المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في حديث الإفك، وقبول توبة القاذف - توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم - جـ ٨

[عبد العزيز بن عبد الله الراجحي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الرِّقَاقِ

- ‌بَاب أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْفُقَرَاءُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ النِّسَاءُ

- ‌بَابُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْغَارِ الثَّلَاثَةِ، وَالتَّوَسُّلِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ

- ‌كِتَابُ التَّوْبَةِ

- ‌بَابٌ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّوْبَةِ، وَالْفَرَحِ بِهَا

- ‌بَابُ سُقُوطِ الذُّنُوبِ بِالِاسْتِغْفَارِ تَوْبَةً

- ‌بَابُ فَضْلِ دَوَامِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَالْمُرَاقَبَةِ، وَجَوَازِ تَرْكِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَالِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا

- ‌بَابٌ فِي سِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهَا سَبَقَتْ غَضَبَهُ

- ‌بَابُ قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَإِنْ تَكَرَّرَتِ الذُّنُوبُ وَالتَّوْبَةُ

- ‌بَابُ غَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ

- ‌بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}

- ‌بَابُ قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَثُرَ قَتْلُهُ

- ‌بَابُ حَدِيثِ تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ، وَقَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ

- ‌بَاب بَرَاءَةِ حَرَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الرِّيبَةِ

- ‌كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ

- ‌كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ

- ‌بَابُ ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ، وَخَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌بَابٌ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَصِفَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌بَابُ نُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ

- ‌بَابُ سُؤَالِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرُّوحِ

- ‌بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}

- ‌بَابُ قَوْلِهِ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَأَىهُ اسْتَغْنَى}

- ‌بَابُ الدُّخَانِ

- ‌بَابُ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ

- ‌بَابُ لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى مِنَ اللَّهِ عز وجل

- ‌بَابُ طَلَبِ الْكَافِرِ الْفِدَاءَ بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا

- ‌بَابُ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ

- ‌بَابُ صَبْغِ أَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي النَّارِ، وَصَبْغِ أَشَدِّهِمْ بُؤْسًا فِي الْجَنَّةِ

- ‌بَابُ جَزَاءِ الْمُؤْمِنِ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

- ‌بَابُ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالزَّرْعِ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَشَجَرِ الْأَرْزِ

- ‌بَابُ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ

- ‌بَابُ تَحْرِيشِ الشَّيْطَانِ، وَبَعْثِهِ سَرَايَاهُ لِفِتْنَةِ النَّاسِ

- ‌بَابُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ بَلْ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى

- ‌بَابُ إِكْثَارِ الْأَعْمَالِ، وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ

- ‌بَابُ الِاقْتِصَادِ فِي الْمَوْعِظَةِ

- ‌كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا

- ‌بَاب إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا

- ‌بَابُ إِحْلَالِ الرِّضْوَانِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَا يَسْخَطُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا

- ‌بَابُ تَرَائِي أَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَ الْغُرَفِ كَمَا يُرَى الْكَوْكَبُ فِي السَّمَاءِ

- ‌بَابُ فِيمَنْ يَوَدُّ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ

- ‌بَابٌ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ، وَمَا يَنَالُونَ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ وَالْجَمَالِ

- ‌بَابٌ أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ

- ‌بَابٌ فِي صِفَاتِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا، وَتَسْبِيحِهِمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا

- ‌بَابٌ فِي دَوَامِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وقَوْلِه تَعَالَى:

- ‌بَابٌ فِي صِفَةِ خِيَامِ الْجَنَّةِ وَمَا لِلْمُؤْمِنِينَ فِيهَا مِنَ الْأَهْلِينَ

- ‌بَابٌ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ

- ‌بَابٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ

- ‌بَابٌ فِي شِدَّةِ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ، وَبُعْدِ قَعْرِهَا، وَمَا تَأْخُذُ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ

- ‌بَابٌ النَّارُ يَدْخُلُهَا الْجَبَّارُونَ، وَالْجَنَّةُ يَدْخُلُهَا الضُّعَفَاءُ

- ‌بَابُ فَنَاءِ الدُّنْيَا، وَبَيَانِ الْحَشْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌بَابٌ فِي صِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَعَانَنَا اللَّهُ عَلَى أَهْوَالِهَا

