المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وإغوائهم، وعدم احتراسهم من الخواطر الرديئة، كاكتساب ضعفاء البنية للأمراض - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وإغوائهم، وعدم احتراسهم من الخواطر الرديئة، كاكتساب ضعفاء البنية للأمراض

وإغوائهم، وعدم احتراسهم من الخواطر الرديئة، كاكتساب ضعفاء البنية للأمراض باستعدادهم لها، وعدم احتراسهم من أسبابها، كتناول الأطعمة والأشربة الفاسدة، والوجود في جو مملوء بالجراثيم القاتلة بعدم تعرضه للشمس والنور والهواء المتجدد.

‌28

- {وَإِذا فَعَلُوا} ؛ أي: وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله ورسوله ممن جعلوا الشياطين أولياء لأنفسهم فعلة {فاحِشَةً} ؛ أي: فعلا قبيحا شرعا وعقلا من الأفعال التي تدينوا بها كتعريهم حين الطواف بالبيت، وسجودهم للأصنام، فلامهم لائم على ذلك ونهاهم عنه. قال أكثر المفسرين: المراد بالفاحشة هنا هي طواف المشركين بالبيت عراة. وقيل: هي الشرك، والظاهر أنها تصدق على ما هو أعم من الأمرين جميعا، والفاحشة في أصلها هي الذنوب التي بلغت الغاية في فحشها وقبحها. {قالُوا}؛ أي: قال الذين لا يؤمنون بالله في جواب اللائم والناهي محتجين بأمرين، تقليد الآباء والافتراء على الله {وَجَدْنا} ورأينا {عَلَيْها}؛ أي: على هذه الفاحشة {آباءَنا} وأجدادنا وأسلافنا؛ أي: قالوا: وجدنا آباءنا يفعلون مثل ما نفعل، فنحن نقتدي بهم ونستن بسنتهم {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {أَمَرَنا بِها}؛ أي: بهذه الفعلة، فنحن نتبع أمره، فإن أجدادنا إنما كانوا يفعلونها بأمر الله تعالى بها، وقد رد تعالى عن الأمر الثاني بأمر رسوله أن يدحضه بقوله:{قُلْ} لهم يا محمد في جوابهم ردا عليهم في المقالة الثانية {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ} ؛ أي: إن هذا الفعل من الفحشاء، والله سبحانه بكماله منزه عن أن يأمر بالفحشاء، فإن عادته تعالى جارية على الأمر بمحاسن الأعمال، والحث على نفائس الخصال، وإنما يأمر بالفحشاء الشيطان، كما جاء في قوله سبحانه:{الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ} .

ثم رد عليهم المقالة الأولى، ووبخهم على تقليد الآباء والأجداد بقوله:{أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} والاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ، وهذا من جملة المأمور به في الجواب؛ أي: وقل لهم يا محمد: إنكم باتباعكم للآباء والأجداد في الآراء والشرائع غير المستندة إلى الوحي تقولون على الله ما لا تعلمون أنه

ص: 265

شرعه لعباده يعني: أنكم (1) ما سمعتم كلام الله مشافهة، ولا أخذتموه عن الأنبياء الذين هم وسائط بين الله وعباده في تبليغ أوامره ونواهيه؛ لأنكم تنكرون نبوة الأنبياء، فكيف تقولون على الله ما لا تعلمون.

والخلاصة (2): أنهم في عملهم الفاحشة استندوا إلى أمرين: أمر الله تعالى بها، وتقليد الآباء والأجداد، وقد رد الله عليهم في كل منهما، فرد على الأول ببيان أن الله لا يأمر بفاحشة، وأن الذي يأمر بها إنما هو الشيطان، ورد على الثاني بأن التشريع لا يعلم إلا بوحي من عنده إلى رسول يؤيده بالآيات البينات، وهو لم ينزل عليهم بفعل الفاحشة، فقولهم هذا إنما هو اتباع للأهواء فيما هو قبيح تنفر منه الطباع السليمة، وتستنقصه العقول الراجحة الحكيمة.

واعلم: أن في هذه الآية الشريفة لأعظم (3) زاجر وأبلغ واعظ للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق، فإنهم القائلون: إنا وجدنا آباؤنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون، والقائلون: وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به، وأنه الحق لم يبق عليه، وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهودي على اليهودية، والنصراني على النصرانية، والمبتدع على بدعته، فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية أو النصرانية أو البدعية، وأحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به، ولم ينظروا لأنفسهم، ولا طلبوا الحق كما يجب، ولا بحثوا عن دين الله كما ينبغي، وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص، فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية إنا لك النذير المبالغ في التحذير من أن تقول هذه المقالة، وتستمر على الضلالة، فقد اختلط الشر بالخير، والصحيح بالسقيم، وفاسد الرأي بصحيح الرواية، ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا نبيا واحدا أمرهم باتباعه، ونهى عن مخالفته، فقال: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما

(1) الخازن.

(2)

المراغي.

(3)

الشوكاني.

ص: 266