المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عن مجاوزة الحد، فقال: {وَلا تُسْرِفُوا} وهذا النهي يتضمن أفراد - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: عن مجاوزة الحد، فقال: {وَلا تُسْرِفُوا} وهذا النهي يتضمن أفراد

عن مجاوزة الحد، فقال:{وَلا تُسْرِفُوا} وهذا النهي يتضمن أفراد الإسراف، فيدخل فيه الإسراف في أكل الثمرة حتى لا يبقى منها للزكاة، والإسراف في الصدقة بها حتى لا يبقي لنفسه ولا لعياله شيئا، وقيده أبو العالية وابن جريج بالصدقة بجميع المال، فيبقى هو وعياله كلا على الناس.

أسباب النزول

قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ} إلى قوله: {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} أخرج (1) ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة في هذه الآية أنها نزلت فيمن كان يئد البنات من مضر وربيعة.

قوله تعالى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} أخرج ابن أبي شيبة (2)، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن أبي العالية قال: ما كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة، ثم إنهم تباذروا وأسرفوا، فأنزل الله:{وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} .

وأخرج ابن جرير (3) وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جد نخلا، فقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى، وليس له ثمرة، فأنزل الله:{وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لو أنفقت مثل أبي قبيس ذهبا في طاعة الله لم يكن إسرافا، ولو أنفقت صاعا في معصية الله كان إسرافا.

التفسير وأوجه القراءة

‌136

- {وَجَعَلُوا} ؛ أي: وعين شركاء مكة وغيرهم {لِلَّهِ} سبحانه وتعالى: {مِمَّا ذَرَأَ} ؛ أي: مما خلق الله سبحانه وتعالى وحده {مِنَ الْحَرْثِ} ؛ أي: من حبوب الزرع وكذا من ثمار الأشجار {وَ} من نتاج {الْأَنْعامِ} وهي الإبل والبقر

(1) الشوكاني.

(2)

الشوكاني.

(3)

لباب النقول والشوكاني.

ص: 85

والغنم، ومن سائر أموالهم {نَصِيبًا}؛ أي: حظا وقسما معينا يصرفونه إلى الضيفان والمساكين، وجعلوا نصيبا من ذلك لمن أشركوا معه من الأوثان والأصنام ينفقونه على سدنتها، وفي قرابين يذبحون عندها، دل (1) على هذا المحذوف تفصيله القسمين فيما بعد، وهو قوله:{هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا} . {فَقالُوا} في النصيب الأول {هذا لِلَّهِ} ؛ أي: نتقرب به إليه {بِزَعْمِهِمْ} ؛ أي: بكذبهم وافترائهم على الله تعالى متعلق بـ {قالوا} ، وإنما نسبوا (2) للكذب في هذه المقالة مع أن كل شيء لله؛ لأن هذا الجعل لم يأمرهم الله به، فهو مجرد اختراع منهم {وَ} قالوا في النصيب الثاني {هذا لِشُرَكائِنا}؛ أي: لمعبوداتنا نتقرب به إليها. ومعنى قوله: {بِزَعْمِهِمْ} ؛ أي: بقولهم الذي لا بينة لهم عليه، ولا هدي من الله إذ جعله قربة لله يجب أن يكون خالصا له وحده لا يشرك معه غيره فيه، وأن يكون بإذنه لأنه دين والدين لله ومن الله وحده، فهذا زعم مخترع لا دين مشترع، فيكون باطلا.

وقد روي أنهم كانوا يجعلون نصيب الله لقرى الضيفان، وإكرام الصبيان والتصدق على المساكين، ونصيب الهتهم لسدنتها وقرابينها، وما ينفق على معابدها، ثم (3) إن رأوا ما عينوه لله أزكى بدلوه بما لآلهتهم، فأعطوا نصيب الله لسدنة الأصنام، وإن رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها، فلم يصرفوه للمساكين، بل يصرفونه للسدنة، وكان إذا أصابهم قحط استعانوا بما جعلوه لله وأكلوا منه ووفروا ما جعلوه لآلهتهم، ولم يأكلوا منه، وإذا هلك ما جعلوه لها أخذوا بدله مما جعلوه لله، ولا يفعلون كذلك فيما جعلوه لها، وإن سقط شيء مما جعلوه لله في نصيب الأوثان تركوه، وقالوا: إن الله غني عن هذا، وإن سقط شيء مما جعلوه للأصنام في نصيب الله أخذوه وردوه إلى نصيب الصنم، وقالوا: إنه فقير.

وقرأ الكسائي ويحيى بن وثاب والسلمي والأعمش (4): {بزعمهم} : - بضم الزاي - وهي لغة بني أسد، وقرأ الباقون بفتحها؛ وهي لغة أهل الحجاز وهما

(1) زاده.

(2)

بيضاوي.

(3)

المراح.

(4)

البحر المحيط والشوكاني.

ص: 86