- ‌بَابُ الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ

- ‌بَابُ عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ مِنَ الْجَنَّةِ، أَوِ النَّارِ عَلَيْهِ

- ‌بَابُ إِثْبَاتِ الْحِسَابِ

- ‌بَابُ الْأَمْرِ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْمَوْتِ

- ‌كِتَابُ الْفِتَنِ، وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ اقْتِرَابِ الْفِتَنِ، وَفَتْحِ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ

- ‌بَابُ الْخَسْفِ بِالْجَيْشِ الَّذِي يَؤُمُّ الْبَيْتَ

- ‌بَابُ نُزُولِ الْفِتَنِ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ

- ‌بَابُ إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا

- ‌بَابُ هَلَاكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ

- ‌بَابُ إِخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ

- ‌بَابٌ فِي الْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ

- ‌بَابٌ فِي فَتْحِ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ

- ‌بَابُ تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ

- ‌بَابُ إِقْبَالِ الرُّومِ فِي كَثْرَةِ الْقَتْلِ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ

- ‌بَابُ مَا يَكُونُ مِنْ فُتُوحَاتِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الدَّجَّالِ

- ‌بَابٌ فِي الْآيَاتِ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ

- ‌بَابُ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَعِمَارَتِهَا قَبْلَ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ الْفِتْنَةُ مِنَ الْمَشْرِقِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعْبُدَ دَوْسٌ ذَا الْخَلَصَةِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ ابْنِ صَيَّادٍ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّجَّالِ وَصِفَتِهِ وَمَا مَعَهُ

- ‌بَابُ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ، وَتَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدَّجَّالِ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ عز وجل

- ‌بَابٌ فِي خُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَمُكْثِهِ فِي الْأَرْضِ، وَنُزُولِ عِيسَى، وَقَتْلِهِ إِيَّاهُ، وَذَهَابِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْإِيمَانِ، وَبَقَاءِ شِرَارِ النَّاسِ، وَعِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ، وَالنَّفْخِ فِي الصُّورِ، وَبَعْثِ مَنْ فِي الْقُبُورِ

- ‌بَابُ قِصَّةِ الْجَسَّاسَةِ

- ‌بَابٌ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِي الْهَرْجِ

- ‌بَابُ قُرْبِ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ

- ‌كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ

- ‌بَاب لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ

- ‌بَابُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ

- ‌بَابُ فَضْلِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ

- ‌بَابُ الصَّدَقَةِ فِي الْمَسَاكِينِ

- ‌بَابُ مَنْ أَشْرَكَ فِي عَمَلِهِ غَيْرَ اللَّهِ

- ‌بَابُ التَّكَلُّمِ بِالْكَلِمَةِ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ

- ‌بَابُ عُقُوبَةِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَفْعَلُهُ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَيَفْعَلُهُ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ هَتْكِ الْإِنْسَانِ سِتْرَ نَفْسِهِ

- ‌بَابُ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَكَرَاهَةِ التَّثَاؤُبِ

- ‌بَابٌ فِي أَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ

- ‌بَابٌ فِي الْفَأْرِ، وَأَنَّهُ مَسْخٌ

- ‌بَابُ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ

- ‌بَابٌ الْمُؤْمِنُ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ المَدْحِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِفْرَاطٌ

- ‌بَابُ مُنَاوَلَةِ الْأَكْبَرِ

- ‌بَابُ التَّثَبُّتِ فِي الْحَدِيثِ، وَحُكْمِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ، وَالسَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَالْغُلَامِ

- ‌بَابُ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَقِصَّةِ أَبِي الْيَسَرِ

- ‌بَابٌ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ، وَيُقَالُ لَهُ: حَدِيثُ الرَّحْلِ

- ‌كِتَاب التَّفْسِيرِ

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}

- ‌بَاب فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ، وَالْأَنْفَالِ، وَالْحَشْرِ

- ‌بَابٌ فِي نُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ

- ‌بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}

الفصل: ‌باب في حديث الإفك، وقبول توبة القاذف

‌بَابٌ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ، وَقَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ

[2770]

حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَالسِّيَاقُ حَدِيثُ مَعْمَرٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدٍ وَابْنِ رَافِعٍ، قَالَ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ جَمِيعًا: عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ- زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، ذَكَرُوا أَنَّ عَائِشَةَ- زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ مَسِيرَنَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوِهِ،

وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ مِنْ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي، فَحَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِيَ الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، قَالَتْ: وَكَانَتِ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبَّلْنَ، وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ ثِقَلَ

ص: 75

الْهَوْدَجِ حِينَ رَحَلُوهُ وَرَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ، وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونِي، فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ عَلَيَّ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا،

فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي: أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ:((كَيْفَ تِيكُمْ))، فَذَاكَ يَرِيبُنِي، وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ مَا نَقَهْتُ، وَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا، وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ- خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَبِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ! أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ

ص: 76

شَهِدَ بَدْرًا؟ ! قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ، أَوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ !

قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ قَالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ:((كَيْفَ تِيكُمْ))، قُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ قَالَتْ: وَأَنَا- حِينَئِذٍ- أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ، مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ ! فَقَالَتْ يَا بُنَيَّةُ: هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ ! قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، حَتَّى أَصْبَحْتُ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُمْ أَهْلُكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ، فَقَالَ: ((أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ

عَائِشَةَ؟ ))، قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ-: ((يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي))، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ

ص: 77

ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا، فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ- وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ- فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ- وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ- فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ؛ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ

حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ: وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبِلَةَ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي، وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: ((أَمَّا بَعْدُ؛ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي، حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ- وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ-: إِنِّي- وَاللَّهِ- لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ

سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ- وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ- لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ- وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي

ص: 78

بَرِيئَةٌ- لَتُصَدِّقُونَنِي، وَإِنِّي- وَاللَّهِ- مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ، قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ، فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا- وَاللَّهِ- حِينَئِذٍ- أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ- وَاللَّهِ- مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عز وجل فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ:((أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ))، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا

اللَّهَ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} عَشْرَ آيَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ بَرَاءَتِي، قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ- وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ-: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} إِلَى قَوْلِهِ: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} ، قَالَ حِبَّانُ بْنُ مُوسَى: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ- زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْرِي: ((مَا عَلِمْتِ أَوْ مَا رَأَيْتِ؟ )) فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ

ص: 79

تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ، وقَالَ فِي حَدِيثِ يُونُسَ: احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ.

[خ: 4141]

قوله: ((أَهْلُ الْإِفْكِ)): الإفك: هو أسوأ الكذب، وهو ما حصل هنا، وهو رمي الصِّدِّيقة رضي الله عنها بالفاحشة.

وفي هذا الحديث: مشروعية القرعة فالنبي صلى الله عليه وسلم لما خرج أقرع بين نسائه، وأن القرعة مشروعة بين الأشياء المتساوية؛ كالقسم بين الزوجات، وهو مذهب الجماهير

(1)

وقال أبو حنيفة القرعة باطلة، كما بينه النووي، ((قال أبو عبيد: عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء: يونس عليه الصلاة والسلام، وذلك قوله تعالى:{فساهم فكان من المدحضين} ، وزكريا، وذلك قوله تعالى:{وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} ، فألقوا أقلامهم في الماء، ومحمدٌ عليه الصلاة والسلام حين أقرع بين نسائه))

(2)

.

وفيه: مشروعية القرعة لمن خرج لسفر وله عدد من النساء وأراد أن يخرج بواحدة منهن، ولا يقضي للأخريات بعد ذلك، إلا إذا سمحن لواحدة منهن بدون قرعة فلا بأس.

وفيه: مشروعية الحجاب، وأنه إنما يكون سترًا للمرأة تستر جميع جسدها ووجهها؛ ولذلك كانت عائشة متسترة تُحمل في هودج مخصص للنساء.

(1)

الشرح الكبير، للدردير (2/ 341)، المجموع، للنووي (16/ 9 - 12)، مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح (2/ 103 - 105).

(2)

شرح مسلم، للنووي (11/ 140).

ص: 80

وفيه: أنه لا بأس بالحلي للمرأة، ولو في الأسفار، إذا كانت تستتر عن الأجانب.

وفيه: أن المال لا ينبغي تضييعه، بل ينبغي العناية به، وطلب الضائع منه؛ ولهذا فإن عائشة رضي الله عنها لما أرادت أن تَركب لمست صدرها فوجدت أن عقدها قد انقطع فذهبت تبتغيه، وهذا هو السبب في تأخرها عن الجيش.

