الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ النَّهْيِ عَنِ المَدْحِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِفْرَاطٌ
،
وَخِيفَ مِنْهُ فِتْنَةٌ عَلَى الْمَمْدُوحِ
[3000]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَقَالَ: ((وَيْحَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ- مِرَارًا-، إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ كَذَا وَكَذَا)).
[خ: 2662]
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((وَيْحَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ)) - مِرَارًا يَقُولُ ذَلِكَ- ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا- إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ- وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا)).
وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. ح، وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا: فَقَالَ رَجُلٌ: مَا مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْهُ.
[3001]
حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ، وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ، فَقَالَ:((لَقَدْ أَهْلَكْتُمْ- أَوْ: قَطَعْتُمْ- ظَهْرَ الرَّجُلِ)).
[خ: 2663]
[3002]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ يُثْنِي عَلَى أَمِيرٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَقَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ، فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ- وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا- فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟ ! فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ)).
وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ. ح، وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ عَنِ المِقْدَادِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
في هذه الأحاديث: النهي عن المدح؛ لِمَا يفضي إليه من العُجب، والكبر، والتعاظم، والخيلاء، فإنه إذا مدح إنسان إنسانًا وأكثر من مدحه، فإنه قد يسبب له ضررًا كبيرًا؛ لهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المدح، وقال للمادح:((وَيْحَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ))، وفي رواية ثانية:((لَقَدْ أَهْلَكْتُمْ- أَوْ: قَطَعْتُمْ- ظَهْرَ الرَّجُل))، يعني: تسببتم في هلاكه في دينه؛ لأن المدح الكثير يفضي إلى العجب، والكبر.
ويُستثنى من هذا الشيءُ القليل الذي لا يؤثر، كما مدح النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصديقَ رضي الله عنه، ففي الحديث:((مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ))
(1)
، وكما قال- في استرخاء إزاره رضي الله عنه:((لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاءَ))
(2)
، وكما مدح عمرَ رضي الله عنه، فقال:((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ))
(3)
، وكما مدح عثمان رضي الله عنه، قال:((أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ؟ ! ))
(4)
.
وذكر النووي رحمه الله وجه الجمع بين هذه الأحاديث، فقال:((قال العلماء: وطريق الجمع بينها: أن النهي محمول على المجازفة في المدح، والزيادة في الأوصاف، أو على من يُخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح، وأما من لا يُخاف عليه ذلك؛ لكمال تقواه، ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة، بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير، والازدياد منه، أو الدوام عليه، أو الاقتداء به كان مستحبًّا، والله أعلم))
(5)
.
قلت: والذي يظهر لي: أن الشيء القليل هو الذي يستثنى، أما الكثير فلا ينبغي.
(1)
أخرجه البخاري (1897)، ومسلم (1027).
(2)
أخرجه البخاري (5784).
(3)
أخرجه البخاري (3294)، ومسلم (2396).
(4)
أخرجه مسلم (2401).
(5)
شرح مسلم، للنووي (18/ 126).
وقوله: ((فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ)): هذا الأمر ليس للوجوب، بل هو للاستحباب، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مدح أبا بكر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه لم يقل لواحد منهم: أحسبه والله حسيبه؛ فدل على أن هذا الأمر للاستحباب.
وقوله: ((قَامَ رَجُلٌ يُثْنِي عَلَى أَمِيرٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَقَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ)): هذا الحديث حمله بعضهم على ظاهره، وأنه يُحثَى على وجه المادح التراب.
وبعضهم: تأوله، بأن المعنى: خيِّبوهم، فلا تعطوهم شيئًا لمدحهم.
وقال بعضهم: إذا مُدحتم فاذكروا أنكم من تراب، فتواضعوا، ولا تعجبوا بأنفسكم، وهذا ضعيف.
والصواب: القول الأول؛ أنه على ظاهره، وأنه يُحثى في وجه المادح التراب، ولكن هذا الحَثْيَ ليس للوجوب، بل للاستحباب، والدليل على أنه للاستحباب: قوله صلى الله عليه وسلم: ((وَيْحَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ- مِرَارًا))، فقال: قطعت عنق الرجل، ولم يَحْث في وجهه الترابَ، فدل على أن حَثْيَ التراب في وجه المادح للاستحباب؛ لأن فيه اللوم والتوبيخ، ولكن هذا إذا لم يترتب عليه مفسدة، وهذا الأخير مأخوذ من نصوص أخرى، ومن قواعد الشريعة، أما إذا كان يترتب على هذا الفعل شر فلا يُحثَى على وجهه التراب، بل يُكتفَى بنصحه ووعظه.