المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَاب التَّفْسِيرِ - توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم - جـ ٨

[عبد العزيز بن عبد الله الراجحي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الرِّقَاقِ

- ‌بَاب أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْفُقَرَاءُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ النِّسَاءُ

- ‌بَابُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْغَارِ الثَّلَاثَةِ، وَالتَّوَسُّلِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ

- ‌كِتَابُ التَّوْبَةِ

- ‌بَابٌ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّوْبَةِ، وَالْفَرَحِ بِهَا

- ‌بَابُ سُقُوطِ الذُّنُوبِ بِالِاسْتِغْفَارِ تَوْبَةً

- ‌بَابُ فَضْلِ دَوَامِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَالْمُرَاقَبَةِ، وَجَوَازِ تَرْكِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَالِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا

- ‌بَابٌ فِي سِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهَا سَبَقَتْ غَضَبَهُ

- ‌بَابُ قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَإِنْ تَكَرَّرَتِ الذُّنُوبُ وَالتَّوْبَةُ

- ‌بَابُ غَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ

- ‌بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}

- ‌بَابُ قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَثُرَ قَتْلُهُ

- ‌بَابُ حَدِيثِ تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ، وَقَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ

- ‌بَاب بَرَاءَةِ حَرَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الرِّيبَةِ

- ‌كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ

- ‌كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ

- ‌بَابُ ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ، وَخَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌بَابٌ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَصِفَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌بَابُ نُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ

- ‌بَابُ سُؤَالِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرُّوحِ

- ‌بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}

- ‌بَابُ قَوْلِهِ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَأَىهُ اسْتَغْنَى}

- ‌بَابُ الدُّخَانِ

- ‌بَابُ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ

- ‌بَابُ لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى مِنَ اللَّهِ عز وجل

- ‌بَابُ طَلَبِ الْكَافِرِ الْفِدَاءَ بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا

- ‌بَابُ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ

- ‌بَابُ صَبْغِ أَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي النَّارِ، وَصَبْغِ أَشَدِّهِمْ بُؤْسًا فِي الْجَنَّةِ

- ‌بَابُ جَزَاءِ الْمُؤْمِنِ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

- ‌بَابُ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالزَّرْعِ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَشَجَرِ الْأَرْزِ

- ‌بَابُ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ

- ‌بَابُ تَحْرِيشِ الشَّيْطَانِ، وَبَعْثِهِ سَرَايَاهُ لِفِتْنَةِ النَّاسِ

- ‌بَابُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ بَلْ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى

- ‌بَابُ إِكْثَارِ الْأَعْمَالِ، وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ

- ‌بَابُ الِاقْتِصَادِ فِي الْمَوْعِظَةِ

- ‌كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا

- ‌بَاب إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا

- ‌بَابُ إِحْلَالِ الرِّضْوَانِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَا يَسْخَطُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا

- ‌بَابُ تَرَائِي أَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَ الْغُرَفِ كَمَا يُرَى الْكَوْكَبُ فِي السَّمَاءِ

- ‌بَابُ فِيمَنْ يَوَدُّ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ

- ‌بَابٌ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ، وَمَا يَنَالُونَ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ وَالْجَمَالِ

- ‌بَابٌ أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ

- ‌بَابٌ فِي صِفَاتِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا، وَتَسْبِيحِهِمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا

- ‌بَابٌ فِي دَوَامِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وقَوْلِه تَعَالَى:

- ‌بَابٌ فِي صِفَةِ خِيَامِ الْجَنَّةِ وَمَا لِلْمُؤْمِنِينَ فِيهَا مِنَ الْأَهْلِينَ

- ‌بَابٌ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ

- ‌بَابٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ

- ‌بَابٌ فِي شِدَّةِ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ، وَبُعْدِ قَعْرِهَا، وَمَا تَأْخُذُ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ

- ‌بَابٌ النَّارُ يَدْخُلُهَا الْجَبَّارُونَ، وَالْجَنَّةُ يَدْخُلُهَا الضُّعَفَاءُ

- ‌بَابُ فَنَاءِ الدُّنْيَا، وَبَيَانِ الْحَشْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌بَابٌ فِي صِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَعَانَنَا اللَّهُ عَلَى أَهْوَالِهَا

- ‌بَابُ الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ

- ‌بَابُ عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ مِنَ الْجَنَّةِ، أَوِ النَّارِ عَلَيْهِ

