المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ..} أردف ذلك بذكر نعمه على عباده - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ..} أردف ذلك بذكر نعمه على عباده

{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ..} أردف ذلك بذكر نعمه على عباده بتمكينهم في الأرض، وخلق أنواع المعايش فيها مع بيان أن كثرة النعم توجب عليهم الطاعة له.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر ‌

(1)

عباده في الآية السابقة بنعمه عليهم بالتمكين لهم في الأرض، وخلق أنواع المعايش لهم فيها .. قفى على ذلك ببيان أنه خلق النوع الإنساني مستعدا للكمال، وأنه قد تعرض له وسوسة من الشيطان تحول بينه وبين هذا الكمال الذي يبتغيه.

قال أبو حيان: قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما قدم (2) ما يدل على تقسيم المكلفين إلى طائع وعاص، فالطائع ممتثل ما أمر الله به مجتنب ما نهى عنه، والعاصي بضده .. أخذ ينبه على أن هذا التقسيم كان في البدء الأول من أمر الله للملائكة بالسجود، فامتثل من امتثل، وامتنع من امتنع، وأنه تعالى أمر آدم ونهى، فحكى عنه ما يأتي خبره، فنبه أولا على موضع الاعتبار، وإبراز الشيء من العدم الصّرف إلى الوجود والتصوير في هذه الصورة الغريبة الشكل المتمكنة من بدائع الصانع.

التفسير وأوجه القراءة

1 -

{المص} (1) هذه حروف تكتب بصورة كلمة ذوات الأربعة الأحرف، لكنّا نقرؤها بأسماء هذه الأحرف، فنقول: ألف لام ميم صاد، وحكمة افتتاح هذه السورة وأمثالها بأسماء الحروف التي ليس لها معنى مفهوم غير مسماها الذي تدل عليه .. تنبيه السامع إلى ما سيلقى إليه بعد هذا الصوت من الكلام حتى لا يفوته منه شيء، فكأنه أداة استفتاح بمنزلة (ألا) و (ها) التنبيه.

وبالاستقراء نرى أن السور التي بدئت بها وبذكر الكتاب هي التي نزلت

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 209

بمكة لدعوة المشركين إلى الإسلام وإثبات النبوة والوحي، وما نزل منها بالمدينة كالزهراوين البقرة وآل عمران؛ فالدعوة فيها موجهة إلى أهل الكتاب، وهكذا الحال في بعض السور كمريم والعنكبوت والروم وص ون، فإن ما فيها يتعلق بإثبات النبوة والكتاب كالفتنة في الدين بإيذاء الضعفاء؛ لإرجاعهم عن دينهم بالقوة القاهرة، والإنباء بقصص فارس والروم، ونصر الله للمؤمنين على المشركين، وكان هذا من أظهر المعجزات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ويرى بعض العلماء أنها أسماء للسور والأسماء المرتجلة لا تعلل، كما يرى آخرون أن الحكمة في ذكرها بيان إعجاز القرآن بالإشارة إلى أنه مركب من هذه الأحرف المفردة التي يتألف منها الكلام العربي، ومع ذلك لا يستطيعون أن يأتوا بمثله ليؤديهم النظر إلى أنه ليس من كلام البشر، بل من كلام خالق القوى والقدر.

وروي (1) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال معناه: أنا الله أفصّل، وعنه: أنا الله أعلم وأفصّل، وعنه: أن {المص (1)} قسم أقسم الله به، وهو اسم من أسماء الله تعالى. وقال قتادة:{المص (1)} اسم من أسماء القرآن. وقال الحسن: هو اسم للسورة. وقال السدي: هو بعض اسمه تعالى المصور. وقال أبو العالية: الألف مفتاح اسمه الله، واللام مفتاح اسمه لطيف، والميم مفتاح اسمه مجيد، والصاد مفتاح اسمه صادق وصبور. وقيل: هي حروف مقطعة استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمها، وهي سره في كتابه العزيز؛ وهذا القول هو الأصح الأسلم. وقيل: هي حروف اسمه الأعظم. وقيل هي حروف تحتوي معاني دل الله بها خلقه على مراده، وقد بسط الكلام على معاني الحروف المقطعة أوائل السور في أول سورة البقرة. قال أبو حيان (2): وهذه الأقوال في الحروف المقطعة، لولا أن المفسرين شحنوا بها كتبهم خلفا عن سلف .. ضربنا عن ذكرها صفحا، فإن ذكرها يدل على ما لا ينبغي ذكره من تأويلات الباطنية، وأصحاب الألغاز والرموز.

(1) الخازن.

(2)

البحر المحيط.

ص: 210