وفيه: العناية بالنساء والمحارم، فالنبي صلى الله عليه وسلم ومعه رهط كانوا يحملون الهودج يرفعونه وينزلونه، فلما رفعوا الهودج لم يعلموا أنها ليست فيه؛ لأنها كانت خفيفة اللحم، كما قالت عائشة رضي الله عنها:((إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلالِ، ثُمَّ الهِلالِ، ثَلاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ))

(1)

قولها: ((عِقْدِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ)): هو نوع خرز يأتي من اليمن، وظفار بلدة في اليمن، ففيه: أنه لا بأس بلباس ما يأتي من بلاد الكفار؛ لأن اليمن لم تكن قد فتحت بعد، كما لبس النبي صلى الله عليه وسلم جبة شامية وهي آنذاك بلاد كفار

(2)

.

قولها: ((فتيممتُ منزلي الذي كنتُ فيه، وظننتُ أن القوم سيفقدوني فيرجعون إليَّ)): تيممت، يعني: قصدت المكان.

وقولها: ((فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمتُ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرَّسَ مِن وراءِ الجيشِ))، والتعريس: هو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة.

وقولها: ((فادلج فأصبح عند منزلي)): الأدِّلاج: السير آخر الليل.

وقولها: ((فَرَأَى سَوَادَ إنسانٍ نائمٍ، فأتاني فعرفني حينَ رآني))، يعني: رأى خيالَ إنسان من بعيد.

وقولها: ((وقد كان يراني قبلَ أن يُضرَبَ الحجابُ عليَّ فاستيقظتُ باسترجاعه

(1)

أخرجه البخاري (2567)، ومسلم (2972).

(2)

أخرجه البخاري (363)، ومسلم (274).

ص: 81

حين عرفني فخمرتُ وجهي بجلبابي)): هذا صريح في وجوب ستر وجه المرأة بعد الحجاب، قالت: فاستيقظتُ باسترجاع صفوان، فلما رآها عرفها فجعل يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا هو الاسترجاع، يعني: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل لهم هذا! قالت: فاستيقظتُ فخمرتُ وجهي بجلبابي.

فأين دعاة السفور من هذا الحديث الصحيح الصريح الذي رواه الشيخان مسلم والبخاري؟ فهم يتعلقون بالنصوص المجملة المشتبهة، ويتركون الصريحة الواضحة، فيسدلون مثلًا بحديث الخثعمية في الحج أنها جعلت تنظر إلى الفضل، والفضل ينظر إليها، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه.

والجواب: أن هذا لا يلزم منه أن تكون كاشفة، وقال أهل العلم: إن الحديث المشتبه يرد إلى الحديث الواضح، وقد فُسر بأنه كان ينظر إلى قدها وطولها، أو أنها كُشف شيء منها.

وقولها: ((فوالله ما يكلمني كلمةً، وما سمعتُ منه كلمةً غير استرجاعِهِ، حتى أناخَ راحلته فوطئ على يدِها، فركبتُها فانطلقَ بالراحلةِ))، يعني: ما كلمها ولا كلمته، قال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ثم أناخ الراحلة ووطئ يدها فركبت، وجعل يقودها، يمشي، وهي راكبة على البعير، حتى وصلا المدينة، وكان هذا في الضحى.

مسألة: هل هذا يؤخذ منه عدم جواز سلام الرجل على المرأة الشابة؟

والجواب: نعم، إذا كان يخشى الفتنة، لا سيما إذا كانت وحدها؛ لأن السلام قد يتبعه الكلام، وإلا فإن أم هانئ رضي الله عنها سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

، والنبي صلى الله عليه وسلم ألوى إلى عصبة نساء بالسلام

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري (357)، ومسلم (336).

(2)

أخرجه أحمد (27589)، والترمذي (2697).

ص: 82

وأما إذا لم يخش فتنة فلا حرج، كامرأة كبيرة، أو اتصلت امرأة بالهاتف فسلمت وردَّ السلام بدون ريبة.

وقولها: ((فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغِرين في نحرِ الظهيرةِ، فهلك مَن هلك في شأني))، تعني بالذي هلك: عبد الله بن أبي بن سلول، وهو منسوب إلى أمه سلول، ومن معه.

قولها: ((وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ)): هذا صريح أن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي بن سلول، وسيأتي في آخر الحديث أنها تقول: تولى كبره عبد الله بن أبي، وحمنة بنت جحش.