- ‌بَابُ إِثْبَاتِ الْحِسَابِ

- ‌بَابُ الْأَمْرِ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْمَوْتِ

- ‌كِتَابُ الْفِتَنِ، وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ اقْتِرَابِ الْفِتَنِ، وَفَتْحِ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ

- ‌بَابُ الْخَسْفِ بِالْجَيْشِ الَّذِي يَؤُمُّ الْبَيْتَ

- ‌بَابُ نُزُولِ الْفِتَنِ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ

- ‌بَابُ إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا

- ‌بَابُ هَلَاكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ

- ‌بَابُ إِخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ

- ‌بَابٌ فِي الْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ

- ‌بَابٌ فِي فَتْحِ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ

- ‌بَابُ تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ

- ‌بَابُ إِقْبَالِ الرُّومِ فِي كَثْرَةِ الْقَتْلِ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ

- ‌بَابُ مَا يَكُونُ مِنْ فُتُوحَاتِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الدَّجَّالِ

- ‌بَابٌ فِي الْآيَاتِ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ

- ‌بَابُ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَعِمَارَتِهَا قَبْلَ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ الْفِتْنَةُ مِنَ الْمَشْرِقِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعْبُدَ دَوْسٌ ذَا الْخَلَصَةِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ ابْنِ صَيَّادٍ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّجَّالِ وَصِفَتِهِ وَمَا مَعَهُ

- ‌بَابُ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ، وَتَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدَّجَّالِ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ عز وجل

- ‌بَابٌ فِي خُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَمُكْثِهِ فِي الْأَرْضِ، وَنُزُولِ عِيسَى، وَقَتْلِهِ إِيَّاهُ، وَذَهَابِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْإِيمَانِ، وَبَقَاءِ شِرَارِ النَّاسِ، وَعِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ، وَالنَّفْخِ فِي الصُّورِ، وَبَعْثِ مَنْ فِي الْقُبُورِ

- ‌بَابُ قِصَّةِ الْجَسَّاسَةِ

- ‌بَابٌ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِي الْهَرْجِ

- ‌بَابُ قُرْبِ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ

- ‌كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ

- ‌بَاب لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ

- ‌بَابُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ

- ‌بَابُ فَضْلِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ

- ‌بَابُ الصَّدَقَةِ فِي الْمَسَاكِينِ

- ‌بَابُ مَنْ أَشْرَكَ فِي عَمَلِهِ غَيْرَ اللَّهِ

- ‌بَابُ التَّكَلُّمِ بِالْكَلِمَةِ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ

- ‌بَابُ عُقُوبَةِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَفْعَلُهُ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَيَفْعَلُهُ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ هَتْكِ الْإِنْسَانِ سِتْرَ نَفْسِهِ

- ‌بَابُ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَكَرَاهَةِ التَّثَاؤُبِ

- ‌بَابٌ فِي أَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ

- ‌بَابٌ فِي الْفَأْرِ، وَأَنَّهُ مَسْخٌ

- ‌بَابُ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ

- ‌بَابٌ الْمُؤْمِنُ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ المَدْحِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِفْرَاطٌ

- ‌بَابُ مُنَاوَلَةِ الْأَكْبَرِ

- ‌بَابُ التَّثَبُّتِ فِي الْحَدِيثِ، وَحُكْمِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ، وَالسَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَالْغُلَامِ

- ‌بَابُ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَقِصَّةِ أَبِي الْيَسَرِ

- ‌بَابٌ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ، وَيُقَالُ لَهُ: حَدِيثُ الرَّحْلِ

- ‌كِتَاب التَّفْسِيرِ

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}

- ‌بَاب فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ، وَالْأَنْفَالِ، وَالْحَشْرِ

- ‌بَابٌ فِي نُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}

الفصل: ‌ ‌كِتَاب التَّفْسِيرِ

‌كِتَاب التَّفْسِيرِ

ص: 483

كِتَاب التَّفْسِيرِ

[3015]

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا، وَقُولُوا: حِطَّةٌ، يُغْفَرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ، فَبَدَّلُوا، فَدَخَلُوا الْبَابَ يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ)).

[خ: 3403]

هذا الكتاب عقده المؤلف في التفسير؛ أَيْ: تفسير الآيات التي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الكتاب ليس كبيرًا؛ لأن هذه هي الأحاديث التي أخرجها مسلم رحمه الله، وكانت على شرطه.

وقوله تعالى: {ادخلوا الباب} ، أي: باب البلدة، وهي بيت المقدس.

