ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} والاستواء لغة: استقامة الشيء واعتداله، واستوى الملك على عرشه؛ أي: ملك، وثل عرشه؛ أي: هلك، واستوى هنا بمعنى علا وارتفع استواء يليق به سبحانه وتعالى. والعرش لغة: كل شيء له سقف، ويطلق على هودج للمرأة يشبه عريش الكرم، وعلى سرير الملك وكرسيه في مجلس الحكم والتدبير، وعرش الرحمن من أعظم المخلوقات محيطا بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما.
{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ} يقال: غشي الشيء الشيء ستره وغطاه، وأغشاه إياه جعله يغشاه؛ أي: يغطيه ويستره، ومنه إغشاء الليل النهار.
{حَثِيثًا} ؛ أي: مسرعا من قولهم: فرس حثيث السير؛ أي: سريعه، والحث:(1) الإعمال والسرعة، والحمل على فعل الشيء كالحض عليه، فالحث
(1) الفتوحات.
والحض أخوان يقال: حثثت فلانا، فأحثثت، فهو حثيث ومحثوث اه من «السمين» . وفعله من باب رد كما في المختار».
{مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ} ؛ أي: مذللات لما يراد منها طلوع وغروب، ومسير ورجوع بأمره؛ أي: بتدبيره وتصرفه. {أَلا لَهُ الْخَلْقُ} الخلق: التقدير، والمراد هنا الإيجاد بقدر {تَبارَكَ اللَّهُ}؛ أي: تعاظمت بركاته وكثرت، والبركة: الخير الثابت الكثير، وهو فعل ماض جامد لا يتصرف؛ أي: لم يجئ منه مضارع ولا أمر، ولا اسم فاعل.
{تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} التضرع: التذلل؛ وهو إظهار ذل النفس من قولهم: ضرع فلان لفلان وتضرع إذا أظهر الذل له في معرض السؤال، والخفية: ضد العلانية من أخفيت الشي؛ أي: سترته، والاعتداء: تجاوز الحد، ومحبة الله للعمل: إثابته عليه، ومحبته للعامل: رضاه عنه.
{خَوْفًا وَطَمَعًا} أصل الخوف: انزعاج في الباطن يحصل من توقع أمر مكروه يقع في المستقبل، والطمع: توقع محبوب يحصل في المستقبل.
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ} والرياح (1): جمع ريح؛ وهي الهواء المتحرك، وأصل ريح روح، والرياح عند العرب أربع بحسب مهابها من الجهات الأربع: الشمال والجنوب، وسميا كذلك باسم الجهة التي يهبان منها، والصبا أو القبول؛ وهي الشرقية، وقد ينسبونها إلى نجد كما ينسبون الجنوب إلى اليمن، والشمال إلى الشام، والدبور؛ وهي الغربية، والريح التي تنحرف عن الجهات الأصلية، فتكون بين اثنتين منها تسمى النكباء. قال الراغب: كل موضع ذكر الله فيه إرسال الريح بلفظ الواحد كان للعذاب، وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع كان للرحمة. وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يجثو على ركبته حين هبوب الرياح، ويقول: «اللهم اجعلها لنا رياحا، ولا تجعلها ريحا، اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا
(1) المراغي.
بعذابك، وعافنا قبل ذلك». وعن ابن (1) عمر أنها ثمان؛ منها أربعة عذاب؛ وهي القاصف والعاصف والصرصر والعقيم، ومنها أربعة رحمة؛ وهي الناشرات والمبشرات والمرسلات والنازعات. اه.
{بُشْرًا} - بسكون الشين - مخفف بشرا بضمتين واحدها بشير بمعنى مبشرة، كغدر جمع غدير، نشرا بسكون الشين مع النون مخفف نشرا بضمتين، جمع نشور بمعنى منشورة غير مطوية، كرسول يجمع على رسل، والرحمة هنا المطر.
{حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ} ؛ أي: رفعت يقال: أقل (2) الشيء حمله ورفعه من غير مشقة، ومنه إقلال البطن عن الفخذ في الركوع والسجود، ومنه القلة؛ لأن البعير يحملها من غير مشقة، وأصله من القلة، فكأن المقل يرى ما يرفعه قليلا، واستقل به أقله. وفي «المصباح»: كل شيء حملته، فقد أقللته. والسحاب: الغيم، واحده سحابة، والسحاب (3) اسم جنس جمعي تصح مراعاة لفظه ومراعاة معناه، فالثاني في قوله:{ثِقالًا} والأول في قوله: {سُقْناهُ} ، والثقال منه: المشبعة ببخار الماء و {سُقْناهُ} سيرناه، وقال أبو حيان: والسوق حمل الشيء بعنف.
{لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} وفي «المصباح» : البلد: يذكر ويؤنث، والجمع بلدان، والبلدة البلد، وجمعها بلاد مثل كلبة وكلاب. اه. وقال المراغي: والبلد (4) والبلدة الموضع من الأرض عامرا كان أو خلاء، وبلد ميت أرض لا نبات فيها ولا مرعى. وفي «القاموس»: والبلد والبلدة: مكة، وكل قطعة من الأرض متحيزة عامرة أو غير عامرة، والتراب والبلد القبر والمقبرة والدار والأثر الخ. اه.
{مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ} واحدها: ثمرة، والثمرة: واحدة الثمر، وهو الحمل
(1) الفتوحات.
(2)
البحر المحيط.
(3)
الفتوحات.
(4)
المراغي.
الذي تخرجه الشجرة سواء أكل أو لا، فيقال: ثمر الأراك وثمر النخل والعنب.
{إِلَّا نَكِدًا} والنكد: كل شيء خرج إلى طالبه بتعسر يقال: رجل نكد - بفتح الكاف وكسرها - وناقة نكداء خفيفة الدر صعبة الحلب. وفي «المصباح» : نكد نكدا - من باب تعب - فهو نكد تعسر، ونكد العيش نكدا اشتد وعسر. اه. وفي «القاموس»: نكد عيشهم - كفرح - اشتد وعسر، والبئر قل ماؤها، ونكد زيد حاجة عمرو - كنصر - منعه إياها، ونكد فلانا منعه ما سأله، أو لم يعطه إلا أوله اه. ونكد الرجل (1): سئل إلحافا وأخجل، قال الشاعر:
وأعط ما أعطيته طيّبا
…
لا خير في المنكود والنّاكد
{كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ} والتصريف: تبديل الشيء من حال إلى حال، ومنه تصريف الرياح.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المقابلة في قوله: {وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ} لأنه قابل الجمع بالجمع، والقاعدة: أن الجمع إذا قوبل بالجمع يوزع الفرد على الفرد، فكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في دار الدنيا.
ومنها: المشاكلة في قوله: {ما وَعَدَ رَبُّكُمْ} لأنه عبر عن الوعيد بالوعد لمشاكلة ما قبله.
ومنها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله:{وَنادى} إشعارا بتحقق وقوعه؛ لأن النداء إنما يكون في الآخرة.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} . وفيه أيضا الإبهام إفادة
(1) البحر المحيط.
للتهويل والتعظيم.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {حَرَّمَهُما} ؛ لأنه استعار التحريم للمنع لانقطاع التكليف حينئذ، وفي قوله:{لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} ؛ لأنه شبه البلد المجدب الذي لا نبات فيه بالجسد الذي لا روح فيه بجامع عدم الانتفاع في كل على طريق الاستعارة التصريحية.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا} وفي «زاده» : فشبه (1) معاملته تعالى مع الكفار بمعاملة من نسي عبده من الخير، ولم يلتفت إليه وشبه عدم إخطارهم لقاء الله ببالهم، وعدم مبالاتهم به بحال من عرف شيئا ونسيه، وكثر مثل هذه الاستعارات في القرآن؛ لأن تعليم المعاني التي في عالم الغيب لا يمكن أن يعبر عنها إلا بما يماثلها من عالم الشهادة. اه. وفي قوله:{وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} ؛ لأنه شبه شغلهم بالدنيا بالطمع في طول العمر، وحسن العيش بغرور من يخدع في البيع مثلا، بجامع عدم الوصول إلى المقصود في الكل، وفي قوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} ؛ لأنه شبه لحوق (2) وعيده لهم، وعدم فرارهم منه بانتظار الشيء وترقبه، فعبر عنه بالانتظار.
ومنها: الالتفات في قوله: {سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} ؛ لأنه التفت عن الغيبة في قوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ} إلى التكلم في قوله: {فَسُقْناهُ} .