وقولها: ((فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ))، يعني: مرضت شهرًا والناس يفيضون، يعني: يتحدثون حديث الإفك الذي قاله عبد الله بن أبي، ويقولون: عائشة جاءت مع صفوان بن المعطل، والله ما سلم منها، وما سلمت منه. قبح الله ابن أُبي!

وسيأتي أن صفوان رضي الله عنه لم يكشف كنف أنثى- يعني: لم يتزوج ولم يُجامع- ثم قُتِلَ شهيدًا في سبيل الله

(1)

.

وقولها: ((وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وهو يَرِيبُني في وجعِي أني لا أعرفُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطفَ الذي كنتُ أرى منه حينَ أشتكي))، يعني: أنها استنكرت من النبي صلى الله عليه وسلم اللطفَ الذي كانت تجده إذا مرضتْ، وهذا الذي شككها، لماذا تغيرت معاملة النبي صلى الله عليه وسلم معها؟

وقولها: ((إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ فذاك يريبني)): تيكم: اسم إشارة للأنثى.

وقولها: ((ولا أشعرُ بالشرِّ))، أي: ما تشعر بالشر الذي تكلم به أهل الإفك، وما عرفتْ بشيء من ذلك.

(1)

أخرجه البخاري (4141)، ومسلم (2770).

ص: 83

وقولها: ((حتى خرجتُ بعد ما نقهتُ))، يعني: شفيت من مرضها، إلا أنها لم تتكامل صحتها، فلما علمت بالخبر رجع المرض عليها مرة أخرى؛ لأنها مظلومة.

وقولها: ((وخرجت معي أمُّ مسطح قِبَلَ المناصِعِ، وهو متبَرَّزُنا، ولا نخرجُ إلا ليلًا إِلَى لَيْلٍ)): المناصع: صحراء واسعة، وكانت المدينة ليست واسعة، ويكون أمام البيوت متسع تخرج النساء لتقضي حاجتها فيه، وكانت النساء لا تخرج إلا من الليل مرة واحدة؛ لأن الأكل كان قليلًا أصلًا.

وقولها: ((وذلك قبل أن نتخذ الكُنُفَ قريبًا من بيوتنا وأمرُنَا أمرُ العرب الأول في التنزه، كنا نتأذى بالكُنُفِ أنْ نتخِذَهَا عندَ بيوتِنَا))، الكنف هو محل قضاء الحاجة، كانوا على عادة العرب في التنزه يكرهون جعلها قريبة من البيوت؛ لما لها من الرائحة، فكانوا يتأذون بها-والتنزه: طلب النزاهة والطهارة والرائحة الطيبة على عادة العرب-، ثم بعد ذلك اتخذوا الكُنُفَ لما اتسعت المدينة وكثر الناس؛ ولهذا قال أبو أيوب رضي الله عنه:((فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى))

(1)

، يعني: في البيوت.

وقولها: ((فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ- خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَبِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ، فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ! أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟ ! قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ، أَوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ ! قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ )): مسطح بن أثاثة هو: ابن خالة أبي بكر الصديق، وتعس، يعني: هلك، أو انتكس، دعاء عليه، وكان ممن شهد بدرًا وكان فقيرًا، وكان أبو بكر ينفق

(1)

أخرجه البخاري (394)، ومسلم (264).

ص: 84

عليه لفقره وقرابته، وقد تكلم في الإفك، فحلف أبو بكر رضي الله عنه أن يقطع عنه النفقة، ثم لما أنزل الله الآية أعادها إليه مرة أخرى.

والذين تكلموا بالإفك من الصحابة جُلدوا وطهَّرهم الله بالحد، جلد كل واحد ثمانين جلدة.

وأي هنتاه، يعني: يا هذه، أي: حرف نداء، وهنتاه: خطاب للمرأة.

وفيه: دليل على أن أهل بدر قد يقع الواحد منهم في المعاصي، فليسوا بمعصومين من الذنوب، ولكن إذا وقع أحدهم في معصية كبيرة فإن الله تعالى يهيئه لما يكون سببًا في مغفرة الذنب، إما بالتوبة وإما بأن يقام عليه الحد، أو غير ذلك، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية في بيان عقيدة الفرقة الناجية:((لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ، بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَة، وَلَهُمْ مِنَ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ إِنْ صَدَرَ، حَتَّى إِنَّهُ يُغْفَرُ لَهُمْ مِنَ السَّيِّئَاتِ مَا لَا يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ، لِأَنَّ لَهُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ. ثُمَّ إِذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ عَنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ أَوْ أَتَى بِحَسَنَاتِ تَمْحُوهُ، أَوْ غُفِرَ لَهُ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ. أَوْ ابْتُلِيَ بِبَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا كُفِّرَ بِهِ عَنْهُ))

(1)

.