وقوله: {وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم} أي: قولوا: يا الله حُطَّ عنا خطايانا، واغفر لنا، ثم وعدهم بأن البلد ستفتح، فغيَّروا القول.

وقوله: ((عَلَى أَسْتَاهِهِمْ))، يعني: على أدبارهم، وهو جمع: است.

وقوله: ((حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ)) قالوا مستهزئين: حبة في شعرة، وفي غير مسلم:((حِنْطَةٌ فِي شَعَرَةٍ))

(1)

، والشعرة هي: السنبلة.

وفي هذا الحديث: أن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الباب

(1)

أخرجه أحمد (4479).

ص: 485

سُجَّدًا؛ أي: يركعون تعظيمًا لله عز وجل، والركوع يسمى السجود، وذلك شكرًا لله.

وفيه: عتو بني إسرائيل، وعنادهم، وتمردهم على أنبيائهم، ومعارضتهم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

وفيه: أنهم غيروا في القول، وفي الفعل؛ بسبب عتوهم وعنادهم.

أما في الفعل: فلما أمرهم الله تعالى أن يدخلوا الباب سجدًا دخلوه يزحفون.

وأما في القول: فقد غيروا، وقالوا: حنطة في شعرة، أو: حبة في شعرة، فزادوا النون في (حطة) فصارت (حنطة)، أو غيروها من (حطة) إلى (حبة) سخرية واستهزاء- لعنهم الله-، فغيروا في القول وفي الفعل- عياذًا بالله.

والجهمية الذين أنكروا صفات الله عز وجل أيضًا- غيروا؛ ففسروا- مثلًا-: {استوى} باستولى، فزادوا لامًا، كما أن اليهود زادوا نونًا في {حِطَّة}؛ ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله:

أُمِرَ اليَهُودُ بِأَنْ يَقُولُوا حِطَّةً

فَأَبَوْا وقَالُوا حِنْطَةً لِهَوانِ

وَكَذَلِكَ الجَهْمِيُّ قِيلَ لَهُ اسْتَوَى

فَأَبَى وَزَادَ الحَرْفَ لِلنُّقْصَانِ

قَالَ اسْتَوَى اسْتَوْلَى وَذَا مِنْ جَهْلِهِ

لُغَةً وَعَقْلًا مَا هُمَا سِيَّانِ

(1)

وفيه: الحث على امتثال أوامر الله عز وجل، واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، فالواجب على المسلم أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يتبع الأوامر، وأن يَحْذَر من التغيير والتبديل.

ولما فعل هؤلاء هذا مع نبيهم ورفضوا الانقياد لموسى عليه الصلاة والسلام، وقالوا له:{اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} ، أي: لا يمكن أن ندخل البلدة التي فيها قوم جبارون ما داموا فيها، قال لهم: إن الله

(1)

القصيدة النونية، لابن القيم (ص 121).

ص: 486

وعدني إن أنتم صدَّقتم لينصرنكم، قالوا: لن نستطيع، اذهب قاتل أنت وربك؛ إنا ههنا قاعدون، فعاقبهم الله تعالى بالتيه، وقال:{فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض} ، أي: لا يهتدون.

لكن البلدة فُتحت بعد ذلك لما هلك هؤلاء، وجاء أبناؤهم الذين نشؤوا تنشئة صالحة على الجهاد وعلى القتال، فدخلوا مع نبيهم عليه السلام وفتح موسى بيتَ المقدس.

[3016]

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنِي، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ- يَعْنُونَ: ابْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ- وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ اللَّهَ عز وجل تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

[خ: 4982]

في هذا الحديث: إكمال الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، وإكمال الدين وإتمامه، فقد تابع الله تعالى عليه الوحي، فكان أكثر ما يكون في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 487

[3017]

حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى- وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ- وَهُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِعُمَرَ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ أُنْزِلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ، وَأَيَّ يَوْمٍ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أُنْزِلَتْ، أُنْزِلَتْ بِعَرَفَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، قَالَ سُفْيَانُ: أَشُكُّ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، أَمْ لَا، يَعْنِي:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} .

[خ: 45]

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ- وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ- قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَتْ الْيَهُودُ لِعُمَرَ: لَوْ عَلَيْنَا- مَعْشَرَ يَهُودَ- نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} نَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: فَقَدْ عَلِمْتُ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ، وَالسَّاعَةَ، وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَزَلَتْ، نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ.