ومنها: التتميم في قوله: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ
…
} الخ؛ لأنه لما قال أولا: {فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ} تمم هذا المعنى ببيان كيفية ما يخرج من النبات من الأرض الكريمة والسبخة.
ومنها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِ} على سبيل
(1) الفتوحات.
(2)
الفتوحات.
المدح والتشريف، وإن كان كل من النباتين يخرج بإذن الله تعالى.
ومنها: الكناية في قوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِ} ؛ أي: بمشيئته؛ لأنه كناية عن كثرة النبات وحسنه وغزارة نفعه، لأنه أوقعه في مقابلة قوله:{وَالَّذِي خَبُثَ} .
ومنها: الطباق بين قوله: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ} وقوله: {وَالَّذِي خَبُثَ} .
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى} ؛ لأنه شبه قيام الموتى من قبورهم بإخراج النبات من الأرض، فذكرت الأداة، ولم يذكر وجه الشبه، وهو مطلق الإخراج من العدم.
ومنها: إيجاز القصر في قوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} وهو جمع الألفاظ القليلة للمعاني الكثيرة، فالآية مع قلة ألفاظها جمعت معاني كثيرة استوعبت جميع الأشياء والشؤون على وجه الاستقصاء حتى قال ابن عمر: من بقي له شيء .. فليطلبه، وهذا الأسلوب البليغ يسمى إيجاز قصر.
ومنها: الاكتفاء في قوله: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ} وهو حذف أحد المتقابلين لعلمه من الآخر؛ لأن فيه محذوفا تقديره: ويغشي النهار الليل، وذكره في آية أخرى، فقال:{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ} .
ومنها: التكرار في قوله: {وَنادى} {وَنادى} ، وفي قوله:{تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} .
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا} .
ومنها: الجناس المماثل في قوله: {فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا} .
ومنها: الاستفهام التوبيخي في مواضع.
ومنها: الإنكاري في قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} .
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: {رُسُلُ رَبِّنا} .
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
ومنها: القصر في قوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر في هذه السورة مبدأ الخلق الإنساني، وهو آدم عليه السلام، وقص من أخباره ما قص، واستطرد من ذلك إلى المعاد ومصير أهل السعادة إلى الجنة، وأهل الشقاوة إلى النار، وأمره تعالى بترك الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، وكان من بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا غير مستجيبين له ولا مصدقين لما جاء به عن الله سبحانه وتعالى .. قص تعالى عليه أحوال الرسل الذين كانوا قبله، وأحوال من بعثوا إليه على سبيل التسلية له صلى الله عليه وسلم، والتأسي بهم، فبدأ بنوح عليه السلام إذ هو آدم الأصغر، وأول رسول بعث إلى من في الأرض، وأمته أدوم تكذيبا له وأقل استجابة.
وعبارة المراغي هنا: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر (1) مبدأ الإنسان ومعاده، وأن مرده إلى الله في يوم تجازى فيه كل نفس بما كسبت .. أردف ذلك بذكر قصص الأنبياء مع أممهم، وإعراضهم عن دعوتهم؛ ليبين للرسول أن الإعراض عن قبول دعوة الأنبياء ليس ببدء في قومك، بل سبق به أقوام كثيرون، وفي ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه من التنبيه إلى أن الله تعالى لا يهمل أمر المبطلين، بل يمهلهم، وتكون العاقبة للمتقين، ومن العظة والاعتبار بما حل بمن قبلهم من النكال والوبال كما قال:{لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ} .
وفي «الخازن» : واعلم أن (2) الله تبارك وتعالى لما ذكر في الآيات المتقدمة دلائل آثار قدرته، وغرائب خلقه وصنعته الدالة على توحيده وربوبيته، وأقام الدلالة القاطعة على صحة البعث بعد الموت .. أتبع ذلك بقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما جرى لهم مع أممهم، وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن الإعراض عن قبول الحق من قومه فقط، بل قد أعرض عنه سائر الأمم الخالية، والقرون الماضية، وفيه تنبيه على أن عاقبة أولئك الذين كذبوا الرسل كانت إلى الخسار والهلاك في الدنيا، وفي الآخرة إلى العذاب العظيم، فمن كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم من قومه .. كانت عاقبته مثل أولئك الذين خلوا من قبله من
(1) المراغي.
(2)
الخازن.