الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ عُقُوبَةِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَفْعَلُهُ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَيَفْعَلُهُ
[2989]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ- وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيْبٍ- قَالَ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرُونَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قِيلَ لَهُ: أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ، وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلَا أَقُولُ لِأَحَدٍ- يَكُونُ عَلَيَّ أَمِيرًا-: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ، مَا لَكَ، أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ ! فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ)).
[خ: 3267]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فِيمَا يَصْنَعُ؟ ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.
في هذا الحديث: النصيحة لولاة الأمور، وأنها تكون سرًّا؛ لأن هذا أدعى إلى القبول، ولا تكون علنًا؛ لأنها إذا كانت كذلك صارت سببًا في تأليب الناس على ولاة الأمور؛ لهذا لما قيل لأسامة رضي الله عنه:((أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟ ))، أي: تنصحه، فَقَالَ: ((أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ، وَاللَّهِ
لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ))، أي: لقد نصحته بيني وبينه، ولا أريد أن أكون أول من يفتح باب شر على المسلمين.
وفيه: دليل على أنه لا يخرج على ولاة الأمور بالمعاصي، وإنما الواجب الصبر على جورهم وظلمهم، كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:((مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً))
(1)
، والخروج على الولاة بالمعاصي هو مذهب الخوارج، والمعتزلة، والرافضة.
وفيه: دليل على أن الأمير قد يقول شيئًا، ويفعل خلافه؛ ولهذا قال:((وَلَا أَقُولُ لِأَحَدٍ- يَكُونُ عَلَيَّ أَمِيرًا-: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ))، أي: أمعاؤه- والعياذ بالله- ((فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ، مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ ! فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ! )).
وفيه: دليل على أن أهل النار يسأل بعضهم بعضًا مع ما هم فيه من الشر والبلاء والعذاب.
وفيه: دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله، بل يجب عليه إذا أمر بالمعروف أن يكون أولَ من يفعله، وإذا نهى عن المنكر أن يكون أولَ من ينتهي عنه.
وفيه: أن كون الإنسان يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه من أسباب دخول النار، وقد نعى الله على اليهود كونَهم يأمرون بالخير ولا يفعلونه بأنفسهم، فقال تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون
(1)
أخرجه البخاري (7054)، ومسلم (1849).
الكتاب أفلا تعقلون}، وقال سبحانه:{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} ، والمقت: أشد البغض، فمن يقول شيئًا ولا يفعله فهو ممقوت، وقال الله تعالى- عن نبيه شعيب عليه السلام:{وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت} ، وقال الشاعر الحكيم:
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِي مِثْلَهُ
…
عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
(1)
ومع ذلك فإن الإنسان عليه واجبان: واجب الأمر بالمعروف، وواجب العمل به، وواجب النهي عن المنكر، وواجب تركه، ولا يسقط أحدهما بسقوط الآخر، فإذا كان الإنسان لا يفعل المعروف، فلا يسقط عنه الأمر به، وإذا فعل المنكر فلا يسقط عنه النهي عنه.
وقوله: ((مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فِيمَا يَصْنَعُ؟ ))؛ وذلك لأن عثمان رضي الله عنه فعل أشياء في آخر خلافته اجتهادًا منه بما رأى أن فيه مصلحة، وخالفه فيها بعضُ الصحابة رضي الله عنهم.
(1)
ديوان أبي الأسود الدؤلي (ص 404).