وَحَدَّثَنِي عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا نَزَلَتْ- مَعْشَرَ الْيَهُودِ- لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ.

قوله: ((لَيْلَةَ جَمْعٍ))، يعني: في ليلة عيد، والمراد: عشية عرفة، وقد نزلت

ص: 488

يوم الجمعة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو واقف بعرفة.

وفي هذا الحديث: أن هذا اليهودي كان في زمن خلافة عمر رضي الله عنه.

وفيه: أن أعياد المسلمين شرعية، بخلاف أهل البدع الذين لهم أعياد بدعية.

وفيه: معرفة اليهود للحق وعدم اتباعهم، فهم يعرفون أن هذا اليوم عيد، ومع ذلك لم يؤمنوا ولم يتبعوا الحق؛ عنادًا واستكبارًا.

ص: 489

[3018]

حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا، وقَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ، فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} قَالَتْ: وَالَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُتْلَى

عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ: الْآيَةُ الْأُولَى الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللَّهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رَغْبَةَ أَحَدِكُمْ عَنِ اليَتِيمَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي حَجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا رَغِبُوا فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ؛ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ.

[خ: 2494]

وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلَاتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ.

ص: 490

قولها: ((هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا)): تُصُوِّرُ الإنسان الذي يكون وليَّ ابنةِ عمه، ليس لها ولي أقرب منه، فليس لها أب ولا أخ، فتنشأ عنده، فإذا كانت جميلة تزوجها- يعني: برضاها- وإن كانت دميمة تركها.

وقولها: ((فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ))، أي: يريد أن يتزوجها بغير أن يعدل.

وقولها: ((وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ))، يعني: أعلى مهورهن ومهور أمثالهن.

وفيه: أن الله تعالى نهاهم أن يتزوج أحدهم يتيمة بغير إذنها، فلا بد أن تأذن، واليتيمة إذنها أن تسكت؛ لحديث:((لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ:((أَنْ تَسْكُتَ))

(1)

، فإذا استؤذنت وسكتت فهذا إذنها، وإن تكلمت فهو أبلغ، خلافًا لابن حزم رحمه الله الذي يقول:((وكل ثيب فإذنها في نكاحها لا يكون إلا بكلامها بما يعرف به رضاها، وكل بكر فلا يكون إذنها في نكاحها إلا بسكوتها فإن سكتت فقد أذنت ولزمها النكاح، فإن تكلمت بالرضا أو بالمنع أو غير ذلك فلا ينعقد بهذا نكاح عليها))

(2)

، وهذا جمود من الظاهرية، فهم يقولون: لا بد أن تسكت، أما إذا تكلمت فلا؛ لأنه خلاف الظاهر.

وفي هذا الحديث: أن عائشة رضي الله عنها فسرت هذه الآية كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الآية في اليتيمة في حجر وليها.

وفيه: أن تعدد الزوجات هو الأصل، وأنه يُقتصر على الواحدة عند خوف عدم العدل.

وفيه: أن من أراد أن يتزوج موليته فيجب أن يعطيها مهرها كاملًا، مثل مهر أمثالها.

(1)

أخرجه البخاري (5136)، ومسلم (1419).

(2)

المحلى، لابن حزم (9/ 471).

ص: 491

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْله:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْيَتِيمَةُ، وَهُوَ وَلِيُّهَا وَوَارِثُهَا، وَلَهَا مَالٌ، وَلَيْسَ لَهَا أَحَدٌ يُخَاصِمُ دُونَهَا، فَلَا يُنْكِحُهَا لِمَالِهَا، فَيَضُرُّ بِهَا، وَيُسِيءُ صُحْبَتَهَا، فَقَالَ:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ، يَقُولُ: مَا أَحْلَلْتُ لَكُمْ، وَدَعْ هَذِهِ الَّتِي تَضُرُّ بِهَا.

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْله:{وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي الْيَتِيمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَتَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ، فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، فَيَعْضِلُهَا، فَلَا يَتَزَوَّجُهَا، وَلَا يُزَوِّجُهَا غَيْرَهُ.

في هذا الحديث: أن هذه الآية نزلت في الولي كابن العم، يكون عنده اليتيمة فتكون عندها مال، فيضُرُّ بها ولا يُزَوِّجُهَا، بل يبقيها عنده حتى تموت، فيرثها؛ لأنه لو زَوَّجَها لشاركه زَوْجُهَا في إرثها، فهو لا يريد أن يتزوجها؛ لأنها ليست جميلة، ولا يُزَوِّجُها غَيْرَهُ؛ خشيةَ أن يُشاركه الزَوْجُ في إرثها إذا ماتت.