كما وقع لحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه حيث وقع في كبيرة، حيث كتب للمشركين يخبرهم بحال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ممن شهد بدرًا حتى استأذن عمر رضي الله عنه في قتله، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ))

(2)

.

(1)

العقيدة الواسطية، لابن تيمية (ص 121).

(2)

أخرجه البخاري (3007)، ومسلم (2494).

ص: 85

والله تعالى عاتب حاطبًا، وأنزل فيه صدر سورة الممتحنة:{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} .

وقولها: ((قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ قَالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ قُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ قَالَتْ: وَأَنَا- حِينَئِذٍ- أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا)): فيه: دليل على أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، ولو لأبويها، فإنْ أَذِنَ لها زوجُها، وإلا بقيتْ.

وقولها: ((فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ، مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ ! فَقَالَتْ يَا بُنَيَّةُ: هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ ! )): وضيئة، يعني: جميلة، والضرائر: جمع ضرة، وهي الزوجة الثانية والثالثة، سميت ضرة لأنَّ كل زوجة تتضرر بالأخرى؛ لأنها تشاركها في زوجها.

واتهام الضرائر هنا عام، ولم تقصد به أزواجَ النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه: مشروعية التسبيح عند التعجب والتكبير، لا كما يفعل بعض الناس من التصفيق.

وقولها: ((وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُمْ أَهْلُكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا)): فيه: مشروعية استشارة الرئيس أصحابه وأتباعه وأخذ رأيهم، والله تعالى يقول:{وأمرهم شورى بينهم} ، {وشاورهم في الأمر} .

وقولها: ((وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ، فَقَالَ: أَيْ

ص: 86

بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ؟ ، قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ، فَتَأْكُلُهُ)): يَرِيبُكِ، يعني: يجعلك تشكين.

إنْ رأيتُ عليها أمرًا قطُّ: إن نافية، بمعنى: ما رأيت عليها شيئًا.

وأَغْمِصُهُ، يعني: أنتقده عليها، فليس عليها شيء أنتقده أو أعيبه، إلا أنها جارية صغيرة السن تعجن العجين ثم يغلبها النوم بسبب صغر سنها، فتأتي الداجن سواء كان من الدجاج، أو من الغنم فتأكل عجينها.

وقولها: ((فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ-: ((يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي))، يعني: إن قابلته بقبيح فعاله وعاقبته.

وقوله: ((فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي)): وهذا الرجل هو صفوان بن المعطل السلمي، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، يعني: هو ليس متهمًا، بل هو رجل صالح، ولا يدخل إلا معه، ثم إنه ثبت أنه لم يكشف كنف أنثى، كما مر، كأنه لا رغبة له في النساء.

وقولها: ((فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا، فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ- وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ- فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ- وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ- فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ؛ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ)): فيه: دليل على أن رمي الإنسان بالنفاق إذا كان بتأويل فليس

ص: 87

ممنوعًا، ولا إثم فيه، ولا يدخل فيه الوعيد، من مثل ما جاء في الحديث:((أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا))

(1)

.

والمنهي عنه إذا كان للهوى والتشفي، أما إذا كان بتأويل ففاعله معذور؛ ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أسيد بن حضير رضي الله عنه قوله:((لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ؛ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ))، ولم ينكر على عمر قوله في حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنهما:((يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ))

(2)

.

وقولها: ((وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبِلَةَ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ)): وذلك لأنها مظلومة رضي الله عنها.

وقولها: ((وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي))، أي: من كثرة البكاء يظن أبواها أنه يشقق كبدها، وتموت بسبب استمرارها فيه، وعدم تحملها؛ لأنها مظلومة ومريضة- أيضًا- فقد أفاقت من المرض وانتكست مرة أخرى.

وتأخُّر الوحي شهرًا كاملًا هو من الابتلاء والامتحان.

