المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المحفوظ مدة حياتهم، حتى إذا جاءتهم رسلنا ملك الموت وأعوانه - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: المحفوظ مدة حياتهم، حتى إذا جاءتهم رسلنا ملك الموت وأعوانه

المحفوظ مدة حياتهم، حتى إذا جاءتهم رسلنا ملك الموت وأعوانه حالة كون رسلنا {يَتَوَفَّوْنَهُمْ}؛ أي: يقبضون أرواحهم؛ أي: يوفى لهم نصيبهم الذي كتب لهم مدة حياتهم حتى إذا ما انتهى بانتهاء آجالهم، وجاءتهم رسلنا يقبضون أرواحهم {قالُوا}؛ أي: قالت رسلنا لأولئك المفترين المكذبين بآيات الله تعالى على سبيل التوبيخ والتقريع: {أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ؛ أي: أين الشركاء والآلهة التي كنتم تعبدونهم في الدنيا من دون الله سبحانه وتعالى لقضاء الحاجات، ودفع المضرات، فادعوهم لينجوكم وينقذوكم مما أنتم فيه من الشدائد والعذاب {قالُوا}؛ أي: قال المفترون للملائكة {ضَلُّوا عَنَّا} ؛ أي: غابت الآلهة عنا وذهبوا، لا ندري أين مكانهم؛ أي: غابوا عنا، فلا نرجوا منهم الآن جلب النفع، ولا دفع الضر {وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: واعترفوا على أنفسهم بـ {أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ} بدعائهم إياهم وعبادتهم لهم؛ إذ هم قد زعموا أنهم عنده تعالى كأعوان الأمراء والسلاطين، وحاش الله أن يتخذ الأعوان والمساعدين، فالله غني بعلمه المحيط وقدرته الكاملة عن أن يحتاج إلى الأعوان والمساعدين، فإنما يحتاج إليها من يجهل أمور الناس، ويعجز عن معرفة أحوالهم، ولا تعارض بين هذا وبين قوله:{وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ} لاحتمال ذلك من طوائف، أو في أوقات مختلفة.

[الخلاصة:]

وخلاصة هذا: زجر الكافرين عما هم عليه من الكفر، وحملهم على النظر والتأمل في عواقب أمورهم، والتحذير من التقليد الذي سيرديهم في الهاوية.

‌38

- {قالَ} الله سبحانه وتعالى يوم القيامة؛ أي: يقول الله تعالى يوم القيامة لهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب، وجعلوا له شركاء بواسطة الملائكة {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ}؛ أي: ادخلوا بين أمم {قَدْ خَلَتْ} ومضت وسبقت {مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ} ؛ أي: أمم تقدم زمانهم على زمانكم؛ أي: ادخلوا في النار فيما بين الأمم الكافرين الذين تقدم زمانهم زمانكم من هذين النوعين الجن والإنس.

وفي هذا إيماء إلى أنه تعالى، لا يسوق الكفار بأجمعهم إلى النار دفعة

ص: 302

واحدة، بل يدخلهم فوجا فوجا، فيكون منهم سابق ومسبوق، ويشاهد من الأمة في النار من سبقه {كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ}؛ أي: كلما دخلت جماعة منهم في النار، ورأت ما حل بالسابقة من الخزي والنكال {لَعَنَتْ أُخْتَها} في الدين والملة؛ إذ هي قد ضلت باتباعها والاقتداء بها في كفرها كما قال تعالى:{يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} .

والخلاصة: فيلعن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوس المجوس.

{حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعًا} ؛ أي: حتى إذا تداركوا في النار وتلاحقوا فيها، واجتمع بعضهم بعضا، واستقروا فيها {قالَتْ أُخْراهُمْ}؛ أي: قالت أخرى كل أمة منزلة وهم الأتباع والسفلة {لِأُولاهُمْ} ؛ أي: لأجل أولاهم منزلة، وهم القادة والرؤساء {رَبَّنا} ويا مالك أمرنا {هؤُلاءِ} الرؤساء والقادة {أَضَلُّونا} عن الحق باتباعنا لهم، وتقليدنا إياهم فيما كانوا عليه من أمر الدين وسائر أعمالنا {فَآتِهِمْ}؛ أي: أعطهم {عَذابًا ضِعْفًا} ؛ أي: عذابا مضاعفا مزادا {مِنَ النَّارِ} مثلي عذابنا لإضلالهم إيانا فوق العذاب على ضلالهم في أنفسهم حتى يكون عذابهم ضعفي عذابنا ضعفا للضلال، وضعفا للإضلال؛ أي: عذبهم مثل عذابنا مرتين.

ومعنى قوله: {لِأُولاهُمْ} ؛ أي: في شأنهم، ولأجل إضلالهم، وليس المراد أنهم ذكروا هذا القول لأولاهم؛ لأنهم ما خاطبوهم، بل خاطبوا الله سبحانه بهذا الكلام.

{قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} ؛ أي: يقول الله سبحانه وتعالى جوابا لأخراهم: لكل منهم ومنكم (1) ضعف؛ أي: عذاب مضاعف، فكل ألم يحصل له يعقبه ألم آخر إلى غير نهاية، فالآلام متزايدة من غير نهاية، أما القادة فلكفرهم وإضلالهم، وأما الأتباع فلكفرهم وتقليدهم. {وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ} أيها السائلون ما لكل فريق

(1) المراح.

ص: 303