وفيه: أن الواجب عليه أن يُزَوِّجَهَا، وأن يتقي الله عز وجل.

وهذا موجود عند بعض الناس، يُبقي موليته اليتيمة عنده تخدمه، أو تخدم زوجته، أو ترعى إبله أو غنمه، وهذا من الظلم والجور، والواجب عليه أن يُزَوِّجَهَا، وأن يلتمس لإبله أو غنمه خادمًا أو راعيًا.

ص: 492

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ

} الْآيَةَ، قَالَتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ حَتَّى فِي الْعَذْقِ، فَيَرْغَبُ- يَعْنِي: أَنْ يَنْكِحَهَا- وَيَكْرَهُ أَنْ يُنْكِحَهَا رَجُلًا، فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، فَيَعْضِلُهَا.

قولها: ((قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ حَتَّى فِي الْعَذْقِ)): شَرِكَتْهُ: بكسر الراء، والْعَذْقُ: بِفَتْحِ العين: النخلة أو النخلات، وبكسر العين (عِذق): هو القِنو، والمراد هنا: الأول.

وفي هذا الحديث: أن هذا الإرث يكون مشتركًا بينهما؛ كأن يكون وليها ابن عمها، فجدُّهما واحد، فتكون شريكة له في المال، حتى لو كان نخلات في بستان؛ لقولها:((قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ حَتَّى فِي الْعَذْقِ)): فيكون لها منه جزء، وله منه جزء.

ص: 493

[3019]

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْله: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ وَيُصْلِحُهُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ.

[خ: 2212]

وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُصِيبَ مِنْ مَالِهِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ.

[3020]

وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

في هذا الحديث: أن ولي مال اليتيم إذا كان ينمي ماله ويصلحه فإن كان الولي غنيًّا فعليه أن يستعفف، وإن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف، فيأخذ الأقل من أجرته أو كفايته؛ بحيث إذا كانت أجرة أمثاله عشرة، وكانت كفايته ثمانية فليأخذ ثمانية، وإذا كان العكس؛ بأن كانت أجرة أمثاله ثمانية، وكانت كفايته عشرة فليأخذ ثمانية، وهو يأخذ ذلك؛ لأنه يتفرغ لتنمية مال اليتيم، وإن استعفف فهو أفضل.

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ عز وجل:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} قَالَتْ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.

قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ

ص: 494

وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}، أي: إذ جاء الأحزاب وتحزبوا وتجمعوا وأحاطوا بالمدينة.

وفي هذا الحديث: أن هذه الآيات نزلت في غزوة الأحزاب، وتسمى- أيضًا- غزوة الخندق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حفر خندقًا حول المدينة بمشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقد كان معروفًا في فارس، فلما جاء الأحزاب وأحاطوا بالمسلمين أشار سلمان رضي الله عنه بأن يُحفر خندق حول المدينة، وأن يجعل حرس في المداخل، فلما جاءت الأحزاب ليدخلوا المدينة وجدوا المدينة كلها محاطة بحَفْرٍ ما كانت لتستطيع عبوره ومجاوزته مباشرة، فتسقط فيه الخيل والإبل، فقال بعضهم: هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها.

[3021]

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا

} الْآيَةَ، قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَتَطُولُ صُحْبَتُهَا، فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا، فَتَقُولُ: لَا تُطَلِّقْنِي، وَأَمْسِكْنِي، وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنِّي، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ.

[خ: 2450]

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ عز وجل:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} قَالَتْ: نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَسْتَكْثِرَ مِنْهَا، وَتَكُونُ لَهَا صُحْبَةٌ وَوَلَدٌ، فَتَكْرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي.

في هذا الحديث: أن المرأة تكون عند رجل، ويريد أن يطلقها، ويكون لها أولاد وهي لا تريد أن تُطلَّق، فتقول له: أنا أُسقط بعض حقي وتبقيني، فَتُسْقِط بعض حقها؛ كليلتها مثلًا، أو بعض النفقة.

ومن هذا الباب: أن سودة بنت زمعة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم لما كبر سنها

ص: 495

وخشيت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله، أتبقيني عندك، وأهب ليلتي لعائشة؟ فبقيت عند النبي صلى الله عليه وسلم، وصار يقصد عائشة رضي الله عنها ليلتين

(1)

.

