الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه الآيات لما قبلها (1): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه أنزل له ولبنيه كل ما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم كاللباس الذي يستترون به عوراتهم، ويتخذونه للزينة واللباس الذي يستعملون في الحرب كالمغافر والجواشن ونحوها، .. فعليكم أن تشكروه سبحانه وتعالى على هذه المنن العظام، وتعبدوه وحده لا شريك له.
وعبارة أبي حيان هنا: مناسبة هذه الآيات لما قبلها (2): هو أنه سبحانه وتعالى لما ذكر قصة آدم، وفيها ستر السوءات، وجعل له في الأرض مستقرا ومتاعا .. ذكر ما امتن به على بنيه، وما أنعم به عليهم من اللباس الذي يواري السوءات، والرياش الذي يمكن به استقرارهم في الأرض واستمتاعهم بما خولهم.
قوله تعالى: {وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله تعالى، لما (3) بين أنه جعل الشياطين قرناء للكافرين مسلطين عليهم متمكنين من إغوائهم .. ذكر هنا أثر ذلك التسليط عليهم؛ وهو الطاعة لهم في أقبح الأشياء مع عدم شعورهم بذلك القبح.
التفسير وأوجه القراءة
19
- وقوله: {وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ} معطوف على قوله: {ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} عطف قصة على قصة؛ أي: وقلنا يا آدم اسكن أنت {وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ؛ أي: انزل أنت وزوجك حواء في الجنة، وهذا القول بعد إخراج إبليس من الجنة، أو من السماء، أو من بين الملائكة، وقيل: معطوف (4) على {اخْرُجْ} ؛ أي: وقلنا يا إبليس اخرج منها مذؤوما مدحورا، ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، ومعنى
(1) المراغي.
(2)
البحر المحيط.
(3)
المراغي.
(4)
المراح.
اسكن؛ أي: اتخذ أنت وزوجك حواء الجنة مسكنا لكما؛ أي: محل سكون وإقامة لكما. وتخصيص (1) الخطاب في قوله: {وَيا آدَمُ} به للإيذان بأصالته في تلقي الوحي، وتعاطي المأمور به، وتعميمه في قوله:{فَكُلا} وفي وقوله: {وَلا تَقْرَبا} للإيذان بتساويهما في مباشرة المأمور به، وتجنب المنهى عنه، فحواء مساوية له فيما ذكر بخلاف السكنى؛ فإنها تابعة له فيها.
وفي «شرح المواهب» للزرقاني ما نصه (2): واختلفوا في أن حواء خلقت في الجنة، فقال ابن إسحاق: خلقت قبل دخول آدم الجنة؛ لقوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ، وقيل: خلقت في الجنة بعد دخول آدم الجنة؛ لأنه لما أسكن الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت من ضلعه القصرى من شقه الأيسر؛ ليسكن إليها، ويأنس بها. قاله ابن عباس، وينسب لأكثر المفسرين، وعلى هذا قيل: قال الله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} بعد خلقها، وهما في الجنة، وقيل: قبل خلقها، وتوجه الخطاب للمعدوم لوجوده في علم الله تعالى. اه.
وقال المراغي: الجنة هي (3) التي خلق فيها آدم لا جنة الجزاء، فآدم خلق من الأرض في الأرض. وقد (4) تكررت هذه القصة في سبعة مواضع من الكتاب العزيز، ولم يرد في موضع منها أن الله رفعه إلى الجنة التي هي دار الجزاء، وإن كان الجمهور على أنها جنة الجزاء على الأعمال، ويرده أنه كلف فيها أن لا يأكل من تلك الشجرة، ولا تكليف في دار الجزاء، ولأنه نام فيها، وأخرج منها، ودخل عليه إبليس، ولا نوم في الجنة، ولا خروج بعد الدخول، ولا يمكن دخول الشيطان فيها بعد الطرد والإخراج.
والآية تدل على أن آدم كان له زوج في الجنة، وفي التوراة: أن الله ألقى على آدم سباتا، فانتزع في أثنائه ضلعا من أضلاعه، فخلق منه حواء امرأته، وأنها سميت امرأة؛ لأنها من امرىء أخذت وليس في القرآن ما يدل على هذا، وما
(1) أبو السعود.
(2)
الفتوحات.
(3)
المراغي.
(4)
المراغي.
روي من ذلك مأخوذ من الإسرائيليات، وما روي في «الصحيحين» عن أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم:«فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج» فهو من باب التمثيل على حد قوله: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} والدليل على ذلك قوله بعد: «فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا» .
فإنه لا شك أن المراد منه: لا تحاولوا تقويم النساء بالشدة والغلظة في المعاملة انتهى.
{فَكُلا} ؛ أنتما يا آدم وحواء من ثمار الجنة {مِنْ حَيْثُ شِئْتُما} ؛ أي: من أي مكان أردتما الأكل منه، وفي أي وقت شئتما {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} من حيث الأكل منهما {فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ} لأنفسهم الضارين لها بتعريضها للعقوبة؛ أي: فتصيرا من الضارين لها.
والنهي عن القرب إلى الشيء أبلغ أثرا من النهي عن الشيء نفسه؛ إذ أنه يقتضي البعد عن موارد الشبهات التي تغرى به، كما جاء في الحديث:«ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه» .
وقد أبهم سبحانه وتعالى هذه الشجرة، ولو كان في تعيينها خير لنا لعينها، وقد علل القرآن النهي عنها بأنهما إذا اقتربا منها كانا من الظالمين، لأنفسهما بفعلهما ما يعاقبان عليه، ولو بالحرمان من رغد العيش، وما يعقبه من التعب والمشقة.
فإن قلت: لم قال هنا: {فَكُلا} بالفاء، وفي البقرة {وَكُلا} بالواو؟
قلت: لا منافاة بين الحرفين؛ لأن الواو للجمع المطلق، فتحمل على إحدى معانيها التي هي عطف اللاحق على السابق، فتتحد مع الفاء في المعنى الذي هو الترتيب. فإن قلت (1): لم حذف {رَغَدًا} هنا على سبيل الاختصار، وأثبت في البقرة؟
قلت: لأن تلك مدنية وهذه مكية، فوفى المعنى هنا باللفظ.
(1) البحر المحيط.