الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ التَّثَبُّتِ فِي الْحَدِيثِ، وَحُكْمِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ
[2493]
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، وَيَقُولُ: اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ، اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ- وَعَائِشَةُ تُصَلِّي- فَلَمَّا قَضَتْ صَلَاتَهَا، قَالَتْ لِعُرْوَةَ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى هَذَا، وَمَقَالَتِهِ آنِفًا؟ إِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ.
[خ: 3567]
في هذا الحديث: أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدِّث بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت حجرة عائشة رضي الله عنها لها باب إلى المسجد، فكان أبو هريرة رضي الله عنه يحدِّث، ويقول:((اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ، اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ))، يعني: اسمعي يا عائشة، فإن كان عندكِ ما يخالف قولي فبينيه لي، ((فَلَمَّا قَضَتْ صَلَاتَهَا)) أي: لما سلَّمتْ أنكرت عائشة رضي الله عنها على أبي هريرة رضي الله عنه قوله، فـ ((قَالَتْ لِعُرْوَةَ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى هَذَا؟ وَمَقَالَتِهِ آنِفًا))، أي: قالت هذا لابن أختها عروة بن الزبير، ثم قالت:((إِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ))، أي: لو أراد المستمع عدَّ كلماته، أو حروفه لأمكنه ذلك بسهولة حتى تُحفَظ، وقد قال عليه الصلاة والسلام:((إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ))
(1)
؛ لأن الكلام الكثير يُنسي بعضه بعضًا، فكأنها رضي الله عنها كانت ترى عدم الإكثار، وأبو هريرة رضي الله عنه له وجهة نظر وهي انتهاز الفرصة؛ ليبلِّغ ما عنده.
لكن إذا دعت الحاجة إلى التطويل فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يطيل، كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك: ما رواه عمرو بن أخطب رضي الله عنه: ((صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ،
(1)
أخرجه مسلم (869).
فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ، وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا))
(1)
.
[3004]
حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ- قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ قَالَ: مُتَعَمِّدًا- فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)).
قوله صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ)): هذا كان في أول الأمر؛ خشية أن يختلط الحديث بالقرآن، ثم بعد ذلك لما أُمن اللبس وزال المحظور أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:((اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ))
(2)
، وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله:((مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلا أَكْتُبُ))
(3)
.
وكُتب عنه عليه الصلاة السلام كتاب في الصدقات، والديات، فعملت به الأمة، ولم ينكره أحد، وقد أمر عليه السلام أمته بالتبليغ، فإذا هي لم تكتب ذهب العلم.
وثبت أن عليًّا رضي الله عنه كانت عنده صحيفة فيها: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر، وأسنان الإبل
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم (2892).
(2)
أخرجه البخاري (2434)، ومسلم (1355).
(3)
أخرجه البخاري (113).
(4)
أخرجه البخاري (111).
فكل هذا يدل على جواز الكتابة، وأن النهي منسوخ.
وقيل: إن النهي محمول على من يثق بضبطه وحفظه، وأما من كان حفظه ضعيفًا ولا يثق بحفظه فله أن يكتب.
وقيل: إن النهي عن الكتابة في صحيفة واحدة مع القرآن، أما إذا كان القران في صحيفة، والحديث في صحيفة أخرى فلا بأس.
والقول بإن النهي كان خشية أن يلتبس القرآن بالحديث، ثم بعد ذلك رَخَّص النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة هو الصواب.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وَحَدِّثُوا عَنِّي، وَلَا حَرَجَ)): فيه: إباحة الحديث عنه، وتبليغ ما سمع منه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:((وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ))
(1)
فإنه يعني: في الأمور التي لا تخالف الشرع، أما ما يخالف شرعنا فهذا لا يُحدَّث به عنهم.
وقوله: ((وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ- قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ قَالَ: مُتَعَمِّدًا- فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)): فيه: وعيد شديد على من يتعمد الكذب، وأنه من كبائر الذنوب، بل بالغ بعضهم فقال: إن من تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم صار مرتدًّا
(2)
، والمشهور عند العلماء: أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب العظيمة.
(1)
أخرجه البخاري (3461).
(2)
الصارم المسلول، لابن تيمية (ص 171)، فتح الباري، لابن حجر (1/ 202).