الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأعمال الصالحة، وعلى السيئات؛ وهي الكفر والفواحش ما ظهر منها وما بطن.
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
…
} الآيات إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لآخر السورة: لما (1) كانت هذه السورة أجمع السور لأصول الدين، مع إقامة الحجج عليها ودفع الشبه عنها، وإبطال عقائد أهل الشرك وخرافاتهم .. جاءت هذه الخاتمة آمرة له صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم قولا جامعا لجملة ما فصل، وهو أن الدين القيم والصراط المستقيم هو ملة إبراهيم دون ما يدعيه المشركون وأهل الكتاب المحرفون، وأنه صلى الله عليه وسلم مستمسك به معتصم بحبله يدعو إليه قولا وعملا على أكمل الوجوه، وهو أول المخلصين وأخشع الخاشعين، وهو الذي أكمل هذا الدين بعد انحراف جميع الأمم عن صراطه. ثم بين أن الجزاء عند الله على الأعمال، وأن لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن المرجع إليه تعالى وحده، وأن له سننا في استخلاف الأمم واختبارها بالنعم والنقم، وأن الله وحده هو الذي يتولى عقاب المسيئين ورحمة المحسنين.
التفسير وأوجه القراءة
154
- و {ثُمَّ} في قوله: {ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ للترتيب} الذكري؛ أي: للترتيب في الذكر والإخبار، لا في الزمان؛ لأن إيتاء موسى الكتاب كان قبل نزول القرآن، والمعنى: ثم بعد ما أخبرتكم الوصايا المتقدمة .. أخبركم بأنا أعطينا موسى التوراة، أو يقال: إن {ثُمَّ} هنا بمعنى الواو الاستئنافية؛ أي: وأعطينا موسى التوراة {تَمامًا} ؛ أي: لأجل إتمام نعمتنا وكرامتنا {عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} وآمن بها من بني إسرائيل وأحسن العمل بأحكامها، يدل على هذا المعنى قراءة عبد الله: على الذين أحسنوا. وقرأ يحيى بن يعمر بالرفع، وخرج على حذف المبتدأ؛ أي: على الذي هو أحسن دينا، كقراءة من قرأ {مثلا ما بعوضة} - بالرفع - {وَتَفْصِيلًا} وبيانا لهم لكل شيء يحتاج إليه في الدين، فيدخل في
(1) المراغي.
ذلك بيان نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ودينه {وَهُدىً} ؛ أي: وهداية لهم من الضلالة {وَرَحْمَةً} ؛ أي: أمانا لهم من العذاب بإنزالها لمن آمن بها {لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} ؛ أي: آتيناه الكتاب جامعا لكل ما ذكر من الصفات لكي يؤمنون ويصدقون بلقاء ربهم بالبعث من القبور، ويفوزون بالإيمان بها السعادة الأبدية في دار الكرامة السرمدية التي أعدها الله سبحانه وتعالى لمن آمن بوحيه وتمسك بشريعته.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى لما أخبر عن القرآن بقوله: {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} .. أردف بمدح التوراة كما جاء مثل هذا في قوله: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِمامًا وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِسانًا عَرَبِيًّا} ، وقوله:{قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُورًا وَهُدىً لِلنَّاسِ} ثم قال: {وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ} الآية.
وقد تكرر في الكتاب الكريم قرنه بالتوراة؛ لما بينهما من التشابه، فكل منهما شريعة كاملة؛ والإنجيل والزبور ليسا كذلك، فإن أكثر الإنجيل عظات وأمثال، وأكثر الزبور ثناء ومناجاة، إلى أن العرب كانوا يعلمون أن اليهود لهم كتاب يسمى التوراة، ولهم رسول يسمى موسى، وأنهم أهل علم، وكان يتمنى كثير من عقلائهم لو أتيح لهم كتاب كما أوتي اليهود التوراة، وأنه لو جاءهم كتاب لكانوا أهدى منهم وأعظم انتفاعا به، لما يمتازون به من الذكاء وحصافة العقل ورجاحة الرأي.
وهذه الوصايا العشر التي في الآيات الثلاث، والتي لها نظير في سورة الإسراء كانت أول ما نزل بمكة قبل تفصيل أحكام العبادات والمعاملات في السور المدنية، وكذلك كانت أول ما نزل على موسى من أصول دينه، لكن وصايا القرآن أجمع للمعاني، فهي تبلغ العشرات إذا فصلت.
وهذه الوصايا وما أشبهها هي أصول الأديان على ألسنة الرسل يرشد إلى ذلك قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