ومن هذا القبيل: زواج المسيار الآن، كأن يتفق معها أن تسقط بعض حقها، كأن تسقط ليلة من حقها، أو تكتفي منه بأن يأتيها ليلة في الأسبوع، فالحق لها، وإذا أرادت أن ترجع فيما بعد فلها أن ترجع، فإن أعطاها حقها وإلا تطلب الطلاق.

[3022]

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي، أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَبُّوهُمْ.

وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.

في هذا الحديث: أن هؤلاء المقصودين هم الخوارج والشيعة، فالخوارج سبُّوا عليًّا رضي الله عنه وأصحابه، والشيعة الرافضة سبُّوا الصحابة رضي الله عنهم وكفَّروهم.

وقولها: ((أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)، أي: في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} ، فهذا أمر الله تعالى لمن أتى بعد الصحابة رضي الله عنهم أن يستغفروا للمهاجرين والأنصار بعد أن قال الله تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} ، ثم قال:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} .

(1)

أخرجه البخاري (2593)، ومسلم (1463).

ص: 496

وقد سُمي الخوارج الذين سَبُّوا عليًّا وأصحابه بالنواصب؛ لأنهم نصبوا العداوة لأهل البيت.

[3023]

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} ، فَرَحَلْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ آخِرَ مَا أُنْزِلَ، ثُمَّ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ.

[خ: 4590]

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ: نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا أُنْزِلَ، وَفِي حَدِيثِ النَّضْرِ: إِنَّهَا لَمِنْ آخِرِ مَا أُنْزِلَتْ.

في هذا الحديث: أن سعيد بن جبير رحمه الله رحل إلى ابن عباس رضي الله عنهما ليسأله عن هذه الآية لمَّا اختلف أهل الكوفة في تفسيرها، وهذا أصل في الرحلة في طلب العلم.

وفيه: أن العلماء ما زالوا يرحلون في طلب العلم؛ وذلك لأن العلم هو الذي يضبط للإنسان العمل، فليس هناك عمل صحيح إلا بالعلم، فالعلم هو وسيلة العمل، والعلم هو طريق السعادة والنجاة، وما زال العلماء يرحلون في طلبه؛ ولهذا قال العلماء: الرحلة في طلب العلم سُنَّة.

وقد رحل الصحابة رضي الله عنهم في طلب العلم، ففي المسند: أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما رحل مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس رضي الله عنه من المدينة إلى الشام في طلب حديث واحد، واشترى بعيرًا خصَّصه لهذه المهمة، فلما وصل إليه، وسلم عليه قال: ((حَدِيثًا بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ

ص: 497

اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقِصَاصِ، فَخَشِيتُ أَنْ تَمُوتَ، أَوْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ))

(1)

، وهذا يدل على عناية العلماء بذلك؛ ولهذا لما ساق الإمام مسلم رحمه الله الأحاديث، وتذكَّر المشقة والتعب الذي حصل له في جمعه لطرق الحديث روى الأثر القائل:((لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ))

(2)

؛ ليبين لطالب العلم أن العلم لا يُنال إلا بالمشقة، ولا تجد عالمًا من العلماء، أو طالبَ علم حصَّل العلم براحة الجسم، بل بالسهر والتعب، والتضحية بالملذات والشهوات.

وفيه: أن مقصود ابن عباس رضي الله عنهما من قوله: ((لَقَدْ أُنْزِلَتْ آخِرَ مَا أُنْزِلَ، ثُمَّ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ)): أن القاتل لا توبة له، وأنها آخر ما نزل، وهذا هو المشهور عن ابن عباس رضي الله عنه.

وفيه: أنها نزلت بعد آية الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} .

والصواب الذي عليه جماهير الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من العلماء: أن القاتل له توبة إذا لم يستحِلَّ القتل، وكذلك المشرك إذا تاب التوبةَ النصوح قبل الموت بشروطها فله توبة

(3)

؛ لعموم قول الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم} ، وقد أجمع العلماء على أنها نزلت في التائبين.

والكل يؤخذ من قوله ويُرَدُّ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن اختلف أهل العلم من الصحابة وغيرهم وجب عرض أقوالهم على الكتاب والسنة، أما إذا قال الصحابي قولًا، وليس في المسألة دليل ولا نص ولم يخالفه صحابيٌّ آخر،

(1)

أخرجه أحمد (16042).

(2)

أخرجه مسلم (612).

