المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

على اليهود والنصارى، ولا نعلم ما فيهما، فقطع الله عذرهم - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: على اليهود والنصارى، ولا نعلم ما فيهما، فقطع الله عذرهم

على اليهود والنصارى، ولا نعلم ما فيهما، فقطع الله عذرهم بإنزال القرآن عليهم بلغتهم.

والمعنى (1): وأنزلنا هذا القرآن بلغتكم يا أهل مكة كراهية أن تقولوا يوم القيامة: إن التوراة والإنجيل أنزلا على طائفتين من قبلنا بلغتهما، فلم نفهم ما فيهما، فقطع الله عذرهم بإنزال القرآن عليهم بلغتهم كي لا يعتذروا عند المجازاة على شركهم وكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن محيصن (2):{أن يقولوا} - بياء الغيبة - يعني: كفار قريش.

‌157

- {أَوْ} كراهية أن {تَقُولُوا} يوم القيامة {لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ} ؛ أي: لو أننا أنزل علينا الكتاب بلغتنا كما أنزل على اليهود والنصارى بلغتهم العبرانية أو السريانية، فأمرنا بما فيه ونهينا عما نهى عنه، وبين لنا خطأ ما نحن فيه {لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ}؛ أي: أصوب دينا من اليهود والنصارى، وأطوع للحق الذي هو المقصد الأقصى والطريق المستقيم، وأسرع إجابة لأمر الرسول لجودة أذهاننا ومزيد ذكائنا، لأنا أذكى منهم أفئدة وأمضى عزيمة.

وقد حكى الله سبحانه وتعالى عنهم مثل هذا في قوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} ؛ أي: من إحدى الأمم المجاورة لهم من أهل الكتاب.

فرد الله تعالى عليهم بجواب قاطع لكل تعلّة، دافع لكل اعتذار، فقال:{فَقَدْ جاءَكُمْ} يا أهل مكة من الله سبحانه وتعالى على لسان محمد صلى الله عليه وسلم: {بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} ؛ أي: قرآن عظيم فيه بيان للحلال من الحرام {وَهُدىً} لما في القلوب من الضلالة {وَرَحْمَةٌ} ؛ أي: نعمة من الله لعباده الذي يتبعونه ويقتفون ما فيه؛ أي: لا تعتذروا بذلك، فقد جاءكم من ربكم كتاب مبين للحق بالحجج والبراهين في العقائد والفضائل والآداب وأمهات الأحكام بما به تصلح أمور البشر وشؤون الاجتماع، وهو هاد لمن تدبره وتلاه حق تلاوته إذ يجذب

(1) عمدة التفاسير للشارح.

(2)

البحر المحيط.

ص: 165

ببلاغته وبيانه قلوب الناظرين فيه إلى الحق الذي فصله أتم تفصيل، وإلى عمل الخير والصلاح الذي بين فوائده ومنافعه؛ وهو رحمة عامة لمن يستضيؤون بنوره وتنفذ فيهم شريعته؛ إذ هم يكونون في ظلها آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، أحرارا في عقائدهم وعباداتهم، يعيشون في بيئة خالية من الفواحش والمنكرات، وبعد أن بين عظم قدر هذا الكتاب .. بين سوء عاقبة من كذب به، فقال:{فَمَنْ أَظْلَمُ} والفاء فيه فاء الفصحية؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر تقديره: إذا كانت هذه الآيات مشتملة على الهداية الكاملة والرحمة الشاملة .. فأقول لك: لا أظلم، والاستفهام فيه إنكاري؛ أي: فلا أحد أشد ظلما {مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ} القرآنية ولم يؤمن بها {وَصَدَفَ} ؛ أي: أعرض بنفسه {عَنْها} ؛ أي: عن تلك الآيات؛ أي: عن العمل بما فيها من الأوامر والنواهي.

وقيل المعنى: كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها؛ أي: صرف الناس ومنعهم عن الإيمان بها، فجمع بين الضلال بالتكذيب، والإضلال بصرف الناس عنها كما كان يفعل كبراء مجرمي قريش بمكة، فقد كانوا يصدفون العرب ويمنعونهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحولون بينه وبينهم لئلا يسمعوا منه القرآن، فينجذبوا إلى الإيمان، ونحو الآية قوله تعالى:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} . وقرأ ابن وثاب وابن أبي عبلة: {ممن كَذَبَ} بتخفيف الذال. {سَنَجْزِي الَّذِينَ} ؛ أي: سنعاقب الذين {يَصْدِفُونَ} ويعرضون {عَنْ آياتِنا} الواضحة وحججنا الساطعة {سُوءَ الْعَذابِ} ؛ أي: شديد العذاب {بِما كانُوا يَصْدِفُونَ} ؛ أي: بسبب إعراضهم عن آياتنا وتكذيبهم لرسلنا، والإضافة في سوء العذاب من إضافة الصفة إلى الموضوف؛ أي: العذاب السيء أو المعنى (1): سنجزي الذين يصدفون الناس عن آياتنا ويردونهم عن الاهتداء بها سوء العذاب بسبب ما كانوا يتجرؤون عليه من الصدف عنها؛ إذ هم بذلك يحملون أوزارهم وأوزار من صدفوهم عن الحق، وحالوا بينهم وبين الهداية. وقرأت فرقة:{يَصْدِفُونَ} : بضم الدال.

(1) المراغي.

ص: 166