وفيه: دليل على أن الرجل الصالح والمرأة الصالحة قد يبتلى بمحنة عظيمة يكفر الله بها خطيئته، ويرفع درجاته، فهذه الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها امرأة صالحة، ومع ذلك ابتليت بهذه المحنة والبلية، حيث تكلم بها أهل الإفك، واتهموها بهذه التهمة العظيمة؛ ليعظم الله لها الأجر.

وفيه: دليل على أن العاقبة الحميدة تكون للمؤمنين.

وفيه: تصديق لقول الله تعالى: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} ، ولقوله تعالى:{وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا} .

وقد صارت العاقبة الحميدة للصديقة رضي الله عنها بعد ما أصابها من الشدة

(1)

أخرجه البخاري (6104)، ومسلم (60).

(2)

أخرجه البخاري (3007)، ومسلم (2584).

ص: 88

والمحنة والبكاء والتهمة لمدة شهر كامل، فأنزل الله فيها عشر آيات تتلى إلى يوم القيامة، وهذه مَنقَبة عظيمة.

ولهذا فمن رماها بما برأها الله به فهو كافر بإجماع المسلمين؛ لأنه مكذب لله، ومن كذب الله كفر.

وقولها: ((فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ؛ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ)): فيه: مشروعية التشهد، وقول: أما بعد، في الأمور التي يريد أن يتكلم بها الإنسان.

وفيه: أن من تاب من الذنب تاب الله عليه.

وفيه: دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب لعلم حال عائشة، وحال أهل الإفك وأنهم كاذبون.

وفيه: رد على مَن عبد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنه يعلم الغيب، وهناك طائفة في الهند يسمون (البريلوية) يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وهذا فيه الرد عليهم، فلو كان يعلم الغيب ما قال لعائشة:((وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ))، ومعناه: إن كان ما قاله أهل الإفك صحيحًا فتوبي إلى الله.

وقولها: ((فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي، حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ- وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ-: إِنِّي- وَاللَّهِ- لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ- وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ- لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ- وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ- لَتُصَدِّقُونَنِي، وَإِنِّي- وَاللَّهِ- مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا

ص: 89

تَصِفُونَ})): كانت عائشةُ جاريةً حديثةَ السِّنِّ، فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ثمانية عشر سنة، فكانت تقول هذا الكلام وهي صغيرة، ربما كانت ابنة اثنتي عشرة، أو ثلاث عشرة سنة، وهو كلامُ مَن عنده فهم عظيم وفقه كبير.

وقد نسيت اسم يعقوب، فقالت: كما يقول أبو يوسف: فصبر جميل، بسبب ما تحس به من الألم.

وقولها: ((ثُمَّ تَحَوَّلْتُ، فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا- وَاللَّهِ- حِينَئِذٍ- أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ- وَاللَّهِ- مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عز وجل فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى)):

فيه: دليل على أن القرآن كلام الله، وأن الله تكلم به بحرف وصوت، وأنه كلامه لفظًا ومعنًى.

وفيه: دليل على أن القرآن منزل غير مخلوق.

فيه: إثبات العلو، لأن التنزيل يكون من أعلى إلى أسفل.

وفيه: الرد على المعتزلة الذين يقولون: القرآن مخلوق.

وقولها: ((وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا)): فيه تواضع عائشة رضي الله عنها وإزرائه على نفسها، ومثل ذلك قولها لمن سألها عُقْبَةُ بْنُ صُهْبَانَ الْحَرَّانِيُّ، فقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: «أَمَّا السَّابِقُ فَمَنْ مَضَى فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشَهِدَ لَهُ بِالْحَيَاةِ وَالرِّزْقِ، وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ فَمَنِ اتَّبَعَ آثَارُهُمْ فَعَمِلَ بِأَعْمَالِهِمْ حَتَّى يَلْحَقَ بِهِمْ، وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَمِثْلِي وَمِثْلُكَ وَمَنِ اتَّبَعَنَا، وَكُلٌّ فِي الْجَنَّةِ»

(1)

(1)

أخرجه الحاكم (3593)، والطبراني في الأوسط (6094).

ص: 90

مع أنها من السابقين.

وقولها: ((فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ)): البرحاء: الشدة، والجمان: الدر، يعني: هذه شدة الوحي.

وفيه: دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أصابته شدة، وجعل جبينه يتحدر منه العرق في اليوم الشديد البرد.