(3)

حاشية الدر المختار، لابن عابدين (6/ 529)، مغني المحتاج، للخطيب الشربيني (5/ 211)، المغني، لابن قدامة (8/ 259).

ص: 498

فإنه يكون حجةً على الصحيح، فإن خالفه قول صحابي آخر يُرجع إلى النصوص والقواعد الشرعية.

وأما قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فهذه لغير التائبين؛ لأن الله تعالى خص الشرك بأنه لا يُغفر، وعلَّق ما دونه على المشيئة.

والقاتل داخل في عموم قوله تعالى: {إن الله غفور رحيم} فمن تاب تاب الله عليه.

لكن يُشترط لتوبة القاتل أداءُ ثلاثة حقوق: حق الله، وحق القتيل، وحق أولياء القتيل، فإذا أدى الحقوق الثلاثة صحت التوبة.

أما حق أولياء القتيل: فأن يسلم نفسه إليهم ليصطلح معهم، إما أن يقتلوه قصاصًا، وإما أن يدفع لهم الدية، أو أكثر منها، وإما أن يعفوا عنه دون دية، أو قود، فإذا سلَّم نفسه إليهم سقط حقهم.

وحق الله تعالى أن يتوب توبة نصوحًا، بأن يُقلع، ويندم، ويعزم عزمًا جازمًا على ألا يعود إليه، فإذا فعل سقط حق الله.

وأما حق القتيل: فإن الله تعالى يرضيه يوم القيامة بما يعطيه من الثواب والأجر العظيم فيعفو عنه.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا- رواية أخرى توافق رأي الجمهور، وهي: أن القاتل له توبة

(1)

.

وليس معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما: أنه لا توبة له: أنه مخلد في النار كالمشرك، بل المعنى: أنه لا يُعفى عنه، لكن يعذب بقدر جريمة القتل، ثم في النهاية يدخل الجنة، هذا إذا رجحت سيئاته على حسناته، أما إذا رجحت الحسنات فإنه يسقط منها ما يقابل جريمة القتل، ولا يدخل النار،

(1)

أخرجه ابن جرير في التفسير (7/ 347).

ص: 499

بخلاف الكبائر الأخرى، فإن فاعلها تحت مشيئة الله، إما أن يعفو عنه دون استنقاص شيء من حسناته، وإما أن يعذبه.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ، وَعَنْ هَذِهِ الْآيَةِ:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ.

[خ: 4765]

حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ اللَّيْثِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ- يَعْنِي: شَيْبَانَ- عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَكَّةَ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إِلَى قَوْله: {مُهَانًا} ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَمَا يُغْنِي عَنَّا الْإِسْلَامُ، وَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ، وَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا

} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَقَلَهُ، ثُمَّ قَتَلَ فَلَا تَوْبَةَ لَهُ.

قوله: ((وَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ))، يعني: أشركنا، فالمشرك يعدل بالله تعالى غيره، كما قال تعالى:{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} .

وقد روي عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا تَوْبَةٌ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا النَّارُ، فَلَمَّا ذَهَبَ قَالَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ: مَا هَكَذَا كُنْتَ تُفْتِينَا، كُنْتَ تُفْتِينَا أَنَّ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا تَوْبَةٌ مَقْبُولَةٌ، فَمَا بَالُ الْيَوْمِ؟ قَالَ: إِنِّي أَحْسِبُهُ رَجُلٌ

ص: 500

مُغْضَبٌ، يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا، قَالَ: فَبَعَثُوا فِي أَثَرِهِ فَوَجَدُوهُ كَذَلِكَ))

(1)

.

وجُمِع بين فتواه رضي الله عنه بأن القاتل له توبة، وفتواه بأنه ليس له توبة بأن هذا الذي قال له: لا توبة للقاتل قالها لما رآه متهيئًا للقتل، فأراد أن يزجره، والثاني جاء نادمًا تائبًا عليه علامة التوبة والذل والانكسار، فقال له: إن للقاتل توبة؛ لئلَّا يقنطه من رحمة الله تعالى.

ولا شك أن القتل جريمة عظيمة من الجرائم البشعة، وهو من أعظم الذنوب، لكن الجرائم مهما بلغت من البشاعة والفحش فإن باب التوبة مفتوح.

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى- وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَتَلَوْتُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ

} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: هَذِهِ آيَةٌ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا} .

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ هَاشِمٍ: فَتَلَوْتُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ: {إِلا مَنْ تَابَ} .

