المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في هذه الأخبار عن التحريم وعلته؛ لأن أخبارنا صادرة عن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: في هذه الأخبار عن التحريم وعلته؛ لأن أخبارنا صادرة عن

في هذه الأخبار عن التحريم وعلته؛ لأن أخبارنا صادرة عن العلم المحيط بكل شيء، ولأن الكذب محال علينا؛ لأنه نقص، فلا يصدر عنا،

‌147

- والمكذبون في قوله: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ} إما اليهود، والمعنى عليه: فإن كذبك يا محمد اليهود، وثقل عليهم أن يكون بعض شرعهم عقابا لهم على ما كان من بغيهم على الناس وظلمهم لهم ولأنفسهم، واحتجوا على إنكار كونه عقوبة بكون الشرع رحمة من الله {فَقُلْ} لهم في الجواب {رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ}؛ أي: فأجبهم بما يدحض ويبطل هذه الشبهة بأن رحمة الله واسعة حقا {وَ} لكن {لا} يقتضي ذلك أن {يُرَدُّ بَأْسُهُ} ويمنع عقابه {عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} فإصابة الناس بالمحق والشدائد عقابا لهم على جرائم ارتكبوها قد تكون رحمة بهم، وقد تكون عبرة وموعظة لغيرهم؛ لينتهوا عن مثلها، وهذا العقاب من سنن الله المطردة في الأمم، وإن لم يطرد في الأفراد. وإما المشركون، والمعنى عليه: فإن كذبك المشركون فيما فصلناه من أحكام التحليل والتحريم فقل لهم: ربكم ذو رحمة واسعة ولا يعاجلكم بالعقوبة على تكذيبكم فلا تغتروا به فإنه إمهال لكم لا إهمال لمجازاتكم، وفي هذا تهديد لهم ووعيد إذا هم أصروا على كفرهم وافترائهم على الله تعالى بتحريم ما حرموا على أنفسهم كما أن فيه إطماعا لهم في رحمته الواسعة إذا رجعوا عن إجرامهم، وآمنوا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيسعدون في الدنيا بحل الطيبات، وفي الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنات.

‌148

- {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} ؛ أي: سيقول لك يا محمد هؤلاء المشركون عنادا لا اعتذارا عن ارتكاب هذه القبائح {لَوْ شاءَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى أن لا نشرك به من اتخذنا من الأولياء والشفعاء من الملائكة والبشر، وأن لا نعظم ما عظمنا من تماثيلهم وصورهم، وأن لا يشرك آباؤنا من قبلنا لـ {ما أَشْرَكْنا} نحن {وَلا} أشرك {آباؤُنا} من قبلنا {وَ}: لو شاء الله أن {لا} نحرم شيئا مما حرمنا من الحرث والأنعام وغيرها لـ {حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ} ولكنه تعالى شاء أن نشرك به هؤلاء الأولياء والشفعاء؛ ليقربونا إليه زلفى، وشاء أن نحرم ما حرمنا من البحائر والسوائب وغيرها، فحرمناها، فإتياننا إياها دليل على مشيئته تعالى وعلى رضاه وأمره بها. وقد رد عليهم شبهتهم، فقال:{كَذلِكَ} ؛ أي: ومثل ذلك التكذيب

ص: 128

الذي صدر من مشركي مكة لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من إبطال الشرك وإثبات توحيد الله في الألوهية والربوبية، ومنها حق التشريع والتحليل والتحريم {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} لرسلهم تكذيبا غير مبني على أساس من العلم.

والرسل صلوات الله وسلامه عليهم قد أقاموا الحجج والبراهين العلمية والعقلية على التوحيد وغيره مما ادعوا، وأيدهم الله تعالى بباهر الآيات، ولكن المكذبين لم ينظروا نظرة إنصاف، بل أعرضوا عنها وأصروا على جحودهم وعنادهم {حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا} وعذابنا، وأهلكناهم بذنوبهم وصاروا كأمس الدابر.

ولو كانت مشيئة الله تعالى لما كانوا عليه من الشرك تتضمن رضاه عن فاعلها، وأمره بها .. لما عاقبهم عليها تصديقا لما قال الرسل، كذلك لو كانت أعمالهم بالجبر المخرج لها عن كونها من أعمالهم .. لما استحقوا العقاب عليها، ولما قال: إنه أخذهم بذنوبهم وأهلكهم بظلمهم وكفرهم، ونحو ذلك مما جاء في كثير من الآيات.

فقوله: {حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا} برهان دال على صدق الرسل في دعواهم، وبطلان شبهات المشركين المكذبين لهم، وبعد أن ذكرهم بالبرهان الواضح أمر رسوله أن يطالبهم بدليل يثبت ما يزعمون، فقال:{هَلْ عِنْدَكُمْ بما تقولون مِنْ عِلْمٍ} تعتمدون عليه وتحتجون به {فَتُخْرِجُوهُ} ؛ أي: فتخرجوا ذلك العلم وتظهروه {لَنا} لنفهمه، ونوازن بينه وبين ما جئناكم به من الآيات العقلية، والوقائع المحكية عن الأمم قبلكم، ونتبين منها الراجح والمرجوح، وفي هذا الاستفهام من التعجيز والتوبيخ والتهكم ما لا يخفى، وهو بمعنى الإنكار؛ أي: ليس عندكم من علم تحتجون به فتظهرونه لنا ما تتبعون في دعاواكم إلا الظن الكاذب الفاسد، وما أنتم إلا تكذبون.

وقرأ النخعي وابن وثاب: {إن يتبعون} - بالياء - قال ابن عطية: وهذه قراءة شاذة يضعفها قوله: {وَإِنْ أَنْتُمْ} ؛ لأنه يكون من باب الالتفات. ذكره أبو حيان في «البحر» .

ثم أردف ذلك ببيان حقيقة حالهم، فقال:{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} ؛ أي:

ص: 129