وقولها: ((فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَضْحَكُ)): سُرِّيَ، يعني: انكشف عنه الوحي.

وقولها: ((فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ)): فيه: مشروعية تبشير المسلم بالخير وتهنئته، كما سبق في حديث كعب بن مالك، ومشروعية مشاركة المسلم أخاه في سروره.

وقولها: ((فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} عَشْرَ آيَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ بَرَاءَتِي، قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ- وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ-: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} إِلَى قَوْلِهِ: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}، قَالَ حِبَّانُ بْنُ مُوسَى: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)): فيه: دليل على أن من حلف على شيء لا يرضي الله فإنه لا يلج في يمينه، بل يكفر ويفعل الذي هو خير؛ ولهذا لما حلف أبو بكر ألا ينفق على مسطح وأنزل الله:{ألا تحبون أن يغفر الله لكم} كفر عن يمينه وأرجع النفقة إلى مسطح، وقد تواترت بهذا الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: ((وَإِنِّي وَاللَّهِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ

ص: 91

خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتُهَا))

(1)

.

وقولها: ((فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ- وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ-: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ- زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْرِي: مَا عَلِمْتِ أَوْ مَا رَأَيْتِ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ)): تساميني، يعني: تنافسني وتقاربني في الجمال، وفي الحظوة من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عصم الله زينب من الوقوع في الإفك بورعها.

وقولها: ((وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ))، يعني: تتعصب لها، فوقعت في الإفك حميةً وعصبيةً لأختها زينب، لكنها طهرت بالحد.

(1)

أخرجه البخاري (3133)، ومسلم (1649).

ص: 92

وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ، وَمَعْمَرٍ بِإِسْنَادِهِمَا، وَفِي حَدِيثِ فُلَيْحٍ: اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، كَمَا قَالَ مَعْمَرٌ، وَفِي حَدِيثِ صَالِحٍ: احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، كَقَوْلِ يُونُسَ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ صَالِحٍ: قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ، وَتَقُولُ: فَإِنَّهُ قَالَ:

فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي

لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

وَزَادَ- أَيْضًا-: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ، لَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ عَنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ، قَالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَفِي حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: مُوعِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مُوغِرِينَ، قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ: مَا قَوْلُهُ مُوغِرِينَ؟ قَالَ: الْوَغْرَةُ شِدَّةُ الْحَرِّ.

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ، وَمَا عَلِمْتُ بِهِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:((أَمَّا بَعْدُ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي، وَايْمُ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَلَا دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ، إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي))، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ، وَفِيهِ: وَلَقَدْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتِي، فَسَأَلَ جَارِيَتِي، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ، فَتَأْكُلَ عَجِينَهَا- أَوْ قَالَتْ: خَمِيرَهَا- شَكَّ هِشَامٌ، فَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ

ص: 93

صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ، وَقَدْ بَلَغَ الْأَمْرُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ عَنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِيهِ- أيضًا- مِنَ الزِّيَادَةِ: وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهِ: مِسْطَحٌ، وَحَمْنَةُ، وَحَسَّانُ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَهُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ

وَيَجْمَعُهُ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ، وَحَمْنَةُ.

[خ: 4757]

قوله: ((أَبَنُوا أَهْلِي))، أي: اتَّهموا أهلي.

وقوله: ((حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ))، أي: صرَّحوا لها بالأمر.

وقولها: ((وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهِ: مِسْطَحٌ، وَحَمْنَةُ، وَحَسَّانُ))، يعني: الذين تكلموا بالإفك هم هؤلاء الثلاثة من الصحابة، فجلدهم النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد منهم ثمانين جلدة، فكان الحد طهارة لهم، وهم قد تابوا، فجمعوا بين الطهارتين: الحد، والتوبة.

وقولها: ((وَأَمَّا الْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَهُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ، وَحَمْنَةُ)): يستوشيه: يجمعه بالسؤال ويستخرجه، ويشيعه ويفشيه، يقول: أقيل كذا وكذا؟ ثم يذيعه ويفشيه، ولا يثبت عليه شيء؛ ولهذا لم يُقَم عليه الحد، بخلاف حمنة وحسان رضي الله عنهم ومسطح فإنهم تكلموا وثبت عليهم، فأقيم عليهم الحد.

ص: 94