في هذا الحديث: أن الراجح من أقوال أهل العلم في قوله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} : أنها عامة في أهل الشرك وفي غيرهم، وفي القاتل، وفي كل

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (27753).

ص: 501

معصية، فمن تاب توبة نصوحًا وأَتبع التوبةَ بالعمل الصالح بدَّل الله سيئاتِهِ حسناتٍ- وإن دخل فيها الشرك- فالآية عامة؛ للقاعدة: أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.

وهناك دليل خاص في أن القاتل له توبة؛ وهو حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا

(1)

.

وقد قال العلماء في معنى قوله تعالى: {فجزاؤه جهنم} : هذا جزاء القاتل إن جازاه، وإلا فهو تحت مشيئة الله.

[3024]

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْلَمُ- وَقَالَ هَارُونُ: تَدْرِي- آخِرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ جَمِيعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَالَ: صَدَقْتَ.

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ تَعْلَمُ أَيُّ سُورَةٍ- وَلَمْ يَقُلْ: آخِرَ- وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْسٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: آخِرَ سُورَةٍ، وَقَالَ: عَبْدِ الْمَجِيدِ، وَلَمْ يَقُلْ: ابْنِ سُهَيْلٍ.

في هذا الحديث: بيان أن هذه السورة نزلت في آخر ما أنزل من القرآن، وقد نزلت جملة واحدة في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها الإعلام بأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: ((كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ، فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} ،

(1)

أخرجه البخاري (3470)، ومسلم (2716).

ص: 502

فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ))

(1)

.

ومعنى آيات السورة: أنه إذا فُتحت مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فأكثر من الاستغفار والتسبيح، واستعِدَّ للقائنا؛ فإن مهمتك في الدنيا قد قضيت.

[3025]

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ- قَالَ: حَدَّثَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقِيَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا تِلْكَ الْغُنَيْمَةَ، فَنَزَلَتْ:(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) وَقَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: {السَّلَامَ} .

[خ: 4591]

في هذا الحديث: أن حفصًا والجمهور قرؤوا في هذه الآية: {السلام} ، وفي قراءة ثانية (السلم).

ومعنى قوله تعالى: {ألقى إليكم السلام} ، أي: قال: السلام عليكم.

وفيه: أنه يجب التثبت وعدم العجلة لمن أعلن إسلامه، فلا يجوز قتله، بل يمهَل المشركُ، ويُنظَر إذا قال: السلام عليكم، أو قال: أسلمتُ، أو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فإن قالها وجب الكفُّ عنه، وحُكم بإسلامه، ثم يُنظَر بعد ذلك هل يلتزم بأحكام الدين، أم لا، فإذا لم يلتزم قُتل بعد ذلك ردةً.

وفيه: أنهم أخذوا هذا الرجل وأخذوا غنيمته، فقال الله عز وجل معاتبًا لهم:{تبتغون عرض الحياة الدنيا} ، أي: تبتغون الغنيمة.

(1)

أخرجه البخاري (3627).

ص: 503

ثم قال الله تعالى: {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا} ، يعني: أنتم قبل ذلك كنتم مثله مشركين، فَمَنَّ الله عليكم بالإسلام، فتبينوا، يعني: فتثبتوا، وهي هكذا في قراءة:(فتثبتوا).

وفيه: أن هذا خطأ حدث منهم اجتهادًا، مثل ما حصل لخالد بن الوليد رضي الله عنه لما جاء إلى بني جذيمة، وجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، يريدون: أسلمنا، فجعل خالد يقتلهم، فشدد النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ورفع يده، وقال:((اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ- مَرَّتَيْنِ))

(1)

، وغرم ديتهم، ومع ذلك لم يعزله عن قيادة الجيش؛ لأنه فعل ذلك عن اجتهاد، لكن الله تعالى يؤدِّب عباده ويعاتبهم.

[3026]

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولَ: كَانَتْ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَرَجَعُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ إِلَّا مِنْ ظُهُورِهَا، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَدَخَلَ مِنْ بَابِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} .

[خ: 1803]

في هذا الحديث: أن سبب نزول هذه الآية: أن من الآصار التي كانت على الناس في الجاهلية: أنه إذا حج الواحد منهم، ثم أتى بيته لا يدخله من الباب، بل يتسلق الجدار، فأنزل الله هذه الآية؛ رفعًا للحرج والمشقة التي لحقتهم بهذه الآصار والأغلال الجاهلية.

(1)

أخرجه البخاري (4339).

ص: 504