الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ، وَتَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ
،
وَقَتْلِهِ الْمُؤْمِنَ وَإِحْيَائِهِ
[2938]
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَالْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ- وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ- وَالسِّيَاقُ لِعَبْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ- وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَالَ:((يَأْتِي وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ، فَيَنْتَهِي إِلَى بَعْضِ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ- أَوْ: مِنْ خَيْرِ النَّاسِ- فَيَقُولُ لَهُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، قَالَ: فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ- حِينَ يُحْيِيهِ-: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْآنَ، قَالَ: فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يُقَالُ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ عليه السلام).
[خ: 1882]
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ.
في هذا الحديث: ابتلاء الله سبحانه وتعالى للناس في آخر الزمان بالدجال.
وفيه: فضل مكة، والمدينة، وأن الله تعالى حرم على الدجال دخولهما.
وقوله: ((يَأْتِي وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ)): المراد بالتحريم هنا: التحريم القدري، لا الشرعي، ومثال التحريم القدري: قوله تعالى:
{وحرمنا عليه المراضع من قبل} يعني: أن موسى عليه السلام حرم الله عليه المراضع غير ثدي أمه تحريمًا قدريًّا، وكقوله سبحانه:{وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} .
ومثال التحريم الشرعي: قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما} ، وقوله تعالى:{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك} .
فتحريم دخول مكة والمدينة على الدجال من التحريم القدري، لكن الدجال يأتي إلى السباخ، فيخرج إليه كل منافق، كما في الحديث:((فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ))، وحينئذٍ تنفي المدينة خبثها، ولا يبقى فيها إلا الخالص.
وفيه: أنه يخرج إليه رجل من أفضل الناس، فيعلن أمام الناس بأنه كافر، ويكذبه، ويقول له:((أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ))، فيسلَّط عليه في المرة الأولى، فيقتله الدجال، ويقطعه قطعتين ويمشي بينهما، ((فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، قَالَ: فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ- حِينَ يُحْيِيهِ-: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْآنَ))، أنت الدجال اللعين، فيريد أن يقتله مرة أخرى، ((فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ))، وفي اللفظ الآخر:((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ الَّذِي فَعَلَ بِي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ))
(1)
، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ))، وهذا قد يحمل على أفضل الناس في زمانه، وإلا فالأنبياء أفضل، والصحابة أفضل الشهداء عند رب العالمين.
وقوله: ((قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ)): أبو إسحاق هذا هو إبراهيم بن سفيان راوي الصحيح عن مسلم، يقول:((يُقَالُ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ عليه السلام)، وقال هذا- أيضًا-: معمر بن راشد في جامعه
(2)
، وعلى ذلك يكون الخضر معمرًا
(1)
أخرجه أبو يعلى (1410)، وابن منده في الإيمان (1029).
(2)
الجامع، لمعمر بن راشد (20824).
إلى آخر الزمان.
وقال النووي- في شرحه-: ((وهذا تصريح منه بحياة الخضر عليه السلام، وهو الصحيح))
(1)
.
قلت: والصواب: أن الخضر مات منذ دهر طويل، ولا يمكن أن يكون الخضر؛ لأنه نبي على الصحيح، والجمهور على أنه عبد صالح.
وقال الجمهور: إنه لو كان حيًّا لجاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وفرح به واستبشر به، وآمن به، فكيف يكون نبيًّا، أو عبدًا صالحًا ويكون حيًّا ولا يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن به؟ فهذا لا يمكن.
ثم لو قُدِّر أنه موجود لمات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في آخر حياته، قال:((أَرَأَيْتُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ))
(2)
، فلو كان حيًّا لشمله هذا الحديث، ومات بعد مائة سنة.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قولان في الخضر
(3)
:
الأول: أنه مات.
والثاني: أنه حي.
(1)
شرح مسلم، للنووي (18/ 72).
(2)
أخرجه البخاري (564)، ومسلم (2537).
(3)
مجموع الفتاوى، لابن تيمية (4/ 337 - 339).
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ- مِنْ أَهْلِ مَرْوَ- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَخْرُجُ الدَّجَّالُ، فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَلْقَاهُ الْمَسَالِحُ- مَسَالِحُ الدَّجَّالِ- فَيَقُولُونَ لَهُ: أَيْنَ تَعْمِدُ؟ فَيَقُولُ: أَعْمِدُ إِلَى هَذَا الَّذِي خَرَجَ، قَالَ: فَيَقُولُونَ لَهُ: أَوَمَا تُؤْمِنُ بِرَبِّنَا؟ ! فَيَقُولُ: مَا بِرَبِّنَا خَفَاءٌ، فَيَقُولُونَ: اقْتُلُوهُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ؟ ! قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ، فَيَقُولُ: خُذُوهُ وَشُجُّوهُ فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْبًا، قَالَ: فَيَقُولُ: أَوَمَا تُؤْمِنُ بِي؟ قَالَ: فَيَقُولُ: أَنْتَ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ، قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ، فَيُؤْشَرُ بِالْمِئْشَارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُمْ، فَيَسْتَوِي قَائِمًا، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِي؟ فَيَقُولُ: مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ بَعْدِي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيُجْعَلَ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ نُحَاسًا، فَلَا يَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ
سَبِيلًا، قَالَ: فَيَأْخُذُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَيَقْذِفُ بِهِ، فَيَحْسِبُ النَّاسُ أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ))، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).
قوله: ((فَتَلْقَاهُ الْمَسَالِحُ مَسَالِحُ الدَّجَّالِ)): المسالح أي: الرجال المسلحون، كأنهم موظفو الشرطة والحرس، يمسكونه في الطريق قبل أن يصل إليه.
وقوله: ((فَيَقُولُونَ لَهُ: أَوَمَا تُؤْمِنُ بِرَبِّنَا؟ ))، يعني: أوَمَا تؤمن بالدجال- يعني: هو ربهم.
وقوله: ((فَيَقُولُونَ: اقْتُلُوهُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ؟ )): هذا يدل على ضعف عقولهم، كيف يكون ربًّا، والناس يتصرفون من دون أمره ودون إرادته؟ ! والمراد: أنهم أرادوا أن يقتلوه قبل أن يصل إلى الدجال، ((فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ؟ ! )).
وقوله: ((فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ))، أي: يمد على ظهره، ثم يضرب ضربًا شديدًا.
وفي هذا الحديث: تفسير كيفية القطع، وأنه بالمنشار، يقطعه نصفين من مفرق رأسه، والله تعالى يسهل عليه هذا، فلا يضره شيء.